المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القول بالموجب - شرح مختصر الروضة - جـ ٣

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْإِجْمَاعُ

- ‌ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ

- ‌ اتِّفَاقُ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ

- ‌ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْوَاحِدِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

- ‌إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌أَقْسَامِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ إِجْمَاعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ

- ‌مُنْكِرُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ جَائِزٌ عَقْلًا لَا سَمْعًا

- ‌اسْتِصْحَابُ الْحَالِ

- ‌ أَنْوَاعِ مَدَارِكِ نَفْيِ الْحُكْمِ

- ‌الْأُصُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا

- ‌الثَّالِثُ: الِاسْتِحْسَانُ

- ‌الرَّابِعُ: الِاسْتِصْلَاحُ:

- ‌الْقِيَاسُ

- ‌ أَرْكَانُ الْقِيَاسِ

- ‌ الْفَرْعِ

- ‌تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ

- ‌ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ

- ‌ تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ

- ‌ حُجَجُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ

- ‌ الْعِلَّةَ

- ‌تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ»

- ‌ الْمُنَاسِبُ، وَالْمَنْشَأُ، وَالْحِكْمَةُ

- ‌قِيَاسُ الشَّبَهِ:

- ‌قِيَاسُ الدَّلَالَةِ:

- ‌ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ

- ‌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ

- ‌الْأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ

- ‌«الِاسْتِفْسَارُ»

- ‌ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمَنْعُ

- ‌ التَّقْسِيمُ:

- ‌ مَعْنَى التَّقْسِيمِ

- ‌ الْمُطَالَبَةُ:

- ‌ النَّقْضُ

- ‌الْكَسْرُ:

- ‌ الْقَلْبُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ

- ‌ عَدَمُ التَّأْثِيرِ

- ‌ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ

- ‌ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ

- ‌الِاجْتِهَادُ

- ‌مَا يُشْتَرَطُ لِلْمُجْتَهِدِ

- ‌ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ»

- ‌الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ

- ‌إِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ

- ‌التَّقْلِيدُ

- ‌الْقَوْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ دِلَالَةِ اللَّفْظِ وَالدِّلَالَةِ بِاللَّفْظِ

- ‌ التَّرْجِيحِ فِي الْأَدِلَّةِ

- ‌التَّرْجِيحُ اللَّفْظِيُّ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينَةِ

- ‌التَّرْجِيحُ الْقِيَاسِيُّ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِهِ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ

- ‌ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ

- ‌مِنَ التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّاوِي:

- ‌ تَرْجِيحِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَحَامِلِ الْأَثَرِ عَلَى بَعْضٍ:

- ‌ تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ عَلَى النُّصُوصِ

الفصل: ‌ القول بالموجب

الثَّانِي عَشَرَ:‌

‌ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ

، وَهُوَ: تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ مَنْعِ الْمَدْلُولِ، أَوْ تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ دَعْوَى بَقَاءِ الْخِلَافِ، وَهُوَ آخِرُ الْأَسْئِلَةِ، وَيَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِفَسَادِهِ، وَالْمُسْتَدِلُّ بِتَوْجِيهِهِ، إِذْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ النِّزَاعُ فِيهِمَا.

ــ

«الثَّانِي عَشَرَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ» . بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَيْ: الْقَوْلُ بِمَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ، أَمَّا الْمُوجِبُ بِكَسْرِهَا، فَهُوَ الدَّلِيلُ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» - يَعْنِي الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ - «تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ مَنْعِ الْمَدْلُولِ، أَوْ تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ دَعْوَى بَقَاءِ الْخِلَافِ» .

هَذَا عَلَى جِهَةِ التَّخْيِيرِ فِي تَعْرِيفِهِ، أَيْ: بِأَيِّ هَذَيْنِ التَّعْرِيفَيْنِ عُرِّفَ حَصَلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ، لَكِنَّ التَّعْرِيفَ الثَّانِيَ أَحَقُّ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْخَصْمِ إِنَّمَا هُوَ لِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَمُوجِبِهِ، لَا لِنَفْسِ الدَّلِيلِ، إِذِ الدَّلِيلُ لَيْسَ مُرَادًا لِذَاتِهِ، بَلْ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَدْلُولِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ: مَا إِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ: يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ جَوَازِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ، فَكَانَ جَائِزًا، فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ أَوِ الْحَنَفِيُّ: أَنَا قَائِلٌ بِمُوجِبِ دَلِيلِكَ، وَأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا أُنَازِعُ فِي جَوَازِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَلَيْسَ فِي دَلِيلِكَ مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ، فَهَذَا قَدْ سَلَّمَ لِلْمُسْتَدِلِّ مُقْتَضَى دَلِيلِهِ وَهُوَ جَوَازُ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، وَادَّعَى بَقَاءَ الْخِلَافِ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ.

ص: 555

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» - يَعْنِي الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ - «آخِرُ الْأَسْئِلَةِ» الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ تَرْتِيبُهَا، «وَيَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِفَسَادِهِ وَالْمُسْتَدِلُّ بِتَوْجِيهِهِ» . أَيْ: إِذَا فَسَدَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ، انْقَطَعَ الْمُعْتَرِضُ، إِذْ بِفَسَادِهِ يَثْبُتُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ سَالِمًا عَنْ مُعَارِضٍ، وَإِذَا صَحَّ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ وَتَوَجَّهَ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ صَحِيحًا، انْقَطَعَ لِأَنَّ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ دَلِيلَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَحَلَّ النِّزَاعِ، كَمَا لَوِ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ فِيهَا بِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ؛ قِيلَ لَهُ: سَلَّمْنَا دَلَالَتَهَا عَلَى التَّوْحِيدِ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَتَبْقَى دَعْوَاهُ خَالِيَةً عَنْ دَلِيلٍ، فَتَبْطُلُ، فَيَنْقَطِعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْبَقَرَةُ: 111] .

قَوْلُهُ: «إِذْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ النِّزَاعُ فِيهِمَا» .

هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ آخِرُ الْأَسْئِلَةِ، وَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يَنْقَطِعُ بِفَسَادِهِ، وَأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَنْقَطِعُ بِتَوْجِيهِهِ، لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِمُوجَبِ الدَّلِيلِ تَسْلِيمُ عِلَّتِهِ وَحُكْمِهِ، وَبَعْدَ تَسْلِيمِ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ لَا يَجُوزُ النِّزَاعُ فِيهِمَا، فَيَكُونُ آخِرَ الْأَسْئِلَةِ. ثُمَّ إِنِ اسْتَقَرَّ، انْقَطَعَ الْمُسْتَدِلُّ، وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ بَعْدُ، انْقَطَعَ الْمُعْتَرِضُ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 556

وَمَوْرِدُهُ: إِمَّا النَّفْيُ، نَحْوَ قَوْلِهِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ: إِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، كَالتَّفَاوُتِ فِي الْقَتْلِ، فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: سَلَّمْتُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ ثُبُوتُ الْقِصَاصِ، بَلْ مِنْ وُجُودِ مُقْتَضِيهِ أَيْضًا، فَأَنَا أُنَازِعُ فِيهِ.

وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ لُزُومِ حُكْمِ مَحَلِّ النِّزَاعِ مِمَّا ذَكَرَهُ إِنْ أَمْكَنَ، أَوْ بِأَنَّ النِّزَاعَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يَعْرِضُ لَهُ بِإِقْرَارٍ، أَوِ اشْتِهَارٍ، وَنَحْوِهِ. وَإِمَّا الْإِثْبَاتُ، نَحْوَ: الْخَيْلُ حَيَوَانٌ يُسَابَقُ عَلَيْهِ، فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْإِبِلِ، فَيَقُولُ: نَعَمْ زَكَاةُ الْقِيمَةِ.

وَجَوَابُهُ، بِأَنَّ النِّزَاعَ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ، وَقَدْ عَرَّفْنَا الزَّكَاةَ بِاللَّامِ، فَيَنْصَرِفُ إِلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَفِي لُزُومِ الْمُعْتَرِضِ إِبْدَاءُ مُسْتَنَدِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ خِلَافُ الْإِثْبَاتِ، لِئَلَّا يَأْتِيَ بِهِ نَكَدًا وَعِنَادًا؛ وَالنَّفْيُ، إِذْ بِمُجَرَّدِهِ يَبِينُ عَدَمُ لُزُومِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ مِمَّا ذَكَرَهُ، وَالْأُولَى أَوْلَى، وَيَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِيرَادِهِ عَلَى وَجْهٍ يُغَيِّرُ الْكَلَامَ عَنْ ظَاهِرِهِ، إِذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَهُوَ كَالتَّسْلِيمِ، نَحْوَ: الْخَلُّ مَائِعٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ كَالْمَرَقِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: أَقُولُ بِهِ، إِذِ الْخَلُّ النَّجِسُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ الْخَلُّ الطَّاهِرُ، إِذِ النَّجِسُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ إِزَالَتِهِ، فَهُوَ كَالنَّقْضِ الْعَامِّ، كَالْعَرَايَا عَلَى عِلَّةِ الرِّبَا.

ــ

قَوْلُهُ: " وَمَوْرِدُهُ إِمَّا النَّفْيُ "، إِلَى آخِرِهِ. أَيْ: وَمَوْرِدُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، أَيْ: الْمَحَلُّ الَّذِي يَرِدُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَوْ مِنَ الدَّعَاوَى، " إِمَّا النَّفْيُ "، أَوِ " الْإِثْبَاتُ " أَيْ: دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ الَّتِي يَرِدُ عَلَيْهَا الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ

ص: 557

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نَافِيَةً، نَحْوَ:" لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ " أَوْ مُثْبِتَةً، نَحْوَ: تَجِبُ الزَّكَاةُ.

وَأَجْوَدُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ إِمَّا أَنْ يَرِدَ مِنَ الْمُعْتَرِضِ دَفْعًا عَنْ مَذْهَبِهِ، أَوْ إِبْطَالًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ بِاسْتِيفَاءِ الْخِلَافِ مَعَ تَسْلِيمِ مُقْتَضَى دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ إِبْطَالَ مَدْرَكِ الْخَصْمِ، أَوْ إِثْبَاتَ مَذْهَبِهِ هُوَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ يَكُونُ مِنَ الْمُعْتَرِضِ دَفْعًا عَنْ مَأْخَذِهِ، لِئَلَّا يَفْسَدَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، كَانَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ مِنَ الْمُعْتَرِضِ إِبْطَالًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ وَالْمُعْتَرِضَ كَالْمُتَحَارِبَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْصِدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ وَتَعْطِيلَ صَاحِبِهِ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ لِمَوْرِدِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.

أَمَّا تَقْسِيمِي أَنَا لَهُ إِلَى نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، فَلِأَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَقْصُودُ التَّقْسِيمِ، وَرَأَيْتُ الْمِثَالَ عَلَى وَفْقِهِ فِي أَصْلِ الْمُخْتَصَرِ. أَعْنِي أَنَّهُ مُنْقَسِمٌ إِلَى نَفْيٍ كَمَا فِي مِثَالِ الْقِصَاصِ، وَإِلَى إِثْبَاتٍ كَمَا فِي مِثَالِ الزَّكَاةِ، فَقَوِيَ الظَّنُّ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَكُنْ عِنْدَ الِاخْتِصَارِ تَأَمَّلْتُهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.

مِثَالُ الْأَوَّلِ: وَهُوَ وُرُودُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ عَلَى إِبْطَالِ مَأْخَذِ الْمُعْتَرِضِ، فَيَدْفَعُ بِهِ الْمُعْتَرِضُ عَنْ مَذْهَبِهِ: أَنْ يَقُولَ الْحَنْبَلِيُّ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ " بِالْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ ": " التَّفَاوُتُ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، كَالتَّفَاوُتِ فِي الْقَتْلِ "، فَإِنَّهُ لَوْ ذَبَحَهُ، أَوْ ضَرَبَ عُنُقَهُ أَوْ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ، أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ، لَمْ يَمْنَعِ الْقِصَاصَ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ التَّفَاوُتُ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاص مُحَدَّدَةً كَانَتْ أَوْ مُثَقَّلَةً. وَهَذَا تَعَرُّضٌ مِنَ الْمُسْتَدِلِّ بِإِبْطَالِ مَأْخَذِ الْخَصْمِ، إِذِ الْحَنَفِيُّ يَرَى أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآلَةِ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، لِأَنَّ الْمُثَقَّلَ لَمَّا

ص: 558

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقَاصَرَ تَأْثِيرُهُ عَنِ الْمُحَدَّدِ أَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً، وَالْقِصَاصُ حَدٌّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، " فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ " دِفَاعًا عَنْ مَذْهَبِهِ:" سَلَّمْتُ " أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ؛ " لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ " لِلْقِصَاصِ ثُبُوتُهُ، " بَلْ " إِنَّمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ " مِنْ وُجُودِ مُقْتَضِيهِ " وَهُوَ السَّبَبُ الصَّالِحُ لِإِثْبَاتِهِ وَالنِّزَاعِ فِيهِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدِي بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، أَوِ السِّكِّينِ أَوْ نَحْوِهَا مِنَ الْآلَاتِ مَعَ تَفَاوُتِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ صَالِحَةً لِلْإِزْهَاقِ بِالسَّرَيَانِ فِي الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْمُثَقَّلِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ: أَنْ يَقُولَ الشَّفْعَوِيُّ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيلَادِ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ: إِنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْمَهْرِ، لِأَنَّهَا بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ عَلَى الْأَبِ صَارَتْ مِلْكًا لَهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِلْكِهِ. فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: أُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْمَهْرِ، لَكِنَّ النِّزَاعَ فِي وُجُوبِ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الْمَهْرِ، إِذِ الْحُكْمُ ثَبَتَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، لَا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ.

قَوْلُهُ: " وَجَوَابُهُ: بِبَيَانِ لُزُومِ حُكْمِ مَحَلِّ النِّزَاعِ مِمَّا ذَكَرَهُ إِنْ أَمْكَنَ، أَوْ بِأَنَّ النِّزَاعَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يَعْرِضُ لَهُ بِإِقْرَارٍ، أَوِ اشْتِهَارٍ، وَنَحْوِهِ ". أَيْ: وَجَوَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ بِطُرُقٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ لُزُومَ حُكْمِ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي دَلِيلِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ بَيَانُهُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ: يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ التَّفَاوُتِ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ وُجُودُ مُقْتَضَى الْقِصَاصِ إِمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمَانِعِ وَعَدَمَهُ قِيَامُ الْمُقْتَضِي، إِذْ لَا يَكُونُ الْوَصْفُ مَانِعًا بِالْفِعْلِ إِلَّا لِمُعَارَضَةِ الْمُقْتَضِي، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي وَجُودَهُ. وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ

ص: 559

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُقْتَضِيهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، لَمْ يَصِحَّ عُرْفًا الِاهْتِمَامُ بِسَلْبِ الْمَانِعِ إِلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي، وَإِلَّا فَالِاهْتِمَامُ بِسَبَبِ الْمُقْتَضِي أَوْلَى. أَوْ بِأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ: إِذَا سَلَّمْتَ أَنَّ تَفَاوُتَ الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، فَالْقَتْلُ الْمُزْهِقُ هُوَ الْمُقْتَضِي، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ. وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيلَادِ إِذَا سَلَّمْتَ أَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ لَا يَمْنَعُ الْمَهْرَ، فَالْمُتَقَضِّي لِوُجُوبِ الْمَهْرِ قَائِمٌ، وَهُوَ الْوَطْءُ فِي وَقْتٍ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: أَقُولُ بِمُوجِبِ هَذَا الدَّلِيلِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ؟ فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَازِمٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ عِنْدَكَ، فَإِذَا سَلَّمْتَ انْتِفَاءَ لَازِمِهَا، لَزِمَكَ تَسْلِيمُ انْتِفَائِهَا، إِذْ لَا بَقَاءَ لِلْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ " أَنَّ النِّزَاعَ " إِنَّمَا هُوَ فِيمَا " يَعْرِضُ لَهُ "، إِمَّا " بِإِقْرَارٍ " أَوِ اعْتِرَافٍ مِنَ الْمُعْتَرِضِ بِذَلِكَ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا فَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ لَا فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ، وَوَقَعَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ بِاشْتِهَارٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعُرْفِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا فِي كَذَا لِصِحَّةِ الْبَيْعِ هَهُنَا، فَلَا يُسْمَعُ مِنَ الْمُعْتَرِضِ الْعُدُولُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إِنْكَارٌ لِمَا اعْتَرَفَ بِهِ، وَفِي الثَّانِي نَوْعُ مُرَاوَغَةٍ وَمُغَالَطَةٍ وَدَعْوَى جَهْلٍ بِالْمَشْهُورَاتِ، كَمَنْ نَشَأَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَشَرِبَ أَوْ زَنَى مُدَّعِيًّا لِلْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ، وَوَطْءُ الثَّيِّبِ

ص: 560

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: أُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ، لَكِنْ لِمَ قُلْتَ: إِنَّ الزَّكَاةَ وَالرَّدَّ يَثْبُتَانِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ لَا يُسْمَعُ، لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَحْوِهَا مَشْهُورٌ، وَهُوَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الزَّكَاةِ: هَلْ تَجِبُ مَعَ الدَّيْنِ؟ وَوَطْءُ الثَّيِّبِ هَلْ يَجُوزُ مَعَهُ الرَّدُّ؟ وَمَعَ الشُّهْرَةِ لَا يُقْبَلُ الْعُدُولُ عَنِ الْمَشْهُورِ، وَلَا دَعْوَى خَفَائِهِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ هَذَا التَّقْسِيمُ مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ إِلَى دَعْوَى فَسَادِ الْوَضْعِ، لِكَوْنِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَأَشْبَهَ اقْتِضَاءَ الْعِلَّةِ خِلَافَ مَا عُلِّقَ بِهَا.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْآخَرُ مِنْهُ إِذَا صَحَّ وَاسْتَقَرَّ.

مِثَالُ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، وَهُوَ أَنْ يَرِدَ مِنَ الْمُعْتَرِضِ إِبْطَالًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ: أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي " الْخَيْلِ: حَيَوَانٌ يُسَابَقُ عَلَيْهِ، فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْإِبِلِ، فَيَقُولُ " الْمُعْتَرِضُ " أَقُولُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ تَجِبَ فِيهَا " زَكَاةُ الْقِيمَةِ " إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ.

قَوْلُهُ: " وَجَوَابُهُ ". أَيْ: وَجَوَابُ مِثْلِ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ: النِّزَاعُ إِنَّمَا كَانَ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ وَقَدْ عُرِّفَتِ " الزَّكَاةُ بِاللَّامِ، فَيَنْصَرِفُ إِلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ " الْمَعْهُودِ، وَهُوَ زَكَاةُ الْعَيْنِ، فَالْعُدُولُ إِلَى زَكَاةِ الْقِيمَةِ لَا يُسْمَعُ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِمَدْلُولٍ إِلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا نَحْوٌ مِمَّا سَبَقَ مِنَ الْجَوَابِ بِشُهْرَةِ الْمُرَادِ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي نِكَاحِ الْيَتِيمَةِ: صَغِيرَةٌ، فَتَثْبُتُ الْوَلَايَةُ

ص: 561

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ جَدٌّ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: نَعَمْ تَثْبُتُ الْوَلَايَةُ عَلَيْهَا فِي الْمَالِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: اللَّفْظُ أَعَمُّ مِنَ الْمَالِ، وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي وَلَايَةِ النِّكَاحِ.

قَوْلُهُ: " وَفِي لُزُومِ الْمُعْتَرِضِ إِبْدَاءُ مُسْتَنَدِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ خِلَافُ الْإِثْبَاتِ، لِئَلَّا يَأْتِيَ بِهِ نَكَدًا وَعِنَادًا، وَالنَّفْيُ، إِذْ بِمُجَرَّدِهِ يَبِينُ عَدَمُ لُزُومِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ مِمَّا ذَكَرَهُ ".

يَعْنِي: أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِذَا قَالَ بِمُوجَبِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مُسْتَنَدَ الْقَوْلِ بِمُوجَبِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: التَّفَاوُتُ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ، لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ، وَوُجُوبُ الْقِيمَةِ لَا يَمْنَعُ الْمَهْرَ، لَكِنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي، إِذْ لَمْ يَبْقَ مَحَلٌّ يَجِبُ الْمَهْرُ عَنْهُ، وَأُسَلِّمُ أَنَّ زَكَاةَ الْقِيمَةِ تَجِبُ فِي الْخَيْلِ، لَكِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ لَا تَجِبُ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِمَا عِنْدَهُ، فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ، إِذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذِكْرُ مُسْتَنَدِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، لَأَتَى بِهِ نَكَدًا وَعِنَادًا عَلَى الْمُسْتَدِلِّ لِيُفْحِمَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ حَقًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَيُفْضِي إِلَى تَضْيِيعِ فَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ. وَيَصِيرُ هَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِ عليه السلام: لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ، لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَدْلٌ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ وَمَأْخَذِهِ، فَوَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي ذَلِكَ،

ص: 562

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَإِلَّا كَانَ مُطَالَبَتُهُ بِالْمُسْتَنَدِ تَكْذِيبًا لَهُ.

قُلْتُ: فَقَدْ بَانَ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُعْتَرِضِ الْعَدْلِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِحُبِّ الِانْتِصَارِ عَلَى الْخَصْمِ حَتَّى بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْكَلَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْمُسْتَنَدِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى إِفْحَامِ الْمُسْتَدِلِّ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَضْيِيعِ فَائِدَةِ النَّظَرِ، وَنَشْرِ الْكَلَامِ. ثُمَّ إِذَا ذَكَرَ مُسْتَنَدَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَدِلِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: وُجُوبُ الْقِيمَةِ لَا يَمْنَعُ الْمَهْرَ، لَكِنَّهُ لَا يَجِبُ، لِأَنَّ الْأَبَ مَلَكَ الْأَمَةَ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُعَارِضَهُ، وَيُبَيِّنَ أَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ، وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُنَاظِرُ الْخَصْمَ فِي مَذْهَبِهِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ.

قَوْلُهُ: " وَيَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِيرَادِهِ عَلَى وَجْهٍ يُغَيِّرُ الْكَلَامَ عَنْ ظَاهِرِهِ، إِذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَهُوَ كَالتَّسْلِيمِ ".

أَيْ: يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِيرَادِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ عَلَى وَجْهٍ يُغِيِّرُ كَلَامَ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ " وَجُودَهُ كَعَدَمِهِ "، وَلَوْ عُدِمَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ لَانْقَطَعَ، فَكَذَا إِذَا أَتَى بِهِ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِتَغَيُّرِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، صَارَ كَالْمُنَاظِرِ لِنَفْسِهِ كَمَا سَبَقَ التَّقْسِيمُ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا.

مِثْلَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْحَنْبَلِيُّ: " الْخَلُّ مَائِعٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ كَالْمَرَقِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: أَقُولُ " بِمُوجَبِهِ، وَهُوَ أَنَّ " الْخَلَّ النَّجِسَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ " عِنْدِي، فَلَا يُسْمَعُ هَذَا مِنْهُ، " لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ " عَقْلًا وَعُرْفًا وَشَرْعًا إِنَّمَا هُوَ " الْخَلُّ الطَّاهِرُ "، أَمَّا النَّجِسُ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، فَصَارَ " كَالنَّقْضِ الْعَامِّ " عَلَى الْعِلَّةِ، لِأَنَّ النَّجِسَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِإِزَالَتِهِ لِلنَّجَاسَةِ قَائِلٌ؛ صَارَ مَرْفُوضًا لَا يُفْرَضُ فِيهِ نِزَاعٌ، وَلَا يُوَجَّهُ إِلَيْهِ نَظَرٌ، " كَالْعَرَايَا عَلَى

ص: 563

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عِلَّةِ الرِّبَا "؛ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ يَقُولُ بِهَا لَمْ تِرِدْ نَقْضًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا هَذَا، وَبَيَانُ تَغْيِيرِ الْمُعْتَرِضِ كَلَامَ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ الْحُكْمَ فِي الْخَلِّ النَّجِسِ، صَارَ كَأَنَّهُ فَهِمَ عَنِ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَلَّ النَّجِسَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، فَقَدْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ.

ص: 564

وَيَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ مَنْعُ كَوْنِهِ حُجَّةً، أَوْ فِي الْحُدُودِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمَظَانِّ كَالْحَنَفِيَّةِ كَمَا سَبَقَ وَجَوَابُهُ.

وَالْأَسْئِلَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَنْعٍ، أَوْ مُعَارَضَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يُسْمَعْ.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَتَرْتِيبُهَا أَوْلَى اتِّفَاقًا، وَفِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ، وَفِي كَيْفِيَّتِهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَيَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ مَنْعُ كَوْنِهِ حُجَّةً» ، إِلَى آخِرِهِ. أَيْ: يُعْتَرَضُ عَلَى الْقِيَاسِ بِأَسْئِلَةٍ أُخَرَ، مِثْلَ: أَنَّ الْقِيَاسَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ حُجَّةً شَرْعِيَّةٍ كَمَذْهَبِ الظَّاهِرِيَّةِ، أَوْ لَيْسَ حُجَّةً «فِي الْحُدُودِ» «وَالْمَظَانِّ» ، يَعْنِي الْأَسْبَابَ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ «كَمَا سَبَقَ وَجَوَابُهُ» ، أَيْ: قَدْ سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ وَسَبَقَ جَوَابُهُ فِي أَقْسَامِ الْعِلَّةِ.

قَوْلُهُ: «وَالْأَسْئِلَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَنْعٍ أَوْ مُعَارَضَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يُسْمَعْ» . أَيْ: جَمِيعُ الْأَسْئِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَعَدُّدِهَا رَاجِعَةٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ إِلَى مَنْعِ حَالِ الدَّلِيلِ لِيَسْلَمَ مَذْهَبُ الْمُعْتَرِضِ مِنْ إِفْسَادِهِ لَهُ، أَوْ إِلَى مُعَارَضَةِ الدَّلِيلِ بِمَا يُقَاوِمُهُ أَوْ يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ، لِتَضْعُفَ قُوَّتُهُ عَنْ إِفْسَادِ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَعَ الْمُسْتَدِلِّ كَسُلْطَانٍ فِي بِلَادِهِ وَقِلَاعِهِ وَحُصُونِهِ، دَهَمَهُ سُلْطَانٌ آخَرُ يُرِيدُ أَخْذَ بِلَادِهِ مِنْهُ، فَالْمَلِكُ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ تِلْكَ الْبِلَادِ يَتَوَصَّلُ إِلَى الِاعْتِصَامِ مِنَ الْمَلِكِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، إِمَّا بِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِ أَرْضِهِ بِمَانِعٍ يَجْعَلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ إِرْسَالِ مَاءٍ، أَوْ نَارٍ، أَوْ خَنْدَقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ بِأَنْ يُعَارِضَ جَيْشَهُ بِجَيْشٍ

ص: 565

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِثْلِهِ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، لِيَمْنَعَ اسْتِيلَاءَهُ، أَوْ يَطْرُدَهُ.

فَكَذَلِكَ الْمُسْتَدِلُّ إِذَا نَصَبَ الدَّلِيلُ وَقَرَّرَهُ، فَهُوَ مُبْطِلٌ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ، إِمَّا تَصْرِيحًا أَوْ لُزُومًا، فَيَحْتَاجُ الْمُعْتَرِضُ إِلَى مَنْعِ دَلِيلِهِ، أَوْ إِلَى مُعَارَضَتِهِ، وَقَدْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلِيلَكَ يُفِيدُ مَا ادَّعَيْتَ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِكَذَا، وَاصْطَلَحَ نُظَّارُ الْعَجَمِ فِي صِيغَةِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الدَّلِيلِ وَإِنْ دَلَّ لَكِنْ عِنْدَنَا مَا يُعَارِضُهُ، وَيُقَرِّرُونَ الْمُعَارَضَةَ، وَلِلْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ مِنَ الْمَحْسُوسِ مِثَالٌ آخَرُ وَهُمَا الْمُتَضَارِبَانِ بِالسَّيْفِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا ضَرَبَ فَإِمَّا أَنْ يَمْنَعَ تَأْثِيرَ ضَرْبَةِ صَاحِبِهِ فِيهِ، بِأَنْ يَلْقَاهَا فِي مِجَنٍّ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يُقَابِلَ صَاحِبَهُ عَلَى ضَرْبَتِهِ بِضَرْبَةٍ مِثْلِهَا مَانِعَةٍ أَوْ مُقْتَضِيَةٍ.

وَحَيْثُ اتَّضَحَ أَنَّ مَرْجِعَ الْأَسْئِلَةِ إِلَى مَنْعٍ، أَوْ مُعَارَضَةٍ، فَالْمُعَارَضَةُ أَيْضًا رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَنْعِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُعْتَرِضِ الِاعْتِصَامُ مِنْ إِفْسَادِ الْمُسْتَدِلِّ مَذْهَبَهُ. وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْأَسْئِلَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِالْمَنْعِ، وَالْمُعَارَضَةُ فَمَا سِوَاهُمَا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ.

قَوْلُهُ: «وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ» سُؤَالًا. وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْآمِدِيُّ فِي «الْمُنْتَهَى» . وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا أَنَا ذَاكِرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَذَكَرَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ الْبَزْدَوِيُّ فِي «الْمُقْتَرَحِ» أَنَّهَا خَمْسَةَ عَشَرَ سُؤَالًا،

ص: 566

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَهِيَ هَذِهِ:

دَعْوَى فَسَادِ الْوَضْعِ، مَنْعُ وَصْفِ الْعِلَّةِ، الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ، النِّزَاعُ فِي ظُهُورِ وَصْفِ الْعِلَّةِ، النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ مَضْبُوطًا، الْمُطَالَبَةُ بِاعْتِبَارِهِ عِلَّةً، مَنْعُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ. اخْتِلَافُ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ مَعَ اتِّحَادِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِمَا، بَيَانُ اخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِمَا، بَيَانُ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فِيهِمَا، الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ، النَّقْضُ، الْكَسْرُ، الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ، الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ.

وَذَكَرَهَا النِّيلِيُّ فِي «شَرْحِ جَدَلِ الشَّرِيفِ» أَرْبَعَةَ عَشَرَ:

الِاسْتِفْسَارُ، فَسَادُ الِاعْتِبَارِ، فَسَادُ الْوَضْعِ، الْمَنْعُ، التَّقْسِيمُ، الْمُطَالَبَةُ، النَّقْضُ، الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ، عَدَمُ التَّأْثِيرِ، الْفَرْقُ، الْمُعَارَضَةُ، التَّعْدِيَةُ، التَّرْكِيبُ. هَكَذَا، ذَكَرَ أَنَّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ.

قَالَ: وَهَذَا تَرْتِيبُهَا فِي الْإِيرَادِ إِلَّا فِي عَدَمِ التَّأْثِيرِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ النَّقْضَ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ وَصْفًا مِنَ الْعِلَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَالنَّقْضُ إِنَّمَا يَرِدُ بَعْدَ صَلَاحِيَةِ الْعِلَّةِ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ فِي «الْمُنْتَهَى» فَهُوَ:

الِاسْتِفْسَارُ، فَسَادُ الِاعْتِبَارِ، فَسَادُ الْوَضْعِ، مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ، التَّقْسِيمُ، مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ، عَدَمُ التَّأْثِيرِ، الْقَدْحُ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ، مَنْعُ صَلَاحِيَةِ إِفْضَاءِ الْوَصْفِ إِلَى الْحِكْمَةِ الْمَطْلُوبَةِ، مَنْعُ ظُهُورِ الْوَصْفِ، مَنْعُ انْضِبَاطِهِ، النَّقْضُ، الْكَسْرُ، الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ، التَّرْكِيبُ، التَّعْدِيَةُ، مَنْعُ وُجُوبِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي حُكْمَ الْمُسْتَدِلِّ، الْفَرْقُ، اخْتِلَافُ الضَّابِطِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعَ اتِّحَادِ الْحِكْمَةِ، اتِّحَادُ الضَّابِطِ مَعَ اخْتِلَافِ الْحِكْمَةِ - عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ - اخْتِلَافُ

ص: 567

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ، قَلْبُ الدَّلِيلِ، الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ.

هَذِهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ.

وَذَكَرَ فِي «الْجَدَلِ» الَّذِي لَهُ أَنَّ الْأَسْئِلَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ إِلَى تَحْقِيقِ أُمُورٍ فِقْهِيَّةٍ، وَإِلْزَامَاتٍ أَحْكَامِيَّةٍ.

وَالثَّانِي: يَرْجِعُ إِلَى مُنَاسَبَاتٍ جَدَلِيَّةٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ لَفْظِيَّةٍ:

فَالْأَوَّلُ: وَهُوَ أَهَمُّهَا يَنْحَصِرُ فِي أَسْئِلَةٍ عَشْرَةٍ، وَهِيَ:

فَسَادُ الِاعْتِبَارِ، فَسَادُ الْوَضْعِ، مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ، سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ، مَنْعُ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ، مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَيُلَقَّبُ بِسُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ، النَّقْضُ، الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ، مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ سُؤَالًا:

عَدَمُ التَّأْثِيرِ، الْكَسْرُ، الْعَكْسُ، التَّقْسِيمُ، بَيَانُ اخْتِلَافِ الْمَظِنَّةِ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ مَعَ اتِّحَادِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ، بَيَانُ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَظِنَّةِ - عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ - بَيَانُ اخْتِلَافِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، كَقِيَاسِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ، الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ، الْقَلْبُ، سُؤَالُ التَّرْكِيبِ.

وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ اصْطَلَحَ عَلَى إِيرَادِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجَدَلِيِّينَ، وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِيرَادِهِ. فَهَذِهِ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ سُؤَالًا ذَكَرَهَا هَهُنَا. وَذَكَرَهَا فِي «الْمُنْتَهَى» خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ كُلَّ مَا قَدَحَ فِي الدَّلِيلِ، اتَّجَهَ إِيرَادُهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ سِلَاحٍ صَلُحَ لِلتَّأْثِيرِ فِي الْعَدُوِّ، يَنْبَغِي اسْتِصْحَابُهُ، وَجَمِيعُ الْأَسْئِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَغَيْرِهِ تَقْدَحُ فِي الدَّلِيلِ فَيَنْبَغِي إِيرَادُهَا، وَلَا يَضُرُّ تَدَاخُلُهَا، وَرُجُوعُ

ص: 568

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ صِنَاعَةَ الْجَدَلِ اصْطِلَاحِيَّةٌ. وَقَدِ اصْطَلَحَ الْفُضَلَاءُ عَلَى إِيرَادِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ، فَهِيَ وَإِنْ تَدَاخَلَتْ، أَوْ رَجَعَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ أَجْدَرُ بِحُصُولِ الْفَائِدَةِ مِنْ إِفْحَامِ الْخَصْمِ، وَتَهْذِيبِ الْخَوَاطِرِ، وَتَمْرِينِ الْأَذْهَانِ عَلَى فَهْمِ السُّؤَالِ، وَاسْتِحْضَارِ الْجَوَابِ، وَتَكَرُّرُهَا الْمَعْنَوِيُّ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ رَمَى الْمُقَاتِلُ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: «وَتَرْتِيبُهَا أَوْلَى اتِّفَاقًا، وَفِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ» .

أَيْ: تَرْتِيبُ الْأَسْئِلَةِ وَهُوَ جَعْلُ كُلِّ سُؤَالٍ فِي رُتْبَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفْضِي بِالْمُعْتَرِضِ إِلَى الْمَنْعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَبِيحٌ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ أَوْلَى.

أَمَّا وُجُوبُهُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ نَفْيًا لِلْقُبْحِ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيُ الْقُبْحِ وَاجِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَجَوَابُهُ مُرْتَبِطٌ بِهِ، فَلَا فَرْقَ إِذَنْ بَيْنَ تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ، وَالْمَقْصُودُ إِفْحَامُ الْخَصْمِ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُحَارِبَ لَمَّا كَانَ قَصْدُهُ قَتْلَ غَرِيمِهِ، أَوْ هَزِيمَتَهُ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ قِتَالَهُ بِسَيْفٍ، أَوْ رُمْحٍ، أَوْ سَهْمٍ، أَوْ نَارٍ مُحْرِقَةٍ، أَوْ مَاءٍ مُغْرِقٍ، أَوْ تَرْدِيَةٍ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الْأَسْئِلَةِ كَيْفِيَّةٌ لَهَا، ثُمَّ إِنَّ نَفْسَ الْأَسْئِلَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ إِفْحَامُ الْخَصْمِ وَهِيَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ فَتَرْتِيبُهَا الَّذِي هُوَ فَرْعٌ

ص: 569

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَيْهَا أَوْلَى بِذَلِكَ. هَذَا تَوْجِيهُ مَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» .

وَذَكَرَ النِّيلِيُّ كَلَامًا مَعْنَاهُ: أَنَّ السَّائِلَ هَلْ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَسْئِلَةِ بِأَنْ يَسْرُدَهَا سَرْدًا، ثُمَّ يُجِيبُ الْمُسْتَدِلَّ عَنْهَا سُؤَالًا سُؤَالًا، أَمْ لَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سُؤَالٍ وَجَوَابِهِ، ثُمَّ إِيرَادِ الَّذِي بَعْدَهُ؟

فَمَنَعَ ذَلِكَ قَوْمٌ، لِأَنَّهُ إِذَا جَمَعَ، فَقَالَ: لَا أُسَلِّمُ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ قُلْتَ؟ فَقَدْ رَجَعَ عَنِ الْأَوَّلِ. وَبِالْجُمْلَةِ انْتِقَالُهُ إِلَى كُلِّ سُؤَالٍ رُجُوعٌ عَمَّا قَبْلَهُ.

قُلْتُ: فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ يُورِدُ، وَيُجِيبُ نَفْسَهُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ جَمْعَهُ بَيْنَ الْأَسْئِلَةِ لَيْسَ رُجُوعًا عَنْ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَنَزُّلٌ مَعَ الْخَصْمِ مِنْ مَقَامٍ إِلَى مَقَامٍ عَلَى جِهَةِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ. أَيْ: لَوْ فَرَضْنَا سَلَامَةَ الدَّلِيلِ عَنِ الْمَنْعِ، لَمْ يَسْلَمْ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، فَانْتِقَالُهُ إِلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ سُقُوطِ سُؤَالِ الْمَنْعِ بِإِجَابَةِ الْمُسْتَدِلِّ عَنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي عُهْدَةِ الْمَنْعِ حَتَّى يُجِيبَ عَنْهُ.

قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي أَوَّلِ الشَّرْحِ أَنِّي اسْتَعْمَلْتُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْكِتَابِ، وَأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ. ثُمَّ إِذَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَسْئِلَةِ هَلْ يَلْزَمُهُ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ آنِفًا. وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ أَلْيَقُ بِالِاتِّفَاقِ.

قَوْلُهُ: «وَفِي كَيْفِيَّتِهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ» ، أَيْ: فِي كَيْفِيَّةِ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ خِلَافٌ كَثِيرٌ. ذَكَرَ ابْنُ الْمَنِيِّ مِنْهُ جُمْلَةً فِي جَدَلِهِ الْمُسَمَّى: «جَنَّةُ النَّاظِرِ وَجُنَّةُ الْمَنَاظِرِ» وَلَيْسَ الْآنَ حَاضِرًا عِنْدِي لِأَذْكُرَ مَا قَالَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَرْتُ بِالْأَقْوَالِ الْكَثِيرَةِ، لَكِنْ قَدْ دَلَّ عَلَى كَثْرَةِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَزْدَوِيِّ وَالنِّيلِيِّ وَالْآمِدِيِّ

ص: 570

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فِي «جَدَلِهِ» زَعَمَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَسْئِلَةِ عَلَى تَرْتِيبِ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ، وَأَنْتَ تَرَى الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَاتِ الْأَسْئِلَةِ وَأَسْمَائِهَا وَتَرْتِيبِهَا، وَالضَّابِطُ الْكُلِّيُّ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُفْضِيَ إِيرَادُهَا إِلَى مَنْعٍ بَعْدَ تَسْلِيمٍ أَوْ إِنْكَارٍ بَعْدَ اعْتِرَافٍ.

مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: قَتْلٌ فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ، لِمَ قُلْتَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؟ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يُوجِبُ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَتْلٌ، سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ يَنْتَقِضُ بِالْخَطَأِ، سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّهُ قَتْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؟ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ عِنْدَنَا مَا يُعَارِضُهُ، سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِكَ: إِنَّهُ قَتْلٌ؟ وَهُوَ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ، ثُمَّ يَذْكُرُ فَسَادَ الْوَضْعِ وَالِاعْتِبَارِ، فَالسُّؤَالُ الْأَوَّلُ سُؤَالُ الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ الْعِلَّةِ، وَفِيهِ تَسْلِيمُ وَجُودِهَا، وَالثَّانِي مَنْعُ الْعِلَّةِ، فَهُوَ مَنْعٌ بَعْدَ تَسْلِيمٍ، وَكَذَا الْأَسْئِلَةُ بَعْدَهُ فِي غَيْرِ مَرَاتِبِهَا، وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.

قَالَ الْآمِدِيُّ فِي «الْجَدَلِ» : أَوَّلُ مَا يَجِبُ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَسْئِلَةِ:

فَسَادُ الِاعْتِبَارِ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَجًّا بِهِ، فَلَا مَعْنًى لِلنَّظَرِ فِي تَفَاصِيلِهِ.

ثُمَّ فَسَادُ الْوَضْعِ، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِتَسْلِيمِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ فِي جِنْسِهِ.

ثُمَّ مَنْعُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ نَظَرٌ فِي تَفْصِيلِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِتَسْلِيمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ.

ثُمَّ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ عَمَّا يَدَّعِي كَوْنَهُ عِلَّةً، إِذِ التَّعَرُّضُ لِلِاسْتِفْسَارِ عَنِ الْوَصْفِ الْمُسْتَنْبَطِ يُشْعِرُ بِصِحَّةِ الْمُسْتَنْبَطِ عَنْهُ.

ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْوَصْفِ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِمَعْرِفَةِ الْوَصْفِ، وَالِاسْتِفْسَارُ يُشْعِرُ بِجَهْلِهِ.

ص: 571

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثُمَّ سُؤَالُ الْمُطَالَبَةِ بِكَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، إِذِ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِهِ تُشْعِرُ بِتَسْلِيمِ وَجُودِهِ فِي نَفْسِهِ.

ثُمَّ النَّقْضُ، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِتَسْلِيمِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْثِيرِ الْوَصْفِ.

ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِتَسْلِيمِ صَلَاحِيَةِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ، وَالنَّقْضُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ ذَلِكَ.

ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ لِإِشْعَارِهِ بِكَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِإِيرَادِهِ.

ثُمَّ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِتَسْلِيمِ دَلَالَةِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ عَلَى الْحُكْمِ، لَكِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ غَيْرُ مَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ.

وَقَالَ فِي «الْمُنْتَهَى» : الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالِاسْتِفْسَارِ، لِيَعْرِفَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ، ثُمَّ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ، إِذْ هُوَ نَظَرٌ فِي الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ، لَا مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ، ثُمَّ فَسَادُ الْوَضْعِ، لِكَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ، ثُمَّ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ، فَكَانَ مُؤَخَّرًا عَمَّا قَبْلَهُ، ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، ثُمَّ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ، وَسُؤَالُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ، وَالْقَدْحِ فِي الْمُنَاسَبَةِ، وَالتَّقْسِيمِ، وَكَوْنُ الْوَصْفِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَا يَنْضَبِطُ، وَكَوْنُ الْحُكْمِ غَيْرُ مُفْضٍ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ، لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ صِفَةَ وُجُوهِ الْعِلَّةِ، ثُمَّ النَّقْضُ، وَالْكَسْرُ؛ لِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِدَلِيلِ الْعِلَّةِ، ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ وَالتَّرْكِيبِ؛ لِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِلْعِلَّةِ، ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، وَمُخَالَفَةُ حُكْمِهِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ، وَمُخَالَفَتُهُ لِلْأَصْلِ فِي الضَّابِطِ أَوِ الْحِكْمَةِ،

ص: 572

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ، وَسُؤَالُ الْقَلْبِ؛ لِكَوْنِهِ نَظَرًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ التَّابِعِ لِلْأَصْلِ، ثُمَّ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّلِيلِ الْمُثْمِرِ لَهُ.

قُلْتُ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا: يَلْزَمُ أَوْ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْأَدِلَّةِ، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، أَوْ لَا يَجُوزُ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ الْوُجُوبَ أَوْ عَدَمَ الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمُعْتَرِضَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحِيٌّ، أَيْ: يَكُونُ تَارِكُهُ مَذْمُومًا فِي اصْطِلَاحِ النُّظَّارِ، فَهُوَ قَادِحٌ فِي الْفَضِيلَةِ، لَا فِي دِينٍ وَلَا مُرُوءَةٍ بِالنَّظَرِ فِي الطَّرِيقِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، يَعْرِفُ أَمْثِلَةَ إِيرَادِ الْأَسْئِلَةِ وَكَيْفِيَّةِ الْجَوَابِ عَنْهَا، كَتَعْلِيقَةِ الشَّرِيفِ الْمَرَاغِيِّ، وَالسَّيْفِ الْآمِدِيِّ، وَتَعْلِيقَةِ ابْنِ الْمَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ مِنْ أَحْسَنِ الطَّرَائِقِ.

أَمَّا طَرِيقَةُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَصْحَابِهِ، كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي «الِانْتِصَارِ» ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي «عُمُدِ الْأَدِلَّةِ» وَنَحْوِهَا، فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا، ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا الْأَدِلَّةَ سَرْدًا وَتَرْتِيبًا، بَلْ أَوْرَدُوا كُلَّ دَلِيلٍ وَجَوَابَهُ عَقِيبَهُ مُرَتَّبًا ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مُرَتَّبٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْئِلَةَ الْوَارِدَةَ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَدِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ وُرُودِهَا عَلَى الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَرِدُ عَلَى كُلِّ قِيَاسٍ، لِأَنَّ مِنَ الْأَقْيِسَةِ مَا لَا يَرِدُ مِنْ مُوْرِدِهَا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَسْئِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، كَالْقِيَاسِ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، لَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ إِلَّا مِنْ ظَاهِرِيٍّ وَنَحْوِهِ مِنْ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ، وَاللَّفْظُ الْبَيِّنُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ، وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ فَسَادُ الْوَضْعِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُمْكِنُ تَخَلُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَسْئِلَةِ عَلَى الْبَدَلِ عَنْ بَعْضِ الْأَقْيِسَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْأَسْئِلَةَ الْوَارِدَةَ عَلَى الْقِيَاسِ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ.

ص: 573

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ التَّصْرِيفِ: إِنَّ حُرُوفَ الزِّيَادَةِ هِيَ حُرُوفُ: «سَأَلْتُمُونِيهَا» عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْحُرُوفَ الزَّوَائِدَ عَلَى أُصُولِ مَوَادِّ الْكَلِمِ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ، لَا أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفُ حَيْثُ وَقَعَتْ كَانَتْ زَوَائِدَ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا وَقَعَ أُصُولًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَقَدْ نُجِزَ بِحَمْدِ اللَّهِ سبحانه وتعالى الْكَلَامُ عَلَى الْأَدِلَّةِ، وَهَذَا حِينُ الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُسْتَدِلِّ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ بَيَانِ الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدِ، وَالتَّقْلِيدِ وَالْمُقَلِّدِ، وَمَسَائِلِ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 574