المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المذهب الرابع (مما يكتب في بيعات الخلفاء أن يفتتح البيعة بلفظ: هذه بيعة - صبح الأعشى في صناعة الإنشا - ط العلمية - جـ ٩

[القلقشندي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تتمة المقالة الرابعة]

- ‌[تتمة الفصل السابع]

- ‌القسم الثاني من مقاصد المكاتبات، الإخوانيّات (مما يكتب به الرئيس إلى المرؤوس والمرؤوس إلى الرئيس والنظير إلى النظير)

- ‌النوع الأوّل (التّهاني)

- ‌الضرب الأوّل (التهنئة بالولايات، وهي على تسعة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل- التهنئة بولاية الوزارة

- ‌الصنف الثاني- التهنة بكفالة السلطنة

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالإمارة

- ‌الصنف الرابع- التهنئة بولاية الحجابة

- ‌الصنف الخامس- التهنئة بولاية القضاء

- ‌الصنف السادس- التهنئة بولاية الدعوة على مذهب الشّيعة

- ‌الصنف السابع- التهنئة بالتقدمة على الرجال

- ‌الصنف الثامن- التهنئة بولاية الديوان

- ‌الصنف التاسع- التهنئة بولاية عمل

- ‌الضرب الثاني (التهنئة بكرامة السلطان وأجوبتها)

- ‌الصنف الثاني- التهنئة برضى السلطان بعد غضبه

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالخلاص من الاعتقال

- ‌الضرب الثالث (من التهاني التهنئة بالعود من الحجّ)

- ‌الضرب الرابع (من التهاني، التهنئة بالقدوم من السّفر)

- ‌الضرب الخامس (من التهانيء التهنئة بالشهور والمواسم والأعياد)

- ‌الصنف الأوّل- التهنئة بأوّل العام وغرّة السّنة

- ‌الصنف الثاني- التهنئة بشهر رمضان

- ‌الصنف الثالث- ما يصلح تهنئة لكلّ شهر من سائر الشّهور

- ‌الصنف الرابع- التهنئة بعيد الفطر

- ‌الصنف الخامس- التهنئة بعيد الأضحى

- ‌الصنف السادس- التهنئة بعيد الغدير من أعياد الشّيعة:

- ‌الصنف السابع- التهنئة بالنّيروز

- ‌الصنف الثامن- التهنئة بالمهرجان

- ‌الضرب السادس (التهنئة بالزواج والتسرّي)

- ‌الضرب السابع (من التّهاني التهنئة بالأولاد، وهو على ثلاثة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل- التهنئة بالبنين

- ‌الصنف الثاني- التهنئة بالبنات

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالتّوءم

- ‌الضرب الثامن (من التهاني التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من السّقم)

- ‌الضرب التاسع (التهنئة بقرب المزار)

- ‌الضرب العاشر (التهنئة بنزول المنازل المستجدة)

- ‌الضرب الحادي عشر (نوادر التهاني، وهي خمسة أصناف)

- ‌الصنف الأوّل- تهنئة الذّميّ بإسلامه

- ‌الصنف الثاني- التهنئة بالختان وخروج اللّحية

- ‌الصنف الثالث- التهنئة بالمرض

- ‌الصنف الرابع- التهنئة بالصّرف عن الولاية

- ‌النوع الثاني (من مقاصد المكاتبات: التّعازي)

- ‌الضرب الأوّل (التعزية بالابن)

- ‌الضرب الثاني (التعزية بالبنت)

- ‌من كلام المتقدّمين:

- ‌الضرب الثالث (التعزية بالأب)

- ‌من كلام المتقدمين:

- ‌الضرب الرابع (التعزية بالأم)

- ‌الضرب الخامس (التعزية بالأخ)

- ‌الضرب السادس (التعزية بالزوجة)

- ‌الضرب السابع (التعازي المطلقة مما يصلح إيراده في كلّ صنف)

- ‌النوع الثالث (من مقاصد المكاتبات التّهادي والملاطفة)

- ‌الضرب الأوّل (ما يكتب مع التّقادم إلى الملوك من أهل مملكتهم إلى القائمين بإيصال التّقدمة إلى الملك وكاتب السّرّ ونحوهما)

- ‌الضرب الثاني (ما يكتب مع الهديّة عند بعثها)

- ‌الصنف الأوّل- ما يكتب مع إهداء الخيل

- ‌الضرب الثاني (من كتب التهادي الاستهداء)

- ‌الصنف الثاني- الشّراب

- ‌النوع الرابع (الشّفاعات والعنايات)

- ‌النوع الخامس (التشوّق)

- ‌النوع السادس (في الاستزارة)

- ‌النوع السابع (في اختطاب المودّة وافتتاح المكاتبة)

- ‌النوع الثامن (في خطبة النّساء)

- ‌النوع التاسع (في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار)

- ‌النوع العاشر (في الشكوى- أعاذنا الله تعالى منها)

- ‌النوع الحادي عشر (في استماحة الحوائج)

- ‌النوع الثاني عشر (في الشكر)

- ‌النوع الثالث عشر (العتاب)

- ‌النوع الرابع عشر (العيادة والسّؤال عن حال المريض)

- ‌النوع الخامس عشر (في الذّمّ)

- ‌النوع السادس عشر (في الأخبار)

- ‌النوع السابع عشر (المداعبة)

- ‌النوع الأوّل (ما يتعلّق بالكتابة، وهو على ضربين)

- ‌الضرب الأوّل (ما يتعلّق بالمكتوب به)

- ‌الضرب الثاني (ما يتعلق بالخطّ المكتوب)

- ‌القاعدة الأولى- كيفية التعمية

- ‌المذهب الأوّل- أن يكتب بالأقلام القديمة

- ‌المذهب الثاني- أن يصطلح الإنسان مع نفسه على قلم يبتكره وحروف يصوّرها

- ‌ القاعدة الثانية- حلّ المعمّى، وهو مقصود الباب ونتيجته

- ‌الأصل الأوّل- معرفة الأسّ الذي يترتّب عليه الحلّ

- ‌أحدها- أن يعرف مقادير الحروف الّتي تتركّب منها الكلمة

- ‌الثاني- أن يعرف الحروف الّتي لا يقارب بعضها بعضا بمعنى أنها لا تجتمع في كلمة واحدة

- ‌الثالث- أن يعرف الحروف الّتي لا تقارن بعض الحروف في الكلمات إلّا قليلا

- ‌الرابع- أن يعرف ما يجوز تقديمه على غيره من الحروف وما يمتنع

- ‌الخامس- أن يعرف ما لا يقع في أوّل الكلمات من الحروف

- ‌السادس- أن يعرف أنه لا يتكرّر حرف في أوّل كلمة إلّا من هذه العشرة الأحرف

- ‌السابع- أن يعرف أكثر الحروف دورانا في اللّغة

- ‌الأصل الثاني- كيفية التوصّل بالحدس إلى حلّ المترجم

- ‌النوع الثاني (الرّموز والإشارات الّتي لا تعلّق لها بالخطّ والكتابة)

- ‌الباب الأوّل في بيان طبقاتها وما يقع به التفاوت، وفيه ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في بيان طبقات الولايات، وهي على ثلاث طبقات

- ‌الطبقة الأولى- الخلافة

- ‌الطبقة الثانية- السّلطنة

- ‌الطبقة الثالثة- الولايات عن الخلفاء والملوك

- ‌الصّنف الثاني- ولاية أمراء العربان

- ‌الصنف الثالث- ولاية المقدّمين على الطّوائف

- ‌النوع الثاني (ولاية أرباب الأقلام، وهم صنفان)

- ‌الصّنف الأوّل (أرباب الوظائف الدينيّة، وهم على ثمانية أضرب)

- ‌الضرب الأوّل- أكابر القضاة بأقطار المملكة

- ‌الضرب الثالث- أكابر المحتسبين

- ‌الضرب الرابع- أكابر المدرّسين في عامّة العلوم بأماكن مخصوصة

- ‌الضرب الخامس- أكابر الخطباء بجوامع مخصوصة بأقطار المملكة

- ‌الضرب السادس- وكلاء بيت المال بالدّيار المصرية

- ‌الضرب السابع- المتحدّثون على الوظائف المعتبرة

- ‌الضرب الثامن- المتحدّثون على جهات البرّ العامّة المصلحة

- ‌الضرب الأوّل- دواوين المال

- ‌الضرب الثاني- دواوين الجيوش بالديار المصرية

- ‌الضرب الثالث- دواوين الإنشاء

- ‌النوع الثالث (ولايات أرباب الوظائف الصّناعيّة)

- ‌الضرب الثاني- ولاية رئيس اليهود

- ‌النوع الخامس (ما لا يختصّ بطائفة ولا يندرج تحت نوع)

- ‌الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الخامسة (في بيان ما تجب على الكاتب مراعاته في كتابة الولايات على سبيل الإجمال)

- ‌الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة الخامسة (في بيان ما يقع به التفاوت في رتب الولايات، وذلك من سبعة أوجه)

- ‌الوجه الأوّل (الألقاب، وهي على ثلاثة أنواع)

- ‌النوع الأوّل (ألقاب الخلفاء)

- ‌الصنف الأوّل- ألقاب الخلفاء أنفسهم

- ‌الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالخلافة

- ‌النوع الثاني (ألقاب الملوك، وهي صنفان أيضا)

- ‌الصنف الأوّل- ألقاب السلطان نفسه

- ‌الصنف الثاني- ألقاب أولياء العهد بالملك

- ‌النوع الثالث (ألقاب ذوي الولايات الصادرات عن السلطان من أرباب الوظائف الواقعة في هذه المملكة)

- ‌الوجه الثاني (ألفاظ إسناد الولاية إلى صاحب الوظيفة، ولها ستّ مراتب)

- ‌الأولى- لفظ العهد

- ‌الثانية- لفظ التّقليد

- ‌الثالثة- لفظ التّفويض

- ‌الرابعة- لفظ الاستقرار والاستمرار

- ‌الخامسة- لفظ الترتيب

- ‌السادسة- لفظ التقدّم

- ‌الوجه الثالث (الافتتاحات، وهي راجعة إلى أربع مراتب)

- ‌المرتبة الأولى- الافتتاح بلفظ: هذه بيعة

- ‌المرتبة الثانية- الافتتاح بأمّا بعد حمد الله

- ‌المرتبة الثالثة- الافتتاح برسم بالأمر الشريف

- ‌المرتبة الرابعة- ما كان يستعمل من الافتتاح «بأما بعد فإنّ كذا

- ‌الوجه الرابع (تعدّد التحميد في الخطبة أو في أثناء الكلام واتحاده)

- ‌الوجه الخامس (الدعاء، وله ثلاثة مواضع)

- ‌الموضع الأوّل- في طرّة الولاية

- ‌الموضع الثاني- في أثناء الولاية

- ‌الموضع الثالث-[في] آخر الولاية بالإعانة ونحوها

- ‌الوجه السادس (طول الكلام وقصره، فكلّما عظمت الوظيفة وارتفع قدر صاحبها كان الكلام فيها أبسط)

- ‌الوجه السابع (قطع الورق)

- ‌أحدها- قطع البغداديّ الكامل

- ‌الثاني- قطع الثلثين من المنصوريّ

- ‌الثالث- قطع النّصف منه

- ‌الرابع- قطع الثّلث منه

- ‌الخامس- قطع العادة؛ وهو أصغرها

- ‌الباب الثاني من المقالة الخامسة في البيعات، وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل (في معناها)

- ‌الفصل الثاني (في ذكر تنويع البيعات، وهي نوعان)

- ‌النوع الأوّل (بيعات الخلفاء، وفيها سبعة مقاصد)

- ‌المقصد الأوّل (في أصل مشروعيتها)

- ‌المقصد الثاني (في بيان أسباب البيعة الموجبة لأخذها على الرّعيّة

- ‌السبب الأوّل- موت الخليفة المنتصب من غير عهد بالخلافة لأحد بعده

- ‌السبب الثاني- خلع الخليفة المنتصب لموجب يقتضي الخلع

- ‌السبب الثالث- أن يتوهّم الخليفة خروج ناحية من النّواحي عن الطاعة

- ‌السبب الرابع- أن تؤخذ البيعة للخليفة المعهود إليه بعد وفاة العاهد

- ‌السبب الخامس- أن يأخذ الخليفة المنتصب البيعة على الناس لوليّ عهده بالخلافة

- ‌المقصد الثالث (في بيان ما يجب على الكاتب مراعاته في كتابة البيعة)

- ‌المقصد الرابع (في بيان مواضع الخلافة الّتي يستدعي الحال كتابة المبايعات فيها)

- ‌أحدها- موت الخليفة المتقدّم عن غير عهد لخليفة بعده

- ‌الثاني- أن يعهد الخليفة إلى خليفة بعده

- ‌الثالث- أن تؤخذ البيعة للخليفة بحضرة ولايته

- ‌الرابع- أن يعرض للخليفة خلل في حال خلافته

- ‌المقصد الخامس (في بيان صورة ما يكتب في بيعات الخلفاء، وفيها أربعة مذاهب)

- ‌المذهب الأوّل (أن تفتتح المبايعة بلفظ «تبايع فلانا أمير المؤمنين» خطابا لمن تؤخذ عليه البيعة)

- ‌المذهب الثاني (مما يكتب في بيعات الخلفاء)

- ‌المذهب الثالث (أن تفتتح البيعة بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله

- ‌المذهب الرابع (مما يكتب في بيعات الخلفاء أن يفتتح البيعة بلفظ: هذه بيعة

- ‌المقصد السادس (فيما يكتب في آخر البيعة)

- ‌المقصد السابع (في قطع الورق الذي تكتب فيه البيعة، والقلم الذي تكتب به، وكيفيّة كتابتها، وصورة وضعها)

- ‌النوع الثاني (من البيعات، بيعات الملوك)

- ‌الباب الثالث من المقالة الخامسة في العهود، وفيه فصلان

- ‌الفصل الأوّل (في معنى العهد)

- ‌الفصل الثاني (في بيان أنواع العهود، وهي ثلاثة أنواع)

- ‌النوع الأوّل (عهود الخلفاء عن الخلفاء، ويتعلّق النظر به من ثمانية أوجه)

- ‌الوجه الأوّل (في أصل مشروعيّتها)

- ‌الوجه الثاني (في معنى الاستخلاف)

- ‌الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته)

- ‌الوجه الرابع (فيما يكتب في الطّرّة، وهو تلخيص ما يتضمّنه العهد)

- ‌الوجه الخامس (فيما يكتب لأولياء العهد من الألقاب)

- ‌الوجه السادس (فيما يكتب في متن العهد، وفيه ثلاثة مذاهب)

- ‌المذهب الأوّل (أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «هذا» )

- ‌الطريقة الأولى (طريقة المتقدّمين)

- ‌الطريقة الثانية (طريقة المتأخّرين من الكتّاب)

- ‌المذهب الثاني (أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ «من فلان إلى فلان» كما يكتب في المكاتبات ثم يأتي بالبعدية

- ‌المذهب الثالث (أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحة ب «الحمد لله» ثم يأتي بالبعديّة

- ‌الوجه السابع (فيما يكتب في مستند عهد وليّ الخلافة عن الخليفة

- ‌الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفيّة كتابتها وصورة وضعها)

- ‌النوع الثاني (عهود الخلفاء للملوك، ويتعلّق النظر به من سبعة أوجه)

- ‌الوجه الأوّل (في أصل مشروعيّتها)

- ‌الوجه الثاني (في بيان [معنى] الملك والسّلطنة اللتين يقع العهد بهما)

- ‌القسم الأوّل- وهو أعلاها وزارة التفويض

- ‌القسم الثاني- إمارة الاستكفاء

- ‌القسم الثالث- إمارة الاستيلاء

- ‌الوجه الثالث (فيما يجب على الكاتب مراعاته فيه)

- ‌الوجه الرابع (فيما يكتب في الطّرة، وهو نمطان)

- ‌النّمط الأوّل- ما كان يكتب في وزارة التفويض في دولة الفاطميين

- ‌النمط الثاني- ما يكتب في طرّة عهود الملوك الآن

- ‌الوجه الخامس (فيما يكتب في ألقاب الملوك عن الخلفاء، وهو نمطان)

- ‌ثبت بأسماء المصادر والمراجع (الجزء التاسع)

- ‌فهرس الجزء التاسع من كتاب صبح الأعشى للقلقشندي

الفصل: ‌المذهب الرابع (مما يكتب في بيعات الخلفاء أن يفتتح البيعة بلفظ: هذه بيعة

منها في عسرته ويسرته، لا تجزئه واحدة منها عن حجّة الإسلام وعمرته، وصوم الدهر خلا المنهيّ عنه من أيّام السّنة، وصلاة ألف ركعة في كل ليلة لا يباح له دون أدائها غمض ولا سنة، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ولا يؤجر على شيء من ذلك قولا ولا فعلا، متى ورّى في ذلك أو استثنى، أو تأوّل أو استفتى، كان الحنث عليه عائدا، وله إلى دار البوار قائدا، معتمدا في ذلك أشدّ المذاهب في سرّه وعلانيته، على نيّة المستحلف له دون نيّته، وأمضوها بيعة محكمة المباني ثابتة القواعد، كريمة المساعي جميلة المقاصد، طيّبة الجنى جليلة العوائد، قاطعة البراهين ظاهرة الشّواهد، وأشهدوا على أنفسهم بذلك من حضر مجلس هذا العقد من قضاة الإسلام وعلمائه، وأئمة الدّين وفقهائه، بعد أن أشهدوا الله عليهم وكفى بالله شهيدا، وكفى به للخائنين خصيما: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

«1» . والله تعالى يجعل انتقالهم من أدنى إلى أعلى، ومن يسرى إلى يمنى، ويحقّق لهم بمن استخلفه عليهم وعده الصادق بقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً

«2» . إن شاء الله تعالى.

‌المذهب الرابع (مما يكتب في بيعات الخلفاء أن يفتتح البيعة بلفظ: هذه بيعة

،

ويصفها ويذكر ما يناسب، ثم يعزّي بالخليفة الميّت، ويهنّيء بالخليفة المستقرّ، ويذكر في حقّ كلّ منهما ما يليق به من الوصف على نحو مما تقدّم) وهذه نسخة بيعة أنشأها المقرّ الشّهابيّ «3» بن فضل الله، على ما رأيته في «الجواهر الملتقطة» المجموعة من كلامه، للإمام الحاكم «4» بأمر الله «أبي

ص: 329

القاسم» «1» «أحمد بن أبي الرّبيع سليمان المستكفي «2» بالله ابن الإمام الحاكم «3» بأمر الله، بعد موت أبيه.

وذكر القاضي تقيّ الدين «4» بن ناظر الجيش في «دستوره» أنه إنما عملها

ص: 330

تجربة «1» لخاطره، وهي مرتّبة على موت خليفة.

ونصها بعد البسملة الشريفة:

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

«2» .

هذه بيعة رضوان وبيعة إحسان، وبيعة رضا تشهدها الجماعة ويشهد عليها الرحمن، بيعة يلزم طائرها العنق، وتحوم بشائرها على الأفق، وتحمل أنباءها البراريّ والبحار مشحونة الطّرق، بيعة تصلح لنسبها الأمّة، وتمنح بسببها النّعمة، وتؤلّف بها الأسباب وتجعل بينهم مودّة ورحمة، بيعة تجري بها الرّفاق، وتتزاحم زمر الكواكب على حوض المجرّة للوفاق، بيعة سعيدة ميمونة، بيعة شريفة بها السلامة في الدّين والدنيا مضمونة، بيعة صحيحة شرعيّة، بيعة ملحوظة مرعيّة، بيعة تسابق إليها كلّ نيّة وتطاوع كلّ طويّة، وتجمع عليها أشتات البريّة، بيعة يستهلّ بها الغمام، ويتهلّل البدر التّمام، بيعة متّفق على الإجماع عليها، والاجتماع لبسط الأيدي إليها، انعقد عليها الإجماع، وانعقدت صحّتها بمن سمع لله وأطاع، وبذل في تمامها كلّ امريء ما استطاع، وحصل عليها اتّفاق الأبصار والأسماع، ووصل بها الحقّ إلى مستحقّه وأقرّ الخصم وانقطع النّزاع، وتضمّنها كتاب كريم يشهده المقرّبون، ويتلقّاه الأئمة الأقربون.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ

«3» :

ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ

«4» . وإلينا ولله الحمد وإلى بني

ص: 331

العبّاس. أجمع على هذه البيعة أرباب العقد والحلّ، وأصحاب الكلام فيما قلّ وجلّ، وولاة الأمور والأحكام، وأرباب المناصب والحكّام، وحملة العلم والأعلام، وحماة السّيوف والأقلام، وأكابر بني عبد مناف، ومن انخفض قدره وأناف، وسراوات قريش ووجوه بني «1» هاشم والبقيّة الطاهرة من بني العباس، وخاصّة الأئمة وعامّة الناس، بيعة ترسى «2» بالحرمين خيامها، وتخفق على المأزمين أعلامها، وتتعرّف عرفات ببركاتها وتعرف بمنى أيّامها، ويؤمّن عليها يوم الحجّ الأكبر، وتؤمّ ما بين الرّكن والمقام والمنبر، ولا يبتغى بها إلّا وجه الله الكريم، وفضله العميم، لم يبق صاحب سنجق»

ولا علم، ولا ضارب بسيف ولا كاتب بقلم، ولا ربّ حكم ولا قضاء، ولا من يرجع إليه في اتفاق ولا إمضاء، ولا إمام مسجد ولا خطيب، ولا ذو فتيا يسأل فيجيب، ولا من بين جنبتي المساجد ولا من تضمّهم أجنحة المحاريب، ولا من يجتهد في رأي فيخطيء أو يصيب، ولا متحدّث بحديث، ولا متكلّم بقديم وحديث، ولا معروف بدين وصلاح، ولا فرسان حرب وكفاح، ولا راشق بسهام ولا طاعن برماح، ولا ضارب بصفاح، ولا ساع على قدم ولا طائر بغير جناح، ولا مخالط للناس ولا قاعد في عزلة، ولا جمع كثرة ولا قلّة، ولا من يستقلّ بالحوزاء لواؤه، ولا يقلّ فوق الفرقد ثواؤه، ولا باد ولا حاضر، ولا مقيم ولا سائر، ولا أوّل ولا آخر، ولا مسرّ في باطن ولا معلن في ظاهر، ولا عرب ولا عجم، ولا راعي إبل ولا غنم، ولا صاحب أناة ولا إبدار، ولا ساكن في حضر وبادية بدار، ولا صاحب عمد ولا جدار، ولا ملجّج في البحار الزاخرة والبراريّ القفار، ولا من يتوقّل صهوات الخيل، ولا من يسبل على العجاجة الذيل، ولا من تطلع عليه شمس النهار ونجوم الليل، ولا من تظلّه السماء وتقلّه الأرض، ولا من تدلّ عليه

ص: 332

الأسماء على اختلافها وترتفع درجات بعضهم على بعض، حتّى آمن بهذه البيعة وأمّن عليها، ومنّ الله عليه وهداه إليها، وأقرّ بها وصدّق، وغضّ لها بصره خاشعا وأطرق، ومدّ إليها يده بالمبايعة، ومعتقده بالمتابعة، رضي بها وارتضاها، وأجاز حكمها على نفسه وأمضاها، ودخل تحت طاعتها وعمل بمقتضاها: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

«1» .

والحمد لله الذي نصب الحاكم ليحكم بين عباده وهو أحكم الحاكمين، والحمد لله الذي أخذ حقّ آل بيت نبيّه من أيدي الظالمين، والحمد لله ربّ العالمين، ثم الحمد لله ربّ العالمين، ثم الحمد لله ربّ العالمين، والحمد لله رب العالمين.

وإنه لمّا استأثر الله بعبده سليمان أبي الرّبيع الإمام المستكفي بالله أمير المؤمنين- كرّم الله مثواه- وعوّضه عن دار السّلام بدار السّلام، ونقله فزكّى بدنه عن شهادة السّلام بشهادة الإسلام، حيث آثره ربّه بقربه، ومهّد لجنبه وأقدمه على ما أقدمه من يرجوه لعمله وكسبه، وخار له في جواره رقيقا، وجعل له على صالح سلفه طريقا، وأنزله مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً

«2» . الله أكبر ليومه لولا مخلّفه كادت تضيق الأرض بما رحبت، وتجزى كلّ نفس بما كسبت، وتنبيء كلّ سريرة بما أدّخرت وما خبّت، لقد اضطرم سعير، إلّا أنّه في الجوانح، لقد اضطرب منبر وسرير، لولا خلفه الصالح، لقد اضطرب مأمور وأمير، لولا الفكر بعده في عاقبة المصالح، لقد غاضت البحار، لقد غابت الأنوار، لقد غالب البدور ما يلحق الأهلّة من المحاق ويدرك البدر من السّرار، نسفت الجبال نسفا، وخبت مصابيح النّجوم وكادت تطفى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا

ص: 333

صَفًّا

«1» لقد جمعت الدنيا أطرافها وأزمعت على المسير، وجمعت الأمّة لهول المصير، وزاغت يوم موته الأبصار: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ

«2» .

وبقيت الألباب حيارى، ووقفت تارة تصدّق وتارة تتمارى، لا تعرف قرارا، ولا على الأرض استقرارا: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى

«3» .

ولم يكن في النّسب العباسيّ ولا في جميع من في الوجود، لا في البيت المسترشديّ ولا في غيره من بيوت الخلفاء من بقايا آباء لهم وجدود، ولا من تلده أخرى الليالي وهي عاقر غير ولود، من تسلّم إليه أمّة محمد صلى الله عليه وسلم عقد نيّاتها، وسرّ طويّاتها، إلّا واحد وأين ذلك الواحد؟ هو والله من انحصر فيه استحقاق ميراث آبائه الأطهار، وتراث أجداده ولا شيء هو إلّا ما اشتمل عليه رداء الليل والنّهار، وهو ابن المنتقل إلى ربّه، وولد الإمام الذاهب لصلبه، المجمع على أنه في الأنام، فرد الأيّام، وواحد وهكذا في الوجود الإمام، وأنه الحائز لما زرّرت عليه جيوب المشارق والمغارب، والفائز بملك ما بين الشارق والغارب، الراقي في صفيح السماء هذه الذّروة المنيفة، الباقي بعد الأئمة الماضين رضي الله عنهم ونعم الخليفة، المجتمع فيه شروط الإمامة، المتّضع لله وهو من بيت لا يزال الملك فيهم إلى يوم القيامة، الذي تصفّح السّحاب نائله، والذي لا يغرّه عاذره ولا يغيّره عاذله، والذي (طويل) .

تعوّد بسط الكفّ حتّى لو انّه

ثناها لقبض لم تطعه أنامله

والذي (طويل) .

لا هو في الدّنيا مضيع نصيبه

ولا ورق الدّنيا عن الدّين شاغله

ص: 334

والذي ما ارتقى صهوة المنبر بحضرة سلطان زمانه إلّا قال ناصره وقام قائمه، ولا قعد على سرير الخلافة إلّا وعرف بأنّه ما خاب مستكفيه ولا غاب حاكمه، نائب الله في أرضه، والقائم بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته وابن عمّه، وتابع عمله الصالح ووارث علمه، سيدنا ومولانا عبد الله ووليّه «أحمد أبو العبّاس» الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، أيّد الله تعالى ببقائه الدّين، وطوّق بسيفه [رقاب] الملحدين، وكبت تحت لوائه المعتدين، وكتب له النصر إلى يوم الدين، وكفّ بجهاده طوائف المفسدين، وأعاذ به الأرض ممّن لا يدين بدين، وأعاد بعدله أيام آبائه الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعليه كانوا يعملون، ونصر أنصاره، وقدّر اقتداره، وأسكن في قلوب الرعيّة سكينته ووقاره، ومكّن له في الوجود وجمع له أقطاره.

ولمّا انتقل إلى الله ذلك السيد ولحق بدار الحقّ أسلافه، ونقل إلى سرير الجنة عن سرير الخلافة، وخلا العصر من إمام يمسك ما بقي من نهاره، وخليفة يغالب مربدّ الليل بأنواره، ووارث بني بمثله ومثل أبيه استغنى الوجود بعد ابن عمه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيّ مقتف على آثاره، ونسي ولم يعهد فلم يبق إذ لم يوجد النصّ إلّا الإجماع، وعليه كانت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا نزاع، اقتضت المصلحة الجامعة عقد مجلس كلّ طرف به معقود، وعقد بيعة عليها الله والملائكة شهود، وجمع الناس له ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ

«1» . فحضر من لم يعبأ بعده بمن تخلّف، ولم يربأ «2» معه وقد مدّ يده طائعا بمن مدّها وقد تكلّف، واجتمعوا على رأي واحد واستخاروا الله تعالى فيه فخار، وناهيك بذلك من مختار، وأخذت يمين تمدّ إليها الأيمان، ويشدّ بها الإيمان، وتعطى عليها المواثيق، وتعرض أمانتها على كلّ فريق، حتّى تقلّد كلّ

ص: 335

من حضر في عنقه هذه الأمانة، وحطّ يده على المصحف الكريم وحلف بالله العظيم وأتمّ أيمانه، ولم يقطع ولم يستثن ولم يتردّد، ومن قطع من غير قصد أعاد وجدّد، وقد نوى كلّ من حلف أنّ النية في يمينه نيّة من عقدت هذه البيعة له ونية من حلف له، وتذمّم بالوفاء في ذمّته وتكفّله، على عادة أيمان البيعة بشروطها وأحكامها المردّدة، وأقسامها المؤكّدة، بأن يبذل لهذا الإمام المفترضة طاعته الطاعة، ولا يفارق الجمهور ولا يظهر عن الجماعة انجماعه، وغير ذلك مما تضمّنته نسخ الأيمان المكتتب فيها أسماء من حلف عليها مما هو مكتوب بخطوط من يكتب منهم، وخطوط العدول الثّقات عمّن لم يكتب وأذنوا لمن يكتب عنهم، حسب ما يشهد به بعضهم على بعض، ويتصادق عليه أهل السماء والأرض، بيعة تمّ بمشيئة الله تمامها، وعمّ بالصّوب الغدق غمامها، وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ

«1» . ووهب لنا الحسن، ثم الحمد لله الكافي عبده، الوافي وعده، المّوافي لمن يضاعف على كل موهبة حمده، ثم الحمد لله على نعم يرغب أمير المؤمنين في ازديادها، ويرهب إلّا أن يقاتل أعداء الله بأمدادها، ويرأب بها ما آثر فيما أثر مماليكه (؟) ما بان من مباينة أضدادها.

نحمده والحمد لله، ثم الحمد لله كلمة لا نمل من تردادها، ولا نبخل بما يفوّق السّهام من سدادها، ولا نظلّ إلّا على ما يوجب كثرة أعدادها، وتيسير إقرار على أورادها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يتقايس دم الشهداء ومدّ مدادها، وتتنافس طرر الشّباب وغرر السّحاب على استمدادها، وتتجانس رقومها المدبّجة وما تلبسه الدولة العباسيّة من شعارها، والليالي من دثارها، والأعداء من حدادها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى جماعة آله من سفل من أبنائها ومن سلف من أجدادها، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 336

وبعد، فإنّ أمير المؤمنين لما أكسبه الله تعالى من ميراث النّبوّة ما كان لجدّه، ووهبه من الملك السليمانيّ عن أبيه ما لا ينبغي لأحد من بعده، وعلّمه منطق الطير بما تتحمّله حمائم البطائق من بدائع البيان، وسخّر له من البريد على متون الخيل ما سخّر من الرّيح لسليمان، وآتاه من خاتم الأنبياء ما أمدّه به أبوه سليمان وتصرّف، وأعطاه من الفخار ما أطاعه به كلّ مخلوق ولم يتخلّف، وجعل له من لباس بني العبّاس ما يقضي له سواده بسؤدد الأجداد، وينفض على كحل الهدب ما فضل عن سويداء القلب وسواد البصر من السّواد، ويمدّ ظلّه على الأرض فكلّ مكان حلّه دار ملك وكلّ مدينة بغداد، وهو في ليله السّجّاد، وفي نهاره العسكريّ وفي كرمه جعفر الجواد- يديم الابتهال إلى الله تعالى في توفيقه، والابتهاج بما يغصّ كلّ عدوّ بريقه، ويبدأ يوم هذه المبايعة بما هو الأهمّ من مصالح الإسلام، وصالح الأعمال مما يتحلّى به الإمام، ويقدّم التقوى أمامه، ويقرن عليها أحكامه، ويتّبع الشرع الشريف ويقف عنده ويوقف الناس، ومن لا يحمل أمره طائعا على العين حمله بالسّيف غصبا على الرّاس، ويعجّل أمير المؤمنين بما يشفي به النّفوس، ويزيل به كيد الشيطان إنه يؤوس، ويأخذ بقلوب الرّعايا وهو غنيّ عن هذا ولكن يسوس، وأمير المؤمنين يشهد الله وخليفته عليه أنه أقرّ كلّ امريء من ولاة الأمور الإسلاميّة على حاله، واستمرّ به في مقيله تحت كنف ظلاله، على اختلاف طبقات ولاة الأمور، وتفرّقهم في الممالك والثّغور، برّا وبحرا، سهلا ووعرا، وشرقا وغربا، وبعدا وقربا، وكلّ جليل وحقير، وقليل وكثير، وصغير وكبير، وملك ومملوك وأمير، وجنديّ يبرق له سيف شهير، ورمح طرير «1» ، ومن مع هؤلاء من وزراء وقضاة وكتّاب، ومن له يد تبقى في إنشاء وتحقيق حساب، ومن يتحدث في بريد وخراج، ومن يحتاج إليه ومن لا يحتاج، ومن في الدّورس والمدارس والرّبط والزّوايا والخوانق، ومن له أعظم التعلّقات وأدنى العلائق، وسائر أرباب المراتب،

ص: 337

وأصحاب الرّواتب، ومن له في مال الله رزق مقسوم، وحقّ مجهول أو معلوم، واستمرار كلّ أمر على ما هو عليه، حتّى يستخير الله ويتبيّن له ما بين يديه، فما زاد تأهيله، زاد تفضيله، وإلّا فأمير المؤمنين لا يريد سوى وجه الله، ولا يحابي أحدا في دين، ولا يحامي [عن] أحد في حقّ، فإن المحاماة في الحقّ مداجاة على المسلمين، وكلّ ما هو مستمرّ إلى الآن، مستقرّ على حكم الله مما فهّمه الله له وفهّمه سليمان، لا يغير أمير المؤمنين في ذلك ولا في بعضه، معتبر مستمرّ بما شكر الله على نعمه وهكذا يجازى من شكر، ولا يكدّر على أحد موردا نزّه الله به نعمه الصافية عن الكدر، ولا يتأوّل في ذلك متأوّل ولا من فجر النعمة أو كفر، ولا يتعلّل متعلّل فإنّ أمير المؤمنين يعوذ بالله ويعيذ أيّامه من الغير، وأمر أمير المؤمنين- أعلى الله أمره- أن يعلن الخطباء بذكره وذكر سلطان زمانه على المنابر في الآفاق، وأن تضرب باسمهما النّقود المتعامل بها على الإطلاق، ويبتهج بالدعاء لهما عطف الليل والنهار، ويصرّح منه بما يشرق به وجه الدّرهم والدّينار، وتباهي به المنابر ودور الضرب، هاتيك ترفع اسمهما على أسرّة مهودها، وهذه على أسارير نقودها، وهذه تقام بسببها الصّلاة، وتلك تدام بها الصّلات، وكلاهما تستمال به القلوب، ولا يلام على ما تعيه الآذان وتوعيه الجيوب، وما منهما إلّا من تحدّق بجواره الأحداق، وتميل إليه الأعناق، وتبلغ به المقاصد، ويقوى بهما المعاضد، وكلاهما أمره مطاع، من غير نزاع، وإذا لمعت أزمّة الخطب طار للذّهب شعاع، ولولاهما ما اجتمع جمع ولا انضمّ، ولا عرف الأنام بمن تأتمّ، فالخطب والذهب معناهما واحد، وبهما يذكر الله قيماء «1» المساجد، ولولا الأعمال، ما بذلت الأموال، ولولا الأموال، ما ولّيت الأعمال، ولأجل ما بينهما من هذه النّسبة، قيل إنّ الملك له السّكّة والخطبة، وقد أسمع أمير المؤمنين في هذا الجمع المشهود ما يتناقله كلّ خطيب، ويتداوله

ص: 338

كلّ بعيد وقريب، وإنّ الله أمر بأوامر ونهى عن نواه وهو رقيب، وتستفزع الأولياء لها السّجايا، وتتضرّع الخطباء فيها بنعوت الوصايا، وتكمّل بها المزايا، ويتكلّم بها الواعظ ويخرج من المشايخ الخبايا من الزّوايا، وتسمر بها السّمّار ويترنّم الحادي والملّاح، ويروق شجوها في الليل المقمر ويرقم على جنب الصّباح، وتعطّر بها مكة بطحاءها وتحيا بحديثها قباه، ويلقّنها كلّ أب فهم ابنه ويسأل كلّ ابن أن يجيب أباه، وهو لكم أيّها الناس من أمير المؤمنين رشد وعليكم بيّنة، وإليكم ما دعاكم به إلى سبيل ربّه من الحكمة والموعظة الحسنة، ولأمير المؤمنين عليكم الطاعة ولولا قيام الرّعايا بها ما قبل الله أعمالها، ولا أمسك بها البحر ودحا الأرض وأرسى جبالها، ولا اتفقت الآراء على من يستحقّ وجاءت إليه الخلافة تجرّ أذيالها، وأخذها دون بني أبيه ولم تكن تصلح إلّا له ولم يكن يصلح إلّا لها، وقد كفاكم أمير المؤمنين السّؤال بما فتح لكم من أبواب الأرزاق، وأسباب الارتفاق، وأحسن لكم على وفاقكم وعلّمكم مكارم الأخلاق، وأجراكم على عوائدكم ولم يمسك خشية الإملاق، ولم يبق على أمير المؤمنين إلّا أن يسير فيكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعمل بما ينتفع به من يجيء- أطال الله بقاء أمير المؤمنين- من بعده، ويزيد على كل من تقدّم، ويقيم فروض الحج والجهاد، وينيم الرعايا بعدله الشامل في مهاد، وأمير المؤمنين يقيم على عباده موسم الحجّ في كل عام، ويشمل سكّان الحرمين الشريفين وسدنة «1» بيت الله الحرام، ويجهّز السبيل على عادته ويرجو أن يعود إلى حاله الأوّل في سالف الأيّام، ويتدفّق في هذين المسجدين بحره الزاخر ويرسل إلى ثالثهما البيت المقدّس ساكب الغمام، ويقوم بقومة قبور الأنبياء- صلوات الله عليهم- أين كانوا وأكثرهم في الشام، والجمع والجماعات هي فيكم على قديم سننها، وقويم سننها، وستزيد في أيّام أمير المؤمنين بمن انضمّ إليه، وبما يتسلّمه من بلاد الكفّار ويسلم على يديه.

ص: 339

وأمّا الجهاد، فيكتفي باجتهاد القائم عن أمير المؤمنين بأموره، المقلّد عنه جميع ما وراء سريره، وأمير المؤمنين قد وكل إليه- خلّد الله سلطانه- عناء الأيّام، وقلّده سيفه الراعب بوارقه ليسلّه واجده على الأعداء [وإلّا] سلّ خباله عليهم في الأحلام، ويؤكّد أمير المؤمنين في ارتجاع ما غلب عليه العدا، وانتزاع [ما بأ] يديهم من بلاد الإسلام فإنّه حقّه وإن طال عليه المدى، وقد قدّم الوصية بأن يوالي غزو العدوّ المخذول برّا وبحرا، ولا يكفّ عمّن يظفر به منهم قتلا وأسرا، ولا يفكّ أغلالا ولا إصرا «1» ، ولا ينفكّ يرسل عليهم في البحر غربانا، وفي البرّ من الخيل عقبانا، يحمل فيهما كلّ فارس صقرا، ويحمي الممالك ممن يحوز أطرافها بإقدام، ويتخوّل أكنافها الأقدام، وينظر في مصالح القلاع والحصون والثّغور، وما يحتاج إليه من آلات القتال، وما تجتاح به الأعداء ويعجز عنه المحتال، وأمّهات الممالك الّتي هي مرابط البنود «2» ، ومرابض الأسود، والجناح الممدود، ويتفقّد أحوالهم بالعرض، بما لهم من خيل تعقد [بالعجاج]«3» ما بين السماء والأرض، وما لهم من زرد مصون، وبيض مسّها ذائب ذهب فكانت كأنّها بيض مكنون، وسيوف قواضب، ورماح لكثرة طعنها من الدّماء خواضب، وسهام تواصل القسيّ «4» وتفارقها فتحنّ حنين مفارق وتزمجر القوس زمجرة مغاضب.

وهذه جملة أراد أمير المؤمنين بها تطييب قلوبكم، وإطالة ذيل التطويل على مطلوبكم، وماؤكم وأموالكم وأعراضكم في حماية إلّا ما أباح الشرع

ص: 340