المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ اتفاق أهل العصر الواحد بعد اختلافهم - شرح مختصر الروضة - جـ ٣

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْإِجْمَاعُ

- ‌ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ

- ‌ اتِّفَاقُ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ

- ‌ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْوَاحِدِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

- ‌إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌أَقْسَامِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ إِجْمَاعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ

- ‌مُنْكِرُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ جَائِزٌ عَقْلًا لَا سَمْعًا

- ‌اسْتِصْحَابُ الْحَالِ

- ‌ أَنْوَاعِ مَدَارِكِ نَفْيِ الْحُكْمِ

- ‌الْأُصُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا

- ‌الثَّالِثُ: الِاسْتِحْسَانُ

- ‌الرَّابِعُ: الِاسْتِصْلَاحُ:

- ‌الْقِيَاسُ

- ‌ أَرْكَانُ الْقِيَاسِ

- ‌ الْفَرْعِ

- ‌تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ

- ‌ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ

- ‌ تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ

- ‌ حُجَجُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ

- ‌ الْعِلَّةَ

- ‌تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ»

- ‌ الْمُنَاسِبُ، وَالْمَنْشَأُ، وَالْحِكْمَةُ

- ‌قِيَاسُ الشَّبَهِ:

- ‌قِيَاسُ الدَّلَالَةِ:

- ‌ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ

- ‌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ

- ‌الْأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ

- ‌«الِاسْتِفْسَارُ»

- ‌ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمَنْعُ

- ‌ التَّقْسِيمُ:

- ‌ مَعْنَى التَّقْسِيمِ

- ‌ الْمُطَالَبَةُ:

- ‌ النَّقْضُ

- ‌الْكَسْرُ:

- ‌ الْقَلْبُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ

- ‌ عَدَمُ التَّأْثِيرِ

- ‌ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ

- ‌ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ

- ‌الِاجْتِهَادُ

- ‌مَا يُشْتَرَطُ لِلْمُجْتَهِدِ

- ‌ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ»

- ‌الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ

- ‌إِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ

- ‌التَّقْلِيدُ

- ‌الْقَوْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ دِلَالَةِ اللَّفْظِ وَالدِّلَالَةِ بِاللَّفْظِ

- ‌ التَّرْجِيحِ فِي الْأَدِلَّةِ

- ‌التَّرْجِيحُ اللَّفْظِيُّ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينَةِ

- ‌التَّرْجِيحُ الْقِيَاسِيُّ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِهِ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ

- ‌ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ

- ‌مِنَ التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّاوِي:

- ‌ تَرْجِيحِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَحَامِلِ الْأَثَرِ عَلَى بَعْضٍ:

- ‌ تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ عَلَى النُّصُوصِ

الفصل: ‌ اتفاق أهل العصر الواحد بعد اختلافهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كُلِّهَا ; فَلَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ بَعْدَهُمْ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ، لَكِنَّ اخْتِصَاصَ الْإِجْمَاعِ بِالصَّحَابَةِ بَاطِلٌ، بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنَ الْخَصْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَبْطُلُ مَلْزُومُهُ، وَهُوَ أَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ فَيَصِحُّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ.

تَنْبِيهٌ: أَمَّا‌

‌ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْوَاحِدِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

، فَجَائِزٌ، خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ، وَدَلِيلُ الْجَوَازِ الْوُقُوعُ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ اتَّفَقُوا، وَقَدْ سَبَقَتْ أَمْثِلَتُهُ فِي مَسْأَلَةِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ، وَلَعَلَّ الصَّيْرَفِيَّ يَحْتَجُّ بِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَأَكْثَرَ ; إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْأَخْذِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ فِيهَا بِالِاجْتِهَادِ، فَاتِّفَاقُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ رَفْعٌ لِذَلِكَ الْإِجْمَاعِ، وَمُعَارَضَةٌ لِلْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي، وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَأَمَّا كَوْنُ اخْتِلَافِهِمْ إِجْمَاعًا عَلَى تَسْوِيغِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ سُلِّمَ، لَكِنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي، لَجَازَ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ إِجْمَاعٍ ثَانٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ إِجْمَاعٌ أَصْلًا، وَأَنْ يَجُوزَ نَقْضُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ أَبَدًا، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَالْمُفْضِي إِلَيْهِ بَاطِلٌ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ تَعَيَّنَتْ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَوَجْهُ الْحَقِّ، فَاسْتَقَرَّتْ لَهُ الْعِصْمَةُ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ عَلَى

ص: 97

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلَيْنِ، فَإِنَّ جِهَةَ الْمَصْلَحَةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَمْ تَسْتَقِرَّ الْعِصْمَةُ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى تَسْوِيغِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَكَانَ اسْتِقْرَارُهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، فَإِذَا وُجِدَ، زَالَ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ شَرْطِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 98

التَّاسِعَةُ: اتِّفَاقُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ إِجْمَاعًا ; وَكَذَا أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَأَوْلَى. وَالْخِلَافُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِمَا يُفِيدُ أَنَّهُ حُجَّةٌ. وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ.

لَنَا: الْعِصْمَةُ لِلْأُمَّةِ لَا لِلْبَعْضِ وَلَا لِلْمَكَانِ ; قَالَ: يَمْتَنِعُ اتِّفَاقُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ عَلَى الْخَطَأِ عَادَةً.

قُلْنَا: بَاقِي الْأُمَّةِ أَكْثَرُ، فَالتَّمَسُّكُ بِهَذَا فِي حَقِّهِمْ أَوْلَى.

ــ

الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: اتِّفَاقُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ» بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ «لَيْسَ إِجْمَاعًا، وَكَذَا» اتِّفَاقُ الشَّيْخَيْنِ «أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَوْلَى» أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنِ اتِّفَاقُ الْأَرْبَعَةِ إِجْمَاعًا، فَقَوْلُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ إِجْمَاعًا وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ لِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ، وَهَؤُلَاءِ بَعْضُهَا.

قَوْلُهُ: «وَالْخِلَافُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِمَا يُفِيدُ أَنَّهُ حُجَّةٌ» يَعْنِي أَنَّ أَحْمَدَ رحمه الله نُقِلَ عَنْهُ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَنُقِلَ عَنْهُ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ بِاتِّفَاقِ الْأَرْبَعَةِ، وَبِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ فِي اتِّفَاقِ الْأَرْبَعَةِ، وَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ فِي الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ

ص: 99

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَعُمَرَ، وَلَوْ لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِمْ، لَمَا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِنْ كَانَتْ هِيَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُمْ بِهَا، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدِينُهُ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ لَا بَعْضِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ تُعْتَبَرْ، فَكَانَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا اعْتِبَارَ سُنَّتِهِمْ، فَإِمَّا أَنْ لَا تُعْتَبَرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ سُنَّتِهِمْ، أَوْ تُعْتَبَرَ مَعَهَا، فَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ، لَزِمَ اسْتِقْلَالُ سُنَّتِهِمْ بِالصَّوَابِ، مَعَ مُخَالَفَتِهَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ. وَإِنِ اعْتُبِرَتْ مَعَهَا سُنَّةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ تَسْتَقِلَّ سُنَّتُهُمْ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ، لِأَنَّ مَا اعْتُبِرَ لَهُ سَبَبَانِ، أَوْ عُلِّقَ عَلَى سَبَبَيْنِ، لَمْ يَحْصُلْ بِأَحَدِهِمَا.

أَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ; فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِصِفَةِ الْخِلَافَةِ مَعَ الرَّشَادِ، فَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعَةِ وَلَا بِالشَّيْخَيْنِ، بَلْ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خَلِيفَةٍ رَاشِدٍ، فَيَجِبُ أَنْ يُضَمَّ فِي الِاعْتِبَارِ إِلَى قَوْلِهِمْ قَوْلُ كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَنَحْوِهِ.

سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ، لَكِنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِمْ لَا يَنْفِي اعْتِبَارَ بَقِيَّةِ الْأُمَّةِ مَعَهُمْ، إِذْ بَقِيَّةُ الْأُمَّةِ مَسْكُوتٌ عَنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ دَلَّ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ، فَصَارَ تَقْدِيرُ الْحَدِيثِ:

ص: 100

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَيْكُمْ بِسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِ بَاقِي أُمَّتِي، وَخَصَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ رُؤَسَاءُ الْأُمَّةِ وَخَيْرُهَا وَأَفْضَلُهَا.

سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ اتِّبَاعُ سُنَّتِهِمْ فَقَطْ، لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ نَصًّا فِي أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ إِجْمَاعٌ، فَيُحْمَلُ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فِي الْفُتْيَا، أَوِ السِّيَاسَةِ، أَوِ الرِّوَايَةِ، أَوْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، يُقَدَّمُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ، لِقِدَمِ عَهْدِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَرُسُوخِهِمْ فِيهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ حُجَّةٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ لَيْسَ كُلُّ حُجَّةٍ إِجْمَاعًا، وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَحْمَدَ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ.

سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ إِجْمَاعٌ، لَكِنْ هَاهُنَا مَا يُعَارِضُهُ، وَهُوَ أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ بِمُجَرَّدِهِ، لَوْ كَانَ إِجْمَاعًا، لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ إِجْمَاعًا، وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ. وَقَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، وَنُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: كُنَّا نَرَى أَنَّ مَعَ عُمَرَ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ يَرْوِيهِ مِشْرَحُ ابْنُ هَاعَانَ:«لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي يُنْتَظَرُ، لَكَانَ عُمَرُ» وَقَالَ فِي عَلِيٍّ: اللَّهُمَّ

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ. وَلَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُسَدِّدُ لِسَانَكَ، قَالَ: فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضِيَّةٍ بَعْدُ، فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عُمَرَ مَضْرُوبٌ بِالْحَقِّ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، وَهُوَ شَهَادَةٌ لَهُ بِالْعِصْمَةِ مِنَ الْخَطَأِ، وَدَعَا لِعَلِيٍّ بِدَوَرَانِ الْحَقِّ مَعَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَهُ، وَيُسَدِّدُ لِسَانَهُ حَتَّى قَالَ: أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَهُوَ شَهَادَةٌ لَهُ أَيْضًا بِذَلِكَ، فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا مَعًا، أَوْ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا حُجَّةً قَاطِعَةً. وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِيهِمَا، لَزِمَ ثُبُوتُهُ فِي أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، وَفِي عُثْمَانَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا الشِّيعَةُ فِي عَلِيٍّ، لِاعْتِقَادِهِمْ عِصْمَتَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ نَحْوٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، ثُمَّ هُمَا مُعَارَضَانِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أَصْحَابِي

ص: 102