الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الخامسة (في بيان ما تجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال)
قال الشيخ شهاب الدين محمود «1» الحلبيّ رحمه الله في «حسن التوسل» : يجب على الكاتب أن يراعي في ذلك أمورا.
منها- براعة الاستهلال بذكر الرّتبة، أو الحال، أو قدر النّعمة، أو لقب صاحب الولاية، أو اسمه، بحيث لا يكون المطّلع أجنبيّا من هذه الأحوال، ولا بعيدا منها، ولا مباينا لها، ثم يستصحب ما يناسب الغرض ويوافق القصد من أوّل الخطبة إلى آخرها.
ومنها- أن يراعي المناسبة وما تقتضيه الحال، فلا يعطي أحدا فوق حقّه، ولا يصفه بأكثر مما يراد من مثله، ويراعي أيضا مقدار النعمة والرّتبة فيكون وصف المنّة بها على مقدار ذلك.
ومنها- أن لا يصف المتولّي بما [يكون «2» ] فيه تعريض بذمّ المعزول [وتنقيص له «3» ] ، فإنّ ذلك مما يوعز الصّدور، ويورث الضّغائن في القلوب، ويدلّ على ضعف الآراء في اختيار الأوّل، مع إمكان وصف الثاني بما يحصل به
المقصود من غير تعريض بالأوّل.
ومنها- أن يتخيّر الكلام والمعانيّ فإنه مما يشيع ويذيع، ولا يعذر المقصّر في ذلك بعجلة ولا ضيق وقت، فإنّ مجال الكلام متّسع، والبلاغة تظهر في القليل والكثير.
قلت: ومنها أن يحرص الكاتب على أن تكون نهاية السجعة الأولى في السّطر الأوّل أو الثاني ولا يؤخّرها عن ذلك. ومما كان يراعى في ذلك أن تكون الخطبة من أوّلها إلى آخرها على رويّ واحد في السّجع، وكذلك الدعاء في أوّل صغار التواقيع والمراسيم المبتدأة بلفظ «رسم» بخلاف ما بعد ذلك إلى آخر ما يكتب، فإنه يتّفق فيه رويّ السجعتين والثّلاث فما حولها، ثم يخالف رويّها إلى غيره، ولا يكلّف الكاتب الإتيان بجميعها على رويّ واحد، وعلى ذلك كانت طريقة فحول الكتّاب بالدولة التركية، كالقاضي محيى الدّين «1» بن عبد الظاهر، والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، والمقرّ الشهابيّ بن «2» فضل الله، ومن عاصرهم إلّا في القليل النادر، فإنه ربّما وقع لبعضهم مخالفة رويّ الخطبة، وإلى هذا قد جنح غالب كتّاب ديوان الإنشاء في زماننا ومالوا إليه؛ لما في التزام الرّويّ الواحد في جميع الخطبة من التكلّف وعسر التلفيق على من يتعاناه.
ثمّ الكلام فيما يكتب في الولاية قد يكون جميعه بلفظ الغيبة، مثل أن يقال: عهد إليه بكذا، أو قلّده كذا، أو فوّض إليه كذا، أو أن يستقرّ في كذا، ونحو ذلك، ثم يقال: وأمره بكذا، أو ونحن نوصيه بكذا، أو فعليه بكذا، وما
أشبه ذلك، وقد يكون جميعه بلفظ الخطاب، مثل أن يقال: وقد عهد إليك بكذا، أو قلّدك كذا، أو فوّض إليك كذا ثم يقال: ونحن نوصيك بكذا، أو فعليك بكذا، ونحوه، وقد يصدّر بلفظ الغيبة ثم يلتفت منها إلى الخطاب، وقد يصدّر بلفظ الخطاب ثم يلتفت منه إلى الغيبة بحسب ما يؤثره الكاتب وتؤدّي إليه بلاغته مما ستقف على تنويعه في خلال كلامهم في أصناف الولايات الآتية في هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.