الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحطّ به الرائد رحله، ويوفد إليه أهله، ويدعو إلى اختيار من يهبّ إلى السّرور، ويساعد على الحضور، للمشاركة في التملّي ببهجته، والتمتّع بنضرته، فكان مولاي أوّل من جرى إليه ذكري، ووقع عليه طرف فكري؛ لأنه الساكن في فؤادي، الحالّ في محلّ رقادي، فإن رأى أراه الله ما يقرّ العين أن يكمّل مسرّتي بنقل قدمه إليّ، وإطلاع سعد طلعته عليّ، ليتمّم محاسن ما وصفته، ويكمل الالتذاذ بما شرحته، فعل، إن شاء الله تعالى.
أجوبة رقاع الاستزارة قال في «موادّ البيان» : لا يخلو المستزار من الإجابة إلى الحضور أو التثاقل عنه فإن حضر على الفور، فلا جواب لما نفذ إليه، وإن وعد الحضور وتلوّم ليقضي شغلا ويحضر، فينبغي أن يبني الجواب على سروره بما دعي إليه، وحسن موقعه منه، وأنّ تلوّمه للعائق الذي قطعه عن أن يكون جوابا عما ورد عليه، وأن حضوره يشفع رقعته. وإن أيس من الحضور، وجب أن يبنى الجواب على ما يمهّد عذره، ويقرّر في نفس مستزيره أنه لم يتأخّر عن المساعدة على الأنس إلّا لقواطع صدّت عنه، يعلم المعتذر إليه صحّتها لينحرس ما بينهما من المودّة، فإنّ كثيرا ما تتفاسد الخلّان من مثل هذه الأحوال.
النوع السابع (في اختطاب المودّة وافتتاح المكاتبة)
قال في «موادّ البيان» : الرّقاع الدائرة بين الإخوان في اختطاب المعاشرة، وانتماء المكاثرة، وطلب الخلطة والمؤانسة، يجب أن يقدّر الخطاب فيها على أن يصل المرغوب في عشرته إلى الانخراط في سلك أحبّائه، والانحياز إلى أهل ولائه، ويبعث على قصده، في الالتحاق بودّه، ويدلّ على المماحصة، والصّفاء والمخالصة، وما جرى هذا المجرى مما يتعامل به أخلّاء الصّدق، ويجعلونه مهرا لما يلتمسونه من الممازجة، ويرومونه من الاختلاط والمواشجة.
قال: وينبغي أن يذهب الكاتب في هذه الرّقاع مذهبا لطيفا، ويحسن
التوصّل إلى الإفصاح عن أغراضها، ليأخذ بمجامع القلوب، ويعين على نيل المطلوب.
وهذه نسخ من ذلك:
رقعة: وينهي أنّ المملوك لم يزل مذ وقع طرفه على صورته، وولج سمعه بعد شيمته، يناجي نفسه بافتتاح مكاتبته ومراسلته، واختطاب ممازجته ومواصلته، رغبة في الاعتقاد بإخائه، والارتشاف من مشارع صفائه، والمقادير تطوي الطّويّة على ما فيها، والعوائق تمطل النيّة بنجاز ما تنويه وتلويها، إلى أن أذن الله تعالى بإعراض الأعراض، وانقباض أسباب الانقباض، فأظهر المملوك ما في القوّة، واثقا من مولانا بحسن المروّة، وأنه يوجب القبول بإجابته، ويجيب إلى مساعدته، ويرضى المملوك أهلا لاصطفائه، ومحلّا لإخائه، عالما بإيجابه للحقّ، والمعرفة بالسّبق، وأن تلقى هذه الرغبة بالقبول، ويسلّم إليها مفتاح المأمول.
رقعة: لو كانت المودّة لا تحصل إلّا عن ألفة تالدة، ومواصلة سالفة، لم يستطرف المرء صفيّا، ولم يستحدث وليّا. وما زال البعداء يتقاربون، والمتناكرون يتعارفون. ولمّا نمي إلى المملوك من أنباء مولانا ما تضوّع عطره، وطاب نشره، سافر بالأمل إليه، وقدم بالرّغبة عليه، طالبا الانخراط في سلك أوليائه، والاختلاط بخاصّته وخلصائه، ومثل مولانا من أجاب السّول، وصدّق المأمول، والمملوك يرجو أن تكشف الأيام لمولانا منه عن خلّة صادقة، ومودّة صحيحة، لا تضيع معها إجابته، ولا تخسر صفقته.
رقعة: وينهي أنّ المملوك ما زال مذ وقع طرفه على صورته البدريّة، وأحاط علما بخلائقه المرضيّة، راغبا في مواشجته، باعثا نفسه على اختطاب مودّته، وإكباره يقعده، وإعظامه يبعده، فلما تطاول يراع همّته، شجعت على إنفاذ عزمته، فقدّم مكاتبته أمام مشافهته، فإن حظي بالإجابة وتنويل الطّلبة، فقد فاز قدحه، وتبلّج صبحه، ونال مناه، وبلغ رضاه، وصادف هناه، وديدا موثوقا
بودّه، مسكونا إلى عقده وعهده، يحمده عند الاختبار، ويعرف به صحّة رأيه عند الاختيار، والمملوك يرجو أن يصحّ ما سأله وكفله، إن شاء الله تعالى.
رقعة: وينهي أنّ من عمر الله تعالى بثنائه المحافل، وعطّر بأنبائه الفضائل، وأقام من مساعيه الكرام خطيبا يخطب بسودده وفضله، ويعرب عن شرف محتده «1» وأصله، تطلّعت الآمال للانتظام في سلك أحبّائه، وتشوّفت الهمم إلى الامتزاج بخلصائه وأوليائه، لما يضفو على المعتصم بعرى مصافاته من لباس جماله، ويحلّي المعتزي إلى ولائه من خلى جلاله، وأحقّ من أسعفه مولانا بالمودّة إذا خطبها، وأجابه إلى المصافاة إذا طلبها، من بدأه بالرّغبة، ومتّ إليه بالمحبّة، لا لمرغب ولا مرهب، واختاره لنفسه على علم بكماله، ومعرفة بشرف خلاله.
وما زال المملوك مذ أطلعه الله على ما خصّ به مولانا من المحاسن المتعذّرة إلّا لديه والفصائل الممتنعة إلّا عليه، يحوم على مسارع ممازجته ولا يردها، ويروم مواقع مواشجته ولا يعتمدها، إكبارا لقدره، وإعظاما لخطره، وخوفا من تصفّحه ونقده، وإبقاء على ماء وجهه من ردّه. والمملوك وإن كان عالما بأنّ كرم مولانا يرقع الخلل، وفضله يصدّق الأمل، فإنه لا يعدم مذ رغب في قرب مولانا ما لعلّه يجده فيه، مما يخالف مذهبه وينافيه، إذ كان لا يبلغ تضاهيه في التّمام وتوافيه، إلى أن أذن الله تعالى بأن أبلغ نفسه الأمنيّة، وأظهر ما طويت عليه الطّويّة، فكتب هذه الرّقعة وجعلها فيما رامه من الاعتلاق بحبل مودّته سفيرا، وعلى ما التمسه من الانضمام إلى جملته ظهيرا، وقدم بها عليه وظنّه يترجّح عن الإعراض إلى القبول، ثقة بقرب نيل المأمول، فإن رأى أن يجيبه إلى ما سأله، ويسرّه بتنويل ما اقترحه، فعل، إن شاء الله تعالى.
اختطاب المودّة ومفاتحة المكاتبة من كلام المتأخرين:
الشيخ جمال الدين بن نباتة:
وضاعف للممالك ببقائه الانتفاع، وبارتقائه الارتفاع، وسرّ بمحاسن نظره وخبره العيان والسّماع.
ولا زال للمحبّين من ودّه عطف المتلطّف وللأعداء من بأسه خطف الشّجاع، أصدرها المملوك منطوية على ما عهد من صدق المحبّة، ووفاء العهود المستتبّة، ودرر المحامد الّتي لا تسوى «1» لديها درر العقود حبّة، مبدية لعلمه الكريم أنّ المودّات إذا صفت، والقلوب إذا تجنّدت وتعارفت، حثّت المحبّين في البعاد على المفاتحة بكتبهم ورسائلهم، والمخاطبة في ظلال الأوراق بألسنة أقلامهم من لهوات أناملهم، إيثارا لتجديد الأنس وإن صحّ الميثاق، وتذكارا لخواطر الودّ، وإن رسخت منه الأصول ونمت الأعراق، ولذلك فاتح بها مخاطبا، وارتقب لمناديها بالأخبار السارّة مجاوبا، نائبة عنه في مشاهدة الوجه الكريم، ومصافحة اليد في حديث برّها القديم، تستطلع أخباره، وتستعرض أوطاره، وتحيّي بالسلام وجهه وعهده ودياره، على يد فلان، وقد حمل من المودّات والمشافهات ما يعيده على السّمع الكريم المنعم بإصغائه، المصغي بنعمائه، المتحف بالمهمّات الّتي يحصل فوز القيام بها، والمشرّفات الّتي كلّ أسباب السّرور متصل بسببها، والله تعالى يبهج من تلقائه سمعا ونظرا، ويبقي عيش حاسده هشيما وعيش محبّيه نضرا، ويديم رياض ذكره تالية على المسامع: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً
«2» .
أجوبة اختطاب المودّة قال في «موادّ الليان» : لا يخلو من يرام ذلك منه من أن يجيب أو يعتلّ،