الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولُقب: الملك الصالح، فأرسل الصالحُ بن رزبك إلى الفرنج، وبذل لهم مالاً، وأخذ نصرَ بن عباس، وأحضره إلى مصر، وأُدخل القصر، فقُتل، وصُلب على باب زويلة.
ولما استقر أمر الصالح بن رزبك، وقع في الأعيان بالديار المصرية، فأبادهم بالقتل، والهروبِ إلى البلاد البعيدة.
وتوفي الفائز في سنة خمس وخمسين وخمس مئة، وكانت خلافته ستَّ سنين، ونحوَ شهرين.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
خلافة العاضد لدين الله
هو أبو محمد، عبدُالله، الملقب: العاضدُ لدين الله ابنُ الأمير يوسف بنِ الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بنِ أبي القاسم محمد بنِ المستنصر بالله بنِ الظاهر لإعزاز دين الله بنِ الحاكم بأمر الله ابنِ العزيز بالله بنِ المعزِّ لدين الله بنِ المنصور بالله بنِ القائم بأمر الله بنِ المهدي بالله، هوآخر خلفاء مصر من العُبَيديين.
ولي المملكة بعد وفاة ابن عمه الفائز، والسبب في ولايته: أنه لما مات الفائز، دخل الصالح بن رزبك القصر، وسأل عمن يصلح، فأُحضر منهم إنسان كبير السن، فقال بعض أصحاب الصالح له سراً: لا يكون عباسٌ أحزمَ منك؛ حيث اختار الصغير، فأعاد الصالحُ الرجلَ
إلى موضعه، وأمر باحضار العاضد لدين الله، ولم يكن أبوه خليفة.
وكان العاضد ذلك الوقت مراهقاً، فبايع له بالخلافة، وزوَّجه الصالحُ ابنته، ونقل معها من الجهاز ما لا يُسمع بمثله، وكان العاضد شديد التشيع، متغالياً في سِبّ الصحابة رضي الله عنهم، وإذا رأى سنيَّاً، استحلَّ دمه.
واحتكر وزيرُه الصالحُ في أيامه الغَلَاّت، فارتفع سعرُها، وأضعفَ حال الدولة المصرية، وقتل أمراء الدولة خشيةَ منهم، وأفنى ذوي الآراء والحزم منها، وكان كثير التطلع إلى ما في أيدي الناس من الأموال، وصادر أقواماً ليس بينهم وبينه تعلق.
وكان العُبيديون في أوائل دولتهم قالوا لبعض العلماء: اكتبْ لنا ألقاباً في ورقة تصلُح للخلفاء، حتى إذا تولى واحد منهم، لقبوه منها بلقب، فكتب لهم ألقاباً كثيرة، وكان آخرها ذكر العاضد، فاتفق أن آخر من ولي منهم تلقَّب بالعاضد، وهذا من عجيب الاتفاق، و - أيضاً - العاضد في اللغة هو القاطع، يقال: عضدت الشيء، فهو عاضدٌ له: إذا قطعه، فكأنه عاضدٌ لدولتهم، وكذا كان؛ لأنه قطعها.
ومما قيل أن أحد علماء مصر نقل: أن العاضد في أواخر دولته رأى في منامه وهو بمصر، قد خرجت إليه عقرب من مسجد معروف بها، فلدغته، فلما استيقظ، ارتاع لذلك.
فطلب بعض معبِّري الرؤيا، وقص عليه المنام، فقال: ينالك مكروه من شخص مقيم في هذا المسجد، فتطلب ذلك بعد جهد، وإذا هو
رجل صوفي، وهو الشيخ نجم الدين الحبوساني، فأُحضر إليه، فلما رآه وسأله وأجابه، ظهر له منه ضعفُ الحال والصدق، والعجزُ عن إيصال المكروه إليه منه، فأعطاه شيئاً، وقال له: يا شيخ! ادع لنا، وأطلقَ سبيله، فتوجه إلى مسجده.
فلما استولى الناصر صلاح الدين، وعزم على قبض العاضد، واستفتى الفقهاء، فأفتوه بحل دمه؛ لما كان عليه من انحلال العقيدة، وفساد الاعتقاد، وكثرة الوقوع في الصحابة، والاستهزاء بهم، وكان أكبرهم في الفتيا الصوفي المقيم في المسجد؛ فإنه عدد مساوئ هؤلاء القوم، وسلب عنهم الإيمان، وأطال الكلام في ذلك، فصحَّت رؤيا العاضد بذلك.
وكانت وفاته في يوم عاشوراء، سنة سبع وستين وخمس مئة.
وسنذكر شيئاً من ذلك في ترجمة السلطان صلاح الدين - إن شاء الله تعالى -.
وقيل: إنه سم نفسه، فمات.
وكانت مدة خلافة الفاطميين من حين ظهور المهديِّ بسجلماسة في ذي الحجة، سنة ست وتسعين ومئتين، إلى أن توفي العاضد في التاريخ المذكور: مئتين، وسبعين سنة، وشهراً تقريباً -.
وهذا دأبُ الدنيا، لم تعط إلا واستردَّت، ولم تحلُ إلا وتمررت، ولم تصفُ إلا وتكدَّرت، بل صفوُها لا يخلو من الكدر.