الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَاشِرُ:
عَدَمُ التَّأْثِيرِ
، وَهُوَ ذِكْرُ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الدَّلِيلُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ، إِمَّا لِطَرْدِيَّتِهِ نَحْوَ: صَلَاةٌ لَا تُقْصَرُ، فَلَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى الْوَقْتِ، كَالْمَغْرِبِ، إِذْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ تُقْصَرُ، فَلَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى الْوَقْتِ، أَوْ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِهِ، نَحْوَ: مَبِيعٌ لَمْ يَرَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، فَإِنَّ بَيْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ رُؤِيَ، نَعَمْ إِنْ أَشَارَ بِذِكْرِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ إِلَى خُلُوِّ الْفَرْعِ مِنَ الْمَانِعِ، أَوِ اشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ الْحُكْمِ دَفْعًا لِلنَّقْضِ، جَازَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنْ أَشَارَ الْوَصْفُ إِلَى اخْتِصَاصِ الدَّلِيلِ بِبَعْضِ صُوَرِ الْحُكْمِ، جَازَ إِنْ لَمْ تَكُنِ الْفُتْيَا عَامَّةً، وَإِنْ عَمَّتْ، لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ وَفَاءِ الدَّلِيلِ الْخَاصِّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ الْعَامِّ.
ــ
السُّؤَالُ «الْعَاشِرُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ» .
اعْلَمْ أَنَّ التَّأْثِيرَ هُوَ إِفَادَةُ الْوَصْفِ أَثَرَهُ، فَإِذَا لَمْ يُفِدْهُ، فَهُوَ عَدَمُ التَّأْثِيرِ.
قَوْلُهُ: «وَهُوَ ذِكْرُ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الدَّلِيلُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ، إِمَّا لِطَرْدِيَّتِهِ» ، «أَوْ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِهِ» .
يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ: هُوَ ذِكْرُ وَصْفٍ، أَوْ أَكْثَرَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ الْعِلَّةُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ أَصْلِ الْقِيَاسِ، إِمَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ طَرْدِيًّا لَا يُنَاسِبُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ لِكَوْنِ الْحُكْمِ ثَبَتَ بِدُونِهِ.
مِثَالُ الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ مَا عُدِمَ تَأْثِيرُهُ لِكَوْنِهِ طَرْدِيًّا: قَوْلُ الْقَائِلِ فِي أَنَّ الْفَجْرَ لَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى الْوَقْتِ: «صَلَاةٌ لَا تُقْصَرُ، فَلَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى الْوَقْتِ، كَالْمَغْرِبِ» ، وَذَلِكَ، لِأَنَّ «بَاقِيَ الصَّلَوَاتِ تُقْصَرُ» ، وَلَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى وَقْتِهَا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَبَقِيَ قَوْلُهُ: لَا تُقْصَرُ؛ وَصْفًا طَرْدِيًّا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِتَقْدِيمِ الْأَذَانِ عَلَى الْوَقْتِ، وَلَا عَدَمِهِ.
وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي هَذَا: أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ اقْتَضَى تَعْلِيلَ عَدَمِ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ بِعَدَمِ الْقَصْرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُقَدَّمُ الْأَذَانُ عَلَى الْفَجْرِ، لِأَنَّهَا لَا تُقْصَرُ، وَاطَّرَدَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْعَكِسْ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، إِذْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَا يُقْصَرُ مِنَ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ عَلَى وَقْتِهِ مِنْ حَيْثُ انْعِكَاسِ الْعِلَّةِ، لَكِنِ الْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لَكِنْ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى عَكْسِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ، وَإِذَا أُلْغِيَ قَوْلُهُ: لَا تُقْصَرُ؛ لَمْ يَبْقَ لِاخْتِصَاصِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ - وَهُوَ الْمَغْرِبُ - وَجْهٌ، إِذْ كُلُّ الصَّلَوَاتِ لَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا.
وَمِثَالُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الدَّلِيلُ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِهِ: قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: «مَبِيعٌ لَمْ يَرَهُ» الْعَاقِدُ، «فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ هَهُنَا عَدِيمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ بَيْعُ الطَّيْرِ، لِأَنَّ «بَيْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ مَمْنُوعٌ» ، أَيْ: لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا. وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ هَهُنَا مِنْ جِهَةِ الْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ تَعْلِيلَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَرْئِيٍّ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَدْ بَطَلَ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ.
وَذَكَرَ النِّيلِيُّ هَذَا الْمِثَالَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَقَالَ: مَبِيعٌ لَمْ يَرَهُ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا إِذَا بَاعَ مَيْتَةً لَمْ يَرَهَا، وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّظْمِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الْمَيْتَةِ عَدِيمُ التَّأْثِيرِ، إِذْ نَجَاسَتُهَا تَسْتَقِلُّ بِالْبُطْلَانِ كَمَا أَنَّ الْغَرَرَ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَسْتَقِلُّ بِالْبُطْلَانِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ: مَسَّ ذَكَرَهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، كَمَا لَوْ مَسَّ وَبَالَ، فَإِنَّ مَسَّ الذَّكَرِ مَعَ الْبَوْلِ عَدِيمُ التَّأْثِيرِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ إِجْمَاعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوَّلَ يُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ، لِأَنَّ الْوَصْفَ طَرْدِيٌّ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ، كَقَوْلِهِ: صَلَاةٌ لَا تُقْصَرُ، وَالثَّانِي يُسَمَّى عَدَمَ التَّأْثِيرِ، كَعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ لِاسْتِغْنَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي ثُبُوتِهِ عَنْهُ.
وَقَدْ يَكُونُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ لِعَدَمِ اطِّرَادِ الْوَصْفِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ النِّزَاعِ، وَيُسَمَّى عَدَمَ التَّأْثِيرِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعَ، وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ يَرْجِعُ إِلَى سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ بِالْعِلَّةِ، وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ يَرْجِعُ إِلَى سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُلْغِي مِنَ الْعِلَّةِ وَصْفًا، ثُمَّ يُعَارِضُ الْمُسْتَدِلَّ بِمَا بَقِيَ. وَالثَّالِثُ يَرْجِعُ إِلَى مَنْعِ الْفَرْضِ فِي الدَّلِيلِ وَتَحْقِيقِهِ فِي عِلْمِ الْجَدَلِ.
مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ فِي الدَّلِيلِ إِنَّمَا يَكُونُ عَدِيمَ التَّأْثِيرِ إِذَا لَمْ يُفِدْ فَائِدَةً أَصْلًا، أَمَّا إِذَا كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ، دَفَعَ النَّقْضَ بِأَنْ يُشِيرَ إِلَى أَنَّ الْفَرْعَ خَالٍ مِمَّا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيهِ، أَوْ إِلَى اشْتِمَالِ الْفَرْعِ عَلَى شَرْطِ الْحُكْمِ، فَلَا يَكُونُ عَدِيمَ التَّأْثِيرِ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي مَسْأَلَةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ: صَوْمٌ مَفْرُوضٌ، فَافْتَقَرَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إِلَى التَّبْيِيتِ قِيَاسًا عَلَى الْقَضَاءِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ مَفْرُوضًا يَتَحَقَّقُ بِهِ شَرْطُ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنَّهُ خَالٍ مِمَّا يَمْنَعُ ثُبُوتَ التَّبْيِيتِ فِيهِ، وَيَنْدَفِعُ بِهِ النَّقْضُ بِالنَّفْلِ، إِذْ لَوْ قَالَ: صَوْمٌ، فَافْتَقَرَ إِلَى التَّبْيِيتِ، لَانْتَقَضَ بِالنَّفْلِ، لِأَنَّهُ صَوْمٌ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى التَّبْيِيتِ، مَعَ أَنَّ فَرْضِيَّةَ الصَّوْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَبْيِيتِ النِّيَّةِ طَرْدِيٌّ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ لَهُ.
قُلْتُ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، بَلْ وَجْهُ الْمُنَاسِبِ أَنَّ النِّيَّةَ تُمَيِّزُ الْعِبَادَةَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَالْفَرْضَ مِمَّا يَشْتَدُّ اهْتِمَامُ الشَّرْعِ بِهِ، فَنَاسَبَ اعْتِبَارَ التَّبْيِيتِ، لِتَمْيِيزِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَنِ الْعِبَادَةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ النَّفْلِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الِاهْتِمَامَ بِهِ دُونَ الِاهْتِمَامِ بِالْفَرْضِ.
يَعْنِي أَنَّ وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ إِذَا أَشَارَ إِلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِبَعْضِ صُوَرِهِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ فُتْيَاهُ - يَعْنِي جَوَابَهُ - عَامًّا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ عَامًّا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْخَاصَّ لَا يَفِي بِثُبُوتِ الْحُكْمِ الْعَامِّ.
مِثَالُهُ: مَا إِذَا قِيلَ لِلْمَالِكِيِّ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ أَكْفَاءٌ لَهَا، فَلَا يُفْضِي ذَلِكَ إِلَى لُحُوقِ النَّقْصِ وَالْعَارِ بِهَا غَالِبًا، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلَيُّهَا، فَإِنَّ الْعِلَّةَ هَهُنَا تُشِيرُ إِلَى اخْتِصَاصِ جَوَازِ ذَلِكَ بِالدَّنِيَّةِ مِنَ النِّسَاءِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ جَوَابَهُ بِجَوَازِ تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا خَرَجَ عَامًّا، فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الدَّنِيَّةِ وَالشَّرِيفَةِ، وَتَعْلِيلُهُ خَاصٌّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِالدَّنِيَّةِ، وَالْجَوَابُ الْعَامُّ لَا يَحْصُلُ بِالتَّعْلِيلِ الْخَاصِّ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْفُتْيَا عَامَّةً، كَمَا لَوْ قَالَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النِّسَاءِ، أَوْ يَجُوزُ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَلَّلَ بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ؛ جَازَ ذَلِكَ وَأَفَادَ جَوَازَ فَرْضِ الْكَلَامِ فِي بَعْضِ صُوَرِ السُّؤَالِ وَهُوَ جَوَازُ تَزْوِيجِ الدَّنِيَّةِ نَفْسَهَا دُونَ الشَّرِيفَةِ فَرْقًا بَيْنَهُمَا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
بَقِيَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: «وَإِنْ أَشَارَ الْوَصْفُ» ؛ هَلِ اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ؟ إِنْ قُلْنَا: لِلِاسْتِغْرَاقِ، كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُنْقَطِعَةً عَمَّا قَبْلَهَا، وَكَانَ حَاصِلُهَا أَنَّ التَّعْلِيلَ الْخَاصَّ بِبَعْضِ صُوَرِ الْحُكْمِ لَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ جَوَابُ الْمُعَلِّلِ عَامًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا، جَازَ وَأَفَادَ جَوَازَ فَرْضِ الدَّلِيلِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ فِيهِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ كُتُبِ الْخِلَافِ، وَإِنْ قُلْنَا: اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ، كَانَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ هُوَ الْمَعْهُودَ السَّابِقَ وَهُوَ الْعَدِيمُ التَّأْثِيرِ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ الْوَصْفَ الْعَدِيمَ التَّأْثِيرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَافِعًا لِلنَّقْضِ كَمَا سَبَقَ لَكِنَّهُ أَفَادَ فَرْضَ الْكَلَامِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، جَازَ ذِكْرُهُ أَيْضًا.
وَمَثَّلَهُ النِّيلِيُّ بِمَا إِذَا قَالَ الْحَنَفِيُّ فِي الْمُرْتَدِّينَ: طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَلَا يَضْمَنُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِتْلَافِ، كَالْحَرْبِيِّ إِذَا أَتْلَفَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَوْلُهُ: فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْحُكْمِ، وَلَا مَانِعِهِ وَشَرْطِهِ، إِذِ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَضْمَنُ مَالَ الْمُسْلِمِ، سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أَفَادَ قَوْلُهُ: فِي دَارِ الْحَرْبِ، تَخْصِيصَ الدَّلِيلِ، وَفَرْضُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ فَرْضِ الدَّلِيلِ.