الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زيادة في عدده، وأن نصيبه من تحرّك السرور فيما يخلص إليه من المواهب كنصيبه؛ لتناسبهما في الإخاء، وتوافيهما في الصّفاء، وأن تراعى مع ذلك مرتبة المهنّي والمهنّى، ويبنى الخطاب على ما يقتضيه كلّ منهما.
وهذا مثال من ذلك:
زهر الربيع:
وينهي ورود الكتاب الذي تشرّف المملوك بوروده، وأشرقت الأيّام بكمال سعوده، وأرغم ببلاغته معطس مناويه وحسوده، فشكر أيادي من أنعم بإرساله، واكتسى بالوقوف عليه حلّة من حلل فخره وجماله، وبالغ في إكماله، حتّى وقف إجلالا له بين يديه، ثم تلا آيات حسنه على أذنيه، فوجده مشتملا على إحسان لم يسبقه إلى مثله أحد، ومنن أودعها فيه فلا يحصيها حصر ولا عدد، فهيّج بوروده رسيس الأشواق، وتقلّد بإنعام مرسله كما قلّدت الحمائم بالأطواق، ووجد لوعة لا يحسن وصفها لسان اليراع في الأوراق، وعلم ما أشار إليه المولى من التهنئة بالولد الجديد، بل بأصغر الخدم والعبيد، وما أبداه من الابتهاج لميلاده وأظهره من التفضّل المعروف من آبائه الكرام وأجداده، ولم لا يكون الأمر كذلك والوالد مملوكه؟ وهو مملوك السادة الأجلّاء أولاده، حرس الله مجده ومتّعه بثوب مكارمه، وخفض قدر محاربه ورفع كلمة مسالمه، ولا زال مماليكه تتزيد تزيّد الأيّام وسعادته باقية بقاء الأعوام، وعين العناية تحرسه في حالتي السفر والمقام، إن شاء الله تعالى.
الضرب الثامن (من التهاني التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من السّقم)
فمن ذلك:
وينهي أنه ما زالت أجسام أهل التّصافي، تشترك في الأسقام والعوافي، كما تشترك أنفسهم في التخلّص والتّوافي، ولمّا ألم بمولانا هذا الألم الذي تفضّل الله تعالى بإماطته، ومنّ فيه على السّؤدد بحراسة مولانا وحياطته، فرأيته
حالّا في جوارحي، محرقا لجوانحي، ممازجا لأعضائي، متملّكا لأنوائي «1» .
ولئن كنت قد تحمّلت من ذلك عبّا، وارتقيت من تحمّله مرتقى صعبا، فلقد فخرت بمماسّته، وأحمدت طبعي على مشاكلته، وشكرت الله تعالى إذ جعلني شعبة من سرحته، وجبلّة من طينته، وعلى ما سرّ به من إقالته وإنعاشه، ومصافاته وإبشاشه، وسألت الله تعالى أن يبقيه نورا يوضّح مغرب الدّهر ومشرقه، ودرّا يرصّع فود المجد ومفرقه، ويحسن الدّفاع عن حوبائه «2» وهو سبحانه يجيب ذلك ويتقبّله، ويرفعه ويسمعه، إن شاء الله تعالى.
وله في مثله:
المملوك يهنّيء مولاه خاصّة إذ جعله الله تعالى من صفوة أوليائه، وخالصة أحبّائه، الذين يبتليهم اختبارا، وينتابهم اختيارا؛ ليجمع لهم بين تمحيص وزرهم، ومضاعفة أجرهم، والحضّ على طاعته، والانصراف عن معصيته، ويهنّيء الكافّة عامّة بالموهبة في نوره المطلعة لأمل الإقبال، المروية لماحل الآمال، ثم أعطف على حمد الله على ما منّ به من إبلاله، ويسّره من استقلاله، والرّغبة إليه في أن يمنحه صحة تخلّد وتقيم، وعافية ترهن ولا تريم، وأن يحميه من عوارض الأسقام، ويصونه من حوادث الأيّام، بفضله وجوده، إن شاء الله تعالى.
أبو الفرج الببغاء:
أفضل ما يفزع إليه العبد المخلص، والمولى المتخصّص، فيما ينوب سيّده ويهمّ وليّ نعمته، الدعاء المقترن بصدق النية، وصفاء الطويّة [فالحمد لله الذي منّ بالصحّة وتصدّق بالإقالة، وتدارك بجميل المدافعة، وعمّ سائر خدمه أيّده الله بالنّعمة، وأعاده إلى أجمل عاداته من السلامة والصّحّة، فائزا بمدّخر
الأجر، متعبّدا بمستأنف الشّكر، فلا أخلاه الله من زيادة فيما يوليه، ولا قصدنا بسماع سوء فيه، وحرس من الغير مهجته، ومن المحذور نعمته.
وله في مثله:
ما كنت أعلم أنّ عافيتي مقرونة بعافيتك ولا سلامتي مضافة لسلامتك، إلى أن تحقّقت ذلك من مشاركتي إيّاك في حالتي الألم والصّحّة، والمرض والمحنة، فالحمد لله الذي شرّف طبعي بمناسبتك وجمّل خلقي بملاءمتك، فيما ساء وسرّ، وإيّاه تعالى أشكر على ما خصّني به من كمال غافيتك، وسبوغ سلامتك وسرعة إقالتك، وبه- جلّ اسمه- أثق في مزيدك من تظاهر النّعم، وتوفّر القسم.
وله في مثله:
ولولا أنّ متضمّن كتابك قرن ذكر المرض الهاجم عليك، بذكر ما وهبه الله لك من عود السلامة إليك، لما اقتصر بي القلق على [ما] دون المسير نحوك، والمبادرة لمشاهدتك، غير أنّ السّكون إلى ما أدّاه كتابك سابق الجزع، والطّمأنينة إلى ما وهبه الله من كفايتك حالت دون الهلع، فالحمد لله الذي منّ بالإقالة، وتصدّق بالسّلامة وعمّ بالكفاية، وهو وليّ حراستك وحراستي فيك.
وله في مثله:
سيّدنا في سائر ما يذكّره الله من هجوم ألم مؤذن بصحّة، واعتراض محنة مؤدّية إلى منحة، مرموق بالعافية، محروس من الله جلّ اسمه بالحفظ والكلاءة، فهو مع العلة فائز بذخائر الأجر، ومع العافية موفّق لاستزادة الشّكر، فالحمد لله الذي عقد الكرم ببقائه، وشفى مرض الآمال بشفائه، وكفاه اعتراض المخوف، وعوارض الصّروف.
وله في مثله:
ما انفرد جسمك بالعلّة دون قلبي، ولا اختصّت نفسك- حرسها الله تعالى- بمعاناة المرض دون نفسي، ولم أزل بالقلب تاليا، وفي سائر ما شكوته
بالنّيّة مساويا، إلى أن كشف الله الغمّة، وأقال العثرة، ونفّس الكربة، ومنّ بالسلامة، وتصدّق بالكفاية، وأوجب بالعافية علينا جميعا فروض الشكر، بعد ما ادّخره لك بالألم من كثرة الأجر، فالحمد لله على ذلك حمدا يؤدّي إلى حراسة ما خوّلك، ويؤذن بالمزيد فيما منحك.
ومن كلام المتأخرين:
أعلى الله قدر الجناب الفلاني، ولا زالت شموس أيامه لا تخاف كسوفا ولا أفولا، وأقمار لياليه تغرس في قلوب أوليائه ومحبّيه فروعا وأصولا.
المملوك يخدم خدمة من تحمّل جميلا، ونال من تفضّل الجناب «1» الكريم جزيلا.
وينهي ما حصل له من السّرور بعافية مولانا، فالشكر لله على ما جدّد من النّعمة التامّة، وسمح به من الكرامة العامّة، حين أعاد البدر إلى كماله، والسّرور إلى أتمّ أحواله، وما كانت إلّا غلطة من الدّهر فاستدركها، وصفقة خارجة عن يده فملّكها، فقرّت بذلك العيون، وتحقّقت في بلوغ الأمل الظّنون؛ وانجبر قلبه بعد ما وهن، وعاد جفنه بعد الأرق إلى الوسن؛ وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ
«2» ولقد كان يتمنّى المملوك لو فاز من الرّؤية الشريفة بحظّ السمع والبصر، وتملّى بمشاهدة وجهه الكريم فإنّ فيه البغية والوطر «3» .
والمملوك فما يعدّ نفسه إلّا من المحبين الذين بذلوا نفوسهم لمحبته وأعدّوها، والله تعالى يسرّ الأولياء بتضاعف سعوده، ويديم بهجة الأيّام بميمون وجوده، ويطيل في مدّته ويحرسها من الغير، ويحرس أحوال مزاجه الكريم على
القانون المعتبر، ويكفي أولياءه ومحبّيه فيه كلّ مكروه وحذر، إن شاء الله تعالى.
من زهر الربيع (متقارب) :
ولمّا شكوت اشتكى كلّ ما
…
على الأرض واهتزّ شرق وغرب
لأنّك قلب لجسم الزّمان
…
وما صحّ جسم إذا اعتلّ قلب
حرس الله جنابه، وأسبل عليه رداء السعد وأثوابه، ومتّعه ببرود العافية وجلبابها، وفتح له إلى نيل السعادة سائر أبوابها، ومنحه الكفاية والأمن في سربه، والعافية في جسمه من قلق كلّ مرض وكربه، وجمع له بين الثّواب والأجر وجازاه بجزيل الغفران عن جميل الصّبر.
المملوك يبشّر نفسه ومولاه بما منّ الله به من صحّة مزاجه الكريم، والإبلال من مرض كاد يدير كؤوس الحمام «1» على كلّ صديق حميم، ويحمد الله على عافيته حمدا جزيلا، ويشكره عليها بكرة وأصيلا، فإنّه قد عوفي لعافيته المجد والكرم، وزال عنه إلى أعدائه الألم، فالمولى حفظ «2» الله صحّته من السّقم، وحماه من ألم ألمّ، وجعل سعادته تتزايد على ممرّ الأنفاس، وجسده سالما من الأذى كسلامة عرضه من الأدناس، إن شاء الله تعالى.
الشيخ جمال الدين «3» بن نباتة:
وقى الله من الأسواء شخصه الكريم، وشمله النّظيم، وقلب محبّه الذي هو في كلّ واد من أودية الإشفاق يهيم.
ولا زالت الصحة قرينه حتّى لا يعتلّ في منازله غير مرور النّسيم، ويصف شوقا يزيد بالأنفاس وقدا، ويجدّد للأحشاء وجدا، ويباشر القلب المغرم فيمدّ له من عذاب الانتظار مدّا.
وينهي أنه جهّز هذه الخدمة نائبة عنه في استجلاء وجه أكرم الأحبّة، وتصافح اليد الّتي أقلام كتبها في شكوى البعاد أطبّة، مبدية إلى العلم الكريم أنّه مع ما كان يكابده من الأشواق، ويعالجه من خواطر الإشفاق، بلغه ضعف الجسد الموقّى، وعارض الألم الذي استطار من جوانح المحبّين برقا، فلا يسأل الجناب الكريم عن قلب تألّم، وصدر صامت بالهموم ولكنّه بجراح الأشجان تكلّم، ولسان أنشد (طويل) :
ألا ليتني حمّلت ما بك من ضنى
…
على أنّ لي منه الأذى ولك الأجر
ثم لطف الله تعالى وعجّل خبر العافية المأمولة، والصحة المقبلة عقيب الدّعوات المقبولة، فيا لها مسرّة شملت، ومبرّة كملت، وتهنئة جمعت قلوب الأودّاء وجملت، وأعضاء فدتها «1» عيون المها فنقلت عنها صفات السّقام وحملت، وعافية حوّلت إلى قلوب الأعداء المرض، وجوهر جسد طاهر زال [عنه] بأس العرض، فهنيئا له بهذه الصحة المتوافرة الوافية، والحمد لله ثم الحمد لله على أن جمع بين حصول الأجر ووصول العافية، وعلى أن حفظ ذاته الكريمة وحفظها هو المقدّمة الكافية الشافية (كامل)
وتقاسم النّاس المسرّة بينهم
…
قسما فكان أجلّهم قسما أنا
والله تعالى يسبغ عليه ظلال نعمه ويحفظه حيث كان في نفسه وأهله وخدمه، وكما سرّ الأحباب بخبر عافيته كذلك يسرّهم بعيان مقدمه.
أجوبة التهنئة بالإبلال من المرض والعافية قال في «موادّ البيان» «1» : أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تكون مبنيّة على وصف الألم وصورته وما تفضّل الله تعالى به من إماطته، وشكر المهنّي باهتمامه وعنايته.
وهذه أمثلة من ذلك:
من زهر الربيع:
أدام الله نعمته، وشكر منّته، وأدال دولته، وأعلى قدره وكلمته، وحتّم على الألسنة شكره والقلوب محبّته، ولا زالت التهاني من جهته وافدة، والبشائر واردة.
وينهي ورود الكتاب الذي أعدّته يد المعالي فعاد كريما، وشاهد حسن منظره فصار وجهه وسيما، وأنه وقف عليه، وأحاط علما بكلّ ما أشار المولى إليه، فذكّره أنسا كان بخدمته لم ينسه، وجدّد له وجدا ما زال يجد في قلبه ونفسه عينه ونفسه، ونشر من مآثره المأثورة، وفضائله المرقومة في صفائح الصّحائف المسطورة، ما شنّف به وشرّف، وشوّق إلى لقائه وشوّف، وأقام البرهان على ذكيّ فطنته، وزكيّ فطرته، وعلم ما أنعم به وتفضّل، وأحسن وتطوّل، من تهنئة المملوك بالإبلال من مرضه، والبرء من سقمه، والتخلّص من يدي وجعه وألمه، وسرّ بورود كريم مشرّفته، أعظم من سروره بلباس ثوب عافيته، وبدوام مجده وسعادته، أكثر من صحّة مزاجه واستقامته، فإنّ مكارم المولى كالحدائق النّاضرة، ومنزلته أعز في القلوب من الأحداق الناظرة.
فالحمد لله الذي منّ بالعافية من ذلك المرض، والداء الذي ألمّ بعرضيه فاحتوى منهما على الجوهر والعرض، وطال حتّى أسأمه من نفسه وعوّاده، وآيسه من