الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له أوّلها التعلّق بحبل رجائه المحصد، وانتمائه المرصد، والتجمّل بقصد باب مولانا الذي هو المهمّ المقدّم على كل مقصد، وهو من الفضلاء الذين يعرفهم انتقاد مولانا معرفة الخبير، وله اتصال بالأكابر الذين سلّم منهم زمام المفاخر كلّ كبير، وقصد من المملوك هذه الخدمة لمولانا تؤنس اغترابه، وتنشد المقرّ الذي ما قرع سنّ الندامة من قرع بابه (خفيف) :
يا غريب الصّفات، حقّ لمن كان
…
غريبا أن يرحم الغرباء
والمملوك يسأل من إحسان مولانا ملاحظة المذكور بعين عنايته الّتي ما أغفت عن القاصدين ولا غفلت، وعواطفه الّتي طالما فتحت أبوابها فأثنت عليها الركائب الّتي قفلت؛ والله تعالى يديم تقليد الأعناق بكلمه وبرّه، ويمتّع الممالك الساحليّة بما قذف لها من درر بحره.
النوع الخامس (التشوّق)
قال في «موادّ «1» البيان» : وينبغي للكاتب أن يجمع لها فكره، ويظهر فيها صناعته، ويأخذ في نظمها مأخذا من اللّطافة والرّقّة يدلّ على تمازج الأرواح، وأتلاف القلوب، وما يجري هذا المجرى، وأن يستخدم لها أعذب لفظ وألطف معنى، ويذهب فيها مذهب الإيجاز والاختصار، ويعدل عن سبل الإطناب والإكثار، لئلا يستغرق جزءا كبيرا من الكتاب فيملّ ويضجر، وينتظم في سلك الملق والتكلّف اللذين لا يعتادهما المتصافون من الأصدقاء.
وهذه نسخ من ذلك:
أبو الفرج «2» الببغاء:
شوق المملوك إلى مولانا بحسب مكانه من تفضّله، وحظّه من جميل نظره، واختصاصه بإنعامه، واغتباطه بشرف خدمته، ومكانه من إيثاره، والله يجمع للمملوك شمل السعادة بمشاهدة حضرته، و؟؟؟ «1» من الدّهر بالنظر إلى غرّته، على الحال السارّة فيه وبه.
وله: شوق المملوك إليه شوق الظّمآن إلى القطر، والسّاري إلى غرّة الفجر.
وله: شوقي إليه شوق من لم يجد مع بعده عوضا عنه، فتقوده الزيادة إلى الانصراف بالرّغبة عنه.
وله: شوقي إليه شوق من فقد بالكره سكنه، وفارق بالضّرورة وطنه.
وله: لو كان ما يصدره من خطاب، ويناجيه به من متضمّن كتاب، بقدر ما أعانيه من ألم الشوق إلى غرّته، ومضض الفائت من مشاهدته، لما أحاطت بذكره بسطة لسان، ولا ناب في إثباته استخدام بنان.
وله: أمّا الدهر فما يستحقّ من إبعاد المملوك عنه عتبا، ولا يعدّ ما جناه من ذلك ذنبا، إذ كان إنما نقل من حشمة المخاطبه، إلى انبساط المكاتبة.
وله: وقدره- أبقاه الله تعالى- يرتفع عن ذكر الشّوق إليه، فالمملوك يعبّر عنه بذكر الشوق إلى ما فارقه من تفضّله، وبعد عنه من أوطان تطوّله.
وله: ولولا أنّ المملوك يخمد نار الاشتياق، ويبرّد أوار الفراق، بالتخيّل الممثّل لمن نأت محلّته، والتفكّر المصوّر لمن بعدت شقّته، لألهبت أنفاسه، وأسعرت حواسّه، وهمت دموعه، وأنقضت ضلوعه، والله المحمود على ما وفّق له من تمازج الأرواح، عند تباين الأشباح.
وله: ولا بدّ أن يكفّ بالمكاتبات، من غرب الاشتياق، ويستعين بأنس
المراسلات، على وحشة الفراق، فإنها ألسن ناطقة، وعيون على البعد رامقة.
وله: عند المملوك لمولانا خيال مقيم، لا يبرح ولا يريم، يجلو عليه صورته، ويطلع على عين فكرته طلعته، إن سهر المملوك سامر معينا على السّهاد، أو رقد تصوّر معذبا طعم الرّقاد، لا يمطله بزيارته، ولا يوحشه بغيبته، كأنما تصوّر بصورته في الوفاء، وتخلّق بخلقه في المحافظة على الإخاء.
وله: إن تزايلت الأشباح، فقد تواصلت الأرواح، وإن نزحت الأشخاص وبعدت، فقد دنت الأنفس وتقاربت، فلا تمضّ الفرقة وتؤلم، وتنغّص النّوى وتكلم، وقد ينال بتناجي الضّمائر، وتحاور السّرائر، ما لا تصل إليه الإشارة، ولا تدلّ عليه العبارة، إذ الأنفس البسيطة أرقّ مسرى، وأبعد من الألسنة مرمى.
التشوّق من كلام المتأخرين:
نسخة كتاب من ذلك، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو بعد الصدر:
لا زال الدّهر يقضي خدمه، ويمضي رأيه وسيفه وقلمه، ويرضي الدّول الشاكرة تقديمه فيها وقدمه، ولا برحت الأقدار المعربة تجزم أمره وتكسر ضدّه وترفع علمه، تقبيلا إذا لثم التّرب التثمه، وإذا أودع القلب في ذلك التّرب ختمه.
وينهي مواظبته على ولاء لا ينسخ البعد محكمه، ودعاء يقابل النّجوم ولا تنقطع من القبول إدراراته المنجّمة.
وينهي أنه سطّرها عن شوق يعزّ عليه أن ينوب فيه سعي القلم، عن سعي القدم، وارتياح إلى القرب الذي بأنسه يؤنسه أنوارا على أعلى علم، وتطلّع لمعاودة الأخبار أوفى من تطلّع العامريّ إلى معاودة أيّام ذي سلّم، وتعلّل بقول القائل (وافر) .
بعثت لكم سوادا في بياض
…
لأنظركم بشيء مثل عيني
وهيهات! أين نظرات الحروف المرقومة من نظرات العيون الرامقة، وأين
منال السّلوّ من شجو يقول (بسيط) :
أعيذها نظرات منك صادقة.
ما يحسب المملوك من النظر إلّا ما يملأ العين من ذلك الوجه الكريم، ولا يلبس من خلع الأيّام إلّا ما تخيط الأهداب على شبا ذلك القرب الرّقيم، وعلى ذلك فقد جهّزها المملوك على يد فلان، وحمّله من رسائل الشّوق ما يرجو أن ينهض فيه بأعباء الرّساله، ويسأل الإصغاء والملاحظة فيما توجّه فيه وإن أدّت الأمالي إلى الملالة، والله تعالى المسؤول أن يبلّغ في امتدادها مولانا الأمنيّة، ويمتّع الدّول منه بهذه البقيّة النقيّة، إن شاء الله تعالى.
نسخة كتاب في المعنى عن نائب الشام، إلى القاضي «1» علاء الدين بن فضل الله، كاتب «2» السّرّ بالأبواب السلطانية، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا، وهو بعد الألقاب:
لا زال قلمها مفتاح الرّزق لطالبه، والجاه لكاسبه، والظّفر لمستنيب كتبها عن كتائبه، والنّجح لرائد مطالبة الدّهر بعد المطال به، ولا برح البأس والكرم يتحدّثان عن بحرها ولا حرج عن عجائبه، تقبيلا تغبطه في مرابعها، ثغور الأزاهر، لا بل تحسده في مطالعها، ثغور الزّواهر.
وينهي بعد دعاء أحسنت فيه الألسنة وأخلصت الضّمائر، وولاء وثناء لهما مصاعد النّجمين إلّا أنّ هذا في القلوب واقع وهذا في الآفاق طائر- أنه جهّز هذه الخدمة معربة عن شوق يتجدّد، وارتياح لا يتعدّى ولا يتعدّد، ساعية عنه بخطوات الأقلام، أن منع الوقت خطوات الأقدام، نائبة في تقبيل الأنامل الّتي تستسقى ديمها على القرب والبعد ولا كيد ولا كرامة للغمام، وجهّزها على يد فلان بعد أن حمّله من رسائل الشوق ما إنّ حملنا من إحسانه لينضي عقود الأنجم لو تعدّدت، ومفاتيح أبوابه لتنوء بالعصبة أولي القوّة لو تجسّدت، وهو بين
يديه يقدّم نجواها، ويستشهد بالخاطر الكريم قبل حضور دعواها، والمسؤول إصغاء السّمع الكريم إليه، والملاحظة فيما توجّه فيه متّكلا على الله وعليه، وإذا عاد مشمولا بعناية مولانا المعهودة، مكفولا برعايته المقصورة على نجح الآمال الممدودة، فلينعم على المملوك من المشرّفات الكريمة بما يسكّن على جور البعد خواطره الدّهشة، ويعينه على الوحشة الّتي حرّكها نحوه البعاد فهي الوحشة، والله تعالى يشكر همم مولانا غائبا وحاضرا، وشافعا لرسائل خدمه وناظرا، ويخصّ بابه العلويّ بسلام كسلام سقيط الطّل عن ورق الغصن ناضرا.
آخر من كلامه: كتب به إلى بعض رؤساء مصر.
وينهي أنه سطّرها معربة عن شوق مقيم، وعهد لا يبرح على صراطه المستقيم، وآرتياح لجنابه، أو لكتابه، ليتلو لإنصات شجوه: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ
«1» ، متطلّعا لما يرد من أخبار مولانا السارّة البارّة، مرتقبا لأنبائه ارتقاب الزّهيرة الفاغرة إلى ضرع الغمام الدّارّة، ولو أنّ كلّ ما يتمنى المرء يدركه، وكلّ ما يقترح على الدّهر يملكه، لغني بقرب المخاطبة، عن بعد المكاتبة، واستجلى كوكب الجمال المشرق وأقصر في ليالي الانتظار عن المراقبة. وقد جهّزها على يد فلان، وحمّله من رسائل الشوق أوفى وأوفر من رسائل الصّفا، وسأل الإصغاء والملاحظة من مولى كجاره النيل معروف المنافع والوفا، ولآمال المملوك بمشرّفاته وأوامره جمال حين يريح وحين يسرح، وحين يقتصر على مقترحات الأيام حين يشرح، فينعم مولانا بمواصلتها على هذه المقدّمة، ويجعل ذلك من إدرارات صلاته المنجّمة، والله تعالى لا يعدم المملوك في حال كرمه، إما أن يفيض في القرب بحره وإما أن يبعث على البعد ديمه.
وله إلى كاتب السر:
أعلى الله أمر قلمها على الأقلام، وأدام بفيض أنامله عليه بسط كلمة الإسلام، وراع بكتائب كتبه العدا إذا انتبهوا، فإذا أغفوا «سلّت عليهم سيوفها الأحلام» .
ولا زالت تلك الأقلام العالية في تلك اليد الكريمة إن لم تكن من المنشئات، فإنها من المنشآت في البحر كالأعلام، تقبيل مواظب على دعاء يطلع طلوع طرّة الصبح تحت ذلك الظلام، وولاء إذا اعتبر الخاطر مسعاه وخدمته، قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ
«1» .
وينهي أنه جهّز هذه الخدمة مقصورة على وصف الأشواق الممدودة، وجوانح الشّجو المعهودة، وأنفاس التذكّر الّتي لولا شرف مذكورها لم تكن عنده من الأنفاس المعدودة، فيالها مقصورة على شوق ما فيها غير طيور الجوانح خفّاقة الجناح، سبّاقة الارتياح، ويا لها أنفاس ذكر أغنت منادمتها عن كيس كأس واقتراح وقت راح، ويا لها ورقة فازت بمشافهة لثم اليد الشريفة فكرمت وصفا، ونأت عن فخار الروض عطفا، واستطابت بشفاه السّطور على تلك البنان رشفا (طويل) .
وسطّرتها والجسم أنحل ما يرى
…
فيا ليتني أصبحت في طيّها حرفا
واصلة إلى الباب الكريم بسلام وصل عبقه قبل ما وصلت، واردة على يد فلان وقد حمل من رسائل الصّفاء والودّ مثل ما حملت، وحصلت على القرب، ويا أسفى على ما حصل وحصلت. والمملوك يسأل الإصغاء إليها وإليه بفضل النظر والسّمع، والإنعام على المحبّ المفارق بمشرّفات تجلو عليه أيام جمع، وتعينه على أوقات وحشة إذا وصفها المشتاقون وأقلامهم ولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع، لا برح ذكر مولانا عليّا، وبرّه بملء الآمال مليّا، ووصفه بالتّقى وسحاب الجود على الحالين وليّا (سريع) .
يا منية النّفس ويا مالكي
…
مذغبت عنّي لم تنم مقلتي.
إن بنت عن عيني برغمي فقد
…
سكنت في قلبي وفي مهجتي
لا أوحش الله من طلعته، ولا أخلى من كريم مساعدته، وجمع شمل الأنس بخدمته.
المملوك يشكو من المولى فراقا أوجب له على نفسه فرقا «1» وجيش صدود منحه من العزائم طوائف وفرقا، وداء صبابة كلّما ترجّى الإفراق «2» منه ازداد تلهّبا وحرقا، ووجوب قلب تحتّم لغيبته ووجب، ودمع عين يمحو مهما عبّر عنه لسان قلمه أو كتب، وقد أطال الهجر تألّمه وعتبه، وأطار سنته ولبّه، مذ وصل المولى غيره وقطع عنه كتبه، والمولى يعلم أنّ المملوك لفظ والمولى معناه، وسعده شخص وأنت وجهه الميمون ويمناه، فيواتر إرسال مكاتباته، ويتحف بمأثوره ولباناته، ويعطّر بذكره الجميل الأماكن ويشنّف المسامع، كما شرّف بحلوله فيها الأضالع، والله يديمه ويمدّه بالإسعاف والإسعاد، وينصره على الأضداد والحسّاد (وافر) .
أقاسي من بعادك ما أقاسي
…
وقلبك راحم وعليّ قاسي
وأحمل من نواك بضعف نفس
…
عناء يعجز الشّمّ الرّواسي
وتبعدني وأمرك إن أتاني
…
جعلت محلّه عيني وراسي
قرّب الله أوبته، وعجّل رؤيته، وحرس نفسه من الغير والحادثات، وصان حجابه المنيع عن الملمّات المؤلمات، وجمّل الأيام بوجوده، والأنام بجوده، ولا زالت الدنيا به مجمّلة، وأعناق أبنائها لمننه متحمّلة.
صدرت هذه الخدمة إلى خدمته متضمّنة إهداء سلامه، وشاكية لغيبته جور أيّامه، ومنهية شدّة أشواقه الّتي أفنت بالصّبابة قلبه، وأذهبت حشاشته ولبّه، وهي في ذلك نائبة مناب سائر الخدم، ومعبّرة عن ألسنة الأقاليم بلسان القلم، فإنّ الأعين متطلّعة إلى رؤيته، والقلوب متعطّشة إلى قفوله ورجعته، كما تتطلّع إلى السماء عيون النّرجس، وتتعطّش الرّياض إلى الوابل الغدق بعد اليوم المحرّ المشمس، فالمولى يجعل مواصلته بأخباره فرضا لازما، ويمتنع من إغفاله كما يمتنع من لذّة الطعام إذا كان صائما، فإنّ المولى هو صورة الجود ومعناه، وبيته الكريم فناء الخير ومغناه، والناس ما لم يروك أشباه؛ حرسه الله وتولّاه، وضاعف علاه، والسّلام. (رجز) .
يا أجمل الناس سناء وسنا
…
جفت جفوني لجفاك الوسنا
ثمار آلام، إلام أجتني؟
…
يا ليتني أعلم حظّي ما جنا
وأنتم يا أهل بان لعلع
…
مذ بنتم لم أر شيئا حسنا
أقمتم بمنحنى أضالعي
…
وسرتم يا أهل وادي المنحنا
في بعدكم منيّتي لا تبعدوا
…
وقربكم غاية سؤلي والمنا
خلّد الله سعادته، وبلّغه من العلياء إرادته، وأثّل مجده، وأدام سعده، وأعذب منهله وورده.
المملوك يتشوّق إلى لقائه، ويتشوّف إلى أنبائه، ويصف شديد أشواقه وصبابته، وحنينه إلى مشاهدة المولى ومشافهته، وما يجده لذلك من ألم في جوارحه الجريحة، وسقم في جوانحه الصحيحة، ويلتمس مواصلته بكتبه آناء الليل وأطراف النهار، وأخباره السارّة ليتضاعف له مزيد الاستبشار، فإنّ القلب بنار الصّبابة قد وقد، وأما صبره على [بعده] فقد فقد، ومتى ورد كتاب المولى شفي الغليل، وأبلّ «1» العليل، ونجع طعم الحياة ونجح التأميل، فليصيّر وتر