الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشعث النيّة وفساد الرأي، فإن رأى أن يحفظ ما ابتدأه مختارا من اصطناعي بما يصونه عن التنكّر، ويصون عادتي في شكر ذلك والاعتداد به عن الفتور والتغيّر، فعل.
أجوبة الاسترضاء والاستعطاف قال في «موادّ البيان» : لا يخلو المعتذر إليه من أمرين؛ أحدهما أن يقبل العذر، والآخر أن يستمرّ على الموجدة ويرفض ما يأتي به من حجّة، فإن كان قد قبل العذر، وجب أن يبنى الجواب على وصول الكتاب، والوقوف عليه، والتقبّل لما تضمّنه، وتبرئة المعتذر عن الحاجة إلى الاعتذار، والانقياد إلى الاعتراف بالجرم والإقرار، إكراما لخلّته عن التّهمة، وللمودّة عن الظّنّة، فإن الأمر الذي أوجب العذر لو صدر منه، لا قتضى وداده التأوّل له بأنّه ما صدر إلا عن باطن سليم ومصلحة أوجبته. قال: وليس هذا المعنى هو الذي يجاب به من قبل عذره فقط؛ لأنه يجوز أن يجيب بأنه قد قبل العذر، وصفح عن الجرم، على أن لا يعود إلى مثله. وإن استمرّ على القصد «1» ، بني الجواب على إبطال العذر ومعارضته بما يقتضيه، والدلالة على خطإ المعتذر، وأنه مما لا يسوغ الصفح عنه، ولا يليق بالحزم إقالته.
قال: وهذان معنيان يحملان من العبارة ما لا يكاد ينحصر في قول مشروح مبسوط، فضلا عن قول مجمل موجز، إلّا أن المتدرّب بالصناعة إذا مرّت به هذه الأصول أمكنه التفريع عليها.
النوع العاشر (في الشكوى- أعاذنا الله تعالى منها)
قال في «موادّ البيان» : رقاع الشّكوى- عصمنا الله من موجباتها- يجب
أن تكون مبنيّة من صفة الحال المشكية، على ما يوجب المشاركة فيها ويقضي بالمساعدة إن استدعيت عليها، من غير إغراق يفضي إلى تظليم الأقدار وإحباط الأجر، وشكوى المبتلي بالخير والشرّ سبحانه وتعالى، ويدلّ على التهالك بالجزع، وضعف التماسك وقوّة الهلع، باستيلاء القنوط والإياس، وأن يشفع الشكوى بذكر الثقة بالله سبحانه، والتسليم إليه، والرّضا بأحكامه، وتوقّع الفرج من عنده، وتلقّي اختباره بالصبر، كما تتلقّى نعمه بالشكر، ونحو هذا مما يليق به ويجري مجراه. قال: وقد يكتب الأتباع للرؤساء رقاعا بشكاية الأحوال ومساءلة النظر، ثم ذكر أنّ سبيل هذه الرّقاع أن يعدل بها عن التصريح بالشّكوى إلى لفظ الشّكر ومعناه، وطلب الزيادة والإلحاق بالنّظراء في الإحسان، لما في إطلاق الشكاية، والتصريح بها من التعريض بإخلال الرئيس بما يلزمه النظر فيه من أحوال خاصّتهم وتعهّد مرافقهم من الكفاية.
وهذه نسخ من ذلك:
رقعة شكوى هموم:
كتب المملوك هذا الكتاب وهو رهين فكر وغمّ، وقلق وهمّ، وحليف جوّى قد سكن القلب، وخوف قد أطار اللّبّ، وبالله العياذ، وهو الملاذ، وبيده تحلّ العقدة، وبأمره تزول الشّدّة، وقد ألهم الله سبحانه المملوك صبرا يسّر أمره، وأملا في الفرج خفّف ضرّه، وليس بآئس من عطفته، ولا قانط من نعمته.
رقعة في معنى ذلك:
كتب المملوك وهو شاك لتجاهل الأيام، وقيذ «1» من مواقع سهامها الرّغيبة الكلام، منهوم بهموم تضعف الجليد، وتسوء الوديد، وتسرّ الحسود، لاق من قسوة الدهر وفظاظته، ونبوة العيش ونفرته، ما يردّ الجفون عن
الهجوع، ويغرق العيون بالدّموع، ولله تعالى في عباده أقضية يقضيها، وأقدار يمضيها، والله أسأل حسن العاقبة والختام، وتمحيص الأوزار والآثام.
رقعة: كتب المملوك وجسمه صحيح، وقلبه قريح، وجنانه سليم، وجنابه سقيم، لما يتبادر إليه من نكايات تقدح وتقرح، وحادثات تكلم وتجرح، ونوب تهضّ، وتهدم وترضّ، وخطوب تخاطب شفاها، وتوصّل من اليد إلى اليد أذاها، إلّا أنّ الله يهبّ ريح المنح، وقد تداكت المحن فينشفها، ويشقّ عمود الفرح، وقد ادلهمّت فيكشفها، وظنّ المملوك بالله تعالى جميل، وله في صنعه ولطفه تأميل.
رقعة: وينهي أنه قد كتب هذه العبوديّة بيد قد أرعشتها الآلام، يملي عليها قلب قد قلبته الأسقام، فجسمه ناحل، وجسده بعد النّضرة قاحل، وقواه قد وهنت، وجلادته قد وهت، وصبره قد تخلّى واضطرب، وتحمّله قد نأى واقترب، وعاد شبحا من الأشباح، وهباء تذروه الرّياح، فلو اعتلق بشعرة لم تنصرم، أو ولج خرت «1» إبرة خيّاط لم تنفصم، ولولا الثّقة بالله وأنه يتبع السّقم بالصّحّة، ويشفع المحنة بالمنحة، لذهب ما بقي من ذمائه «2» ، وأطلّ على شفا شقائه، والمملوك يستشرف منه تعالى لطفا يعيد الكليل حديدا، والمخلق جديدا.
رقعة: وينهي أنه قد كتب هذه الرّقعة، وقد ساء أثر الأيّام عليه، وقبح صنعها لديه، وابتلته بمؤلم البلوى، وأنطقته بلسان الشّكوى، فهو محترق بنار الغيظ، يدعو على نفسه بالفيظ، إن لم يكن فرج يفرّج بين الأضداد، ولطف يريح من هذا الجهاد، وكلّما طلب المزايلة عوّق، أو طلب الفكاك اعتلق، فهو قاطن في صورة الظّاعن، وحالّ في حال الرّاحل، والله يمنّ بالمخرج، ويأتي بالفرج.