المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حَرْفُ الحَاءِ 118 - أبو تمَّام حبيب بن أوس بن الحارث: - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ٢

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة العلوية الفاطمية

- ‌خلافة عبيد الله المهدي

- ‌ ذكر ما قتله القرامطة بمكة:

- ‌خلافة القائم بالله

- ‌خلافة المنصور

- ‌خلافة المعزّ لدين الله

- ‌خلافة العزيز بالله

- ‌خلافة الحاكم بأمر الله

- ‌خلافة الظاهر لإعزاز دين الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعلي بأمر الله

- ‌ ذكر استيلاء الفرنج على بيت المقدس:

- ‌خلافة الآمر بأحكام الله

- ‌ ذكر ظهور قبر إبراهيم عليه السلام

- ‌خلافة الحافظ لدين الله

- ‌خلافة الظافر بأمر الله

- ‌خلافة الفائز بنصر الله

- ‌خلافة العاضد لدين الله

- ‌الدولة العباسية بمصر

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة الحاكم بأمر الله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة الواثق بالله

- ‌خلافة الحاكم بأمر الله

- ‌خلافة المعتضد بالله

- ‌خلافة المتوكل على الله

- ‌خلافة الواثق بالله

- ‌خلافة المعتصم بالله

- ‌خلافة المتوكل على الله

- ‌خلافة المستعين بالله

- ‌خلافة المعتضد بالله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة أبي العز عبد العزيز بن يعقوب

- ‌ذكر ملك أتابك عماد الدين الزنكي

- ‌ ذكر قتل أتابك عماد الدين زنكيُ، وشيء من سيرته:

- ‌[سلطنة الملك العادل] نورِ الدين محمود الزنكي صاحب دمشق الملقب بالشهيد

- ‌[ذكر الملك الصالح] إسماعيل ابن السلطان نور الدين الشهيد

- ‌[ذكر السلطان الناصر صلاح الدين] يوسف بن أيوب وهو أول الملوك في الدولة الأيوبية

- ‌ ذكرُ ملكِ أسدِ الدين مصر: في شهور سنة أربع وستين وخمس مئة

- ‌[ذكر مُلك صلاح الدين مصر]

- ‌ ذكر إقامة الخطبة العباسية بمصر، وقُطعت خطبة العاضد لدين الله، وانقرضت الدولة العلوية الفاطمية:

- ‌وجرى بين نور الدين وصلاح الدين [من] الوحشة في الباطن:

- ‌ ذكر ما وقع للسلطان صلاح الدين بعد وصوله إلى دمشق في هذه السنة:

- ‌ ذكر غزوات السلطان الملك الناصر صلاح الدين وفتوحاته في هذه السنة:

- ‌ ذكر وقعة حطين:

- ‌وفي سنة أربع وثمانين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة سبع وثمانين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة ثمان وثمانين وخمس مئة:

- ‌ ذكر وفاة السلطان صلاح الدين وبعض سيرته:

- ‌ ذكر حال أهله وولده بعده:

- ‌[سلطنة الملك الأفضل علي ابن السلطان صلاح الدين]

- ‌ثم في سنة تسعين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة اثنتين وتسعين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة ثمان وتسعين وخمس مئة:

- ‌وفي سنة تسع وتسعين وخمس مئة

- ‌وفي سنة ثلاث وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وست مئة:

- ‌وفي سنة سبع وست مئة:

- ‌وفي سنة تسع وست مئة:

- ‌وفي سنة اثنتي عشرة وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاث عشرة وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع عشرة وست مئة:

- ‌وفي سنة سبع عشرة وست مئة:

- ‌[ذكر سلطنة الملك المعظم ابن العادل]

- ‌تخريب أسوار بيت المقدس: وفي سنة ست عشرة وست مئة

- ‌وفي سنة ست وعشرين وست مئة:

- ‌وفي هذه السنة، وهي سنة ست وعشرين وست مئة

- ‌وفي سنة سبع وعشرين وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاثين وست مئة:

- ‌وفي سنة اثنتين وثلاثين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وثلاثين وست مئة

- ‌ذكر الملك الأشرف ابن الملك العادل

- ‌وفي سنة ست وثلاثين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة اثنتين وأربعين المذكورة:

- ‌وفي سنة ثلاث وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة سبع وأربعين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاث وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة خمس وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وخمسين وست مئة:

- ‌ولما دخلت سنة تسع وخمسون وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وستين وست مئة:

- ‌ولما دخلت سنة اثنان وثمانون وست مئة:

- ‌ذِكْرُ سَلَاطِينُ الأَيُّوبِيِّينَ وما استقر عليه الحال بعد وفاة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمة الله عليه

- ‌[ذكر تراجم ملوك الأيوبيين]

- ‌سلطنة الملك العزيز عثمان

- ‌سلطنة الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان

- ‌سلطنة الملك العادل أبو بكر محمد بن أبي الشكر

- ‌وفي سنة إحدى وست مئة:

- ‌وفي سنة ثلاث وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وست مئة:

- ‌ثم في سنة ثمان وست مئة:

- ‌سلطنة أبي المعالي محمد ابن الملك العادل سيف الدين

- ‌وفي سنة ثمان عشرة وست مئة

- ‌وفي سنة خمس وثلاثين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل

- ‌ ذكر الحوادث التي وقعت في بيت المقدس:

- ‌سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل

- ‌سلطنة الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح

- ‌أخبار شجر الدر

- ‌سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك التركماني

- ‌سلطنة الملك الأشرف موسى بن يوسف

- ‌وفي سنة اثنتين وخمسين وست مئة:

- ‌سلطنة المعز أيبك التركماني

- ‌سلطنة الملك المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك

- ‌سلطنة الملك المظفر قُطُز

- ‌سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري

- ‌ثم في سنة تسع وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة تسع وخمسين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وستين وست مئة:

- ‌ثم في سنة ثلاث وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة تسع وستين وست مئة:

- ‌وفي سنة خمس وسبعين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك السعيد محمد بركة ابن الملك الظاهر بيبرس

- ‌ثم في سنة سبع وسبعين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك العادل بدر الدين سلامش

- ‌سلطنة الملك المنصور قلاوون الصالحي

- ‌ثم في سنة تسع وسبعين وست مئة:

- ‌وفي سنة أربع وثمانين وست مئة:

- ‌وفي سنة ست وثمانين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك الأشرف صلاح الدين ابن الملك المنصور قلاوون

- ‌وفي سنة تسعين وست مئة:

- ‌وفي سنة إحدى وتسعين وست مئة:

- ‌سلطنة الملك القاهر بيدرا

- ‌ سلطنة الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون *

- ‌ سلطنة الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري *

- ‌ سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري *

- ‌ سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية *

- ‌ سلطنة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير *

- ‌ سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون *

- ‌سلطنة سيف الدين أبي بكر ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة علاء الدين كجك *

- ‌ سلطنة الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون *

- ‌سلطنة الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الكامل سيف الدين * شعبان ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك سيف الدين * حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الناصر * حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الصالح * صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌ سلطنة الملك الناصر حسن *

- ‌ سلطنة الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر حاجي *

- ‌ سلطنة الملك الأشرف شعبان ابن الأمير الأمجد حسين *

- ‌ سلطنة الملك المنصور علي ابن الملك الأشرف شعبان *

- ‌ سلطنة الملك الصالح حاجي ابن الملك الأشرف شعبان *

- ‌ سلطنة الملك الظاهر برقوق الأولى وهو أول الجراكسة *

- ‌ سلطنة الملك الصالح حاجي ابن الملك الأشرف شعبان

- ‌ سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية *

- ‌ سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الأولى *

- ‌ ذكر وقعة تمرلنك *

- ‌ سلطنة الملك المنصور عبد العزيز بن برقوق *

- ‌ سلطنة الملك الناصر فرج بن برقوق الثانية *

- ‌ سلطنة أبي الفضل بن المتوكل على الله العباسي *

- ‌ سلطنة الملك المؤيد شيخ بدمشق *

- ‌ سلطنة أبي السعادات أحمد ابن الملك المؤيد *

- ‌ سلطنة الملك الظاهر ططر بن عبد الله الظاهري *

- ‌ سلطنة الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر *

- ‌ سلطنة الملك الأشرف برسباي الدقماقي الظاهري *

- ‌ سلطنة أبي المحاسن يوسف ابن الملك الأشرف برسباي *

- ‌ سلطنة الملك الظاهر هقمق العلائي *

- ‌ سلطنة أبي السعادات عثمان ابن الملك الظاهر جقمق *

- ‌ سلطنة الملك الأشرف أينال الأتابكي *

- ‌ سلطنة الملك أحمد ابن الملك الأشرف أينال *

- ‌(سلطنة أبي سعيد خشقدم المؤيدي)

- ‌(سلطنة أبي سعيد بلباي المؤيدي)

- ‌(سلطنة أبي سعيد تمربغا الظاهري)

- ‌(سلطنة العادل خشقدم خير بك)

- ‌(سلطنة أبي النصر قايتباي الظاهري)

- ‌تَرَاجُمُ الأَعْيَّانِ

- ‌حَرْفُ الهَمْزَة

- ‌حَرْفُ البَاءِ

- ‌حَرْفُ التَّاءِ

- ‌حَرْفُ الثَّاءِ

- ‌حَرْفُ الجِيْمِ

- ‌حَرْفُ الحَاءِ

- ‌حَرْفُ الخَاءِ المُعْجَمَة

- ‌حَرْفُ الدَّالِ المُهْمَلَة

- ‌حَرْفُ الذَّالِ المُعْجَمَة

- ‌حَرْفُ الرَّاءِ

- ‌حَرْفُ الزَّاي

- ‌حَرْفُ السَّينِ

- ‌حَرْفُ الّشِينِ المُعْجَمَة

- ‌حَرْفُ الصَّادِ المُهْمَلَة

- ‌حَرْفُ الضَّادِ المُعْجَمَة

الفصل: ‌ ‌حَرْفُ الحَاءِ 118 - أبو تمَّام حبيب بن أوس بن الحارث:

‌حَرْفُ الحَاءِ

118 -

أبو تمَّام حبيب بن أوس بن الحارث: ونسبوه أن أباه كان نصرانيًا، وليس بصحيح.

وكان أوحد عصره في صناعة الشعر، وله أذعن فحولُ الشعراء.

وقيل: إنه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب، غير المقاطيع والقصار (1)، وكان يسقي الناس بالجرة ماءً بالجامع، وكان أسمر، طويلًا، فصيحًا، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، توفي بالموصل، سنة إحدى وثلاثين ومئتين (2)، وبنى عليه أبو نهشل الطوسيُّ قبةً خارج باب الميدان، ورثاه الحسن بن وهب بقصيدة، ومنها:

فُجِعَ القَصِيدُ بِخَاتَمِ الشُّعَرَاءِ

وَغَدِيرِ رَوْضَتِهَا حَبِيبِ الطَّائِي

ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات وزيرُ المعتصم، وهو

(1) في "وفيات الأعيان"(2/ 12) وغيره: "غير القصائد والمقاطيع".

(2)

في الأصل: "ومئة"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 17).

ص: 387

يومئذٍ وزير، بقوله:

نَبَأٌ لى مِنْ أَعْظَمِ الأَنْبَاءِ

لَمَّا أَلمَّ مُقَلْقِلُ (1) الأَحْشَاءِ

قَالُوا حَبِيبٌ قَدْ ثَوَى فَأَجَبْتُهُمْ

نَاشَدْتُكُمْ لَا تَجْعَلُوهُ الطَّائِي

* * *

119 -

أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن [أبي] عقيل ابن مسعود بن عامر بن مغيث (2) بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي (3) - وهو ثقيف -، الثقفيُّ: عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان، ولدته أمه مشوَّهًا لا دُبُر له، فنقب عن دبره (4)، وأبى أن يقبل ثدي أمه أو غيرها، فاعياهم أمرُه، فيقال: إن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث، وأمرهم أن يذبحوا له جَدْيًا أسود، وأن يُولغوه دمه، وإذا كان اليوم الثالث، أولغوه دم تيس أسود، ثم أولغوه دم أسود سالخًا، واطلوا به وجهه، فإنه يقبل الثدي في اليوم الرابع،

(1) في الأصل: "تقلقل"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 18).

(2)

في "وفيات الأعيان"(2/ 29) وغيره: "معتِّب".

(3)

في الأصل: "ولي"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 29).

(4)

في الأصل: "فثقب على"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 30) وغيره.

ص: 388

ففعلوا به ذلك.

فكان لا يصبر على سفك الدماء، وارتكاب أمور لا يقدم عليها غيرُه، وكان له في الفتك وسفك الدماء والعقوبات غرائبُ لم يُسمع مثلُها.

ولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فوليها عشرين سنة، فذلل أهلَها.

وحكى أبو أحمد العسكري في كتاب "التصحيف": أن الناس غبروا يقرؤون في مصحف عثمان رضي الله عنه نيفًا وأربعين سنة إلى أيام عبد الملك، ثم كثر التصحيف، وانتشر في العراق، ففزع الحجاج بن يوسف إلى كتابه (1)، وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، فيقال: إن نصر بن عاصم قام بذلك، فوضع النقط أفرادًا وأزواجًا، وخالف بين أماكنها، فصار الناس زمانا لا يكتبون إلا منقوطًا، وكان مع استعمال النقط يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام، فكانوا يُتبعون النقطَ الإعجامَ.

والحجاج هو الذي بنى مدينة واسط، وكان شروعه في بنائها سنة أربع وثمانين للهجرة، وفرغ منها سنة ست وثمانين، وسماها: واسط؛ لأنها بين الكوفة والبصرة.

ولما حضرته الوفاة، أحضر منجِّمًا، فقال له: هل ترى في علمك ملكًا يموت في هذه السنة؟ قال: نعم، ولستَ هو، فقال: كيف؟ قال

(1) في الأصل: "كتابته"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 32).

ص: 389

المنجم؛ لأن الذي يموت اسمُه كليب، فقال الحجاج: أنا هو والله! بذلك كانت تسميني أمي كليبًا، وأوصى عند ذلك.

وكان ينشد في مرض موته، والبيتان لعبيد بن شعبان بن عطل، وهما:

يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا

أَيْمَانهمْ أَنَّنَي مِنْ سَاكِنِي النَّارِ

أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ وَيْحَهُمُ (1)

مَا ظَنُّهُمْ بِقَدِيمِ العَفْوِ غَفَّارِ؟

وكان مرضه بالآكلة، وقعت في بطنه، ودعا بالطبيب لينظر إليها، فأخذ لحمًا وعلقه في خيط، وسرحه في حلقه، وتركه ساعة، ثم أخرجه، وقد لصق به دود كثير.

وسلّط الله عليه الزمهرير، فكانت الكوانين (2) تُجعل حوله مملوءة نارًا، وتُدْنى منه حتى تحرق جلده، ولا يُحس بها، وأقام بهذه الحالة خمسة عشر يوما، وتوفي في شهر رمضان، وقيل: في شوال، سنة خمس وتسعين للهجرة، وعمره ثلاث وخمسون سنة، وكان بواسط، ودفن بها، وعُفِّي قبره، وأُجري عليه الماء.

(1) في الأصل: "وظنهم"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 53).

(2)

في الأصل: "البواشق"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(2/ 53).

ص: 390

وتقدم ذكر بعض أخباره مع عبد الله بن الزبير، وهدمه الكعبة، وغير ذلك من فعاله القبيحة في ترجمة عبد الملك بن مروان، وما اعتمده في حق الأخيار الصالحين.

* * *

120 -

أبو عبد الله الحارث بن أسد المُحاسبي، البصريُّ، الزاهدُ المشهور: أحدُ رجال الحقيقة، له كتب في الزهد والأصول، وكان قد ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئًا، قيل؛ لأن أباه كان يقول بالقدر، فرأى من الورع أنه لا يأخذ ميراثه، وقال: صحّت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "لَا تتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى"(1)، ومات وهو محتاج إلى الدرهم.

توفي سنة ثلاث وأرشين ومئتين، ونسبته بالمحاسبي؛ لأنه كان يحاسب نفسَه.

* * *

121 -

أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون: ابنُ عمِّ ناصرِ الدولة، وسيفِ الدولة، كان فريدَ دهره، وشمسَ عصره أدبًا وفضلًا، وكرمًا وفروسية وشجاعة، وشعرُه مشهور، وكانت

(1) رواه أبو داود (2911)، وابن ماجة (2731)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، والترمذي (2158)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

ص: 391

الروم قد أسرته في غزواته مرّة بعد أخرى، وله في ذلك أشعار، منها:

قَدْ كُنْتَ عُدَّتِي الَّتِي أَسْطُو بِهَا

وَيَدِي إِذَا اشْتَدَّ الزَّمَانُ وَسَاعِدِي

فَرُمِيتُ مِنْكَ بِضِدِّ مَا أَمَّلْتُهُ

وَالمَرْءُ يَشْرَقُ بِالزُّلَالِ البَارِدِ

وقتل في واقعة جرت بينه وبين موالي أسرته في سنة سبع وخمسين وثلاث مئة، ولطمت أمه وجهها إلى أن قلعت عينها لما بلغها وفاته.

* * *

122 -

أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول، المعروف بأبي نُوَاس الحَكَمِيُّ، الشاعرُ المشهور: ولد بالبصرة، ونشأ بها، ثم خرج إلى الكوفة، ثم صار إلى بغداد، وكان أبوه من جند مروان آخرِ ملوك بني أمية.

سأله بعضهم عن نسبه، فقال: أغناني أدبي عن نسبي، فأمسك عنه.

وكان واسع العلم، حافظًا، مع قلة كتبه، وكان المأمون يقول: لو وَصَفت الدنيا نفسَها، لما وصفت بمثل قول أبي نواس:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ وَابْنُ هَالِكٍ

وَذُو نَسَبٍ فِي الهَالِكِينَ عَرِيقِ

ص: 392

إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيبٌ تَكَشَّفَتْ

لَهُ عَنْ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيقِ

وما أحسن ظنه بربِه حيثُ يقول:

تَكَثَّرْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا

فَإِنَّكَ بَالِغٌ رَبًّا غَفُورَا

سَتُبْصِرُ إِنْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ عَفْوًا

وَتَلْقَى سَيِّدًا مَلِكًا كَبِيرَا

تَعَضُّ نَدَامَةً كَفَّيْكَ مِمَّا

فَظَعْتَ مَخَافَةَ النَّارِ السُّرُورَا

وهذا من أحسن المعاني.

وكان محمدُ الأمينُ بنُ هارونَ الرشيدِ سخط على أبي نُواس؛ لقضية جرت له معه، فتهدَّده بالقتل، وحبسَه، فكتب إليه من السجن:

بِكَ أَسْتَجِيرُ مِنَ الرَّدَى مُتَعَوِّذًا

مِنْ سَطْو بَاسِك

وَحَيَاةِ رَأْسِكَ لَا أَعُودُ

لِمِثْلِهَا، وَحَيَاةِ رَاسِك

مَنْ ذَا يَكُونُ أَبَا نُوَاسِك

إِنْ قَتَلْتَ أَبَا نُوَالسِك

ص: 393

وله معه وقائع كثيرة.

ولد في سنة خمس، أو ست، وقيل: ثمان وثلاثين ومئة ببغداد، وإنما قيل له: أبو نواس؛ لذؤابتين كانتا تنوس على عاتقيه.

وأمره مشهور في الخلاعة، ومنادمة الخلفاء، واللهو - عفا الله عنه -.

توفي في جمادى الأولى، سنة خمس وتسعين ومئة، وكان عمره تسعا وخمسين سنة.

* * *

123 -

أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف الضَّبِّيُ، المعروف بابن وكيع، الشاعرُ المشهور: أصله من بغداد، ومولده بِبُسْت (1)، كان بارعًا، وكان في لسانه عُجمة، ويقال له: الفاطن (2)، ومن شعره:

إِنْ كَانَ قَدْ بَعُدَ اللّقَاءُ فَوُدُّنَا

بَاقٍ وَنَحْنُ عَلَى النَّوَى أَحْبَابُ

كَمْ قَاطِع لِلوَصْلِ يُؤْمَنُ وُدُّهُ

وَمُوَاصِلٍ بِوِدَادِهِ يُرْتَابُ

(1) في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 106): "بتنيس".

(2)

في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 106): "العاطس".

ص: 394

وله كل معنى حسن.

توفي يوم السبت، لسبعِ بقين من جمادى الأولى، سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة بمدينة بُست.

ووكيعٌ لقب جده أبي بكر محمد بن خلف، كان نائبا في الحكم بالأهواز للجواليقي، وكان فاضلًا نبيلًا فصيحًا، له مصنفات كثيرة، وشعر، توفي في سادس ربيع الأول، سنة ست وثلاث مئة ببغداد.

* * *

124 -

أبو بكر الحسن بن علي بن أحمد بن بشار بن زياد، المعروف بابن العلَّاف، الضريرُ، الشاعرُ، المشهور: وكان من الشعراء المجيدين، وكان ينادم المعتضد بالله.

وكان له هِرٌّ يأنس به، فكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه، وكل أفراخها، وتكرر ذلك منه، فمسكه أربابها، وذبحوه، فرثاه بقصيدة طويلة، عددها خمسة وستون بيتا، فمنها:

يَا هِرُّ فَارَقْتَنَا وَلَمْ تَعُد

وَكُنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلِ الوَلَد

ومنها:

فَلَمْ تَزَلْ لِلحَمَامِ مُرْتَصِدًا

حَتَّى سُقِيتَ الحِمَامَ بِالرَّصَدِ

ص: 395

توفي سنة ثمان عشرة وثلاث مئة، وعمره مئة سنة.

* * *

125 -

أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون، المهلبيُّ (1) الوزيرُ: كان وزير معز الدولة بن بُويه الديلمي، تولى الوزارة يوم الاثنين، لثلاثٍ بقين من جمادى الأولى، سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة، وكان من ارتفاع القدر، واتساع الصدر، وعلو الهمة، وقبض الكف على ما هو مشهور به، وكان غاية في الأدب، والمحبة لأهله، وكان قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة، وكان قد سافر مرّة، ولقي في سفره مشقة صعبة، واشتهى اللحم، فلم يقدر عليه، فقال ارتجالًا:

أَلَا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ

فَهَذَا العَيْشُ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ

أَلَا رَحِمَ المُهَيْمِنُ نَفْسَ حُرٍّ

تَصَدَّقَ بِالوَفَاةِ عَلَى أَخِيه

إِذَا أَبْصَرْتُ قَبْرًا مِنْ بَعِيد

وَدِدْتُ بِأَنّنَي مِمَّا يَلِيه

وكان معه رفيق له يسمى: أبا عبد الله الصوفي، فلما سمع الأبيات،

(1) في الأصل: "الحلبي"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(2/ 124).

ص: 396

اشترى له بدرهم لحمًا، وطبخه، وأطعمه له، وتفارقا. وتقلبت بالمهلبي الأحوال، وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة، وضاقت الأحوال برفيقه الذي اشترى له اللحم، وبلغه وزارة المهلبي، فقصده، وكتب إليه:

أَلَا قُلْ لِلوَزِيرِ - فَدَتْهُ نَفْسِي -

مَقَالَةَ مُذْكِرٍ مَا قَدْ نَسِيهِ

أتذْكُر إِذْ تَقُولُ لِضَنْكِ عَيْشٍ

أَلَا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشتَرِيهِ

فلما وقف عليها هزته أريحية الكرم، وأمر له بسبع مئة درهم، ووقَّع في رقعته:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]، ثم دعا به، وخلع عليه، وقلده عملًا يرتفق به.

ولما تولى المهلبي الوزارة بعد تلك الضائقة، أنشد:

رَقَّ الزَّمَانُ لِفَاقَتِي

وَرَثَى لِطُولِ تَحَرُّقي

فَأَنَالَنِي مَا أَرْتَجِـ

ـيه وَحَادَ عَمَّا أتَّقِي

فَلأَصْفَحَنْ عَمَّا جَنَا

هُ مِنَ الذُّنُوبِ السُّبَّقِ

ص: 397

حَتَّى جِنَايَتَهُ بِمَا

فَعَلَ المَشِيبُ بِمَفْرِقِي

توفي يوم السبت، لثلاثٍ بقين من شعبان، سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة في طريق واسط، وحُمل إلى بغداد، فوصل إليها في خمس خلون من رمضان من السنة [المذكورة].

* * *

126 -

أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد، المعروفُ بالفَرَّاء، البغويُّ، الفقيهُ الشافعيُّ: المحدث المفسّر، كان بحرًا في العلوم، وصنف في تفسير كلام الله تعالى، وأوضح المشكلات من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وشهرتُه تغني عن المزيد في ذكر علومه، توفي في شوال سنة عشر وخمس مئة.

والفراء: نسبة لعمل الفِراء، والبغوي: نسبة إلى بلدة يقال لها: بَغْ، بين مَرْوٍ وهِراة بخراسان.

* * *

127 -

أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج، الزاهدُ المشهورُ: نشأ بواسط والعراق، وصحب الجنيدَ وغيرَه.

والناس مختلفون في أمره، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يكفّره، والله متولي السرائر.

ص: 398

وكان يتكلم بكلام أوجبَ الإنكارَ عليه، منه: أنا الحق، وقوله: ما في الجبة إلا الله، والإطلاقات التي ينبو السمع عنها وعن ذكرها، واعتذر عنه أبو حامد الغزالي في "مشكاة الأنوار"، وحمل هذه الألفاظ على محامل حسنة، وأَوَّلها، وقال: هذا كله من فرط المحبة، وشدة الوَجْد.

وكان جده مجوسيًا، وصحب أبا القاسم الجنيد ومَنْ في طبقته، وأفتى كثير من علماء عصره بإباحة دمه، وكان قد جرى منه كلام في مجلس حامد بن العباس وزير الإمام المقتدر، ثم إن الوزير رأى له كتابا: أن الإنسان إذا أراد الحج، ولم يمكنه، أفرد من داره بيتًا نظيفًا من النجاسات، ولا يدخله أحد، وإذا حضرت أيام الحج، طاف حوله، وفعلَ ما يفعله الحجاج بمكة، ثم يجمع ثلاثين يتيمًا، ويعمل أجودَ طعام يمكنه، ويطعمهم في ذلك البيت، ويكسوهم، ويعطي كل واحد سبعة دراهم، فإذا فعل ذلك، كان كمن حج، فأمر الوزير بقراءة ذلك قدام القاضي أبي عمرو، فقال القاضي للحلاج: من أين لك هذا" قال: من كتاب "الإخلاص" للحسن البصري، فقال القاضي: كذبتَ يا حلال الدم، قد سمعناه بمكة، وليس فيه هذا، وطالب الوزير القاضيَ أبا عمرو أن يكتب خطه بما قاله: أنه حلال الدم، فدافعه القاضي، فألزمه الوزير، فكتب بإباحة دم الحلاج، وكتب بعده من حضر المجلس، فلما سمع الحلاج ذلك، قال: أيحلُّ لكم دمي، وديني الإسلام، ومذهبي السنة، ولي فيها كتب موجودة؟ فاللهَ اللهَ في دمي.

ص: 399

وكتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه في قتله، وأرسل الفتاوى بذلك، فأذن المقتدر في ذلك، فضُرب ألف سوط، ثم قُطعت يده، ثم رجله، ثم قُتل، وأحرق بالنار، ونُصب رأسه ببغداد، وكان قتله في شهر ذي القعدة، سنة تسع وثلاث مئة.

* * *

128 -

الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا: الحكيمُ المشهور: كان أبوه من أهل بلخ، وانتقل إلى بخارى، ثم تولى العمل بقرية يقال لها: خرمين (1) من قرى بخارى، فولد بها أبو علي المذكور.

وانتقل الرئيس بعد ذلك في البلاد، واشتغل بالعلوم وحصَّل الفنون، ثم رغب في علم الطب، وتأمل كتبه، ففاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدة، وأصبح فيه عديمَ القرين، وسنُّه - إذ ذاك - ستَّ عشرة سنة، وانتقلت به الأحوال حتى تولى الوزارة لشمس الدولة، وصنف كتبا في فنون شتى، وله رسائل بديعة، وهو أحد فلاسفة المسلمين، وله شعر، منه:

اجْعَلْ غِذَاءَكَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً

وَاحْذَرْ طَعَامًا قَبْلَ هَضْمِ طَعَامِ

وَاحْفَظْ مَنِيَّكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّهُ

مَاءُ الحَيَاةِ يُصَبّ فِي الأَرْحَامِ

(1) في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 157): "خرميثنا".

ص: 400

ولد في صفر، سنة سبعين وثلاث مئة، وتوفي في همدان، يوم الجمعة من رمضان، سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، ودفن بها.

* * *

129 -

أبو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر، الشاعرُ البصريُّ المعروفُ بالخليع: مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي، وأصله من خراسان، وهو شاعر ماجن مطبوع، حسن الصناعة في ضروب الشعر وأنواعه، واتصل في مجالس الخلفاء إلى ما لم يتصل إليه إلا إسحاق النديم الموصلي؛ فإنه قارنه، وساواه، ومن شعره:

صِلْ بِخَدِّي خَدَّيْكَ تَلْقَى عَجِيبًا

مِنْ مَعَانٍ يَحَارُ فِيهَا الضَّمِيرُ

فَبِخَدَّيْكَ لِلرَّبِيعِ رِيَاضٌ

وَبِخَدَّيَّ لِلدُّمُوعِ غَدِيرُ

توفي سنة خمسين ومئتين.

* * *

130 -

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد ابن الحجاج: الكاتب المشهور، ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره، والغالب عليه الهزل.

ص: 401

تولى حِسبة بغداد، ثم عُزل بأبي سعيد الإصطخري الفقيه الشافعي، وتوفي يوم الثلاثاء، السابع والعشرين من جمادى الآخرة، سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة بالنيل - بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة، خرج منها جماعةٌ من العلماء - وحُمل إلى بغداد، ودفن عند مشهد موسى ابن جعفر، وكان أوصى أن يدفن عند رجليه، وأن يكتب على قبره:{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18].

وكان من كبار [الشعراء] الشيعة، ورآه بعد موته بعض أصحابه في المنام، فسأله عن حاله، فأنشد:

أَفْسَدَ سُوءُ مَذْهَبِي

فِي الشِّعْرِ حُسْنَ مَذْهَبِي

لَمْ يَرْضَ مَوْلَايَ عَلَى

سَبِّي لأِصْحَابِ النَّبِي

* * *

131 -

العميد فخر الكتاب أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد، الملقب: مؤيد الدين، الأصبهانيُّ المنشئ المعروف بالطُّغَرائي: كان غزير الفضل، لطيف الطبع، ومن محاسن: قصيدته المعروفة بلامية العجم، عملها ببغداد سنة خمس وخمس مئة، يصف حاله، ويشكو زمانه، وهي مشهورة.

ص: 402

ذكر أنه قتل في سنة خمس عشرة وخمس مئة (1)، وقد جاوز ستين سنة.

وولي الوزارة بمدينة إربل، وكان وزير للسلطان مسعود في الدولة السلجوقية بالموصل، وكان السببَ في قتله الكمالُ السميري نظامُ الدين أبو طالب وزير محمود أخي السلطان مسعود، قال عن الطغرائي: هذا ملحِد اقتلوه؛ لخوفه من فضله، اعتمد قتله، وقُتل الكمال يوم الثلاثاء سلخ صفر، سنة ست عشرة وخمس مئة في السوق ببغداد عند المدرسة النظامية.

قيل: قتله عبدٌ أسودُ كان للطغرائي؛ لأنه قتل أستاذه.

* * *

132 -

أبو عمرو، وقيل: أبو يحيى حماد بن عمرو بن كليب، الكوفيُّ، وقيل: الواسطيُّ، المعروف بِعَجْرَد، الشاعرُ المشهور: وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وهو من الشعراء المجيدين، وكان ماجنا ظريفًا خليعًا، متَّهمًا في دينه بالزندقة، ومن شعره:

فَأَقْسَمْتُ لَوْ أَصْبَحْتَ فِي قَبْضَةِ الهَوَى

لأَقْصَرْتَ عَنْ لَوْمِي وَأَطْنَبْتَ فِي عُذْرِي

(1) في "وفيات الأعيان"(2/ 190): "وكانت هذه الوقعة سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وقيل إنه قتل سنة أربع عشرة، وقيل ثماني عشرة".

ص: 403

وَلَكِنْ بَلَائِي مِنْكَ أَنَّكَ نَاصِحٌ

وَأَنَّكَ لَا تَدْرِي بِأَنَّكَ لَا تَدْرِي

توفي سنة إحدى وستين ومئة، قتله محمد بن سليمان بن علي عاملُ البصرة بظاهر الكوفة على الزندقة.

* * *

133 -

أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة الكوفي، المعروف بالزيات، مولى البكرية (1)، التميميُّ: وكان أحد القراء السبعة، وعنه أخذ الكسائي القراءة، وأخذ هو عن الأعمش.

وقيل له: الزَّيَّات؛ لأنه كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان.

توفي سنة ست وخمسين ومئة بحلوان، وله ست وسبعون سنة.

وحُلوان - بضم الحاء - مدينة في آخر سواد العراق مما يلي الجبل.

* * *

134 -

حُنين بن إسحاق العبادي الطبيب المشهور: إمامُ وقتهِ

(1) في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 216): "آل عكرمة".

ص: 404

في صناعة الطب، وكان يعرف لغة اليونانيين، وهو الذي عَرَّب كتاب إقليدس وغيره، وله في الطب مصنفات مفيدة.

توفي يوم الثلاثاء، لستٍّ خلون من صفر، سنة ستين ومئتين.

* * *

ص: 405