المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ترجيح القياس من جهة علته - شرح مختصر الروضة - جـ ٣

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْإِجْمَاعُ

- ‌ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ

- ‌ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ

- ‌ اتِّفَاقُ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ

- ‌ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْوَاحِدِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

- ‌إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌أَقْسَامِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ إِجْمَاعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ

- ‌مُنْكِرُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ

- ‌ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ جَائِزٌ عَقْلًا لَا سَمْعًا

- ‌اسْتِصْحَابُ الْحَالِ

- ‌ أَنْوَاعِ مَدَارِكِ نَفْيِ الْحُكْمِ

- ‌الْأُصُولُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا

- ‌الثَّالِثُ: الِاسْتِحْسَانُ

- ‌الرَّابِعُ: الِاسْتِصْلَاحُ:

- ‌الْقِيَاسُ

- ‌ أَرْكَانُ الْقِيَاسِ

- ‌ الْفَرْعِ

- ‌تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ

- ‌ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ

- ‌ تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ

- ‌ حُجَجُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ

- ‌ الْعِلَّةَ

- ‌تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ»

- ‌ الْمُنَاسِبُ، وَالْمَنْشَأُ، وَالْحِكْمَةُ

- ‌قِيَاسُ الشَّبَهِ:

- ‌قِيَاسُ الدَّلَالَةِ:

- ‌ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ

- ‌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ

- ‌الْأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ

- ‌«الِاسْتِفْسَارُ»

- ‌ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمَنْعُ

- ‌ التَّقْسِيمُ:

- ‌ مَعْنَى التَّقْسِيمِ

- ‌ الْمُطَالَبَةُ:

- ‌ النَّقْضُ

- ‌الْكَسْرُ:

- ‌ الْقَلْبُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ

- ‌ الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ

- ‌ عَدَمُ التَّأْثِيرِ

- ‌ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ

- ‌ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ

- ‌الِاجْتِهَادُ

- ‌مَا يُشْتَرَطُ لِلْمُجْتَهِدِ

- ‌ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ»

- ‌الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ

- ‌إِذَا نَصَّ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ

- ‌التَّقْلِيدُ

- ‌الْقَوْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّرْجِيحِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ دِلَالَةِ اللَّفْظِ وَالدِّلَالَةِ بِاللَّفْظِ

- ‌ التَّرْجِيحِ فِي الْأَدِلَّةِ

- ‌التَّرْجِيحُ اللَّفْظِيُّ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ

- ‌ التَّرْجِيحَ مِنْ جِهَةِ الْقَرِينَةِ

- ‌التَّرْجِيحُ الْقِيَاسِيُّ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِهِ

- ‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ

- ‌ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ

- ‌مِنَ التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّاوِي:

- ‌ تَرْجِيحِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَحَامِلِ الْأَثَرِ عَلَى بَعْضٍ:

- ‌ تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ عَلَى النُّصُوصِ

الفصل: ‌ ترجيح القياس من جهة علته

وَأَمَّا الثَّانِي: فَتُقَدَّمُ الْعِلَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَالْمَنْصُوصَةُ، عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَالثَّابِتَةُ عِلِّيَّتُهَا تَوَاتُرًا عَلَى الثَّابِتَةِ عِلِّيَّتُهَا آحَادًا، وَالْمُنَاسِبَةُ عَلَى غَيْرِهَا، لِاخْتِصَاصِهَا بِزِيَادَةِ الْقَبُولِ فِي الْعُقُولِ، وَالنَّاقِلَةُ عَلَى الْمُقَرِّرَةِ، وَالْحَاظِرَةُ عَلَى الْمُبِيحَةِ، وَمُسْقِطَةُ الْحَدِّ وَمُوجِبَةُ الْعِتْقِ وَالْأَخَفُّ حُكْمًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، كَالْخَبَرِ، وَالْوَصْفِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا عَلَى الِاسْمِيَّةِ، وَالْمَرْدُودَةُ إِلَى أَصْلٍ قَاسَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِهَا، كَقِيَاسِ الْحَجِّ عَلَى الدَّيْنِ، وَالْقُبْلَةِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، وَالْمُطَّرِدَةِ عَلَى غَيْرِهَا إِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا، وَالْمُنْعَكِسَةِ عَلَى غَيْرِهَا إِنْ اشْتُرِطَ الْعَكْسُ، إِذِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهَا يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ اخْتِصَاصِهَا بِالتَّأْثِيرِ، فَتَصِيرُ كَالْحَدِّ مَعَ الْمَحْدُودِ وَالْعَقْلِيَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ.

ــ

«وَأَمَّا الثَّانِي» : يَعْنِي‌

‌ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ عِلَّتِهِ

فَمِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: تُرَجَّحُ «الْعِلَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا عَلَى غَيْرِ» الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، أَيْ: إِذَا ظَهَرَ فِي الْأَصْلِ الْوَاحِدِ وَصْفَانِ مُنَاسِبَانِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِأَحَدِهِمَا، وَاخْتُلِفَ فِي التَّعْلِيلِ بِالْآخَرِ، فَالتَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ رَاجِحٌ لِقُوَّةِ مُسْتَنَدِهَا، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ كَمَا لَوِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلَيْنِ ; وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِهِمَا ; تَعَيَّنَ وَلَمْ يَجُزِ الْأَخْذُ بِغَيْرِهِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ «الْمَنْصُوصَةُ عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ» أَيْ: الَّتِي تَثْبُتُ عِلَّتُهَا بِالنَّصِّ عَلَى الَّتِي ثَبَتَتْ عِلَّتُهَا بِالِاسْتِنْبَاطِ، لِأَنَّ نَصَّ الشَّارِعِ أَوْلَى مِنِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ، لِعِصْمَةِ النَّصِّ دُونَهُ.

ص: 716

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الَّتِي ثَبَتَتْ عِلَّتُهَا بِالتَّوَاتُرِ عَلَى الَّتِي ثَبَتَتْ عِلَّتُهَا بِالْآحَادِ لِقُوَّةِ التَّوَاتُرِ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْمُنَاسِبَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُنَاسِبَةِ، وَكَذَلِكَ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً عَلَى غَيْرِهَا لِاخْتِصَاصِ الْمُنَاسِبَةِ «بِزِيَادَةِ الْقَبُولِ فِي الْعَقْلِ» ، أَيْ: لِأَنَّ الْعُقُولَ أَسْرَعُ انْقِيَادًا، وَأَشَدُّ قَبُولًا لِلْعِلَّةِ الْمُنَاسِبَةِ، وَالَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً.

قُلْتُ: وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنْصُوصَتَيْنِ أَوِ الْمُسْتَنْبَطَتَيْنِ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مَنْصُوصَةً، فَهِيَ الرَّاجِحَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُنَاسِبَةً، أَوْ أَشَدَّ مُنَاسَبَةٍ أَوْ لَا، لِعِصْمَةِ النَّصِّ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ نَصٌّ وَقِيَاسٌ، كَانَ النَّصُّ مُقَدَّمًا.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ «النَّاقِلَةُ» عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ «عَلَى» الْعِلَّةِ «الْمُقَرَّرَةِ» عَلَيْهِ، كَمَا سَبَقَ فِي الْخَبَرِ النَّاقِلِ مَعَ الْمُقَرِّرِ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ «الْحَاظِرَةُ عَلَى الْمُبِيحَةِ» ، أَيْ: الَّتِي تُوجِبُ الْحَظْرَ عَلَى الَّتِي تُوجِبُ الْإِبَاحَةَ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: تُرَجَّحُ «مُسْقِطَةُ الْحَدِّ» عَلَى مُوجِبَتِهِ، «وَمُوجِبَةُ الْعِتْقِ» عَلَى نَافِيَتِهِ، وَالَّتِي هِيَ أَخَفُّ حُكْمًا عَلَى الَّتِي أَثْقَلُ حُكْمًا، «عَلَى خِلَافٍ» فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ، لِأَنَّ الْعِلَلَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ النُّصُوصِ فَتَتْبَعُهَا فِي الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَنْصُوصَتَيْنِ وَالْمُسْتَنْبَطَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَةِ، فَالْمَنْصُوصَةُ وَاجِبَةُ التَّقْدِيمِ بِكُلِّ حَالٍ، لِمَا سَبَقَ فِي الْمُنَاسَبَةِ مَعَ غَيْرِهَا.

ص: 717

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: تُقَدَّمُ الْعِلَّةُ: «الْوَصْفِيَّةُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا عَلَى الِاسْمِيَّةِ» ، أَيْ: الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ وَصْفٌ، تُرَجَّحُ عَلَى الَّتِي هِيَ اسْمٌ، لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْأَوْصَافِ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيلِ بِالْأَسْمَاءِ، كَمَا سَبَقَ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، كَتَعْلِيلِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَطْعُومًا يُقَدَّمُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ بُرًّا، وَفِي الذَّهَبِ بِكَوْنِهِ مَوْزُونًا يُقَدَّمُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ ذَهَبًا، وَرُبَّمَا نَزَعَ هَذَا إِلَى تَعَدِّي الْعِلَّةِ وَقُصُورِهَا.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: الْعِلَّةُ «الْمَرْدُودَةُ إِلَى أَصْلٍ قَاسَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ» رَاجِحَةٌ «عَلَى غَيْرِهَا» ، كَقِيَاسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ عَلَى دِينِ الْآدَمِيِّ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، «وَالْقُبْلَةِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ» فِي حَدِيثِ عُمَرَ.

فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْحَجُّ عَلَى الْمَغْصُوبِ لَا يُجْزِئُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالْقُبْلَةِ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، لِأَنَّهَا نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوَطْءِ ; لَقُلْنَا: الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَاسَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَحْكَامِ وَمَصَالِحِهَا وَمَفَاسِدِهَا، وَيَصِيرُ الْقِيَاسُ الْمُعَارِضُ لِقِيَاسِ الشَّارِعِ، كَالْقِيَاسِ الْمُعَارِضِ لِنَصِّهِ، بَلْ هُوَ مُعَارِضٌ لِنَصِّهِ حَقِيقَةً، لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ، ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَصْلٍ وَاضِحٍ، لِأَنَّهُ قَالَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: لَا تُفْطِرُ بِالْقُبْلَةِ كَمَا لَا تُفْطِرُ إِذَا تَمَضْمَضْتَ.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: الْعِلَّةُ «الْمُطَّرِدَةُ» تُرَجَّحُ «عَلَى» غَيْرِ الْمُطَّرِدَةِ «إِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا» ، يَعْنِي بِصِحَّةِ غَيْرِ الْمُطَّرِدَةِ.

وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الْمُطَّرِدَةِ وَهِيَ الْمُنْتَقِضَةُ بِصُورَةٍ فَأَكْثَرَ إِنْ لَمْ نَقُلْ بِصِحَّتِهَا لَمْ تُعَارِضِ الْمُطَّرِدَةَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى التَّرْجِيحِ، وَتَكُونُ كَالْخَبَرِ الضَّعِيفِ

ص: 718

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَعَ الصَّحِيحِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهَا، فَاجْتَمَعَتْ هِيَ وَالْمُطَّرِدَةُ، فَالْمُطَّرِدَةُ رَاجِحَةٌ، لِأَنَّ ظَنَّ الْعِلِّيَّةُ فِيهَا أَغْلَبُ، وَلِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالْمُنْتَقَضَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَهْمًا كَالْعَامَّيْنِ إِذَا خُصَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ رَاجِحًا.

الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: الْعِلَّةُ «الْمُنْعَكِسَةُ» رَاجِحَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمُنْعَكِسَةِ «إِنِ اشْتُرِطَ الْعَكْسُ» ، يَعْنِي فِي الْعِلَلِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ اطِّرَادَ الْعِلَّةِ هُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ بِوُجُودِهَا حَيْثُ وُجِدْتُ، وَانْعِكَاسُهَا هُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهَا، وَسَبَقَ أَيْضًا أَنَّ انْعِكَاسَ الْعِلَّةِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطِ الْعَكْسُ لَمْ تُرَجَّحِ الْمُنْعَكِسَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُنْعَكِسَةِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِكَ بَيْنَهُمَا فِي شَرْطِ الصِّحَّةِ هُوَ الِاطِّرَادُ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَالِانْعِكَاسُ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ، فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ، وَهُوَ كَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَإِنِ اشْتَرَطْنَا انْعِكَاسَ الْعِلَّةِ رَجَحَتِ الْمُنْعَكِسَةُ عَلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّ «انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهَا يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ اخْتِصَاصِهَا بِالتَّأْثِيرِ، فَتَصِيرُ كَالْحَدِّ مَعَ الْمَحْدُودِ» يُقَدَّمُ الْمُنْعَكِسُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَالْعِلَّةِ «الْعَقْلِيَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ» ، كَالتَّسْوِيدِ مَعَ الِاسْوِدَادِ، فَكَانَتِ الْمُشَبَّهَةُ لَهَا مِنَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى، وَصَارَ انْعِكَاسُهَا عَلَى هَذَا كَإِخْوَةِ الْأُمِّ مَعَ إِخْوَةِ الْأَبِ فِي بَابِ الْمِيرَاثِ، يُرَجَّحُ بِهَا دِلَالَتُهُ عَلَى أَخَصِيَّةِ الْقَرَابَةِ.

ص: 719

الْمُتَعَدِّيَةُ وَالْقَاصِرَةُ إِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا، سِيَّانَ حُكْمًا، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا.

وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْقَاصِرَةُ لِمُطَابَقَتِهَا النَّصَّ فِي مَوْرِدِهَا، وَأَمْنِ صَاحِبِهَا مِنَ الْخَطَأِ.

وَقِيلَ: الْمُتَعَدِّيَةُ، لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهَا، فَعَلَى هَذَا تُرَجَّحُ الْأَكْثَرُ فُرُوعًا عَلَى الْأَقَلِّ، وَمِنْهُ تَرْجِيحُ ذَاتِ الْوَصْفِ لِكَثْرَةِ فُرُوعِهَا عَلَى ذَاتِ الْوَصْفَيْنِ.

وَرُدَّ بِأَنَّ ذَاتَ الْوَصْفَيْنِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا، وَلَا مَدْخَلَ لِلْكَلَامِ فِي الْقَاصِرَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ فِي تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ، وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ إِمْكَانُ الْقِيَاسِ بِتَقْدِيرِ تَقْدِيمِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَالْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ، وَعَدَمِهِ بِتَقْدِيرِ تَقْدِيمِ الْقَاصِرَةِ كَالثَّمَنِيَّةِ فِيهِمَا، إِذِ الْقَاصِرُ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهُ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ وَالْيَقِينِيُّ عَلَى الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ، وَالْإِثْبَاتِيِّ عِنْدَ قَوْمٍ.

وَقِيلَ: الْحَقُّ التَّسْوِيَةُ، إِذْ بَعْدَ قِيَامِ دَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ لَا يَخْتَلِفُ الظَّنُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُؤَثِّرُ عَلَى الْمُلَائِمِ، وَالْمُلَائِمُ عَلَى الْغَرِيبِ، وَالْمُنَاسِبُ عَلَى الشَّبَهِيِّ.

ــ

الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ: «الْمُتَعَدِّيَةُ وَالْقَاصِرَةُ إِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا سِيَّانِ حُكْمًا» ، إِلَى آخِرِهِ.

اعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْقَاصِرَةَ قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيهَا هَلْ هِيَ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي نَفْسِهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ صَحِيحَةً لَمْ تُعَارِضِ الْمُتَعَدِّيَةَ، فَلَا تَرْجِيحَ كَغَيْرِ الْمُطَّرِدَةِ مَعَ الْمُطَّرِدَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ صَحِيحَةٌ، فَاجْتَمَعَتْ مَعَ الْمُتَعَدِّيَةِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ:

ص: 720

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ لَا رُجْحَانَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى «لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا» كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْقَاصِرَةَ أَرْجَحُ، فَتُقَدَّمُ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُطَابِقَةٌ لِلنَّصِّ فِي مَوْرِدِهَا، أَيْ: لَمْ يُجَاوِزْ تَأْثِيرُهَا مَوْضِعَ النَّصِّ، بِخِلَافِ الْمُتَعَدِّيَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُطَابِقِ النَّصَّ، بَلْ زَادَتْ عَلَيْهِ، وَمَا طَابَقَ النَّصَّ كَانَ أَوْلَى.

الْوَجْهُ الثَّانِي: «أَمْنُ صَاحِبِهَا» - أَيِ الْمُعَلَّلُ بِهَا - «مِنَ الْخَطَأِ» ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّعْلِيلِ بِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ كَالْمُتَعَدِّيَةِ، فَرُبَّمَا أَخْطَأَ بِالْوُقُوعِ فِي بَعْضِ مَثَارَاتِ الْغَلَطِ فِي الْقِيَاسِ، وَمَا أُمِنَ فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ أَوْلَى مِمَّا كَانَ عُرْضَةً لَهُ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ «الْمُتَعَدِّيَةَ» أَرْجَحُ، فَتُقَدَّمُ «لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهَا» ، كَالتَّعْلِيلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْوَزْنِ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَوْزُونٍ، كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالصُّفْرِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيلِ بِالثَّمَنِيَّةِ أَوِ النَّقْدِيَّةِ، فَلَا تَتَعَدَّاهُمَا، فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِالْوَزْنِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ مُتَعَدٍّ لِمَحِلِّ النَّقْدَيْنِ إِلَى غَيْرِهِمَا أَكْثَرَ فَائِدَةً مِنَ الثَّمَنِيَّةِ الْقَاصِرَةِ عَلَيْهِمَا لَا تُجَاوِزُهُمَا. «فَعَلَى هَذَا» - أَيْ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِتَرْجِيحِ الْمُتَعَدِّيَةِ - تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ فُرُوعًا عَلَى الَّتِي هِيَ أَقَلُّ فُرُوعًا.

مِثَالُهُ: لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْمَكِيلَاتِ أَكْثَرُ ; عَلَّلْنَا فِي الْبُرِّ بِالْكَيْلِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْكَيْلِ حِينَئِذٍ تَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا. وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْمَطْعُومَاتِ أَكْثَرُ ; عَلَّلْنَا فِيهِ

ص: 721

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِالطَّعْمِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا. وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْأَقَلُّ فُرُوعًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَكْثَرِ فُرُوعًا كَالْقَاصِرَةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُتَعَدِّيَةِ، وَيَخْرُجُ فِيهِمَا بِالتَّفْرِيعِ الْعَامِّ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ.

قَوْلُهُ: «وَمِنْهُ» - أَيْ: وَمِنَ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْفُرُوعِ - «تَرْجِيحُ» الْعِلَّةِ «ذَاتِ الْوَصْفِ» الْوَاحِدِ «عَلَى ذَاتِ الْوَصْفَيْنِ» فَصَاعِدًا، لِأَنَّ ذَاتَ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ أَكْثَرُ فُرُوعًا، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى وَصْفٍ وَاحِدٍ، وَمَا تَوَقَّفَ عَلَى وَصْفٍ وَاحِدٍ، كَانَ أَكْثَرَ فُرُوعًا مِمَّا تَوَقَّفَ عَلَى وَصْفَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَصَارَ هَذَا كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شُرُوطٍ. وَكَذَلِكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ أَقْرَبُ وُقُوعًا مِمَّا تَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ أَقْرَبُ وُقُوعًا مِمَّا يَثْبُتُ بِأَرْبَعَةٍ، فَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْأَقَلِّ أَكْثَرُ، وَعَلَى الْأَكْثَرِ أَقَلُّ، وَلِهَذَا كَانَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَدِّ نَقْصًا فِي الْمَحْدُودِ، وَالنَّقْصُ فِي الْحَدِّ زِيَادَةً فِي الْمَحْدُودِ، فَالْحَيَوَانُ الْمَشَّاءُ أَكْثَرُ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَالْحَيَوَانُ الْكَاتِبُ بِالْفِعْلِ أَقَلُّ مِنَ الْإِنْسَانِ.

قَوْلُهُ: «وَرُدَّ» ، أَيْ: وَرُدَّ تَرْجِيحُ ذَاتِ الْوَصْفِ «بِأَنَّ ذَاتَ الْوَصْفَيْنِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا» .

قُلْتُ: وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِحَسَبِ كَثْرَةِ مَوَارِدِ فُرُوعِ ذَاتِ الْوَصْفَيْنِ، وَقِلَّةِ مَوَارِدِ فُرُوعِ ذَاتِ الْوَصْفِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ. مِثْلَ أَنْ نُعَلِّلَ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِالْكَيْلِ وَحْدَهُ، وَيُعَلِّلُ غَيْرُنَا بِالْكَيْلِ مَعَ الطَّعْمِ، وَيَتَّفِقُ أَنَّ الْمَكِيلَاتِ الْمَطْعُومَةَ أَكْثَرُ مِنَ الْمَكِيلَاتِ غَيْرِ الْمَطْعُومَةِ. فَحِينَئِذٍ تَكُونُ فُرُوعُ ذَاتِ الْوَصْفَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ فُرُوعِ ذَاتِ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا فَمَتَى فَرَضْنَا اتِّفَاقَ مَوَارِدِ فُرُوعِهِمَا فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، كَانَتْ فُرُوعُ ذَاتِ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ بِالضَّرُورَةِ لِمَا حَقَّقْنَاهُ.

ص: 722

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِثْلَ: إِنْ فَرْضَنَا أَصْنَافَ الْمَكِيلِ مَعَ الْمُجَرَّدِ عِشْرِينَ، وَأَصْنَافَ الْمَكِيلِ مَعَ الْمَطْعُومِ عِشْرِينَ أَيْضًا، فَإِنَّ عِلَّةَ الْكَيْلِ تَجْرِي فِي الْأَرْبَعِينَ صِنْفًا، وَعِلَّةَ الْكَيْلِ مَعَ الطُّعْمِ لَا تَجْرِي إِلَّا فِي أَصْنَافِهَا الْعِشْرِينَ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

قَوْلُهُ: «وَلَا مَدْخَلَ لِلْكَلَامِ فِي الْقَاصِرَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ فِي تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ، وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ إِمْكَانُ الْقِيَاسِ بِتَقْدِيرِ تَقْدِيمِ الْمُتَعَدِّيَةِ، كَالْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ وَعَدَمِهِ بِتَقْدِيرِ تَقْدِيمِ الْقَاصِرَةِ، كَالثَّمَنِيَّةِ فِيهِمَا، إِذِ الْقَاصِرُ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهُ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ» .

قُلْتُ: مَعْنَى هَذَا: أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَرْجِيحِ الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ عَلَى الْقَاصِرَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ، أَيْ: لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ تَرْجِيحُ قِيَاسِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، لِأَنَّ الْقَاصِرَةَ لَا تَتَعَدَّى مَحَلَّهَا لِيُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ الْكَلَامِ فِي تَرْجِيحِ الْقَاصِرَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ إِمْكَانُ الْقِيَاسِ إِنْ قَدَّمْنَا الْمُتَعَدِّيَةَ، وَعَدَمُ إِمْكَانِهِ إِنْ قَدَّمْنَا الْقَاصِرَةَ.

مِثَالُهُ: أَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ فِي النَّقْدَيْنِ الْوَزْنُ وَالثَّمَنِيَّةُ، فَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْوَزْنِ أَمْكَنَ الْقِيَاسُ لِتَعَدِّي الْوَزْنِ مَحَلَّ النَّقْدِيَّةِ إِلَى الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِ. فَنَقُولُ: يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ بِجَامِعِ الْوَزْنِ. وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالثَّمَنِيَّةِ أَوِ النَّقْدِيَّةِ لَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا لِيُقَاسَ عَلَيْهِمَا.

وَهَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ لَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا، فَالْكَلَامُ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِلَّةِ

ص: 723

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْمُتَعَدِّيَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ، إِذِ التَّرْجِيحُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ مَوْجُودَيْنِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقَاصِرَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مُمْكِنٍ، فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّرْجِيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيَاسِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ؟

فَكَانَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فَائِدَةُ ذَلِكَ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِمَا ذَكَرْتُمْ، بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّا إِنْ رَجَّحْنَا الْمُتَعَدِّيَةَ، أَمْكَنَ الْقِيَاسُ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: «وَيُقَدَّمُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ وَالْيَقِينِيُّ عَلَى الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ وَالْإِثْبَاتِيِّ عِنْدَ قَوْمٍ، وَقِيلَ: الْحَقُّ التَّسْوِيَةُ» .

أَيْ: إِذَا تَعَارَضَ قِيَاسَانِ وَالْجَامِعُ فِي أَحَدِهِمَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَفِي الْآخَرِ وَصْفٌ حِسِّيٌّ أَوِ الْجَامِعُ فِي أَحَدِهِمَا حُكْمٌ سَلْبِيٌّ، وَفِي الْآخَرِ حُكْمٌ إِثْبَاتِيٌّ، فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ لَا حِسِّيٌّ، فَكَانَ الِاعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ السَّلْبِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الثُّبُوتِيِّ، لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلْأَصْلِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. هَذَا عِنْدَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَقُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. يَعْنِي الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ مَعَ الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ، وَالْحُكْمَ السَّلْبِيَّ مَعَ الْإِثْبَاتِيِّ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا قَامَ عَلَى عِلِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، ثَبَتَتْ عِلِّيَتُهُ، وَالظَّنُّ لَا يَتَفَاوَتُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَاسْتَوَيَا لِعَدَمِ مَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا، وَأَبُو الْخَطَّابِ يُرَجِّحُ الْعِلَّةَ الْحُكْمِيَّةَ، وَالْقَاضِي يُرَجِّحُ الْحِسِّيَّةَ.

قَوْلُهُ: «وَالْمُؤَثِّرُ» ، أَيْ: وَيُرَجَّحُ «الْمُؤَثِّرُ عَلَى الْمُلَائِمِ، وَالْمُلَائِمِ عَلَى الْغَرِيبِ» .

ص: 724

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْتُ: لِأَنَّ قُوَّتَهَا فِي أَنْفُسِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. وَقَدْ سَبَقَ حَقَائِقُهَا وَأَحْكَامُهَا وَصِفَاتُهَا وَمَرَاتِبُهَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ طَرِيقِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ عِنْدَ ذِكْرِ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ.

قَوْلُهُ: «وَالْمُنَاسِبُ» ، أَيْ: وَيُقَدَّمُ «الْمُنَاسِبُ عَلَى الشَّبَهِيِّ» . يَعْنِي إِذَا دَارَتْ عِلَّةُ الْقِيَاسِ بَيْنَ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ وَشَبَهِيٍّ ; قُدِّمَ الْمُنَاسِبُ، لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ، بِخِلَافِ الشَّبَهِيِّ فِيهِمَا.

ص: 725