الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العناصر الشامية، وبقاءهم على طاعته ومحبته، عاود المسير إلى دمشق، وخرج من الكرك ثانيًا، ووصل إلى دمشق في يوم الثلاثاء، ثامن عشر شعبان من السنة المذكورة، ونزل بالقصر الأبلق، ولمَّا تكاملت للسلطان عساكر الشام، أمرهم بالتجهيز للمسير إلى ديار مصر، وأرسل إلى الكرك وأحضر ما بها من الحواصل، وأنفق في العسكر، وسار بهم من دمشق في يوم الثلاثاء، تاسع رمضان، ووصل إلى غزة في يوم الجمعة، تاسع عشر رمضان، فقدم إلى طاعته عسكر مصر أوّلًا فأوّلًا.
وكان يلتقيه في كل يوم وهو سائر طلبٌ بعد طلب من الأمراء والمماليك والأجناد، ويقبلون الأرض، ويسيرون صحبته، فلما تحقق بيبرس الجاشنكير ذلك، خلع نفسه من السلطنة، وأرسل يطلب الأمان، وأن يتصدّق عليه، ويعطيه إمّا الكرك، أو حماة، أو صهيون، وأن يكون معهُ ثلاث مئة مملوك من مماليكه، فوقعت إجابة الملك الناصر إلى مئة مملوك، وأن يعطيه صهيون، وأتمّ الملك الناصر السير، وهرب الجاشنكير من قلعة الجبل إلى جهة الصعيد، وكانت مدة ولايته أحد عشر شهرًا. والحمد لله وحده.
* * *
*
سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون *
لمّا وصل الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى قريب القاهرة، خرج سلار نائب السلطنة إلى طاعته، والتقاه في يوم الاثنين، التاسع والعشرين
من رمضان، قاطع بِرْكة الحجاج، وقبَّل الأرض، وضرب للملك الناصر الدهليز بالبركة، وأقام بها يوم ثلاثاء سلخ رمضان، وعَيَّد يوم الأربعاء بالبركة، ودخل السلطان في نهاره، والعساكر المصرية والشامية سائرون في الخدمة، وعلى رأسه الجنز، ووصل إلى قلعة الجبل، وصعد إليها، واستقر على سرير ملكه بعد العصر من نهار الأربعاء، مستهل شوال، سنة تسع وسبع مئة، وعمره يومئذ نحو ستة وعشرين سنة، وهي سلطنته الثالثة.
[ .... ] الجاشنكير قصد المسير إلى صهيون حسب ما كان قد سأله، ففوّز من أطفيح إلى السويس، وسار إلى الصالحية ثم سار منها حتى وصل قريب الداروم من أعمال غزة، وكان قراسنقر متوجهًا إلى دمشق نائبًا بها، فوصل إليه المرسوم بالقبض على بيبرس الجاشنكير، فركب، وكبسه في المكان الذي هو فيه، وقبض عليه، وسار به إلى جهة مصر حتى وصل إلى الحطارة، فوصل من الأبواب الشريفة أسندمر الكرجي، فتسلم بيبرس، وعاد قراسنقر للشام، فوصل بيبرس إلى قلعة الجبل، واعتُقل في يوم الخميس، رابع عشر ذي القعدة من السنة المذكورة، وكان آخر العهد به.
وفي سنة اثنتي عشرة وسبع مئة: حجّ السلطان إلى بيت الله الحرام، وعاد من الحجاز إلى دمشق المحروسة في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم، سنة ثلاث عشرة وسبع مئة، بعد أن أقام في الكرك أيامًا.
وفي سنة خمس عشرة وسبع مئة: جهّز السلطان عسكرًا ضخمًا
من الديار المصرية، ورسم لجميع عساكر الشام بالمسير معهم، وجعل على الكل مقدّمًا الأمير سيف الدين تنكز الناصري نائب السلطنة بدمشق، وساروا إلى ملطية، وفتحوها، ونهبوا جميع ما فيها، واسترقُّوا النصارى عن آخرهم.
وفي سنة تسع عشرة وسبع مئة: توجه السلطان إلى الحجاز الشريف، وخرج من قلعة الجبل إلى الدهليز المنصور بُكْرَةَ السبت، ثاني ذي القعدة، ووصل إلى مكة المشرفة، وقضى مناسكه؛ بحيث إنه حافظ على الأركان والواجبات والسنن محافظة لم ير مثلها، وأحسنَ وتفضَّل على من كان بخدمته، وقدم إلى مقر ملكه، واستهل المحرم في القصب، ودخل قلعة الجبل بكرة نهار السبت، ثاني عشر المحرم، سنة عشرين وسبع مئة.
وفي السنة المذكورة: سارت العساكر من الشام وحلب وحماة بمرسوم السلطان، وأغاروا على بلاد سيس، وغنموا منها، وأحرقوا البلاد والزرع، وساقوا المواشي، ثم عادوا.
وفي سنة إحدى وعشرين وسبع مئة: حج تنكز نائب الشام.
وفي سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة: حج السلطان إلى بيت الله الحرام، ودخل إلى القاهرة في ثامن عشر المحرم، سنة ثلاث وثلاثين سبع مئة.
وتوفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون - رحمهُ الله تعالى - يوم الأربعاء، تاسع عشر ذي الحجة الحرام، سنة إحدى وأربعين وسبع