الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفي المعزُّ يوم الجمعة، السابع عشر من ربيع الأول، سنة خمس وستين وثلاث مئة بالقاهرة، ومولدُه بالمهديَّة من أفريقية، حادي عشر رمضان، سنة تسع عشرة وثلاث مئة، فيكون عمره خمساً وأربعين سنة، وستة أشهر تقريباً.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
خلافة العزيز بالله
هو أبو المنصور، نزارٌ، الملقب: العزيزُ بالله بنُ المعزِّ بنِ المنصور ابنِ القائمِ بن المهديِّ العُبيدي صاحب مصر وبلاد الغرب.
ولي العهد بمصر يوم الخميس، في شهر ربيع الأول، سنة خمس وستين وثلاث مئة، واستقل بالأمر بعد وفاة أبيه، وستر وفاةَ أبيه، ثم أظهرها في عيد النحر من هذه السنة، وسُلِّم عليه بالخلافة، وكان كريماً شجاعاً، حسنَ العفو عند المقدرة.
وهو الذي اختط أساسَ الجامع بالقاهرة، مما يلي (1) باب الفتوح، وحفره، وبدأ بعمارته سنة ثمانين وثلاث مئة في شهر رمضان.
وفي أيامه بُني قصرُ البحر بالقاهرة، الذي لم يبنَ مثلُه في شرق ولا غرب، وقصرُ الذهب، وجامعُ القرافة، والقصور بعين شمس.
(1) في الأصل: "يصلى".
وكان أصهبَ الشعر، أشهلَ العين، عريضَ المنكبين، حسنَ الخلق، قريباً من الناس، لا يؤثر سفك الدماء، يصيد بالخيل والجارح من الطير، محباً للصيد، مغرًى بصيد السباع، ويفرق الجوهرَ والدر، وكان أديباً فاضلاً.
وزإدت مملكته على مملكة أبيه، وفتحت له حمص، وحماة، وسيجر، وحلب، وخُطب له بمكة، وخَطب له ابنُ المقلد بن المسيب العقيلي صاحبُ الموصل بالموصل وأعمالها في المحرم، سنة اثنتين وثمانين وثلاث مئة.
وضُرب اسمُه على السكة والبنود، وخُطب له باليمن، ولم يزل في سلطانه، وعظمِ شأنه إلى أن خرج إلى بلبيس متوجِّهاً إلى الشام لغزو الروم، فابتدأت به العلة في العشرين من رجب، سنة ست وثمانين وثلاث مئة، ولم يزل مرضه يزيد وينقص، حتى ركب يوم الأحد، لخمسٍ خلون من شهر رمضان من السنة المذكورة إلى الحمام بمدينة بلبيس، وخرج منها إلى منزل الأستاذ أبي الفرج بن جواف، وكان صاحب خزانته بالقصر، فأقام عنده، وأصبح يوم الاثنين وقد اشتد به الوجع يومه ذلك ونهاره، وكان مرضه من حمى وقولنج، فاستدعى القاضيَ محمدَ بنَ النعمان، وأبا محمد الحسنَ بنَ عمار الكنانيَّ الملقب: أمين الدولة، وكان شيخَ كنانة وسيدَها، وخاطبهما في أمر ولده، ولم يزل العزيز في الحمَّام، والأمر يشتدُّ به إلى بين الصلاتين من ذلك النهار، وهو الثلاثاء، الثامن والعشرون من شهر رمضان، سنة ست وثمانين وثلاث مئة، وتوفي
في مسلخ الحمَّام.
وقيل: إن الطبيب وصف له دواء ليشربه في حوض الحمام، فغلط فيه، وشربه، فمات من ساعته.
ولم ينكتم موته ساعة واحدة، وترتب موضعه ولدُه الحاكم أبو علي المنصور، وبلغ الخبر أهلَ القاهرة، فخرج الناس غداةَ الأربعاء لتلقي الحاكم، فدخل البلد، وبين يديه البنود والرايات، وعلى رأسه المظلة يحملها زيدان الصِقِلي، فدخل القصر بالقاهرة عند اصفرار الشمس، ووالدُه العزيزُ بين يديه في عمارية، وقد خرجت قدماه منها، وأدخلت العمارية القصر، وتولَّى غسلَه القاضي محمد، ودفن عند أبيه المعز في حجرة بر القصر، وكان دفنه عند العشاء الآخرة، وأصبح الناس يوم الخميس سلخ الشهر، والأحوال مستقيمة، وقد نودي في البلد: أنْ لا كلفة ولا ظلم، وقد أمنكم الله على أنفسكم وأموالكم، فمن عارضكم، أو نازعكم، فقد حلَّ ماله ودمه.
وكانت ولادة العزيز يوم الخميس، رابع عشر المحرم، سنة أربع وأربعين وثلاث مئة بالمهدية من أرض إفريقية.
وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة، وخمسة أشهر، ونصف شهر، ومات وعمره اثنان وأربعون سنة، وثمانية أشهر.
وكان العزيز قد ولَّى كتابته رجلاً نصرانياً، يقال له: عيسى بن نسطورس، واستناب بالشام رجلاً يهودياً اسمه: ميشا، فاستطالت النصارى