الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَرْفُ السَّينِ
156 -
أبو نصر سابور بن أزدشير الملقب: بهاء الدولة، [وزير] أبي نصر بن عضد الدولة بن بُوَيْه الديلمي: كان من أكابر الوزراء، وأماثل الرؤساء، جمعت فيه الدراية والكفاية، وكان بابه محطَّ الشعراء، فمن جملة مَن مدحه: أبو الفرج الببغاء بقوله:
لُمْتُ الزَّمَانَ عَلَى تَأْخِيرِهِ طَلَبِي
…
فَقَالَ مَا وَجْهُ لَوْمِي وَهْوَ مَحْظُورُ
فَقُلْتُ: لَوْ شِئْتَ مَا فَاتَ الغِنَى أَمَلِي
…
فَقَالَ: أَخْطَأْتَ بَلْ لَوْ شَاءَ سَابُورُ
وَقَدْ تَقَبَّلْتُ هَذَا النُّصْحَ مِنْ زَمَنِي
…
وَالنُّصْحُ حَتَّى مِنَ الأَعْدَاءِ مَشْكُورُ
لُذْ بِالوَزِيرِ أَبِي نَصْرٍ وَسَلْ شَطَطاً
…
وَاسْرِفْ فَإِنَّكَ فِي الإِسْرَافِ مَعْذُورُ
ولد بشيراز في ذي القعدة، ليلة السبت، خامس عشرها، سنة ست
وثلاثين وثلاث مئة، وتوفي في سنة ست عشرة وأربع مئة ببغداد.
وسابور: أصله: شاه بور، فعرِّب، وأولُ من سُمي به: سابور بن أزدشير أحدُ ملوك الفرس، ومعناه بالفارسية: دقيق طيب، وقيل: أزد بالعجمي: دقيق، وشير: الحليب.
* * *
157 -
أبو الحسن سَرِيُّ بن المغلس السَّقَطي: أحد رجال الطريقة وأربابِ الحقيقة، كان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد، وهو خال الجنيد، وأستاذه، وكان تلميذَ معروفٍ الكرخي، وكان كثيراً [ما] ينشد:
إِذَا مَا شَكَوْتُ الحُبَّ قَالَتْ: كَذَبْتَنِي
…
فَمَالِي أَرَى الأَعْضَاءَ مِنْكَ كَوَاسِيَا
فَلَا حُبَّ حَتَّى يَلْصقَ الجِلْدُ بِالحَشَا
…
وَتَذْهَلَ حَتَّى لَا تُجِيبَ المُنَادِيَا
توفي سنة إحدى وخمسين، وقيل: في رمضان سنة ست وخمسين، وقيل: سبع وخمسين ومئتين ببغداد، ودفن إلى جانب قبر الجنيد.
* * *
158 -
أبو الحسن السَّرِيُّ بن أحمد بن السّري، الكنديُّ، الرَّفَّاءُ الموصليُّ، الشاعرُ المشهورُ:
كان في صباه يرفو ويطرز، وهو مولَع بالأدب، ونظم الشعر، ولم
يزل حتى جاد شعره، ومَهَر فيه، فمن شعره يذكر فيه صناعته:
وَكَانَتِ الإِبْرَةُ فِيمَا مَضَى
…
صَائِنَةً وَجْهِي وَأَشْعَارِي
فَأَصْبَحَ الرِّزْقُ بِهَا ضَيِّقًا
…
كَأَنَّهُ مِنْ ثَقْبِهَا جَارِي
ومن محاسن شعره:
يَلْقَى النَّدَا بِرَقيقِ وَجْهٍ مُسفِرٍ
…
فَإِذَا الْتَقَى الجَمْعَانِ عَادَ صَفْيِقَا
رَحْبَ المَنَازِلِ مَا أَقَامَ فَإِنْ سَرَى
…
فِي جَحْفَلٍ تَرَكَ الفَضَاءَ مَضِيقَا
توفي سنة نيف وستين وثلاث مئة ببغداد، وقيل في [سنة اثنتين وستين وثلاث مئة، وقيل: سنة أربع وأربعين و] ثلاث مئة.
* * *
159 -
أبو الفوارس سعيد بن محمد بن سعيد (1) بن الصيفي، التميميُّ، الملقَّب: شهاب الدين، المعروف بحَيْصَ بَيْصَ، الشاعرُ المشهور: كان فقيهاً شافعي المذهب، تفقه بالريّ، وتكلم في الخلاف،
(1) في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 362): "سعد بن محمد بن سعد".
وغلب عليه الأدبُ ونظمُ الشعر، وأخذ الناس عنه نظماً ونثراً، وأدباً وفضلاً، غير أنه كان فيه تِيهٌ وتعاظمُ، وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي.
وقال الشيخ نصر الله بن مجلِّي - وكان من ثقات أهل السنة -: رأيت في المنام عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقلت له: يا أمير المؤمنين! تقتحمون (1) مكة، فتقولون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتمُّ على ولدك الحسينِ يومَ الطفِّ ما تم؟ ! فقال لي: أما سمعت أبيات ابنِ الصيفي في هذا؟ فقلت: لا، فقال: اسمعها منه.
ثم استيقظت، فبادرت إلى دار حيصَ بيصَ، فخرج إليَّ، فذكرت له الرؤيا، فشهق، وأعلن بالبكاء، وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي أو خطي إلى أحد، وإن كنت قد نظمتها إلا في ليلتي هذه، ثم أنشدني:
مَلَكْنَا فَكَانَ العَفْوُ مِنَّا سَجِيَّةً
…
فَلَمَّا مَلَكْتُمُ سَالَ بِالدَمِ أَبْطَحُ
وَحَلَلْتُمُ قَتْلَ الأَسَارَى وَطَالَمَا
…
غَدَوْناَ عَلَى الأُسَرَاءِ نَعْفُو وَنَصْفَحُ
وَحَسْبُكُمُ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَنَا
…
وَكُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَنْضَحُ
(1) في "وفيات الأعيان"(2/ 364): "تفتحون".
وإنما قيل له: حيص بيص؛ لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة، وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيصَ وبيصَ؟ أي: شدّة واختلاط.
وكانت وفاته سادس شعبان، سنة أربع وسبعين وخمس مئة ببغداد، ولم يعقب ولداً.
* * *
160 -
أبو المعالي سعيد (1) بن علي بن القاسم بن علي بن القاسم الأنصاري الخزرجي، الورَّاق الحظيريُّ، المعروف بدلَاّل الكتب: له نظم جيد، وألَّف مجاميعَ، من شعره:
وَمُعَذَّرٍ فِي خَدِّهِ
…
وَرْدٌ وَفِي فَمِهِ مُدَامْ
مَا لَانَ لي حَتَّى تَغَشَّى
…
صُبْحَ سَالِفِهِ ظَلَامْ
كَالمُهْرِ يَجْمَحُ تَحْتَ رَا
…
كِبِهِ وَيَعْطِفُهُ اللِّجَامْ
وله - أيضاً -:
أَحْدَقَتْ ظُلْمَةُ العِذَارِ بِخَدَّيْـ
…
ـهِ فَزَادَتْ فِي حُبِهِ حَسَرَاتِي
(1) في "وفيات الأعيان"(2/ 366): "سعد".
قُلْتُ: مَاءُ الحَيَاةِ فِي فَمِهِ العَذْ
…
بِ دَعُونِي أَخُوضُ فِي الظُّلُمَاتِ
وله معانٍ نفيسة، توفي يوم الاثنين، الخامس والعشرين من صفر، سنة ثمان وخمسين وخمس مئة (1) ببغداد.
ونسبته بالحَظِيري - بالحاء المهملة والظاء المعجمة المكسورة - إلى موضع فوق بغداد يقال له: الحظير، وثَمَّ ثياب منسوبة إليه.
* * *
161 -
أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، سعيدُ بن جبير بن هشامٍ، الأسديُّ بالولاء: مولَى بني والبةَ بن الحارث، كوفي، أحد أعلام التابعين، وكان أسود.
أخذ العلم عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وقرأ القرآن في ركعة في البيت الحرام، وأُحضر إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، فقال له: يا شقيُّ بن كُسَير! وسأله عن أشياء، فأجابه، ثم قال: فما أخرجك عليَّ؟ فقال: بيعةٌ كانت فيَّ لابن الأشعث، فغضب الحجاج، ثم قال: فما كانت بيعة أمير المؤمنين عبدِ الملك في عنقك من قبل؟ والله! لأقتلنك، يا حربي! اضرب عنقه، فضرب عنقه، وذلك في شعبان،
(1) في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 368) وغيره: "سنة ثمان وستين وخمس مئة".
سنة خمس، وقيل: أربع وتسعين بواسط، ودفن في ظاهرها، وله تسع وأربعون سنة.
وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: قتل الحجاجُ سعيدَ بن جبير، وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه.
ثم مات الحجاج بعده في رمضان من السنة، وقيل: بستة أشهر، ولم يسلِّطه الله تعالى بعده على قتل أحد حتى مات.
ويقال: إن الحجاج لما حضرته الوفاة كان يغوص ثم يفيق، ويقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟ !
ورُئي في النوم بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: قتلني بكل قتيل قتلته قتلة، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة.
وحكى أن سعيد بن جبير كان يلعب بالشطرنج استدباراً.
* * *
162 -
أبو محمد (1) سعيد بن المسيب بن حَزْن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، القرشيُّ المدنيُّ: أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وكان سعيد المذكور سيدَ التابعين من الطراز الأول، جمع بين الحديث والفقه، والزهد والعبادة، سمع سعدَ بن أبي وقاص، والزهريَّ، وأبا هريرة، ودخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ منهن، وأكثر
(1) في الأصل: "أبو عبد الله ".
رواية المسند عن أبي هريرة، وكان زوج ابنته، وحج أربعين حجة، وقيل: إنه صلى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة.
ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب، وكان في خلافة عثمان رجلاً، وتوفي بالمدينة سنة إحدى، وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع، وقيل: خمس وتسعين للهجرة.
* * *
163 -
أبو محمد سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله بن سعيد ابن محمد، المعروف بابن الدَّهَّان، النحويُّ الأنصاريُّ البغداديُّ: كان سيبويهِ عصره، وله في النحو التصانيفُ المفيدة، وكان انتقل إلى الموصل، وخلَّف كتبه ببغداد، فاستولى الغرق تلك السنة على البلد، فغرقت الكتب، وكان أفنى عمره في تحصيلها، فلما حملت إليه، أشاروا عليه أن يُطيبها بالبخور، فبخَّرها باللاذن، ولازم ذلك، فطلع إلى رأسه وعينيه، فأحدث له العمى، وكف بصره.
ولد في رجب، سنة أربع وتسعين وأربع مئة ببغداد، وتوفي في شوال سنة تسع وستين وخمس مئة بالموصل.
وكان له ولد [وهو] أبو زكريا يحيى بن سعيد [وكان] أديبا وشاعراً، من شعره:
وَعَهْدِي بِالصِّبَا زَمَناً وَقَدِّي
…
حَكَى أَلِفَ [ابْنِ] مُقْلَةَ فِي الكِتَابِ
فَصِرْتُ الآنَ مُنْحَنِياً كَأَنِّي
…
أُفَتِّشُ فِي التُّرَابِ عَلَى الشَّبَابِ
ولد في أوائل سنة تسع وستين وخمس مئة، وتوفي بالموصل سنة ست عشرة وست مئة.
* * *
164 -
أبو عبد الله سُفيانُ بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع، الثوريُّ الكوفيُّ: كان إماماً في علم الحديث وغيره من العلوم، وأجمع الناس على دينه وورعه، وهو أحد الأئمة المجتهدين.
ويقال: إن الجنيد رضي الله عنه كان على مذهبه.
وسمع الأعمش ومَنْ في طبقته، وسمع منه الأوزاعي، ومالك، وتلك الطبقة.
ودخل على المهدي، فسلم تسليم العامة، ولم يسلم بالخلافة، فأكرمه المهدي، وكتب عهده على قضاء الكوفة، على أن لا يُعْتَرض عليه، ودُفع إليه، فأخذه، وخرج، فرمى به في دجلة، وهرب، فطُلب في كل بلدة، فلم يوجد، ولما أن امتنع من قضاء الكوفة، وتولى شريك ابن عبد الله النخعي، قال الشاعر:
تَحَرَّزَ سُفْيَانٌ وَفَرَّ بِدِيِنِهِ
…
وَأَمْسَى شريكٌ مرصداً لِلدَّرَاهِمِ
ولد سنة خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع وتسعين للهجرة، وتوفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومئة، متوارياً من السلطان، ودفن عشاء - رحمه الله تعالى -، ولم يعقب.
* * *
165 -
أبو محمد سُفيان بن عُيينة بن أبي عمران الهلاليُّ، ورهط ميمونةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: مولى بني هاشم، وقيل: مولى الضحاك ابن مزاحم، وأصله من الكوفة، وقيل: ولد بها، ونقله أبوه إلى مكة، وكان إماماً عالماً، وحج سبعين حجة، روى عنه الإمام الشافعي رضي الله عنه، وخلقٌ كثير.
وقال سفيان: دخلت الكوفة ولم يتمَّ لي عشرون سنة، فقال أبو حنيفة لأصحابه ولأهل الكوفة: جاءكم حافظُ علمِ ابنِ دينار.
ولد بالكوفة في منتصف شعبان، سنة سبع ومئة، وتوفي يوم السبت، آخر جمادى الآخرة، سنة ثمان وتسعين ومئة بمكة، ودفن بالحَجُون: وهو جبل بأعلى مكة عنده مدافنُ أهلها.
* * *
166 -
مجد الدين أبو البركات سالم بن سالم بن أحمد بن أحمد، المقدسيُّ الحنبليُّ: قاضي القضاة بالديار المصرية، كان يُعد من فقهاء الحنابلة وأخيارهم، باشر القضاء أكثر من ثلاثين سنة بتواضع وعفة، وتوفي في يوم الخميس، تاسع عشري ذي العقدة، سنة ست وعشرين
وثمان مئة، وكان قد عزل بقاضي القضاة علاء الدين بن مغلي، فقال بعضهم عند عزله له:
قَضَى المَجْدُ قَاضِي الحَنْبَلِيَّةِ نَحْبَهُ
…
بِعَزْلٍ وَمَا مَوْتُ الرِّجَالِ سِوَى العَزْلِ
وَقَدْ كَانَ يُدْعَى قَبْلَ ذَلِكَ سَالِماً
…
فَخَالَطَهُ فَرْطُ انْسِهَالٍ مِنَ المَغْلِي
ومات بعد أن ابتلي بالزمانة والعطلة عدة سنين، وتوفي وقد نيف على الثمانين سنة رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
167 -
أبو الفتح سُلَيم بن أيوب بن سُلَيم، الرازيُّ الشافعيُّ الأديبُ: كان مشاراً إليه في الفضل والعبادة، وصنَّف الكتب الكثيرة المعتبرة، وكان لا يخلو وقتاً عن قراءة القرآن، حتى إنه كان إذا برى القلم، قرأ القرآن، أو سبّح، ثم غرق في بحر القُلْزُم عند رجوعه من الحج، عند ساحل جدَّة، في سلخ صفر، سنة سبع (1) وأربعين وأربع مئة، وكان عمره نيفاً وثمانين سنة، ودفن بجزيرة عند المخاضة من طريق عبدان.
والرازي: نسبة إلى الرّي، وهي: مدينة عظيمة من الديلم بين قوس
(1) في الأصل: "تسع"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 398) وغيره.
والجبال، وألحقوا الزاي فيها؛ كما ألحقوا في المروزي عند نسبته إلى مَرْو.
* * *
168 -
أبو محمد سليمان بن مهران مولى بني كاهل من ولد الأسد، المعروفُ بالأعمش، الكوفيُّ، الإمام المشهور: قدم أبوه الكوفة وامرأته حامل بالأعمش، فولدته بها، رأى أنسَ بنَ مالك، وكلَّمه، ولكنه لم يُرز [ق] السماع عليه، وما يرويه عن أنس، فهو إرسال، أخذه عن أصحاب أنس، ولقي كبار التابعين.
وكان لطيف الخلق مزَّاحاً، جاءه أصحاب الحديث ليسمعوا عليه، فخرج إليهم، وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغضُ إليَّ منكم، ما خرجت إليكم.
وجرى بينه وبين زوجته يوماً كلامٌ، فدعا رجلاً يصلح بينهما، فقال لها الرجل: لا تنظري إلى عموشة عينيه، وحموشة ساقيه (1)، فإنه إمام، وله قدر، فقال له: أخزاك الله! ما أردت إلا أن تعرفها عيوبي.
ولد سنة ستين للهجرة، وقيل: ولد يوم مقتل الحسين في يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين (2).
* * *
(1) في الأصل: "عمشة عينيه، وحماشة ساقيه"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 401).
(2)
قال في "وفيات الأعيان"(5/ 403): "وتوفي سنة ثمان وأربعين ومئة، =
169 -
قاضي القضاة سعد الدين سعد ابن قاضي القضاة شمس الدين محمد الديريُّ الحنفيُّ: شيخ الإسلام، كان إماماً عالماً.
مولده في سابع عشر رجب، سنة ثمان وستين وسبع مئة.
والديري: نسبة إلى قرية بمردا يقال لها: الدّير، وانتهت إليه رئاسة الديار المصرية، وكان والده قاضي قضاتها، وقرره الملكُ المؤيد شيخٌ في مشيخة جامعه الذي أنشأه بباب زويلة، ولما توفي، استقر ولده الشيخ سعد الدين في المشيخة عوضاً عنه، ثم ولي قضاء قضاة الديار المصرية في خامس عشر المحرم، سنة اثنتين وأربعين وثمان مئة، في أيام الملك العزيز يوسف بن الأشرف برسباي، بوساطة الملك الظاهر جقمق، حين كان المتصرف في المملكة، ثم لما استقر الظاهر جقمق في السلطنة، عظم أمره في أيامه، وعَلَت رتبته، ونفذت كلمته، واستمر في القضاء نحو خمس وعشرين سنة إلى أيام الملك الظاهر خشقدم، ثم ضعف بصره، وطعن في السن، وصار عمره نحو مئة سنة، فعزل نفسَه في أوائل سنة سبع وستين وثمان مئة، وولى عوضه قاضي القضاة محب الدين محمد أبو الفضل بن الشحنة، فعظُم ذلك على قاضي القضاة سعد الدين، وشقَّ عليه.
ثم توفي بعد مدة يسيرة في ليلة الجمعة، عاشر شهر ربيع الآخر
=في شهر ربيع الأول، وقيل: سنة سبع وأربعين، وقيل: سنة تسع وأربعين - رحمه الله تعالى - ".
من السنة المذكورة، ودفن بتربة الملك الظاهر خشقدم رحمه الله وعفا عنه -.
وكان شكلاً حسناً، بهي المنظر، منور الوجه، من نظمه: ما كتبه على إجازة لابن عذيبة المؤرخ:
يَا مُقْتَدِراً جَلَّ عَنِ الأَشْبَاهِ
…
مَنْ لَيْسَ سِوَاهُ آمِراً أَوْ نَاهِي
الْطُفْ بِعَبْدِكَ الضَّعِيفِ السَّاهِي
…
سَعْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله
وسأله السلطان مرة عن سبب وقوع الطاعون، فقال:
لما خالفوا في وضع ما هم، عوقبوا بأخذ ما هم.
وقال في قولة: "حبُّ الدنيا رأسُ كُلِّ خَطيئة": إنَّ حُبَّ الدينارِ أُسُّ كلِّ خطيئة.
وله في ذلك لطائفُ كثيرة - رحمه الله تعالى -.
* * *