المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أحكام العلة الشرعية - شرح مختصر الروضة - جـ ٣

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْإِجْمَاعُ

- ‌ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ

- ‌ اتِّفَاقُ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ

- ‌ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْوَاحِدِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

- ‌إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌أَقْسَامِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ إِجْمَاعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ

- ‌مُنْكِرُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ جَائِزٌ عَقْلًا لَا سَمْعًا

- ‌اسْتِصْحَابُ الْحَالِ

- ‌ أَنْوَاعِ مَدَارِكِ نَفْيِ الْحُكْمِ

- ‌الْأُصُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا

- ‌الثَّالِثُ: الِاسْتِحْسَانُ

- ‌الرَّابِعُ: الِاسْتِصْلَاحُ:

- ‌الْقِيَاسُ

- ‌ أَرْكَانُ الْقِيَاسِ

- ‌ الْفَرْعِ

- ‌تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ

- ‌ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ

- ‌ تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ

- ‌ حُجَجُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ

- ‌ الْعِلَّةَ

- ‌تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ»

- ‌ الْمُنَاسِبُ، وَالْمَنْشَأُ، وَالْحِكْمَةُ

- ‌قِيَاسُ الشَّبَهِ:

- ‌قِيَاسُ الدَّلَالَةِ:

- ‌ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ

- ‌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ

- ‌الْأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ

- ‌«الِاسْتِفْسَارُ»

- ‌ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمَنْعُ

- ‌ التَّقْسِيمُ:

- ‌ مَعْنَى التَّقْسِيمِ

- ‌ الْمُطَالَبَةُ:

- ‌ النَّقْضُ

- ‌الْكَسْرُ:

- ‌ الْقَلْبُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ

- ‌ عَدَمُ التَّأْثِيرِ

- ‌ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ

- ‌ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ

- ‌الِاجْتِهَادُ

- ‌مَا يُشْتَرَطُ لِلْمُجْتَهِدِ

- ‌ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ»

- ‌الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ

- ‌إِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ

- ‌التَّقْلِيدُ

- ‌الْقَوْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ دِلَالَةِ اللَّفْظِ وَالدِّلَالَةِ بِاللَّفْظِ

- ‌ التَّرْجِيحِ فِي الْأَدِلَّةِ

- ‌التَّرْجِيحُ اللَّفْظِيُّ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينَةِ

- ‌التَّرْجِيحُ الْقِيَاسِيُّ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِهِ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ

- ‌ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ

- ‌مِنَ التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّاوِي:

- ‌ تَرْجِيحِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَحَامِلِ الْأَثَرِ عَلَى بَعْضٍ:

- ‌ تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ عَلَى النُّصُوصِ

الفصل: ‌ أحكام العلة الشرعية

تَنْبِيهٌ:

حَيْثُ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَمَارَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَصْفًا عَارِضًا، كَالشِّدَّةِ فِي الْخَمْرِ، وَلَازِمًا ; كَالنَّقْدِيَّةِ وَالصِّغَرِ، وَفِعْلًا; كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ، وَحُكْمًا شَرْعِيًّا نَحْوَ: تَحْرُمُ الْخَمْرُ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا; كَالْمَيْتَةِ، وَمُفْرَدًا وَمُرَكَّبًا وَمُنَاسِبًا وَغَيْرَ مُنَاسِبٍ وَوُجُودِيًّا وَعَدَمِيًّا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ حُكْمِهَا، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ لِعِلَّةِ رِقِّ الْوَلَدِ.

وَلَا تَنْحَصِرُ أَجْزَاؤُهَا فِي سَبْعَةِ أَوْصَافٍ، خِلَافًا لِقَوْمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

قَوْلُهُ: «تَنْبِيهٌ: حَيْثُ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَمَارَةٌ» إِلَى آخِرِهِ.

هَذَا ذِكْرُ‌

‌ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

وَمَا يَجُوزُ فِيهَا وَمَا لَا يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ:«حَيْثُ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ» : لَمَّا كَانَتِ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ «أَمَارَةً» جَازَ فِيهَا مَا ذُكِرَ مِنَ الْأُمُورِ، لِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ لِلْحُكْمِ، لَا مُوجِبَةٌ لَهُ، وَالْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا لَا تُنَافِي كَوْنَهَا مَعْرِفَةً، إِذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ عَلَمًا عَلَى الْحُكْمِ.

فَمِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ: «أَنْ تَكُونَ» الْعِلَّةُ «وَصْفًا عَارِضًا، كَالشِّدَّةِ فِي الْخَمْرِ» هِيَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ، وَهِيَ وَصْفٌ عَارِضٌ، لِأَنَّهُ عَرَضَ لِلْعَصِيرِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ وَصْفًا «لَازِمًا كَالنَّقْدِيَّةِ» فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَيْ: كَوْنُهُمَا نَقْدًا، أَيْ: عِوَضًا يُنْقَدُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُعَاوَضَاتِ بِالْأَصَالَةِ، وَلَا جَرَمَ مَنْ صَحَّحَ التَّعْلِيلَ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ عَلَّلَ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِالنَّقْدِيَّةِ.

وَأَمَّا الصِّغَرُ، فَقَدْ عَلَّلَ بِهِ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ، وَالْإِجْبَارِ فِي النِّكَاحِ، وَجَعَلَهُ فِي «الرَّوْضَةِ» مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ كَالنَّقْدِيَّةِ، وَهُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ، إِذِ الصِّغَرُ كَالْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْعَارِضِ وَاللَّازِمِ، لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَصْلٌ فِي الصَّغِيرِ لَمْ يَعْرِضْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ أَشْبَهَ النَّقْدِيَّةَ فِي اللُّزُومِ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَزُولُ بِالْكِبَرِ أَشْبَهَ الشِّدَّةَ الْمُسْكِرَةَ فِي الْعُرُوضِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ الْعُرْفِيَّةِ كَالشَّرَفِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ، وَتَحْرِيمِ الْإِهَانَةِ وَالْخِسَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِأَضْدَادِ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ «فِعْلًا، كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ» عُلِّلَ بِهِمَا الْقِصَاصُ وَالْقَطْعُ.

وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ «حُكْمًا شَرْعِيًّا، نَحْوَ» قَوْلِنَا: «تَحْرُمُ الْخَمْرُ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا كَالْمَيْتَةِ» فَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَهُمَا التَّحْرِيمُ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ عُلِّلَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ فَسَادُ الْبَيْعِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ.

لَنَا: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ بَعْضَ أَحْكَامِهِ مُعَرِّفَاتٍ لِبَعْضٍ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ مُعَرِّفَاتٌ.

احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ شَأْنَ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا، فَلَوْ جُعِلَ عِلَّةً، لَأَفْضَى إِلَى

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَلْبِ الْحَقَائِقِ بِجَعْلِ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا وَالْمَعْلُولِ عِلَّةً.

الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحُكْمِيَّةِ، فَجَعْلُ أَحَدِهِمَا عِلَّةً دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا نَقُولُ، إِذِ الْحُكْمُ مَعْلُولٌ لِعِلَّتِهِ، وَعِلَّةٌ لِمَعْلُولِهِ، فَيَكُونُ عِلَّةً وَمَعْلُولًا بِالْإِضَافَةِ، إِذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُنَاسِبًا لِتَعْرِيفِ حُكْمٍ آخَرَ، وَذَلِكَ الْآخَرُ مُنَاسِبٌ لِتَعْرِيفِ حُكْمٍ آخَرَ، كَقَوْلِنَا فِي الْخَمْرِ: نَجِسٌ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَالْمَيْتَةِ، ثُمَّ نَقُولُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، كَالْحُرِّ، فَالنَّجَاسَةُ أَثَّرَتْ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ، وَعَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ عَرَّفَ عَدَمَ جَوَازِ الرَّهْنِ.

وَعَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي: بِمَنْعِ كَوْنِهِ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ بَلِ الْمُرَجِّحُ الْمُنَاسَبَةُ، وَالنَّجَاسَةُ مُنَاسِبَةٌ لِلتَّحْرِيمِ فِي قَوْلِنَا: نَجِسٌ فَيُحَرَّمُ، وَلَوْ عَكَسْنَا فَقُلْنَا: حَرَامٌ فَيُنَجَّسُ; لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُنَاسِبْ، إِذِ الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ يَحْرُمُ لَبْسُهُمَا، وَلَيْسَا نَجِسَيْنِ.

وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَصْفًا «مُفْرَدًا» كَقَوْلِنَا فِي اللِّوَاطِ: زِنًا، فَأَوْجَبَ الْحَدَّ كَوَطْءِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَنْ تَكُونَ وَصْفًا «مُرَكَّبًا» كَقَوْلِنَا: قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٌ، فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ كَالْمُثَقَّلِ، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ، وَخَالَفَ قَوْمٌ فِي جَوَازِهِ.

لَنَا: أَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّرْكِيبِ، فَيَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُهُ، كَمَا تَتَوَقَّفُ مُنَاسَبَةُ الْقَوَدِ فِي الْقَتْلِ عَلَى كَوْنِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِّ فِي الزِّنَا عَلَى

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كَوْنِهِ عَالَمًا مُخْتَارًا، وَاحْتَجَّ الْخَصْمُ بِمَا لَا حَاصِلَ لَهُ وَهُوَ شَبِيهُ السَّفْسَطَةِ، فَلَمْ نَرَ الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهِ.

وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَصْفًا «مُنَاسِبًا» كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ، وَالرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ لِأَحْكَامِهَا، «وَغَيْرُ مُنَاسِبٍ» كَالرِّدَّةِ وَأَكَلِ لَحْمِ الْجَزُورِ وَمَسِّ الْفَرْجِ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ لِنَقْضِ الْوُضُوءِ.

وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ وَصْفًا «وُجُودِيًّا» كَمَا ذَكَرَ، وَكَقَوْلِنَا: جَازَ بَيْعُهُ، فَجَازَ رَهْنُهُ، «وَعَدَمِيًّا» كَقَوْلِنَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَفِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمْعَةُ، فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، وَفِي الْعَبْدِ لَا يَلِي أَمْرَ وَلَدِهِ فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْعِلَّةَ «يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ حُكْمِهَا، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، لِعِلَّةِ رِقِّ الْوَلَدِ» فَإِنَّ رِقَّ الْوَلَدِ وَصْفٌ قَائِمٌ بِهِ، أَوْ مَعْنًى إِضَافِيٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ، وَتَحْرِيمَ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالنِّكَاحِ، أَوْ مَعْنًى مُضَافٌ إِلَيْهِ، فَبِالْجُمْلَةِ رِقُّ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَحَلِّ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ.

وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ عَلَى أَحْكَامِهِ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَوْصَافُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ أَمَارَاتٍ عَلَى الْأَحْكَامِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِ ذَلِكَ مَحَالٌّ، وَلَا مَنَعَ مِنْهُ سَمْعٌ، وَقَدْ سَاعَدَ ذَلِكَ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَمِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَلَا أَصْلِهِ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِمَحَلِّهِ، كَتَعْلِيلِ

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِكَوْنِهِ خَمْرًا، وَتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِكَوْنِهِ بُرًّا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمَحَلِّ، كَالنَّقْدِيَّةِ الْقَاصِرَةِ عَلَى النَّقْدِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ، وَالْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ أَعَمُّ مِنَ الْمَحَلِّ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ، كَالْخَمْرِ وَالْبُرِّ، وَالْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ قَدْ تَكُونُ وَصْفًا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَحَلُّ النَّصِ لَمْ يُوضَعْ لَهُ اللَّفْظُ كَالنَّقْدِيَّةِ، فَكُلُّ مَحَلٍّ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ عِلَّةٍ قَاصِرَةٍ مَحَلًّا.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالِاسْمِ. ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ، وَلَمْ يُفْصِحْ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْلِيلِ بِالْمَحَلِّ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ الِاسْمَ بِمَجْرَدِهِ طَرْدِيٌّ مَحْضٌ وَالشَّرَائِعُ شَأْنُهَا رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ.

قُلْتُ: فَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّعْلِيلَ بِالِاسْمِ الْجَامِدِ الَّذِي لَا يُنْبِئُ عَنْ صِفَةٍ مُنَاسِبَةٍ تَصْلُحُ إِضَافَةُ الْحُكْمِ إِلَيْهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ الدَّالِّ عَلَى التَّخْمِيرِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّحْرِيمِ، وَهَذَا يُشْكِلُ بِالْبُرِّ، فَإِنَّهُ قَدْ جَازَ التَّعْلِيلُ بِهِ وَهُوَ جَامِدٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّعْلِيلَ بِالتَّسْمِيَةِ، نَحْوَ: حَرُمَتِ الْخَمْرُ لِتَسْمِيَتِهَا خَمْرًا، وَالتَّفَاضُلُ فِي الْبُرِّ لِتَسْمِيَتِهِ بُرًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ، إِذِ التَّسْمِيَةُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْمَحَلِّ بِإِشَارَتِهِ إِلَيْهِ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا الْتَفَتَ الْكَلَامُ هُنَا إِلَى الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى، فَمَنْ قَالَ: هُمَا وَاحِدٌ، أَوْ مُتَغَايِرَانِ، وَالْمُرَادُ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الِاسْمِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْعِلَلِ،

ص: 444