المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته) - صبح الأعشى في صناعة الإنشا - ط العلمية - جـ ٩

[القلقشندي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تتمة المقالة الرابعة]

- ‌[تتمة الفصل السابع]

- ‌القسم الثاني من مقاصد المكاتبات، الإخوانيّات (مما يكتب به الرئيس إلى المرؤوس والمرؤوس إلى الرئيس والنظير إلى النظير)

- ‌النوع الأوّل (التّهاني)

- ‌الضرب الأوّل (التهنئة بالولايات، وهي على تسعة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل- التهنئة بولاية الوزارة

- ‌الصنف الثاني- التهنة بكفالة السلطنة

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالإمارة

- ‌الصنف الرابع- التهنئة بولاية الحجابة

- ‌الصنف الخامس- التهنئة بولاية القضاء

- ‌الصنف السادس- التهنئة بولاية الدعوة على مذهب الشّيعة

- ‌الصنف السابع- التهنئة بالتقدمة على الرجال

- ‌الصنف الثامن- التهنئة بولاية الديوان

- ‌الصنف التاسع- التهنئة بولاية عمل

- ‌الضرب الثاني (التهنئة بكرامة السلطان وأجوبتها)

- ‌الصنف الثاني- التهنئة برضى السلطان بعد غضبه

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالخلاص من الاعتقال

- ‌الضرب الثالث (من التهاني التهنئة بالعود من الحجّ)

- ‌الضرب الرابع (من التهاني، التهنئة بالقدوم من السّفر)

- ‌الضرب الخامس (من التهانيء التهنئة بالشهور والمواسم والأعياد)

- ‌الصنف الأوّل- التهنئة بأوّل العام وغرّة السّنة

- ‌الصنف الثاني- التهنئة بشهر رمضان

- ‌الصنف الثالث- ما يصلح تهنئة لكلّ شهر من سائر الشّهور

- ‌الصنف الرابع- التهنئة بعيد الفطر

- ‌الصنف الخامس- التهنئة بعيد الأضحى

- ‌الصنف السادس- التهنئة بعيد الغدير من أعياد الشّيعة:

- ‌الصنف السابع- التهنئة بالنّيروز

- ‌الصنف الثامن- التهنئة بالمهرجان

- ‌الضرب السادس (التهنئة بالزواج والتسرّي)

- ‌الضرب السابع (من التّهاني التهنئة بالأولاد، وهو على ثلاثة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل- التهنئة بالبنين

- ‌الصنف الثاني- التهنئة بالبنات

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالتّوءم

- ‌الضرب الثامن (من التهاني التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من السّقم)

- ‌الضرب التاسع (التهنئة بقرب المزار)

- ‌الضرب العاشر (التهنئة بنزول المنازل المستجدة)

- ‌الضرب الحادي عشر (نوادر التهاني، وهي خمسة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل- تهنئة الذّميّ بإسلامه

- ‌الصنف الثاني- التهنئة بالختان وخروج اللّحية

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالمرض

- ‌الصنف الرابع- التهنئة بالصّرف عن الولاية

- ‌النوع الثاني (من مقاصد المكاتبات: التّعازي)

- ‌الضرب الأوّل (التعزية بالابن)

- ‌الضرب الثاني (التعزية بالبنت)

- ‌من كلام المتقدّمين:

- ‌الضرب الثالث (التعزية بالأب)

- ‌من كلام المتقدمين:

- ‌الضرب الرابع (التعزية بالأم)

- ‌الضرب الخامس (التعزية بالأخ)

- ‌الضرب السادس (التعزية بالزوجة)

- ‌الضرب السابع (التعازي المطلقة مما يصلح إيراده في كلّ صنف)

- ‌النوع الثالث (من مقاصد المكاتبات التّهادي والملاطفة)

- ‌الضرب الأوّل (ما يكتب مع التّقادم إلى الملوك من أهل مملكتهم إلى القائمين بإيصال التّقدمة إلى الملك وكاتب السّرّ ونحوهما)

- ‌الضرب الثاني (ما يكتب مع الهديّة عند بعثها)

- ‌الصنف الأوّل- ما يكتب مع إهداء الخيل

- ‌الضرب الثاني (من كتب التهادي الاستهداء)

- ‌الصنف الثاني- الشّراب

- ‌النوع الرابع (الشّفاعات والعنايات)

- ‌النوع الخامس (التشوّق)

- ‌النوع السادس (في الاستزارة)

- ‌النوع السابع (في اختطاب المودّة وافتتاح المكاتبة)

- ‌النوع الثامن (في خطبة النّساء)

- ‌النوع التاسع (في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار)

- ‌النوع العاشر (في الشكوى- أعاذنا الله تعالى منها)

- ‌النوع الحادي عشر (في استماحة الحوائج)

- ‌النوع الثاني عشر (في الشكر)

- ‌النوع الثالث عشر (العتاب)

- ‌النوع الرابع عشر (العيادة والسّؤال عن حال المريض)

- ‌النوع الخامس عشر (في الذّمّ)

- ‌النوع السادس عشر (في الأخبار)

- ‌النوع السابع عشر (المداعبة)

- ‌النوع الأوّل (ما يتعلّق بالكتابة، وهو على ضربين)

- ‌الضرب الأوّل (ما يتعلّق بالمكتوب به)

- ‌الضرب الثاني (ما يتعلق بالخطّ المكتوب)

- ‌القاعدة الأولى- كيفية التعمية

- ‌المذهب الأوّل- أن يكتب بالأقلام القديمة

- ‌المذهب الثاني- أن يصطلح الإنسان مع نفسه على قلم يبتكره وحروف يصوّرها

- ‌ القاعدة الثانية- حلّ المعمّى، وهو مقصود الباب ونتيجته

- ‌الأصل الأوّل- معرفة الأسّ الذي يترتّب عليه الحلّ

- ‌أحدها- أن يعرف مقادير الحروف الّتي تتركّب منها الكلمة

- ‌الثاني- أن يعرف الحروف الّتي لا يقارب بعضها بعضا بمعنى أنها لا تجتمع في كلمة واحدة

- ‌الثالث- أن يعرف الحروف الّتي لا تقارن بعض الحروف في الكلمات إلّا قليلا

- ‌الرابع- أن يعرف ما يجوز تقديمه على غيره من الحروف وما يمتنع

- ‌الخامس- أن يعرف ما لا يقع في أوّل الكلمات من الحروف

- ‌السادس- أن يعرف أنه لا يتكرّر حرف في أوّل كلمة إلّا من هذه العشرة الأحرف

- ‌السابع- أن يعرف أكثر الحروف دورانا في اللّغة

- ‌الأصل الثاني- كيفية التوصّل بالحدس إلى حلّ المترجم

- ‌النوع الثاني (الرّموز والإشارات الّتي لا تعلّق لها بالخطّ والكتابة)

- ‌الباب الأوّل في بيان طبقاتها وما يقع به التفاوت، وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في بيان طبقات الولايات، وهي على ثلاث طبقات

- ‌الطبقة الأولى- الخلافة

- ‌الطبقة الثانية- السّلطنة

- ‌الطبقة الثالثة- الولايات عن الخلفاء والملوك

- ‌الصّنف الثاني- ولاية أمراء العربان

- ‌الصنف الثالث- ولاية المقدّمين على الطّوائف

- ‌النوع الثاني (ولاية أرباب الأقلام، وهم صنفان)

- ‌الصّنف الأوّل (أرباب الوظائف الدينيّة، وهم على ثمانية أضرب)

- ‌الضرب الأوّل- أكابر القضاة بأقطار المملكة

- ‌الضرب الثالث- أكابر المحتسبين

- ‌الضرب الرابع- أكابر المدرّسين في عامّة العلوم بأماكن مخصوصة

- ‌الضرب الخامس- أكابر الخطباء بجوامع مخصوصة بأقطار المملكة

- ‌الضرب السادس- وكلاء بيت المال بالدّيار المصرية

- ‌الضرب السابع- المتحدّثون على الوظائف المعتبرة

- ‌الضرب الثامن- المتحدّثون على جهات البرّ العامّة المصلحة

- ‌الضرب الأوّل- دواوين المال

- ‌الضرب الثاني- دواوين الجيوش بالديار المصرية

- ‌الضرب الثالث- دواوين الإنشاء

- ‌النوع الثالث (ولايات أرباب الوظائف الصّناعيّة)

- ‌الضرب الثاني- ولاية رئيس اليهود

- ‌النوع الخامس (ما لا يختصّ بطائفة ولا يندرج تحت نوع)

- ‌الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الخامسة (في بيان ما تجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال)

- ‌الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة الخامسة (في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات، وذلك من سبعة أوجه)

- ‌الوجه الأوّل (الألقاب، وهي على ثلاثة أنواع)

- ‌النوع الأوّل (ألقاب الخلفاء)

- ‌الصنف الأوّل- ألقاب الخلفاء أنفسهم

- ‌الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالخلافة

- ‌النوع الثاني (ألقاب الملوك، وهي صنفان أيضا)

- ‌الصنف الأوّل- ألقاب السلطان نفسه

- ‌الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالملك

- ‌النوع الثالث (ألقاب ذوي الولايات الصادرات عن السلطان من أرباب الوظائف الواقعة في هذه المملكة)

- ‌الوجه الثاني (ألفاظ إسناد الولاية إلى صاحب الوظيفة، ولها ستّ مراتب)

- ‌الأولى- لفظ العهد

- ‌الثانية- لفظ التّقليد

- ‌الثالثة- لفظ التّفويض

- ‌الرابعة- لفظ الاستقرار والاستمرار

- ‌الخامسة- لفظ الترتيب

- ‌السادسة- لفظ التقدّم

- ‌الوجه الثالث (الافتتاحات، وهي راجعة إلى أربع مراتب)

- ‌المرتبة الأولى- الافتتاح بلفظ: هذه بيعة

- ‌المرتبة الثانية- الافتتاح بأمّا بعد حمد الله

- ‌المرتبة الثالثة- الافتتاح برسم بالأمر الشريف

- ‌المرتبة الرابعة- ما كان يستعمل من الافتتاح «بأما بعد فإنّ كذا

- ‌الوجه الرابع (تعدّد التحميد في الخطبة أو في أثناء الكلام واتحاده)

- ‌الوجه الخامس (الدعاء، وله ثلاثة مواضع)

- ‌الموضع الأوّل- في طرّة الولاية

- ‌الموضع الثاني- في أثناء الولاية

- ‌الموضع الثالث-[في] آخر الولاية بالإعانة ونحوها

- ‌الوجه السادس (طول الكلام وقصره، فكلّما عظمت الوظيفة وارتفع قدر صاحبها كان الكلام فيها أبسط)

- ‌الوجه السابع (قطع الورق)

- ‌أحدها- قطع البغداديّ الكامل

- ‌الثاني- قطع الثلثين من المنصوريّ

- ‌الثالث- قطع النّصف منه

- ‌الرابع- قطع الثّلث منه

- ‌الخامس- قطع العادة؛ وهو أصغرها

- ‌الباب الثاني من المقالة الخامسة في البيعات، وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل (في معناها)

- ‌الفصل الثاني (في ذكر تنويع البيعات، وهي نوعان)

- ‌النوع الأوّل (بيعات الخلفاء، وفيها سبعة مقاصد)

- ‌المقصد الأوّل (في أصل مشروعيتها)

- ‌المقصد الثاني (في بيان أسباب البيعة الموجبة لأخذها على الرّعيّة

- ‌السبب الأوّل- موت الخليفة المنتصب من غير عهد بالخلافة لأحد بعده

- ‌السبب الثاني- خلع الخليفة المنتصب لموجب يقتضي الخلع

- ‌السبب الثالث- أن يتوهّم الخليفة خروج ناحية من النّواحي عن الطاعة

- ‌السبب الرابع- أن تؤخذ البيعة للخليفة المعهود إليه بعد وفاة العاهد

- ‌السبب الخامس- أن يأخذ الخليفة المنتصب البيعة على الناس لوليّ عهده بالخلافة

- ‌المقصد الثالث (في بيان ما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة البيعة)

- ‌المقصد الرابع (في بيان مواضع الخلافة الّتي يستدعي الحال كتابة المبايعات فيها)

- ‌أحدها- موت الخليفة المتقدّم عن غير عهد لخليفة بعده

- ‌الثاني- أن يعهد الخليفة إلى خليفة بعده

- ‌الثالث- أن تؤخذ البيعة للخليفة بحضرة ولايته

- ‌الرابع- أن يعرض للخليفة خلل في حال خلافته

- ‌المقصد الخامس (في بيان صورة ما يكتب في بيعات الخلفاء، وفيها أربعة مذاهب)

- ‌المذهب الأوّل (أن تفتتح المبايعة بلفظ «تبايع فلانا أمير المؤمنين» خطابا لمن تؤخذ عليه البيعة)

- ‌المذهب الثاني (مما يكتب في بيعات الخلفاء)

- ‌المذهب الثالث (أن تفتتح البيعة بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله

- ‌المذهب الرابع (مما يكتب في بيعات الخلفاء أن يفتتح البيعة بلفظ: هذه بيعة

- ‌المقصد السادس (فيما يكتب في آخر البيعة)

- ‌المقصد السابع (في قطع الورق الذي تكتب فيه البيعة، والقلم الذي تكتب به، وكيفيّة كتابتها، وصورة وضعها)

- ‌النوع الثاني (من البيعات، بيعات الملوك)

- ‌الباب الثالث من المقالة الخامسة في العهود، وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل (في معنى العهد)

- ‌الفصل الثاني (في بيان أنواع العهود، وهي ثلاثة أنواع)

- ‌النوع الأوّل (عهود الخلفاء عن الخلفاء، ويتعلّق النظر به من ثمانية أوجه)

- ‌الوجه الأوّل (في أصل مشروعيّتها)

- ‌الوجه الثاني (في معنى الاستخلاف)

- ‌الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته)

- ‌الوجه الرابع (فيما يكتب في الطّرّة، وهو تلخيص ما يتضمّنه العهد)

- ‌الوجه الخامس (فيما يكتب لأولياء العهد من الألقاب)

- ‌الوجه السادس (فيما يكتب في متن العهد، وفيه ثلاثة مذاهب)

- ‌المذهب الأوّل (أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «هذا» )

- ‌الطريقة الأولى (طريقة المتقدّمين)

- ‌الطريقة الثانية (طريقة المتأخّرين من الكتّاب)

- ‌المذهب الثاني (أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «من فلان إلى فلان» كما يكتب في المكاتبات ثم يأتي بالبعدية

- ‌المذهب الثالث (أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» ثم يأتي بالبعديّة

- ‌الوجه السابع (فيما يكتب في مستند عهد وليّ الخلافة عن الخليفة

- ‌الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفيّة كتابتها وصورة وضعها)

- ‌النوع الثاني (عهود الخلفاء للملوك، ويتعلّق النظر به من سبعة أوجه)

- ‌الوجه الأوّل (في أصل مشروعيّتها)

- ‌الوجه الثاني (في بيان [معنى] الملك والسّلطنة اللتين يقع العهد بهما)

- ‌القسم الأوّل- وهو أعلاها وزارة التفويض

- ‌القسم الثاني- إمارة الاستكفاء

- ‌القسم الثالث- إمارة الاستيلاء

- ‌الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته فيه)

- ‌الوجه الرابع (فيما يكتب في الطّرة، وهو نمطان)

- ‌النّمط الأوّل- ما كان يكتب في وزارة التفويض في دولة الفاطميين

- ‌النمط الثاني- ما يكتب في طرّة عهود الملوك الآن

- ‌الوجه الخامس (فيما يكتب في ألقاب الملوك عن الخلفاء، وهو نمطان)

- ‌ثبت بأسماء المصادر والمراجع (الجزء التاسع)

- ‌فهرس الجزء التاسع من كتاب صبح الأعشى للقلقشندي

الفصل: ‌الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته)

يجعله خليفة في حياته ثم يخلفه بعده. قال: ولو أوصى بالإمامة فوجهان «1» ؛ لأنه يخرج بالموت عن الولاية فلا يصحّ منه تولية الغير. واستشكل الرافعيّ رحمه الله هذا التوجيه بكلّ وصية، وبأنّ ما ذكره من جعله خليفة بعده، إن أريد به استنابته فلا يكون ذلك عهدا إليه بالإمامة. وإن أريد جعله إماما في الحال، فهو: إمّا خلع نفس العاهد، وإمّا اجتماع إمامين في وقت واحد. وإن أريد جعله خليفة أو إماما بعد موته فهو الوصية من غير فرق.

قلت: وهذا جنوح من الرافعيّ رحمه الله إلى صحّة الخلافة بالوصيّة أيضا، كما تصحّ «2» بالاستخلاف.

‌الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته)

واعلم أنه يجب على الكاتب أن يراعي في كتابة العهد بالخلافة أمورا:

منها: براعة الاستهلال بذكر ما يتّفق له، من معنى الخلافة والإمامة واشتقاقهما، وحال الولاية، ولقب العاهد والمعهود إليه، ولقب الخلافة، إلى غير ذلك مما سبق بيانه في الكلام على البيعات.

ومنها: أن ينبّه على شرف رتبة الخلافة، وعلوّ قدرها، ورفعة شأنها، ومسيس الحاجة إلى الإمام، ودعاية الضرورة إليه، ونحو ذلك مما سبق في البيعات أيضا.

ومنها: أن ينبّه على اجتماع شروط الإمامة في المعهود إليه من حين

ص: 366

صدور العهد بها من العاهد، فقد قال الماورديّ «1» : إنه تعتبر شروط الإمامة في المعهود إليه من وقت العهد، حتّى لو كان المعهود إليه صغيرا أو فاسقا وقت العهد وبالغا [عدلا] عند الموت، لم تصحّ خلافته حتّى يستأنف أهل الاختيار بيعته. قال الرافعيّ «2» رحمه الله: وقد يتوقّف في هذا. قال النوويّ «3» رحمه الله في «الروضة» : لا توقّف، والصواب ما قاله الماورديّ.

ومنها: أن ينبّه على اجتهاد العاهد وتروّي نظره في حقّيّة المعهود إليه؛ فقد قال الماورديّ: وإذا أراد الإمام أن يعهد بالإمامة، فعليه أن يجهد رأيه في الأحقّ بها، والأقوم بشروطها، فإذا تعيّن له الاجتهاد في أحد، عهد إليه.

ومنها: أن يشير إلى تقدّم الاستخارة على العهد، وأنّ استخارته أدّته إلى المعهود إليه؛ فإنّ الاستخارة أمر مطلوب في كل أمر، خصوصا أمر المسلمين وعموم الولاية عليهم، فإنّ اختيار الله للخلق خير من اختيارهم لأنفسهم، والله يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل.

ومنها: أن ينبّه على أنّ عهده إليه بعد مشورة أهل الاختيار ومراجعتهم في

ص: 367

ذلك، وتصويبهم له، خروجا من الخلاف. فقد حكى الرافعيّ رحمه الله، وجهين فيما إذا كان المعهود إليه أجنبيّا من العاهد ليس بولد ولا والد، هل يجوز أن ينفرد بعقد البيعة له وتفويض العهد إليه ولا يستشير فيه أحدا؟ أصحّهما الجواز؛ لأنّ العهد إلى عمر، رضي الله عنه، لم يوقف على رضا الصحابة رضوان الله عليهم، ولأنّ الإمام أحقّ بها، فكان اختياره فيها أمضى، وقوله فيها أنفذ.

وحكى الماورديّ في جواز انفراد العاهد بالبيعة فيما إذا كان المعهود إليه والد أو ولدا ثلاثة مذاهب:

أحدها- ما اقتصر الرافعيّ، رحمه الله، على نسبته إلى الماورديّ، ومقتضى كلامه ترجيحه: أنه يجوز الانفراد بعقدها للولد والوالد جميعا؛ لأنه أمير للأمة نافذ الأمر لهم وعليهم، فغلّب حكم المنصب على حكم النسب، ولم يجعل للتّهمة طريقا على أمانته، ولا سبيلا إلى معارضته.

والثاني- أنه لا يجوز انفراده بها لولد ولا والد حتّى يشاور فيه أهل الاختيار فيرونه أهلا لها، فيصحّ منه حينئذ عقد البيعة، لأن ذلك [منه] تزكية [له] تجري مجرى الشهادة، وتقليده على الأمة يجري مجرى الحكم، والشهادة والحكم ممتنعان من الولد والوالد للتّهمة، لما جبل عليه من الميل إليهما.

والثالث- أنه يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده دون ولده؛ لأنّ الطبع إلى الولد أميل، فأما عقدها لأخيه وغيره من الأقارب والمناسبين فكعقدها للأجانب في جواز الانفراد بها.

ومنها: أن ينبّه على العلم بحياة المعهود إليه ووجوده إن كان غائبا، فقد قال الماورديّ: إنه لو عهد إلى غائب مجهول الحياة لم يصحّ عهده، وإن كان معلوم الحياة صح، ويكون موقوفا على قدومه.

ومنها: أن ينبّه على أن المعهود إليه منصوص عليه بمفرده، أو وقع العهد شورى في جماعة وأفضت الخلافة إلى واحد منهم بإخراج الباقين أنفسهم منها،

ص: 368

أو اختيار أهل الحلّ والعقد أحدهم، إذ يجوز للخليفة أن يعهد إلى اثنين فأكثر من غير تقديم البعض على البعض، ويختار أهل الاختيار بعد موته واحدا ممن عهد إليه، فإنّ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جعلها شورى في ستة، فقال: الأمر إلى عليّ وبإزائه الزّبير بن العوّام، وإلى عثمان وبإزائه عبد الرحمن بن عوف، وإلى طلحة وبإزائه سعد بن أبي وقّاص. فلما توفّي عمر، رضي الله عنه، جعل الزبير أمره إلى عليّ، وجعل طلحة أمره إلى عثمان، وجعل سعد أمره إلى عبد الرحمن بن عوف، فخرج منها ثلاثة، وبقيت شورى «1» في عثمان وعليّ، ثم بايع عليّ عثمان. والمعنى في الشّورى أنه لا يجوز أن تجعل الإمامة بعد العاهد في غير المعهود إليهم.

ومنها: أن ينبّه على عدد المعهود إليهم وترتيبهم إن كان قد رتّب الخلافة في أكثر من واحد، إذ يجوز أن يعهد إلى اثنين فأكثر على الترتيب. فلو رتّب الخلافة في ثلاثة مثلا- فقال: الخليفة بعدي فلان، فإذا «2» مات، فالخليفة بعده فلان، [فإن مات فالخليفة بعد فلان جاز] «3» وكانت «4» الخلافة منتقلة إليهم على ما رتّبها. ففي صحيح البخاريّ من رواية ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف على جيش مؤتة زيد بن حارثة- وقال: إن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا، فتقدم زيد فقتل، فأخذ الراية جعفر وتقدّم فقتل، فأخذ الراية

ص: 369

عبد الله بن رواحة وتقدّم «1» فقتل، فاختار المسلمون بعده خالد بن الوليد» . قال الماورديّ: وإذا «2» جاز ذلك في الإمارة جاز مثله في الخلافة. قال: وقد «3» عمل بذلك في الدولتين من لم ينكر عليه أحد من علماء العصر.

فعهد سليمان بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز، ثم بعده إلى يزيد بن عبد الملك، وأقرّه عليه من عاصره من الناس، ومن لا تأخذه في الله لومة لائم.

ورتّبها الرشيد في ثلاثة من بنيه: الأمين، ثم المأمون، ثم المؤتمن، من غير «4» مشورة من عاصره من فضلاء العلماء.

ولو قال العاهد: عهدت إلى فلان، فإن مات فلان بعد إفضاء الخلافة إليه، فالخليفة بعده فلان، لم تصحّ خلافة الثاني، ولم ينعقد عهده بها؛ لأنه لم يعهد إليه في الحال، وإنما جعله وليّ عهده بعد إفضاء الخلافة إلى الأوّل، وقد يموت قبل إفضائها إليه فلا يكون عهد الثاني بها منبرما.

ومنها: أن ينبّه على أنّ صدور العهد في حال نفوذ أمر العاهد وجواز تصرّفه، فإنه لو أراد وليّ العهد قبل موت العاهد أن يردّ ما إليه من ولاية العهد إلى غيره لم يجز؛ لأنّ الخلافة لا تستقرّ إلّا بعد موت المستخلف. وكذا لو قال:

جعلته وليّ عهد إذا أفضت الخلافة إليّ لم يجز؛ لأنه ليس في الحال بخليفة، فلم يصحّ عهده بالخلافة.

ومنها: أن ينبّه على قبول المعهود إليه العهد، فإنه إذا عهد الإمام بالخلافة إلى من يصحّ العهد إليه على الشّروط المعتبرة فيه، كان العهد موقوفا على قبول

ص: 370

المعهود إليه؛ فإن قبل صحّ العهد وإلّا فلا، حتّى لو امتنع من القبول بويع غيره. والعبرة في زمن القبول بما بين عهد العاهد وموته على الأصح، لتنتقل عنه الإمامة إلى المعهود إليه مستقرّة بالقبول المتقدّم. وقيل: إنما يكون القبول بعد موت العاهد؛ لأنه الوقت الذي يصحّ فيه نظر المعهود إليه.

ومنها: أن يورد من وصايا العاهد للمعهود إليه ما يليق به. وقد ذكر الماورديّ أنّ الذي يلزمه من أمور الأمّة عشرة أشياء:

أحدها- حفظ الدّين على أصوله المستقرّة، وما أجمع عليه سلف الأمّة، وأنه إن «1» نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجّة، وبيّن له الصّواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدّين محروسا من الخلل، والأمّة ممنوعة من الزّلل.

الثاني- تنفيذ الأحكام، بين المتشاجرين، وقطع الخصام، بين المتنازعين، حتّى تعمّ النّصفة فلا يتعدّى ظالم ولا يضعف مظلوم.

الثالث- حماية البيضة، والذّبّ عن الحرم «2» ليتصرّف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.

الرابع- إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من الإتلاف «3» والاستهلاك.

الخامس- تحصين الثّغور بالعدّة المانعة، والقوّة الدافعة، حتّى لا يظفر «4» الأعداء بغرّة ينتهكون بها محرما، أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما.

السادس- جهاد من عاند الإسلام بعد الدّعوة حتّى يسلم أو يدخل في

ص: 371

الذّمّة ليقام بحقّ الله تعالى في إظهاره على الدّين كلّه.

السابع- جباية الفيء «1» والصّدقات على ما أوجبه الشرع نصّا واجتهادا من غير حيف «2» ولا عسف.

الثامن- تقدير العطاء وما يستحقّ في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.

التاسع- استكفاء الأمناء، وتقليد النّصحاء، فيما يفوّضه [إليهم من الأعمال]«3» ويكله إليهم من الأحوال لتكون الأعمال بالكفاة «4» مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة.

العاشر- أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفّح الأحوال لينهض بسياسة الأمّة، وحراسة الملّة، ولا يعوّل على التفويض تشاغلا بلذّة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغشّ الناصح. وقد قال تعالى: يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

«5» . فلم يقتصر الله تعالى «6» على التفويض دون المباشرة، بل «7» أمره بمباشرة الحكم بين الخلق بنفسه. وقد قال «8» صلى الله عليه وسلم:«كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته» ولله درّ محمد «9» بن يزداد وزير المأمون «10» ، حيث قال مخاطبا له (بسيط) .

ص: 372