الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّامِنَةُ:
اتِّفَاقُ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ
إِجْمَاعٌ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
لَنَا: سَبِيلُ مُؤْمِنِي عَصْرٍ فَيَنْهَضُ السَّمْعِيُّ، كَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ.
قَالُوا: فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَبْطُلُ مَذْهَبُ الْمَيِّتِ بِمَوْتِهِ.
قُلْنَا: يَلْزَمُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالصَّحَابَةِ كَقَوْلِ دَاوُدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ.
ــ
الْمَسْأَلَةُ «الثَّامِنَةُ: اتِّفَاقُ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ إِجْمَاعٌ» أَيْ: إِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَاتَّفَقَ التَّابِعُونَ عَلَى أَحَدِهِمَا، كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا «عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ» حَيْثُ قَالُوا: لَيْسَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى الْخِلَافِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْحَقُّ، فَيَمْتَنِعُ الِاتِّفَاقُ بَعْدَهُ، أَوْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قُلْتُ: وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ امْتِنَاعَ الِاتِّفَاقِ بَعْدَ الْخِلَافِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالتَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ، بَلْ أَيُّ عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ اخْتَلَفَ أَهْلُهُ، فَهَلْ يَصِحُّ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؟ وَلَا نِزَاعَ فِي إِمْكَانِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ عَقْلًا، بَلْ فِي صِحَّتِهِ شَرْعًا.
«لَنَا:» أَيْ: عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي «سَبِيلُ مُؤْمِنِي عَصْرٍ، فَيَنْهَضُ» الدَّلِيلُ «السَّمْعِيُّ» عَلَى كَوْنِهِ مَعْصُومًا، بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنْ أَنَّ إِجْمَاعَ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ، وَصَارَ ذَلِكَ «كَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ» فَإِنَّهُ يَكُونُ إِجْمَاعًا، كَذَلِكَ هَذَا.
قَوْلُهُ: «قَالُوا:» يَعْنِي الْمَانِعِينَ لِكَوْنِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ حُجَّةً ; قَالُوا: هَذَا الِاتِّفَاقُ هُوَ «فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ» فَلَا يَكُونُ إِجْمَاعًا، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ لِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ، لَا لِبَعْضِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ وَإِنْ مَاتُوا ; لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَمْ يَمُتْ، لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمَيِّتِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَقْوَالَ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مَعْمُولٌ بِهَا، مُعْتَمَدٌ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فَمَا بَعْدَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِ قَائِلِهِ ; كَانَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ اتِّفَاقًا عَلَى فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ.
قَوْلُهُ: «قُلْنَا: يَلْزَمُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالصَّحَابَةِ، كَقَوْلِ دَاوُدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ» .
تَوْجِيهُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ بِأَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ إِجْمَاعًا، لِمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ أَنَّهُ فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ لَا كُلِّهَا، يَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالصَّحَابَةِ، بِأَنْ لَا يَصِحَّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ إِلَّا مِنْهُمْ، وَلَا يَصِحَّ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، لِأَنَّهُمْ وَإِنْ مَاتُوا، فَأَقْوَالُهُمْ لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِمْ، فَكُلُّ مَنِ اتَّفَقَ بَعْدَهُمْ عَلَى حُكْمٍ، فَقَوْلُهُ فُتْيَا بَعْضِ الْأُمَّةِ لَا فُتْيَا