الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
ذكر الحوادث التي وقعت في بيت المقدس:
ثم بعد اعتقال الملك الصالح أيوب بالكرك، قصد الناصر داود القدس، وكان الفرنج قد عمروا قلعتها بعد موت الملك الكامل، فحاصرها، وفتحها، وخرب القلعة، وخرب برج داود - أيضًا -؛ فإنه لما خربت القدس أولاً، لم يخرب برج داود، فخربه في هذه المرة، وذلك في سنة سبع وثلاثين وست مئة.
فأنشد فيه جمال الدين بن مطروح، وكان فاضلاً:
المَسْجِدُ الأَقْصَى لَهُ آيَةٌ
…
سَارَتْ فَصَارَتْ مَثَلاً سَائِرَا
إِذَا غَدَا لِلْكُفْرِ مُسْتَوْطَناً
…
أَنْ يَبْعَثَ اللهُ لَهُ نَاصِرَا
فَنَاصِرٌ ظُهُورُهُ أَوَّلاً
…
وَنَاصِرٌ ظُهُورُهُ آخِرَا
* * *
واستمر الملك العادل في السلطنة إلى شهر ذي القعدة من السنة المذكورة، وكانت مدة ملكه نحو سنتين، وخُلع - كما يأتي شرحه في ترجمة الصالح أيوب -، وحبس إلى أن مات في سنة خمس وأربعين وست مئة، وكان عمره نحو ثلاثين سنة رحمه الله تعالى.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل
هو نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد.
تقدم في ترجمة أخيه العادل، وفي ترجمة بني أيوب: أن الناصر داود صاحبَ الكرك اعتقله بالكرك، واستمر في الاعتقال إلى أواخر رمضان، سنة سبع وثلاثين وست مئة، ثم أفرج عنه، واجتمعت عليه مماليكه، وكاتبه البهاء زهير، وسار الناصر داود وصحبته الملك الصالح إلى قبة الصخرة ببيت المقدس، وتحالفا على أن تكون ديار مصر للصالح أيوب، ودمشق والبلاد الشرقية للناصر داود، ولم يف له بذلك، وكان يتأول في يمينه أنه كان مُكْرَهاً.
ثم سار إلى غزة، فلما بلغ الملكَ العادل صاحبَ مصر ذلك، عظُم عليه وعلى والدته، وبرز على بلبيس بعسكر مصر، واستنجد بعمه الصالح إسماعيل المستولي على دمشق، فسار إليه بعساكر دمشق، فبينما الناصرُ داود، والصالحُ أيوب في هذه السنة، وهما بين عسكرين قد أحاطا بهما، إذ ركب جماعة من المماليك الأشرفية، ومقدمهم أيبك الأسمر، وأحاطوا بدهليز الملك العادل أبي بكر بن الكامل وقبضوا عليه، وجعلوه في خيمة صغيرة، وعليه من يحفظه، وأرسلوا إلى الملك الصالح أيوب يستدعونه، ففرح بذلك فرحاً لم يسمع بمثله، وسار إلى مصر، وبقي يلتقي الملكَ الصالح في كل يوم فوجٌ بعد فوج من الأمراء والعساكر، وكان القبض على العادل ليلة الجمعة، ثامن ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وست مئة.
ودخل الملك الصالح أيوب إلى قلعة الجبل يوم الأحد بُكرة، لستٍّ بقين من الشهر المذكور، وزُينت له البلاد، وفرح الناس بقدومه.
ولما استقر في السلطنة، خاف الناصر داود أن يقبض عليه، فطلب دستوراً، وتوجه إلى بلاده الكرك، وكذلك خاف الصالح إسماعيل من ابن أخيه الصالح أيوب.
وفي سنة إحدى وأربعين وست مئة: اتفق الصالح إسماعيل المستولي على دمشق مع الناصر داود صاحب الكرك، واعتضدا بالفرنج، وسلَّما إلى الفرنج طبرية، وعسقلان، فعمر الفرنج قلعتهما، وسلما - أيضًا - إليهم القدس بما فيه من المزارات.
قال القاضي جمال الدين بن واصل: ومررت إذ ذاك بالقدس متوجهاً إلى مصر، ورأيت القُسوس قد جعليوا على الصخرة قناني الخمر للقربان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فلما دخلت سنة اثنتين وأربعين وست مئة: استدعى الملك الصالح أيوب - رحمه الله تعالى - الخوارزمية؛ لينصروه على عمه الصالح إسماعيل، فكان المصاف بين عسكر مصر، ومعهم الخوارزمية، وبين عسكر دمشق، ومقدَّمهم الملكُ المنصور إبراهيم بن شيركوه صاحبُ حمص، ومعهم الفرنج وعسكرُ الكَرَك، ولم يحضر الناصر داود ذلك.
والتقى الفريقان بظاهر غزة، فولَّى عسكرُ دمشق وصاحبُ حمص إبراهيمُ والفرنجُ منهزمين، وتبعهم عسكر مصر والخوارزمية، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً.
واستولى الملك الصالح أيوب صاحب مصر على غزة، والسواحل، والقدس الشريف - ولله الحمد -، ووصلت الأمراء والرؤوس إلى مصر،
ودُقت بها البشائر عدة أيام.
ثم استولى الصالح أيوب على دمشق في سنة ثلاث وأربعين وست مئة، واستولى على بعلبك في سنة أربع وأربعين، واستولى على الكرك في سنة سبع وأربعين، قبل وفاته بيسير - كما تقدم ذكر ذلك في ترجمة بني أيوب -.
وتوفي الملك الصالح أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر ابن أيوب في ليلة الأحد، لأربعَ عشرةَ ليلةً مضت من شعبان، سنة سبع وأربعين وست مئة.
وكانت مدة مملكته للديار المصرية تسع سنين، وثمانية أشهر، وعشرين يوماً، وكان عمره نحو أربع وأربعين سنة.
وكان مهيباً، عالي الهمة، عفيفاً، طاهر اللسان، شديد الوقار، كثير الصمت، وكان غاوياً بالعمارة، بنى قلعة الجزيرة، وبنى الصالحية، وهي بلدة بالسالح، وبنى قصراً عظيماً بين مصر والقاهرة يسمى بالكبش.
وكانت أم الملك الصالح أيوب جارية سوداء تسمى: ورد المنى، غشيها السلطان الملك الكامل، فحملت بالملك الصالح.
وكان للملك الصالح ثلاثة أولاد، أحدهم: فتح الدين، توفي في حبس الصالح إسماعيل - كما تقدم في ترجمة بني أيوب -، وكان قد توفي ولده الآخر قبله، ولم يكن قد بقي له غير المعظم توران شاه بحصن كيفا، ومات الملك الصالح، ولم يوص إلى أحد - رحمه الله تعالى -.