المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حَرْفُ الجِيْمِ 109 - جرير بن عطية بن الخَطَفَى واسمه حذيفة، - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ٢

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة العلوية الفاطمية

- ‌خلافة عبيد الله المهدي

- ‌ ذكر ما قتله القرامطة بمكة:

- ‌خلافة القائم بالله

- ‌خلافة المنصور

- ‌خلافة المعزّ لدين الله

- ‌خلافة العزيز بالله

- ‌خلافة الحاكم بأمر الله

- ‌خلافة الظاهر لإعزاز دين الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعلي بأمر الله

- ‌ ذكر استيلاء الفرنج على بيت المقدس:

- ‌خلافة الآمر بأحكام الله

- ‌ ذكر ظهور قبر إبراهيم عليه السلام

- ‌خلافة الحافظ لدين الله

- ‌خلافة الظافر بأمر الله

- ‌خلافة الفائز بنصر الله

- ‌خلافة العاضد لدين الله

- ‌الدولة العباسية بمصر

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة الحاكم بأمر الله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة الواثق بالله

- ‌خلافة الحاكم بأمر الله

- ‌خلافة المعتضد بالله

- ‌خلافة المتوكل على الله

- ‌خلافة الواثق بالله

- ‌خلافة المعتصم بالله

- ‌خلافة المتوكل على الله

- ‌خلافة المستعين بالله

- ‌خلافة المعتضد بالله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة أبي العز عبد العزيز بن يعقوب

- ‌ذكر ملك أتابك عماد الدين الزنكي

- ‌ ذكر قتل أتابك عماد الدين زنكيُ، وشيء من سيرته:

- ‌[سلطنة الملك العادل] نورِ الدين محمود الزنكي صاحب دمشق الملقب بالشهيد

- ‌[ذكر الملك الصالح] إسماعيل ابن السلطان نور الدين الشهيد

- ‌[ذكر السلطان الناصر صلاح الدين] يوسف بن أيوب وهو أول الملوك في الدولة الأيوبية

- ‌ ذكرُ ملكِ أسدِ الدين مصر: في شهور سنة أربع وستين وخمس مئة

- ‌[ذكر مُلك صلاح الدين مصر]

- ‌ ذكر إقامة الخطبة العباسية بمصر، وقُطعت خطبة العاضد لدين الله، وانقرضت الدولة العلوية الفاطمية:

- ‌وجرى بين نور الدين وصلاح الدين [من] الوحشة في الباطن:

- ‌ ذكر ما وقع للسلطان صلاح الدين بعد وصوله إلى دمشق في هذه السنة:

- ‌ ذكر غزوات السلطان الملك الناصر صلاح الدين وفتوحاته في هذه السنة:

- ‌ ذكر وقعة حطين:

- ‌وفي سنة أربع وثمانين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة سبع وثمانين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة ثمان وثمانين وخمس مئة:

- ‌ ذكر وفاة السلطان صلاح الدين وبعض سيرته:

- ‌ ذكر حال أهله وولده بعده:

- ‌[سلطنة الملك الأفضل علي ابن السلطان صلاح الدين]

- ‌ثم في سنة تسعين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة اثنتين وتسعين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة ثمان وتسعين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة تسع وتسعين وخمس مئة

- ‌وفي سنة ثلاث وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وست مئة:

- ‌وفي سنة سبع وست مئة:

- ‌وفي سنة تسع وست مئة:

- ‌وفي سنة اثنتي عشرة وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاث عشرة وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع عشرة وست مئة:

- ‌وفي سنة سبع عشرة وست مئة:

- ‌[ذكر سلطنة الملك المعظم ابن العادل]

- ‌تخريب أسوار بيت المقدس: وفي سنة ست عشرة وست مئة

- ‌وفي سنة ست وعشرين وست مئة:

- ‌وفي هذه السنة، وهي سنة ست وعشرين وست مئة

- ‌وفي سنة سبع وعشرين وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاثين وست مئة:

- ‌وفي سنة اثنتين وثلاثين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وثلاثين وست مئة

- ‌ذكر الملك الأشرف ابن الملك العادل

- ‌وفي سنة ست وثلاثين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة اثنتين وأربعين المذكورة:

- ‌وفي سنة ثلاث وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة سبع وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاث وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة خمس وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وخمسين وست مئة:

- ‌ولما دخلت سنة تسع وخمسون وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وستين وست مئة:

- ‌ولما دخلت سنة اثنان وثمانون وست مئة:

- ‌ذِكْرُ سَلَاطِينُ الأَيُّوبِيِّينَ وما استقر عليه الحال بعد وفاة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمة الله عليه

- ‌[ذكر تراجم ملوك الأيوبيين]

- ‌سلطنة الملك العزيز عثمان

- ‌سلطنة الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان

- ‌سلطنة الملك العادل أبو بكر محمد بن أبي الشكر

- ‌وفي سنة إحدى وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاث وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وست مئة:

- ‌ثم في سنة ثمان وست مئة:

- ‌سلطنة أبي المعالي محمد ابن الملك العادل سيف الدين

- ‌وفي سنة ثمان عشرة وست مئة

- ‌وفي سنة خمس وثلاثين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل

- ‌ ذكر الحوادث التي وقعت في بيت المقدس:

- ‌سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل

- ‌سلطنة الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح

- ‌أخبار شجر الدر

- ‌سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك التركماني

- ‌سلطنة الملك الأشرف موسى بن يوسف

- ‌وفي سنة اثنتين وخمسين وست مئة:

- ‌سلطنة المعز أيبك التركماني

- ‌سلطنة الملك المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك

- ‌سلطنة الملك المظفر قُطُز

- ‌سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري

- ‌ثم في سنة تسع وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة تسع وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وستين وست مئة:

- ‌ثم في سنة ثلاث وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة تسع وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة خمس وسبعين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك السعيد محمد بركة ابن الملك الظاهر بيبرس

- ‌ثم في سنة سبع وسبعين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك العادل بدر الدين سلامش

- ‌سلطنة الملك المنصور قلاوون الصالحي

- ‌ثم في سنة تسع وسبعين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وثمانين وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وثمانين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك الأشرف صلاح الدين ابن الملك المنصور قلاوون

- ‌وفي سنة تسعين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وتسعين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك القاهر بيدرا

- ‌ سلطنة الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون *

- ‌ سلطنة الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري *

- ‌ سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري *

- ‌ سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية *

- ‌ سلطنة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير *

- ‌ سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون *

- ‌سلطنة سيف الدين أبي بكر ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة علاء الدين كجك *

- ‌ سلطنة الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون *

- ‌سلطنة الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الكامل سيف الدين * شعبان ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك سيف الدين * حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الناصر * حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الصالح * صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الناصر حسن *

- ‌ سلطنة الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر حاجي *

- ‌ سلطنة الملك الأشرف شعبان ابن الأمير الأمجد حسين *

- ‌ سلطنة الملك المنصور علي ابن الملك الأشرف شعبان *

- ‌ سلطنة الملك الصالح حاجي ابن الملك الأشرف شعبان *

- ‌ سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى وهو أول الجراكسة *

- ‌ سلطنة الملك الصالح حاجي ابن الملك الأشرف شعبان

- ‌ سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية *

- ‌ سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى *

- ‌ ذكر وقعة تمرلنك *

- ‌ سلطنة الملك المنصور عبد العزيز بن برقوق *

- ‌ سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية *

- ‌ سلطنة أبي الفضل بن المتوكل على الله العباسي *

- ‌ سلطنة الملك المؤيد شيخ بدمشق *

- ‌ سلطنة أبي السعادات أحمد ابن الملك المؤيد *

- ‌ سلطنة الملك الظاهر ططر بن عبد الله الظاهري *

- ‌ سلطنة الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر *

- ‌ سلطنة الملك الأشرف برسباي الدقماقي الظاهري *

- ‌ سلطنة أبي المحاسن يوسف ابن الملك الأشرف برسباي *

- ‌ سلطنة الملك الظاهر هقمق العلائي *

- ‌ سلطنة أبي السعادات عثمان ابن الملك الظاهر جقمق *

- ‌ سلطنة الملك الأشرف أينال الأتابكي *

- ‌ سلطنة الملك أحمد ابن الملك الأشرف أينال *

- ‌(سلطنة أبي سعيد خشقدم المؤيدي)

- ‌(سلطنة أبي سعيد بلباي المؤيدي)

- ‌(سلطنة أبي سعيد تمربغا الظاهري)

- ‌(سلطنة العادل خشقدم خير بك)

- ‌(سلطنة أبي النصر قايتباي الظاهري)

- ‌تَرَاجُمُ الأَعْيَّانِ

- ‌حَرْفُ الهَمْزَة

- ‌حَرْفُ البَاءِ

- ‌حَرْفُ التَّاءِ

- ‌حَرْفُ الثَّاءِ

- ‌حَرْفُ الجِيْمِ

- ‌حَرْفُ الحَاءِ

- ‌حَرْفُ الخَاءِ المُعْجَمَة

- ‌حَرْفُ الدَّالِ المُهْمَلَة

- ‌حَرْفُ الذَّالِ المُعْجَمَة

- ‌حَرْفُ الرَّاءِ

- ‌حَرْفُ الزَّاي

- ‌حَرْفُ السَّينِ

- ‌حَرْفُ الّشِينِ المُعْجَمَة

- ‌حَرْفُ الصَّادِ المُهْمَلَة

- ‌حَرْفُ الضَّادِ المُعْجَمَة

الفصل: ‌ ‌حَرْفُ الجِيْمِ 109 - جرير بن عطية بن الخَطَفَى واسمه حذيفة،

‌حَرْفُ الجِيْمِ

109 -

جرير بن عطية بن الخَطَفَى واسمه حذيفة، والخطفى لقبه، ابن بدر، التميميُّ الشاعرُ المشهورُ: كان من فحول شعراء المسلمين والإسلام، وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثلُ ثلاثة: جرير، والفرزدق، والأخطل.

ويقال: إن بيوت الشعراء أربعة: فخر، ومدح، وهجاء، وتشبيب، وفي الأربعة فاق جريرٌ غيره.

ففي الفخر يقول:

إِذَا غَضِبَتْ عَلَيْكَ بَنْو تَمِيمٍ

حَسِبْتَ النَّاسَ كلَّهُمُ غِضَابَا

وفي المديح يقول:

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا

وَأَنْدَى العَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ

وفي الهجاء يقول:

ص: 374

فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ (1)

فَلَا كَعْبَا بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَا

وفي التشبيب يقول:

إِنَّ العُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِحهَا حَوَرٌ

قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلَانَا

يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لَا حَرَاكَ بِهِ

وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللهِ إِنْسَانَا (2)

توفي جرير باليمامة، سنة إحدى عشرة ومئة، وعمره نيف وثمانون سنة.

* * *

110 -

أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب: أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، كان من سادات أهل البيت، ولقب بالصادق؛ لصدقه في مقالته، وفضلُه أشهر من أن يُذكر، وله كلام في صنعة الكيمياء والفأل.

ولد سنة ثمانين للهجرة، وهي سنة سيل الحجاز (3)، وقيل: سنة

(1) في الأصل: "تميم".

(2)

في "وفيات الأعيان"(1/ 322) وغيره: "أركانا".

(3)

في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/ 327): "سيل الجَحَّاف".

ص: 375

ست وثمانين، وتوفي في شوال، سنة ثمان وأربعين ومئة بالمدينة، ودفن بالبقيع في قبر أبيه (1) محمد الباقر، وجدِّه علي (2) زين العابدين، وعمّ جدِّه الحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنه، فلله درّه من قبرٍ ما أكرمه! وأمّه أُمُّ فروةَ بنتُ القاسمِ بنِ محمد بنِ أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

* * *

111 -

أبو الفضل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي: وزيرُ هارون الرشيد، كان من علو القدر ونفاذ الأمر، وقوة الهمة، وعظم المحل، وجلالة المنزلة عند هارون الرشيد بحالةٍ انفرد بها، ولم يشارَك فيها.

وكان سمح الأخلاق، طلق الوجه، ظاهر البشر.

وأما جوده، وسخاؤه، وبذله، وعطاؤه، فكان أشهر من أن يُذكر.

وكان من ذوي الفصاحة، والمشهورين باللَّسَن والبلاغة، وتفقه على القاضي أبي يوسف الحنفي، ووقَّع إلى بعض عماله - وقد شكي به إليه -: كثر شاكوك، وقلَّ شاكروك، فإما اعتدلْ، وإما اعتزل.

وكان جعفر متمكّنًا من الرشيد، وبلغ من علوِّ المرتبة عنده ما لم يبلْغه سواه، حتى إن الرشيد اتخذ ثوبًا له زيقان، فكان يلبسه هو وجعفر جملة، ولم يكن للرشيد صبرٌ عنه.

(1) في الأصل: "أبي محمد"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 327).

(2)

في الأصل: زيادة "بن".

ص: 376

وكان الرشيد - أيضًا - شديد المحبة لأخته العباسة ابنة المهدي، وهي من أعز النساء عليه، ولا يقدر يفارقها، فزوَّجها لجعفر ليحِلَّ لهما أن يجتمعا فقط من غير أن يَقْرَبها، فتزوجها على هذا الشرط.

ثم تغير الرشيد عليه وعلى البرامكة كلِّهم آخرَ الأمر، ونكبهم، وقتل جعفرًا، واعتقل أخاه الفضل، وأباه يحيى إلى أن ماتا.

واختُلف في سبب تغير الرشيد، فقيل: إن سببه: أن جعفرًا دخل بعباسة خفية، وكانت هي السبب في ذلك، وحملت منه، وأتت بولد، ولما خافت ظهور الأمر، بعثت به إلى مكة، فلما بلغ الرشيدَ ذلك، قصد الحج، وتوجه إلى مكة، وبحث عن هذا الأمر، فوجده صحيحًا، فأضمر الشرَّ للبرامكة.

وقيل: إن الرشيد سلَّم إلى جعفرٍ يحيى بنَ عبد الله بنِ الحسين الخارجَ (1) عليه، وحبسه عنده، فخدعه يحيى، فأطلقه جعفر، وبعث معه مَنْ أدلَّه إلى مأمنه، فكان ذلك سببًا لتغير الرشيد.

وقيل غير ذلك.

وقتل الرشيد جعفرًا بموضع يقال له: الغمز (2) من الأنبار، في يوم السبت سلخ المحرم.

وقيل: مستهل صفر سنة سبع وثمانين ومئة.

(1) في الأصل: "الخارجي"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 334).

(2)

في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/ 337): "العُمْرُ".

ص: 377

ومن أعجبِ ما يؤرخ من تقلبات الدنيا بأهلها: ما حكاه محمد بن غسان: أن عبد الرحمن القاسمي قال: دخلت على والدتي في يوم نحر، فوجدت عندها امرأة في ثياب رثَّة، فقالت لي والدتي: أتعرف هذه؟ فقلت: لا، قالت: هذه عتابة أمُّ جعفرٍ البرمكي، فأقبلتُ عليها بوجهي، وأكرمتُها، وتحادثنا زمانًا، ثم قلت: يا أم جعفر! ما أعجبُ ما رأيتِ؟ قالت: يا بني! لقد أتى عليَّ عيدٌ مثلُ هذا، وعلى رأسي أربع مئة وصيفة، وإني لأَعُدُّ ابني عاقًّا لي؛ لعدم إنصافه لي، ولقد أتى علي هذا العيدُ، وما أملك إلا جلدَ شاتين، أفترش أحدَهما، والتحف بالآخر.

قال: فدفعت لها خمس مئة درهم، فكادت تموت فرحا بها، ولم تزل تختلف إلينا حتى فرَّق الموت بيننا.

* * *

112 -

أبو الفضل جعفر بن الأفضل (1) بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، المعروف بابن حِنْزابة: كان وزير بني الإخشيد بمصر مدَة إمارة كافور بملك مصر، ولما تولى كافور الملكَ، استقلَّ به، ثم انقلب عليه الأمر، واستتر مرّتين، ونُهبت دوره في أيام كافور.

وكان عالما، ومحبًا للعلماء، ويملي الحديث بمصر وهو وزير.

(1) في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/ 346): "الفضل".

ص: 378

ولد لثلاثٍ خلون من ذي الحجة، سنة ثمان وثلاث مئة، وتوفي يوم الأحد، ثالث عشر صفر، سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة بمصر.

وكان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين، واشترى بالمدينة دارًا بالقرب من المسجد، ولم يكن بينها وبين الضريح النبوي سوى جدار واحد، وأوصى أن يُدفن فيها، ولما مات، حُمل تابوته من مصر إلى الحرمين، وخرجت الأشراف إلى لقائه وفاءً بما أحسن إليهم، فحجُّوا به، وطافوا، ووقفوا بعرفة، ثم ردوه إلى المدينة، ودفنوه بالدّار المذكورة رحمه الله، وعفا عنه -.

* * *

113 -

أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر السرّاج، المعروف بالقاري البغدادي: كان حافظ عصره، وعلامة زمانه، وله التصانيف العجيبة، منها كتاب "مصارع العشاق"، وغيره، وله شعر حسن، منه:

وَعَدْتِ بِأَنْ تَزُورِي كُلَّ شَهْرِ

فَزُورِي قَدْ تَقَضَّى الشَّهْرُ

زُورِي وَشُقَّةُ بَيْنَنَا تَهْوي (1) المُعَلَّى

إِلَى البَلَدِ المُسَمَّى شَهْرَزورِ

(1) في "وفيات الأعيان"(1/ 358): "نهر".

ص: 379

وَأَشْهُرُ هَجْرِكِ المَحْتُومِ صِدْقٌ

وَلَكِنْ شَهْرُ وَصْلِكِ شَهْرُ زُورِ

ولد في أواخر سنة سبعَ عشرةَ وأربع مئة ببغداد، وتوفي بها ليلة الأحد، الحادي والعشرين من صفر، سنة خمس مئة.

* * *

114 -

أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر، البلخيُّ المنجِّمُ المشهور: كان إمام وقته في فنه، وله التصانيف المفيدة في علم النجوم، وله إصابات عجيبة.

ومن جملة وقائعه: أن بعض الملوك طلب رجلًا من أتباعه ليعاقبه بسبب جريمة صدرت منه، فاستخفى، وعلم أن أبا معشر يدل عليه بالطرائق التي تستخرج بها الخفايا، فأراد أن يعمل شيئًا يبعد عنه حدسه، فأخذ طستًا من نحاس، وجعل فيه دمًا، وجُعل في الدم هاوِنٌ من ذهب، وقعد على الهاون أيامًا، وطلب الملك ذلك الرجل، فعجز عنه، فطلب أبا معشر، وقال له: عرِّفني موضعه بما جرت عادتك به، فعمل مسألته التي يستخرج بها الخفايا، وسكت زمانًا حائرًا، فقال له الملك: ما سبب سكوتك وحيرتك؟ قال: سببًا عجيبًا، إني أرى المطلوب على جبل من ذهب، والجبل في بحر من دم، وحوله صور من نحاس، ولا أعلم في العالم موضعًا على هذه الصفة، فأمره بإعادة نظره، ففعل مرارًا، فلم ير إلا كما ذكر، فلما أيس الملك، نادى في البلد بالأمان للرجل ولمن

ص: 380

أخفاه، فخرج الرجل، وحضر بين يدي الملك، فسأله عن أمره، فأخبره بما اعتمده، فأعجبه حسنُ احتياله في إخفاء نفسه، ولطافة أبي معشر في استخراجه.

وله غير ذلك من الإصابات، توفي سنة اثنين وتسعين ومئتين.

* * *

115 -

أبو عمرو جميل بن عبد الله بن مَعْمَر، الشاعر المشهور: هو صاحب بُثَينة، أحدُ عشاق العرب، عشقها وهو غلام، فلما كبر، خطبها، فَرُدَّ عنها، فقال الشعر فيها، وكان يأتيها سرًا، ومنزلهما وادي القُرى، وديوان شعره مشهور، وجميل وبثينة كلاهما من بني عُذْرَة.

ومن شعره من جملة قصيدة:

إِذَا قُلْتُ: مَا بِي يَا بُثَيْنَةُ قَاتِلِي

مِنَ الوَجْدِ قَالَتْ: ثَابِتٌ وَيَزِيدُ

وَإِنْ قُلْتُ: رُدِّي بَعْضَ عَقْلِي أَعِشْ بِهِ

بُثَيْنَةُ قَالَتْ: ذَاكَ منك بَعِيدُ

ومن شعره - أيضًا -:

وَإِنِّي لأَرْضَى مِنْ بُثَيْنَةَ بِالَّذِي

لَوِ اسْتَيْقَنَ الرَّائِي لَقَرَّتْ بَلَابِلُهْ

ص: 381

بِلَا، وَبِأنْ لَا أَسْتَطِيع وبِالمُنَى

وَبِالأَمَلِ المَرْجُوِّ قَدْ خَابَ آمِلُهْ

وَبِالنَّظْرَةِ العَجْلَى وَبالحَوْلِ يَنْقَضِي

أَوَاخِرُهُ لَا نَلْتَقِي وَأَوَائِلُه

وذكر الزبير بن بَكَّار عن عباس بن سهل الساعدي، قال: بينا أنا بالشام، إذ لقيني رجل من أصحابي، فقال: هل لك في جميل؟ فإنه مريض نعوده؟ فدخلنا عليه وهو يجودُ بنفسه، فنظر إليَّ، ثم قال: يا بن سهل! ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قَطُّ، ولم يزنِ، ولم يقتل النفس، ولم يسرق، يشهد أن لا إله إلا الله؟ قلت: أَظن قد نجا، وأرجو له الجنة، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا، قلت: والله! ما أحسبك سَلِمْتَ، وأنت تُشَبِّبُ ببثينةَ منذ عشرين سنة، فقال: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وإني لفي أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا، إن كنتُ وضعتُ يدي عليها لرِيبة، فما برحنا حتى مات (1).

وأوصى رجلًا أنه إذا مات، يركب ناقته، ويلبس حلته، ويُشققها، ثم يعلو على شَرَف عند رهط بثينة، ويصيح بهذه الأبيات:

قُومِي بُثَيْنَةُ فَانْدُبِي بِعَوِيل

وَابْكِي خَلِيلَكِ دُونَ كُلِّ خَلِيلِ

(1) قال في "وفيات الأعيان"(1/ 370): "مات سنة اثنتين وثمانين".

ص: 382

وَلَقَدْ أَجُرُّ البُرْدَ (1) فِي وَادِي القُرَى

نَشْوَانَ بَيْنَ مَزَارِعٍ وَنَخِيلِ

ففعل الرجل ما أمره به جميل، فما فرغت البيتان، حتى خرجت بثينة كأنها بدر قد بدا في دُجُنَّة، فاستخبرته، فاخبرها بالحال، وأخرج حلَّته، فلما رأتها، صاحت، وصكَّت وجهها، واجتمع نساء الحي يبكين معها، ثم قالت:

وَإِنَ سُلُوِّي عَنْ جَمِيلٍ لَسَاعةٌ

مِنَ الدَّهْرِ مَا حَانَتْ وَلَا حَانَ حِينُهَا

سَوَاءٌ عَلَيْنَا يَا جَمِيلُ بْنَ مَعْمَرٍ

إِذَا مِتَّ بِأْسَاءُ الحَيَاةِ وَليِنُهَا

قال الرجل: فما زلت باكيًا أكثر من يومين.

* * *

116 -

أبو القاسم الجُنيد بن محمد بن الجنيد، الخزَّازُ القواريريُّ، الزاهدُ المشهور: أصله من نهاوند، ومولده ومنشؤه العراق، وكان شيخ وقته، وفريد عصره، وكلامُه في الحقيقة مشهور مدوَّن، وتفقه على أبي ثور صاحبِ الشافعي، وقيل: بل كان فقيها على مذهب سُفيان الثوريِّ.

(1) في الأصل: "الهود"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 371).

ص: 383

وصحب خاله السَّرِي السَّقطي.

وصحبه أبو العباس بن سُريج، وكان إذا تكلم في الأصول والفروع بكلامِ أعجبَ الحاضرين، فيقول: تدرون من أين لي هذا؟ هذا من بركة أبي القاسم الجُنيد.

وتوفي الجنيد آخر ساعة من نهار الجمعة، سنة سبع وتسعين ومئتين (1)، وكان عند موته قد ختم القرآن الكريم، ثم ابتدأ بالبقرة، فقرأ سبعين آية، ثم مات.

وإنما قيل له: الخزاز؛ لأنه كان يصنع الخزّ، والقواريري؛ لأن أباه كان قوايريًا.

* * *

117 -

القائد أبو الحسن جوهر بن عبد الله، المعروف بالكاتب الرومي: كان من موالي المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي صاحبِ إفريقية، وجهزه إلى الديار المصرية؛ ليأخذها بعد موت كافور الأخشيدي، وسَيَّر معه العساكر، وهو المقدَّم، وكان رحيله من إفريقية يوم السبت، رابع عشر ربيع الأول، سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة، وتسلم مصر يوم الثلاثاء، لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان من السنة المذكورة،

(1) في "وفيات الأعيان"(1/ 374): "وتوفي يوم السبت سنة سبع وتسعين ومئتين، وقيل سنة ثمان وتسعين آخر ساعة من نهار الجمعة ببغداد".

ص: 384

وصعد المنبر خطيبًا بها يوم الجمعة، لعشرٍ بقين من شعبان، ودعا لمولاه المعز، ووصلت البشارة إلى المعز بأخذ البلاد وهو بإفريقية في نصف شهر رمضان من السنة المذكورة، وأقام بها حتى وصل مولاه المعز، وهو نافذ الأمر.

واستمر على علو منزلته، وارتفاع درجته، وكان محسنًا للناس، ولما جهز إلى مصر، كان عدة عسكره المجهز معه مئة ألف فارس، وما يزيد عن ألف ومئتي صندوق من المال، ونزل في ساحة موضع القاهرة اليوم، واختطَّ موضع القاهرة، ولما أصبح المصريون، حضروا إلى القائد للبناء (1)، فوجدوه قد حفر أساسَ القصر في الليل، وكان فيه زورات جاءت غير معتدلة، فلم تعجبه، ثم قال: حُفرت في ساعة سعيدة، فلا (2) أغيرها.

وقطع خطبة بني العباس عن منابر الديار المصرية، واسْمَهم من السكَّة، وعوض عن ذلك باسم مولاه المعزِّ، وأزال الشعار الأسود، وألبس الخطباء الثياب البيض.

وفي يوم الجمعة، ثامن ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقب الخطبة: اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ المصطفى، وعلى عليٍّ المرتضى، وعلى فاطمةَ البَتُول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهبَ الله عنهم

(1) في: وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/ 379): "للهناء".

(2)

في الأصل: "فلم"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 379).

ص: 385

الرجس، وطهّرهم تطهيرًا، اللهمَّ وصلِّ على الأئمة الطاهرين آباءِ أمير المؤمنين.

وفي يوم الجمعة، ثامن عشر ربيع الآخر، سنة تسع وخمسين، صلى القائد في جامع طولون، ودعا الخطيب له، وأذَّن بـ: حيَّ على خير العمل، وهو أول ما أُذِّن بمصر، ثم أُذِّن به في سائر المساجد، وسُرَّ جوهر بذلك، وكتب إلى المعز يُعلمه.

وشرع في عمارة الجامع بالقاهرة، وفرغ من بنائه في سابع شهر رمضان، سنة إحدى وستين وثلاث مئة، وجمع فيه الجمعة، وهو معروف الآن بالأزهر، بالقرب من باب البرقية، بينه وبين باب النصر.

وأقام جوهر بمصر مستقلًا بالملك قبل وصول المعز إلى القاهرة أربعَ سنين وعشرين يومه.

وتوفي جوهر يوم الخميس، لعشرٍ بقين من ذي القعدة، سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة بمصر، ولم يبق شاعر إلا ورثاه.

* * *

ص: 386