الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشام بأخذ البيعة، وجمعت عمته - أختُ الحاكم، واسمُها: ستُّ الملك - الناسَ، ووعدتهم، وأحسنت إليهم، ورتبت الأمور، وباشرت تدبيرَ الملك بنفسها، وقويت هيبتُها عند الناس، وعاشت بعد الحاكم أربع سنين.
ومات الظاهر المذكور بمصر وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وكانت خلافته خمس عشرة سنة، وتسعة أشهر، وأياما، وكان له مصر والشام، والخطبة بإفريقية.
وكان جميل السيرة، منصفاً للرعية، ووفاته في منتصف شعبان، سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
والحمد لله رب العالمين.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
خلافة المستنصر بالله
هو أبو تميم، مَعَدٌّ، الملقبُ: المستنصر بالله بنُ الظاهرِ لإعزاز دين الله بنِ الحاكم بنِ العزيز بنِ المعزِّ لدين الله.
بويع بالأمر بعد موت أبيه الظاهر، وذلك يوم الأحد، نصف شعبان، سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
وجرى على أيامه ما لم يجرِ على أيام غيره من أهل بيته ممن تقدمه، ولا تأخره.
* منها: قصد أبي الحارث أرسلان البساسيري، فإنها لما عظم أمره، وكبر شأنه ببغداد، قطعَ خطبة الإمام القائم العباسي، وخطب للمستنصر المذكور في سنة خمسين وأربع مئة، ودعا له على منابرها مدة سنة.
* ومنها: أنه ثار في أيامه علي بن محمد الصلحي، وملكَ بلادَ اليمن، ودعا للمستنصر على منابرها بعد الخطبة، وهو مشهور.
* ومنها: أنه أقام خليفة ستين سنة، وهذا شيء لم يبلغه أحد منذ قام جدُّهم المهدي.
* ومنها: أن دعوتهم لم تزل قائمة بالمغرب منذ قام جدهم المهدي إلى أيام المعز، فلما توجه المعز إلى مصر، استخلف بكتكين، وكانت الخطبة في تلك النواحي جارية على عادتها لهذا البيت، إلى أن قطعها المعز بن باديس في أيام المستنصر المذكور، في سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
وقيل: إن ذلك سنة خمس وثلاثين.
وفي سنة تسع قُطع اسمه واسمُ آبائه من الحرمين، وذكر اسم المقتدي العباسي خليفة بغداد.
* ومنها: أنه هادنَ ملكَ الروم على أن يطلق خمسة آلاف أسير؛ ليمكن من عمارة قمامة، التي كان خرَّبها جدُّه الحاكمُ في أيام خلافته، فأطلق الأسرى، وأرسل مَنْ عَمَّر قمامة، وأخرج ملكُ الروم عليها أموالاً عظيمة، والذي يظهر: أن تخريبها لم يكن تخريباً كلياً، بل كان في البعض؛
فإن آثار البناء القديم موجود إلى الآن، والله أعلم.
* ومنها: أنه حَدَث في أيامه الغلاء العظيم الذي ما عُهد مثلُه منذ زمن يوسف عليه السلام، أقام سبع سنين، وأكل الناسُ بعضُهم بعضاً، حتى قيل: إنه بيع رغيف واحد بخمسين ديناراً.
وكان المستنصر في هذه المدة يركب وحدَه، وكلُّ مَنْ معه من الخواصِّ مترجلون، ليس لهم دواب، وكانوا إذا مشوا، تساقطوا في الطرقات من الجوع، وكان المستنصر يستعير من ابن هبة الله صاحبِ ديوان الإنشاء دابةً ليركبها صاحبُ مِظَلَّته.
ويقال: إن وزيره كان له بغلة، فركبها يوماً إلى خَدَمة المستنصر، فسرقوها، فأكلوها في الحال، فَمَسك منهم جماعة، وأمر بصلبهم، فأخذهم الناس عن الخشب، وأكلوهم، وأكلوا الحمير والكلاب والبغال.
وآخر الأمر توجهت أم المستنصر وبناتها إلى بغداد من فرط الجوع، وذلك في سنة اثنتين وستين وأربع مئة، وتفرق أهل مصر في البلاد، وتشتتوا.
ولم يزل هذا الأمر على شدته حتى تحرك بدرٌ الجماليُّ والدُ الأفضل أمير الجيوش من عكا، وركب البحر، وهو أنه كان متولياً سواحل الشام، فأرسل إليه المستنصر يشكو حاله، واختلال دولته، فركب البحر في قوة الشتاء، في زمنٍ لا يُسلك البحر، فمنَّ الله عليه بالسلامة، ووصل بدرٌ إلى مصر في سنة سبع وستين وأربع مئة، وقبض على الأمراء والقواد الذين