الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كاره لأن ينظر إليك بعين الاستقلال، حتّى لقد أخرجت الأضغان، وقبّحت الإحسان، وزهّدت في اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، والناس منك بين أسرار تفشى، وبوائق تخشى، وشناعات واردة، ونوادر باردة. ودّك تخلّق، وشكرك تملّق.
ومنه: لسعيد «1» بن حميد:
رجل يعنف بالنّعم عنف من قد ساءته بمجاورتها، ويستخفّ بحقّها استخفاف من لا يخفّ عليه محملها، ويقصّر في شكرها تقصير من لا يعلم أنّ الشكر يرتبطها، ومن كانت هذه حاله في اختياره لنفسه، فكيف أرجو حسن اختياره لي؟ ومن كان في مدّة من ابتلاء الله بعيدة ما بين الطّرفين لا أدري أينفذ بي الأجل إلى أقصاها؟ أم يقصّر بي في أدناها؟ فكيف يتّسع الصدر للصبر عليه؟ إنّ الله لا يخاف الفوت فهو يمهله، وإنه إن مات لم يخرج من سلطان الله جلّ وعزّ إلى سلطان غيره فيعاجله، وأنا على خوف من إعجال المدى عن بلوغ [مناي فأذهب]«2» حرجا صدري، وعلى ثقة من الشّغل في الآخرة بنفسي عن التّشفّي من أهل عدواتي وترتي «3» ، وأحمد الله على المحنة، وأسأله تعجيل روح النّعمة، وفسحة العافية.
النوع السادس عشر (في الأخبار)
قال في «موادّ البيان» : كتب الأخبار وإن كانت من الكتب الكثيرة الدّوران في الاستعمال فليست مما يمكن تمثيله، ولا حصر المعاني الوامقة «4»
فيه برسوم تشتمل عليها، نعم ولا أن نقدّم له مقدّمة تكون توطئة لما بعدها، كما يجري الأمر في سائر فنون المكاتبات الأخر الّتي لا تخلو من مقدّمات تحلّ منها محلّ الأساس من البنيان، والرأس من الجثمان، لكن المقدّمات الّتي توضع في الكتب من شرطها أن تكون مشتقّة من نفس معنى الكتاب، ومنهي الخبر لا يمكنه أن يستنبط من كل خبر ينهيه مقدّمة تكون باسطا له، وإنما يقول: كتبت من موضع كذا يوم كذا، والذي أنهيه كذا، بل الذي يلزمه أن يتحدّاه بطاقته، ويتحرّاه بجهده، أن يبيّن ما يطالع به من الأخبار، ويكشفه ويوضّحه ويفصح عنه، ولا يقف منه إلّا عند الشفاء والإقناع لتتقرّر صورته في نفس من ينهيه إليه، اللهم إلّا أن يكون الخبر مما يوجب الأدب العدول عن لفظه الخاصّ به، والإخبار عنه بألفاظ تؤدّي معناه، ولا يهجم على المخبر بما يسوء سماعه، كأن يكون خبرا يرفعه إلى سلطان «1» عن عبد له قد أطلق فيه ما يضع منه ويسقط مهابته، أو نحو من ذلك مما يثقل على السلطان المنغص منه، فإنه ينبغي أن يعدل في هذا وأمثاله عن التصريح إلى التعريض، ومن التصحيح إلى التّمريض، وعن المكاشفة إلى التّورية، وأن يأتي بألفاظ تدلّ على معاني ما يروم إبداءه، ويحرص [على] صورة منزلة السلطان وتوقيره عن قرع سمعه بما يكرهه ولا تجوز مقابلته به، وأن يقصد إلى استعمال الإيجاز والإطناب في المواضع الّتي تحتمل كلّا منهما، فهذا ما يمكن أن يتعرّف من رسوم هذا الباب.
قال: ومن نفذ فهمه وخاطره في الصناعة وتدرّب فيها، يكتفي بهذه اللّمعة.
ولا يحتاج إلى زيادة عليها.
في الإخبار بوقوع مطر وسيل من ترسّل أبي الحسين «2» بن سعد:
فالماء منه يفيض على العمران، بعد أن ضاقت به المغايص والغدران، فأتى على كثير من التّلال والرّوابي، فضلا عن الرّساتيق «1» والقرى، وصار الوادي على اتّساع عرضه، وامتداد طوله، وسعة مصبّه، وفسحة مغيضه، لا يفي بهضمه، ولا يقوم بحمله، ففاض منه ما عطّل العمران ونسق الدّور ومحق الزّروع، فعظم به البلاء، وكثر له الجلاء، وشمل الفساد، وعظم الخراب.
صدر كتاب بإخبار عن الخليفة:
كتبت، ومولانا أمير المؤمنين في توطّد من خلافته، وتمهّد من دولته، وعلوّ من رأيه، ونفاذ من كلمته، وعزّ من سلطانه، وارتفاع من شانه، ونعم سابغة عليه وعلى أهل طاعته، قالصة عن أعدائه وأهل مخالفته، واستقامة من أطرافه وثغوره، واستتباب من أحواله وأموره، الحمد لله على إحسانه حمدا لا يقف دون رضاه، ولا يحيط بمقداره سواه.
صدر بإخبار عن الوزير:
كتبت، وحضرة الوزارة السامية في نعم مخصبة الأكناف، بعيدة الأطراف، سادرة الويل، ساحبة الذّيل، وما أنظر فيه من أمر دولته منتظم، وأراعيه من أحوال رعيّته ملتئم، وقد وطّأ الله له أوعار السّياسة والتّدبير، ووقفه على جوادّ المصلحة في التقديم والتأخير، والحمد لله حمدا يستقلّ بحقّه فيقضيه، وبواجبه فيؤدّيه، وينتهي إليه عزّ سلطانه فيرضيه.
صدر بإخبار عن أمير:
كتبت، والأمير في علوّ من سلطانه، وارتفاع من شانه، وظفر يواكب ألويته، ونصر يصاحب دولته، ووافى عليّ من ظلّه، وشملني من فضله، ما سبغ لباسه، وطابت أغراسه، والحمد لله اعترافا بنعمته، حمدا يوجب شمول منّته،
ويستدعي الشكر عليها، ويقضي بمزيد منها.
صدر بأخبار عن عافية المكتوب عنه:
كتبت، وأنا صالح الحال، وقد منّ الله تعالى بالعافية والإنعاش، والإقالة والا «1» اش، وأعاد إليّ الصحة بعد نبوها وذهابها، والسلامة بعد نجعها وإغرابها، وأسبل النّعمة بعد الإنذار، والتحذير من الاغترار، ممحّصّا بما ألمّ من الآلام عصب الأيّام، والحمد لله أولى ما تليت به النّعم، وطرّز به المفتتح والمختتم، حمدا يؤمّن من التغيير والتبديل، ويعيذ من الانتقال والتّحويل.
أبن أبي «2» الخصال، في الإخبار عن زلزلة عظيمة وقعت بمدينة قرطبة «3» من الأندلس.
الشيخ الأجلّ، الوليّ الأكرم الأفضل، أبو فلان، الذي أطرفه الله تعالى بعجائب الأخبار، وأذهب به في مسلك الاتّعاظ ومنهج الادّكار، أبقاه الله آخذا في سنن الانزعاج ونهج الازدجار. المخلص له المحض الناصع من الولاء، ومعرفة غريب الآثار وعجيب الأنباء، فلان.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد حمد الله الذي جعل عبره أنواعا متلوّنة وصنوفا، وأرسل الآيات وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً
«4» . والصلاة على سيدنا محمد المصطفى
صلاة طيّبة تعبق تأريجا وتضوع تعريفا، وعلى آله وأصحابه الطاهرين الذين حضروا حروبا وشهدوا زحوفا، والدعاء لسيدنا الإمام أمير المؤمنين في نصر عزيز يؤنّس مذعورا ويؤمّن مخوفا، فإني كتبته- كتب الله لكم دعة حافظة وأمانا، وتصديقا بآيات الله البيّنة وبرهانا- من موضع كذا، عند ما طرأ علينا ما كحل العيون بقذاها، ومنعها لذيذ كراها، وأخفق الضّلوع الحانية وأقلق مصارين حشاها، وهو أنّ الله، عز وجل، ذكّر عباده إن نفعت الذّكرى، ونبّههم إن تنبّهوا ولم يأمنوا منه كيدا مبيرا ولا مكرا، وذلك بزلزال قضى به على قرطبة وبعض أعمالها، وملأ نفوس ساكنيها من روعاتها وأوجالها، وحالت لذلك في الخوف «1» والارتفاع أقبح حالها، حتّى نحوا إلى الاستكانة والضّراعة، وأطاع الله من لم يكن له قبل ذلك طاعة، وخشوا بل كانوا يوقنون أنّها زلزلة الساعة. وكان من عظيم آثارها، وكريه إيرادها وإصدارها انهدام القبّة العظمى في المسجد الجامع صانه الله، وكانت قبّة أسّس على التّقوى بناؤها، وذهب في المشارق والمغارب ذكرها العاطر وثناؤها، وتهدّمت بسبب ذلك الهدم ديار كثيرة، وحدث به حوادث مبيرة. وأما تلوكة من أعمالها، وكان فيها مبنى من مباني الرّوم، فإنه غادرها قاعا صفصفا، وقرا نفنفا، واضطرّ ذلك الخطب الفادح، والرّيح القادح، إلى أن خرج السيّد أبو إسحاق وكافّة أهل قرطبة من ديارهم، وفرّوا من الموت بأقواتهم وأصحابهم، ثم إنّ الله عز وجل تدارك بالرّحمى، وكشف تلك الغمّى، جعل الله ذلك صقلا لقلوبنا، وتوبة عما سبق من ذنوبنا، وعصمنا من جرمنا الموبق وحوبنا «2» وأولانا وإيّاكم أمنا من الغير، وازدجارا بما ظهر من العبر، وجعل كلانا «3» جميل الحوادث طيّب الخبر، بمنّه، والسّلام الطيب المبارك ورحمة الله وبركاته.
من كلام المتأخرين في الإخبار بقدوم نائب إلى نيابة.
من ذلك نسخة كتاب عن نائب الشام إلى كافل الممالك الإسلامية مخبرا له بوصوله إلى دمشق، من إنشاء الشيخ جمال الدين «1» بن نباتة، وهو بعد الألقاب:
لا زالت آفاق الممالك مضيّة بأنوار شمسه، هنيّة بأنس سعادته وسعادة أنسه، سنيّة المقاصد الّتي قام في كفالتها بنفاسة نفسه، ولا برح يستثمر من خير الدّنيا والآخرة ما قدّم صنعه الجميل من غرسه، تقبيلا يشافه به القلم القرطاس، ويودّ المملوك لو شافه به الخدم ساعيا سعي القلم على الرّاس. وينهي قيامه بوظائف دعاء ينير الحلك، وولاء يدور بكواكب الإخلاص إدارة الفلك، وحمد تذهب به صفحات الصّحف حيث ذهب وتسلك عقود الأفلاك حيث سلك، وأنّه خدم بهذه العبوديّة عند وروده إلى دمشق المحروسة لنيابة كانت عناية مولانا سفيرة أمرها، ومميّزة برّها، يوم كذا، وسعادة مولانا السلطان- خلّد الله ملكه- تعلّمه وتعلمه، والغيث ببركات الدولة القاهرة يسايره ويقدمه، وثغر المطر يسابق ثغر المملوك إلى مشافهة الثّرى ويلثمه، والرعيّة منه آمنة في سربها، وادعة بظلال الأبواب الشريفة مع بعدها دعة الصّوارم في قربها، وباكر المملوك يوم الاثنين الذي بورك فيه، في الخميسين من يوم وجيش، وانتصب لمهمّات على مثلها في الخدمة يطيب أن يرفغ لين العيش، مجتهدا فيما هو بصدده، مستمدّا من ربّه، عز وجل، وسعادة سلطانه برشده، معتدّا نعم مولانا فيما يأتي [في] ذلك من أوفى وأوفر عدده ومدده، والله تعالى يعين المملوك على شكر منن مولانا الباطنة والظاهرة، والغائبة والحاضرة، والمقيمة والمسافرة، ويصل نفع المملوك بولائه في الدنيا والآخرة، ويقيم الرّعايا بالأمن من كفالته الّتي ما