الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَرْفُ الهَمْزَة
1 -
ذكرُ ما تيسر من مناقب الإمام البارع، المجمَع على جلالته وأمانته، وورعه وزهادته، وحفظه ووفور عقله، وعلمه وسيادته، إمام المحدثين، والناصر للدين، والمناضل عن السنة، والصابر في المحنة، إمام الأئمة، رباني الأمة، أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ابن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي ابن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أُدّ بن أُدَدْ بن الهَمَيسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم - صلوات الله عليه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين -.
وهذا النسب فيه منقبة عظيمة، ورتبة جليلة من وجهين:
أولهما: حيث يلاقي فيه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن نزاراً كان له أربعة أولاد، منهم: مضر، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم من ولده، ومنهم: ربيعة، وإمامنا أبو عبد الله أحمد من ولده.
والوجه الثاني: أنه عربي صحيح النسب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أَحِبَّ العَرَبَ لِثَلَاثٍ: لأِنِّي عَرَبِيٌّ، وَالقُرْآنُ عَرَبِيٌّ، وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ"(1)، ذكره ابن الأنباري في كتاب "الوقف والابتداء".
ولد الإمام أحمد ببغداد، بعد حمله بمرو، في شهر ربيع الأول، سنة أربع وستين ومئة.
وكان من أصحاب الشافعي وخواصِّه.
قال الشافعي رضي الله عنه: خرجت من بغداد، وما خلَّفت فيها أحداً أتقى ولا أورع ولا أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل.
وقال الربيع بن سليمان: قال لنا الشافعي: أحمدُ إمامٌ في ثمان خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة.
وصدق الإمام الشافعي في هذا الحصر.
أما قوله: إمام في الحديث، فهذا ما لا اختلاف فيه ولا نزاع، حصل به الوفاق والإجماع.
وأما قوله: إمام في الفقه، فالصدق فيه لائح، والحق فيه واضح.
وأما قوله: إمام في اللغة، فهو كما قاله. قال المرُّوذي: كان أبو
(1) ورواه الحاكم في "المستدرك"(6999)، والطبراني في "المعجم الكبير"(11441)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
عبد الله لا يلحن في الكلام.
وأما قوله: إمام في القرآن، فهو واضح البيان، لائح البرهان؛ فإنه صنف في القرآن، وهو مئة ألف، وعشرون ألف حديث، والناسخ والمنسوخ، والمقدم والمؤخر في كتاب الله، وجوابات القرآن، وغير ذلك.
وأما قوله: إمام في الفقر، فيا لها حلّةً مقصودة، وحالة محمودة، منازل السادة الأنبياء، والصفوة الأتقياء.
وأما قوله: إمام في الزهد، فحاله في ذلك أشهر وأظهر، أتته الدنيا فأباها، والرياسة فنفاها.
وأما قوله: إمام في الورع، فصدق في قوله وبرع.
ومن بعض ورعه:
كانت لأم ولدِه عبد الله دار يأخذ منها أحمدُ درهمًا بحق ميراثه، فاحتاجت إلى نفقة تصلح بها، فأصلحها ابنه عبد الله، فترك أبو عبد الله أخذَ الدرهم الذي كان يأخذه، وقال: قد أفسده عليَّ، تورَّع عن أخذ حقه من الأجرة؛ خشية أن يكون ابنه أنفق على الدار مما يصل إليه من الخليفة.
وأما قوله: إمام في السنة: فلا تختلف الأوائل والأواخر أنه في السنة الإمامُ الفاخر، والبحر الزاخر.
أُوذي في الله تعالى، فصبر، ولكتابه نصر، ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم انتصر، أبان حَقًّا، وقال صدقًا، وزان نطقًا
وسَبْقاً، ظهر على العلماء، وقهر العظماء، ففي الصادقين ما أوجهه! وبالسابقين ما أشبهه! وعن الدنيا وأسبابها ما كان أنزهه!
جزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين، فهو للسنة كما قال الله تعالى في كتابه المبين:{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13].
قال علي بن المديني: أيّد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة.
ومناقبه رضي الله عنه أكثرُ من أن تحصر، وأشهرُ من أن تذكر.
توفي رحمه الله في صدر النهار من يوم الجمعة، الثاني عشر من ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين ومئتين، وله سبع وسبعون سنة، ودفن بباب حرب.
وأسلم يوم مات عشرون ألفًا من اليهود والنصارى والمجوس، ووقع النوح في الطوائف كلها من سائر الملل.
وكان - رحمه الله تعالى - يقول: بيننا وبينهم يوم الجنائز - يعني: أهل البدع -، فأظهر الله صدقَ مقالته، وأوضح ما منحه من كرامته.
وتقدم طرف من أخباره ومحنته في تراجم الخلفاء: المعتصم، والواثق، والمتوكل - عفا الله عنهم -.
* * *
2 -
إبراهيم النخعي أبو عمران، وأبو عمار، إبراهيم بن يزيد بن
الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة (1) بن سعد بن مالك، النَّخَعيُّ، الفقيهُ الكوفيُّ: أحد الأئمة المشاهير، تابعيٌّ رأى السيدة عائشة رضي الله عنها، ودخل عليها، ولم يثبت له منها سماع.
ونسبته إلى النَّخَع - بفتح النون والخاء المعجمة، وبعدها عين مهملة -، وهي قبيلة من مَذْحِج باليمن.
توفي سنة ست، وقيل: خمس وتسعين للهجرة، وله تسع وأربعون سنة - رحمه الله تعالى، ورضي عنه -.
* * *
3 -
أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، الفقيهُ البغداديُّ: صاحب الشافعي، وناقل الأقوال القديمة عنه، وكان أول اشتغاله بمذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي العراق، فاختلف إليه، ورفض مذهبه الأول.
توفي لثلاث بقين من صفر سنة [ست و] أربعين ومئتين ببغداد.
* * *
4 -
أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي، الفقيهُ الشافعيُّ: إمام عصره في الفتوى والتدريس، وانتهت إليه الرياسة بالعراق، ثم ارتحل إلى مصر في آخر عمره، فأدركه أجله بها لسبع خلون
(1) في الأصل: "ربيعة بن ذهل بن حارثة بن ذهل".
من رجب، سنة أربعين وثلاث مئة، ودفن بالقرب من مدفن الإمام الشافعي رضي الله عنه.
* * *
5 -
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني، الملقب: ركن الدين، الفقيهُ الشافعيُّ الأصوليُّ: أقر له بالعلم أهلُ العراق وخراسان، وبنيت له المدرسة المشهورة بنيسابور، وتوفي بها يوم عاشوراء، سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
* * *
6 -
أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروز [أ] بادي، الملقب: جمال الدين، الشافعيُّ، مؤلف "التنبيه": الورعُ الناسك.
ولد في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة بفيروز [أ] باد، وتوفي ببغداد، ليلة الأحد، الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ست (1) وسبعين وأربع مئة، ودفن من الغد بباب أبرز (2).
(1) في الأصل: "سبع".
(2)
في الأصل: "باب أبرد".
7 -
أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي بن المنصور بن (1) جعفر بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، الهاشميُّ: أخو هارون الرشيد، كانت له اليد الطولى في الغناء والضرب بالملاهي.
وكان أسود اللون؛ لأن أمه جارية سوداء اسمها شكلة، وكان عظيم الجثة، [و] كان فصيحًا غزير [الأدب، وافر] الفضل، وبويع له بالخلافة ببغداد بعد المئتين، والمأمونُ يومئذٍ بخراسان، وأقام خليفة بها مقدار سنتين، وكانت مبايعته يوم الثلاثاء، لخمسٍ بقين من ذي الحجة، سنة إحدى ومئتين، بايعه العباسيون خفية، ثم بايعه أهل بغداد في أول يوم من المحرم سنة اثنتين ومئتين، وخلعوا المأمون، فلما كان يوم الجمعة، لخمسٍ خلون من المحرم، أظهروا ذلك، فلما توجّه المأمون من خراسان إلى بغداد، خاف إبراهيم على نفسه، واستخفى ليلة الأربعاء، لثلاثَ عشرةَ ليلة بقيت من ذي الحجة، سنة ثلاث ومئتين، وجرى أمور يطول شرحها، ثم إن المأمون عفا عنه.
وكانت ولادته في عشر ذي القعدة، سنة اثنتين وستين ومئة، وتوفي يوم الجمعة، لتسعٍ (2) خلون من رمضان، سنة أربع وعشرين ومئتين، وصلى عليه ابن أخيه المعتصم بِسُرَّ مَنْ رأى.
(1) في "وفيات الأعيان"(1/ 39): "أبي".
(2)
في الأصل: "لسبع"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 41).
8 -
أبو إسحاق إبراهيم بن ماهان، ويقال له - أيضاً -: ميمون بن بهمن (1)، التميميُّ الأرجانيُّ: المعروف بالنديم الموصِلي، ولم يكن منها، وهم من بيت كبير في العجم، ولم يكن في زمانه مثله في الغناء، واختراع الألحان، وكان إذا غنّى، وضرب أخو زوجته (2) زُلزُلُ، اهتز لهما المجلس.
مولده بالكوفة، سنة خمس وعشرين ومئة، وتوفي ببغداد، سنة ثمان وثمانين ومئة بعلة القولنج.
* * *
9 -
أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسيُّ الشاعرُ: ولد ببلاد الأندلس سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي بها يوم الأحد، لأربعٍ بقين من شوال، سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة.
فمن شعره، وهو معنى حسن:
مَا لِلعِذَارِ وَكَانَ وَجْهُكَ قِبْلَةً
…
قَدْ خَطَّ فِيهِ مِنَ الدُّجَى مِحْرَابَا
(1) في الأصل: "لقمان" والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 42).
(2)
في الأصل: "وضربت أختُ زوجته زلزل"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 42).
وَأَرَى الشَّبَابَ وَكَانَ لَيْسَ بِخَاشِعٍ
…
قَدْ خَرَّ فِيهِ رَاكِعًا وَأَناَبَا
وَلَقَدْ عَلِمْتَ بِكَوْنِ (1) ثَغْرِكَ بَارِقاً
…
أَنْ سَوْفَ يُزْجِي لِلعِذَارِ سَحَابَا
* * *
10 -
أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد الكلبي الغزيُّ، الشاعرُ المشهورُ، ومن جيد شعره المشهور:
قَالُوا: هَجَرْتَ الشِّعْرَ، قُلْتُ: ضَرْوَرةً
…
بَابُ الدَّوَاعِي وَالبَوَاعِثِ مُغْلَقُ
خَلَتِ الدِّيَارُ فَلَا كَرِيمٌ يُرْتَجَى
…
مِنْهُ النَّوَالُ وَلَا مَلِيحٌ يُعْشَقُ
وَمِنَ العَجَائِبِ أَنَّهُ لا يُشْتَرَى
…
ويُخَانُ فِيهِ مَعَ الكَسَادِ ويُسْرَقُ
ولد بغزة، سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة أربع وعشرين وخمس مئة ما بين مرو وبلخ (2) من خراسان، ودفن ببلخ.
(1) في الأصل: "بأن"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 56).
(2)
في الأصل: "مروقه بلخ"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 60).
11 -
أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور: من كورة بلخ، كان من أبناء الملوك، فخرج يوما متصيِّداً، وأثار ثعلباً أو أرنباً، وهو في طلبه، فهتف به هاتف: ألهذا خُلِقتَ، أم بهذا أُمِرتَ؟ ثم هتف به من قربوس سرجه: والله! ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، فنزل عن دابته، وصادف راعياً لأبيه، فأخذ جُبَّة الراعي من صوف، فلبسها، وأعطاه فرسه وما معه، ثم دخل البادية، ثم دخل مكة، وصحب بها سفيان الثوري، والفضيلَ بنَ عياض، ودخل الشام، ومات بها.
وقبره مشهور بمدينة جبلة من أعمال طرابلس، وله من الكرامات ما هو مشهور، وكان يأكل من عمل يده؛ مثل: الحصادة، وحفظ البساتين، وغير ذلك.
وكان يحفظ اسمَ الله الأعظم، وكان صدِّيق وقته، وحجَّة أهل زمانه، وكان مقبولاً عند جميع المشايخ والأكابر، وصحب الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي الله عنه، وكان في ابتداء حاله سلطانَ بلخ، وكانت تلك المملكة تحت حكمه وسلطانه، وكان يُحمل أربعون ترساً، وأربعون مقمعةً من ذهب أحمر بين يديه وخلفه، فتنزه عن ذلك كله، وانقطع إلى ربه، فكان من أمره ما اشتهر رضي الله عنه.
توفي سنة إحدى وستين ومئة - رضي الله تعالى عنه -.
* * *
12 -
أبو العباس أحمد بن عمر بن سُريج الشافعي: من عظماء
الشافعية، وكان يقال له: الباز الأشهب، ولي القضاء بشيراز، وكان يفضَّل على جميع أصحاب الشافعي، حتى المزني، وكان له نظم حسن.
توفي ببغداد، لخمسٍ بقين من جمادى الأولى، سنة ست وثلاث مئة، ودفن بحجرته بسويقة غالب، بالجانب الغربي، بالقرب من محلة الكرخ، وعمره سبع وخمسون سنة، وستة أشهر، وكان جده سُريج مشهوراً بالصلاح، وهو بضم السين.
* * *
13 -
أبو العباس أحمد بن أبي أحمد المعروف بابن القاص، الطبريُّ الفقيهُ الشافعيُّ: إمام وقته في طبرستان، وكان يعظ الناس، فانتهى في بعض أسفاره إلى طرسوس، وقيل: إنه تولى القضاء بها، فعقد له مجلس وعظ، فأدركته رِقَّةٌ وخشية من ذكر الله، فخر مغشيًّا عليه، ومات سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة، وعرف والده بالقاصِّ؛ لأنه كان يقصُّ الأخبار والآثار.
* * *
14 -
أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد، المعروف بابن القطان، البغداديُّ الشافعيُّ: من كبار أئمة الأصحاب، وكانت الرحلة إليه بالعراق، مات سنة تسع وخمسين وثلاث مئة، وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه - رحمه الله تعالى -.
15 -
أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك، الأزديُّ الطَّحاويُّ الفقيهُ: انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، وكان شافعيَّ المذهب، يقرأ على المزني، وصنف كتبًا مقيدة، وله تاريخ كبير.
مولده سنة تسع (1) وعشرين ومئتين، ونسبته إلى طَحَا - بفتح الطاء -: قرية بصعيد مصر، والأزد: قبيلة من قبائل اليمن.
* * *
16 -
الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني، الفقيه الشافعيّ، انتهت إليه رئاسة الدنيا والدين ببغداد، وقال الناس: لو رآه الشافعي، لفرح به.
ولد سنة أربع وأربعين وثلاث مئة، وقدم بغداد، وتوفي ليلة السبت، لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال، سنة ست وأربع مئة ببغداد، ودفن بباب حرب، وكان يوم موته يومًا مشهوداً بكثرة الناس، وإسفرايين: بلدة بخراسان بنواحي نيسابور.
* * *
17 -
أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل ابن محمد بن إسماعيل، المحامليُّ الفقيهُ الشافعيُّ: برع في الفقه،
(1) في الأصل: "سبع"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 72). وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة.
وصنف كتباً كثيرة، ولد سنة ثمان وستين وثلاث مئة، وتوفي يوم الأربعاء، لتسع بقين من ربيع الآخر، سنة خمس عشرة وأربع مئة.
والمحاملي: منسوب إلى المحامل التي يحمل عليها الناس في السفر.
* * *
18 -
أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، الفقيهُ الشافعيُّ الحافظُ المشهور، ومن مشهور مصنفاته:"السنن الكبرى"، و"الصغرى"، و"دلائل النبوة"، و"شعب الإيمان"، و"مناقب الشافعي"، و"مناقب أحمد" رضي الله عنهما، وكان على سيرة السلف.
وقال إمام الحرمين في حقه: ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه مِنَّةٌ، إلا أحمد البيهقي؛ فإن له على الشافعي مِنَّة؛ فإنه كان أكثر الناس نصرًا لمذهب الشافعي.
ولد في شعبان، سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، وتوفي في العاشر من جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وأربع مئة بنيسابور.
* * *
19 -
أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان النسائي: الحافظُ، إمامُ عصره في الحديث، له "السنن"، سكن بمصر، ولما امتُحن بدمشق، قال: احملوني إلى مكة، فحُمِل إليها، ودفن بين الصفا والمروة. وقيل: مات بالرملة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث
وثلاث مئة، ولما داسوه بدمشق، مات بسبب ذلك الدوس وهو منقول (1)، لمَّا سئل عن معاوية، وما روي من فضله.
ونسبته إلى نَسَا - بفتح النون -: مدينة بخراسان، خرج منها جماعة من الأعيان.
* * *
20 -
أبو الفتيان أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر، الفاسيُّ الأصل، الملثَّم: السيد الجليل المعروف بالبدوي.
ولد سنة ست وتسعين وخمس مئة، عُرف بالبدوي؛ لملازمته اللِّثام، فيلبس لِثامين لا يفارقهما، وعُرض عليه التزويج، فامتنع؛ لإقباله على العبادة، وكان يقرأ القرآن، وقرأ شيئاً من الفقه على مذهب الشافعي.
اشتهر بالعَطَّاب؛ لكثرة ما كان يقع لمن يؤذيه من الناس، ثم إنه لازم الصمت، حتى كان لا يتكلم إلا بالإشارة، ولازم الصيام، وأدمن عليه، كان يطوي أربعين يوماً.
حج أبوه في سنة سبع وست مئة وهو معه، فمات أبوه بمكة في سنة سبع وعشرين، ودخل العراق صحبة أخيه حسن، ثم سار إلى مصر في سنة أربع وثلاثين، فوصل إلى طندتا من الغربية، فأقام بها على سطح دار لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا، وإذا عرض له الجلل، يصيح، وكان يُكثر من الصياح.
(1) في الأصل: "مقتول"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 77).
وكان طويلًا، غليظ الساقين، كبير الوجه، ولونه بين البياض والسمرة، ووقع له كرامات كثيرة، وخوارق مشهورة.
توفي في ثاني عشر من شهر ربيع الأول، سنة خمس وسبعين وست مئة، وعُظِّم قبره، وبني عليه، وقام بأمر أتباعه صاحبُه عبد العال، فسمَّوه: خليفة الشيخ أحمد، واشتهر أتباعه بالسطوحية، وعُمِّر بعده مدة طويلة حتى مات في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، وحدث لهم بعد مدة عملُ المولد النبوي، فصار يومًا مشهوراً، يُقصد من النواحي البعيدة، وله شهرة في الديار المصرية رحمه الله، ونفعنا به -.
* * *
21 -
أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان الفقيهُ المعروفُ بالقُدُورِيِّ:
انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق، ولد سنة اثنتين وستين وثلاث مئة، وتوفي يوم الأحد، الخامس من رجب، سنة ثمان وعشرين وأربع مئة ببغداد، ودفن بداره، ثم نقل إلى تربة في شارع المنصور.
ونسبته إلى القُدُور التي هي جمع قِدْر.
* * *
22 -
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، الثعلبيُّ النيسابوريُّ: المفسِّر المشهور، صنف "التفسير الكبير" الذي فاق غيره من التفاسير،
ويقال له: الثعالبي، وهو لقب، وليس بنسب، توفي في سنة سبع وعشرين وأربع مئة، وقيل: سنة سبع وثلاثين.
* * *
23 -
أبو عبد الله أحمد بن أبي دُؤاد الأياديّ القاضي: كان معروفاً بالمروءة والعصبية، وكان شاعرًا فصيحًا، وكان يقول: ثلاثة ينبغي أن يُبجَّلوا، وتُعرف أقدارُهم: العلماء، وولاة العدل، والإخوان، فمن استخفَّ بالعلماء أهلكَ دينه، ومن استخف بالولاة، أهلك دنياه، ومن استخف بالإخوان، أهلك مروءته.
وكان ابن أبي دؤاد المذكور معتزلياً، ولما ولي المعتصم الخلافة، جعل ابنَ أبي دؤاد قاضي القضاة، وعزل يحيى بنَ أكثم.
وابن أبي دؤاد هو الذي كان سببًا لمحنة الإِمام أحمد، وألزمه بالقول بخلق القرآن، وذلك في رمضان، سنة عشرين ومئتين.
ثم حصل لابن أبي دؤاد محن كثيرة، وصودر في أيام المتوكل، وعُزل، وابتلي بالفالج، ومات به في المحرم، سنة أربعين ومئتين، وتوفي ولده محمَّد قبله بعشرين يومًا.
* * *
24 -
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد المعروف بالخطيب: صاحب "تاريخ بغداد" وغيرِه، كان من الحفَّاظ والعلماء، صنف قريبًا من مئة مصنَّف.
ولد في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، وتوفي في يوم الاثنين، في السابع من ذي الحجة، سنة ثلاث وستين وأربع مئة ببغداد، والعجب أنه كان في وقته حافظَ الشرق، وأبو عمر يوسفُ ابنُ عبد البَرِّ حافظ الغرب، وماتا في سنة واحدة، ودفن إلى جانب قبر بِشْرٍ الحافي.
* * *
25 -
أبو الفتوح أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن أحمد الطوسيُّ الغزاليُّ الشافعيُّ: كان واعظاً صاحبَ كرامات وإشارات، واختصر كتاب أخيه "الإحياء" في مجلد واحد، وسماه:"لباب الإحياء".
توفي سنة عشرين وخمس مئة.
* * *
26 -
أبو الفضل أحمد ابن الشيخ كمال الدين موسى بن رضيِّ الدين يونس، الإربليُّ الأول، من بيت الرئاسة بإربل، الفقيهُ الشافعيُّ، كان إمامًا فاضلًاً، شرح "التنبيه"، واختصر "إحياء علوم الدين" مختصر بن: كبيراً، وصغيرًا.
ولد بالموصل سنة خمس وسبعين وخمس مئة، وتوفي يوم الاثنين، الرابع والعشرين من ربيع الآخر، سنة اثنتين وعشرين وست مئة.
* * *
27 -
أبو عمر أحمد بن محمَّد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير ابن سالم القرطبيُّ: مولى هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، وكان من العلماء، وله ديوان شعر، ومنه:
يَا ذَا الَّذِي خَطَّ العِذَارُ بِخَدِّهِ
…
خَطَّيْنِ هَاجَا لَوْعَةً وَبَلا بلا
ما صَحَّ عِنْدِي أَنَّ لَحْظَكَ صَارِم (1)
…
حَتَّى رَأَيْتُ مِنَ العِذَارِ حَمَائِلا
ولد في عاشر رمضان، سنة ست وأربعين ومئتين، وتوفي في ثامن عشر جمادى الأولى، سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة، ودفن بقُرطبة في مقبرة بني العباس، من فالجٍ أصابه قبل ذلك بأعوام.
* * *
28 -
أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمَّد بن حبيب، الرازيُّ اللغويُّ: كان إمامًا في علوم كثيرة، خصوصًا اللغة، وله مصنّفات عديدة، ومنه اقتبس الحريريُّ صاحب "المقامات" ذلك الأسلوب، وله أشعار جيدة، منها:
إِذَا كُنْتَ في حَاجَةٍ مُرْسِلاً
…
وَأَنْتَ بِهَا كَلِفٌ مُغْرَمُ
(1) في الأصل: "صارما"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 110).
فَأَرْسِلْ حكيمًا وَلا تُوصِه
…
وَذَاكَ الحَكِيمُ هُوَ الدِّرْهَمُ
توفي سنة تسعين وثلاث مئة بالرَّيِّ.
* * *
29 -
أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، الجعفيُّ الكوفيُّ: المعروف بالمتنبي، الشاعرُ المشهور، قدم الشام في صباه، وجال في أقطاره، ومن شعره:
أَبِعَيْنِ مُفْتَقِرٍ إِلَيْكَ نَظَرْتَنِي
…
فَأَهَنْتَنِي وَقَذَفْتَنِي مِنْ حَالِقِ
لَسْتَ المَلُومَ أَنَا المَلُومُ لأِنّنِي
…
أَنْزَلْتُ آمَالِي بِغَيْرِ الخَالِقِ
وإنما قيل له: المتنبي؛ لأنه ادَّعى النبوة في بادية السَّماوة، وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم، فخرج إليه لؤلؤ أميرُ حمص، فأسره، وحبسه طويلاً، ثم استتابه، وأطلقه.
وكان قد قصد بلاد فارس، ومدح عضدَ الدولة، وأجزل جائزته، ولما رجع من عنده قاصداً بغداد، عرض له فاتكُ بنُ أبي الجهل الأسديُّ في عدّة من أصحابه، وكان مع المتنبي جماعة من أصحابه، فقاتلوهم، فقُتل المتنبي، وابنه محسَّد، وغلامه مفلِح، بالقرب من النعمانية، في
موضع يقال له: الشافعية، من الجانب الغربي من سواد بغداد، عند دير العاقول، فلما فرّ حين رأى الغلبة، قال له غلامه: لا يتحدث الناس عنك بالفرار، وأنت القائل:
فَالخَيْلُ وَاللَّيْلُ وَالبَيْدَاءُ تَعْرِفُنِي
…
وَالحَرْبُ وَالضَّرْبُ وَالقِرْطَاسُ وَالقَلَمُ
فكرَّ راجعاً حتى قُتل، وكان سبب قتله هذا البيت، والله أعلم.
وذلك يوم الأربعاء، لستٍّ بقين، وقيل: لثلاث، وقيل: لليلتين (1) من رمضان، سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
ومولده سنة ثلاث وثلاث مئة بالكوفة.
* * *
30 -
أبو العباس أحمد بن محمَّد، الدارميُّ المصيصيُّ، المعروف بالنامي، الشاعر المشهور: له مع المتنبي وقائع ومعارضات في الأناشيد، ومن شعره:
أتانِي في قَمِيصِ اللَاّذِ يَسْعَى
…
عَدُوّ لِي يُلَقَّبُ بِالحَبِيبِ
وَقَدْ عَبَثَ الشَّرَابُ بِمُقْلَتَيْه
…
فَصَيَّرَ خَدَّهُ كَسَنَا اللهِيبِ
(1) في الأصل: "لثلاثين"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 123).
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا اسْتَحْسَنْتُ هَذَا
…
لَقَدْ أَقْبَلْتَ في زِيٍّ عَجِيبِ
أَحُمْرَةُ وَجْنتَيْكَ كَسَتْكَ هَذَا
…
أَمَ انْتَ صَبَغْتَهُ بِدَمِ القُلُوبِ
توفي سنة تسع وتسعين وثلاث مئة بحلب، وعمره تسعون سنة.
* * *
31 -
أبو عبد الله إبراهيم بن محمَّد بن عرفة بن سليمان، الأزديُّ، الملقَّب: نفطويه، النحويُّ الواسطيُّ: له التصانيف الحِسان في الآلات، وكان عالمًا بارعا، ولد سنة أربع وأربعين ومئتين بواسط، وسكن بغداد، وتوفي في صفر، سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة، يوم الأربعاء، لستٍّ خلون منه، بعد طلوع الشمس بساعة، ودفن بباب الكوفة، وليس في العلماء من اسمه إبراهيم، وكنيته أبو عبد الله، سوى نفطويه، ومن شعره:
قَلْبِي أَرَقُّ عَلَيْكَ مِنْ خَدَّيْكَا
…
وَقُوَايَ أَوْهَى مِنْ قُوَى جَفْنَيْكَا
لِمَ لَا تَرِقُّ لِمَنْ يُعَذِّبُ نَفْسَهُ
…
ظُلْمًا وَيَعْطِفُهُ هَوَاهُ عَلَيْكَا
وفيه يقول أبو عبد الله محمَّد الواسطي:
مَنْ سَرَّهُ أَنْ لَا يَرَى فَاسِقاً
…
فَلْيَجْتَهِدْ أَنْ لَا يَرَى نِفْطَوَيْه
أَحْرَقَهُ اللهُ بِنِصْفِ اسْمِهِ
…
وَصَيَّرَ البَاقِي صُرَاخاً عَلَيْهِ
ونفطويه - بفتح الواو، وكسر النون وفتحها، والكسر أفصح -، وهو لقبله.
* * *
32 -
أبو القاسم أحمد بن محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم (1) طباطب ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن [الحسين بن] علي بن أبي طالب: الشريف الحسنيُّ الرسيُّ المصريُّ، نقيب الطالبيين بمصر.
وكان من أكابر رؤسائها، وله شعر مليح، ومن شعره:
خَلِيلَيَّ إِنِّي لِلثُّرَيَّا لَحَاسِدٌ
…
وَإِنِّي عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ لَوَاجِدُ
أَيَبْقَى جَمِيعًا شَمْلُهَا وَهْيَ سِتَّةٌ (2)
…
وَأَفْقِدُ مَنْ أَحْبَبْتُهُ وَهْوَ وَاحِدُ
(1) في الأصل زيادة: "بن".
(2)
في الأصل: "سبعة"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 129).
توفي سنة خمس وأربعين وثلاث مئة بمصر، وطَباطَبا - بفتح الطاءين -: لقب جدِّه إبراهيم؛ لأنه كان يلثغ، فيجعل القاف طاء، وطلب يومًا ثيابه، فقال غلامُه: أجيء بدرَّاعة؟ قال: لا، طباطبا؛ يريد: قَبا، وكرر لفظه.
* * *
33 -
أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون، المخزوميُّ الأندلسيُّ القرطبيُّ الشاعرُ: كان في غاية في المنثور والمنظوم، وخاتمةَ شعراء بني مخزوم، ومن بديع قلائده: نظمُه القصيدةَ الطنانة، التي من جملتها:
بِنْتُمْ وَبِنَّا فَمَا ابْتَلَّتْ جَوَانِحُنَا
…
شَوْقاً إِلَيْكُمْ وَلَا جَفَّتْ مَآقِينَا
تَكَادُ حِينَ تُنَاجيكُمْ ضمَائِرُناَ
…
يَقْضِي عَلَيْنَا الأَسَى لَوْلَا تأسِّينَا
حَالَتْ لِبُعْدِكُمْ أَيَّامُنَا فَغَدَتْ
…
سُودًا وَكَانَتْ بِكُمْ بِيضًا لَيَالِينَا
بِالأَمْسِ كُنَّا وَمَا يُخْشَا تَفَرُّقُنَا
…
وَالَيْومَ نَحْنُ وَمَا (1) يُرْجَى تَلَاقِينَا
(1) في الأصل: "لا"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 140).
وهي طويلة، وكانت وفاته في صدر رجب، سنة ثلاث وستين وأربع مئة، بمدينة إشبيلية، وكان له ولد يقال له: أبو بكر، تولى وزارةَ المعتمد بنِ عبّاد، وقُتل يوم أخذ يوسفُ بنُ تاشفين قرطبةَ، يوم الأربعاء، ثاني صفر، سنة أربع وثمانين وأربع مئة، وأخذها الفرنج من المسلمين في شوال، سنة ثلاث وثلاثين وست مئة.
* * *
34 -
أبو جعفر أحمد بن محمَّد، الخولانيُّ الأندلسيُّ، المعروف بابن الأَبَّار، الشاعرُ: كان من شعراء المعتضد عباد بن محمَّد اللخمي صاحبِ إشبيلية، وكان عالمًا، [فجمع] وصنَّف، وله الشعر الرائق، توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.
* * *
35 -
أبو العباس أحمد بن هارون الرشيدِ الهاشميُّ، المعروف بالسّبتيِّ: كان عبدًا صالحا، ترك الدنيا في حياة أبيه وهو خليفةُ الدنيا، وإنما قيل له: السبتي؛ لأنه كان يتكسب بيده يوم السبت شيئًا ينفقه في بقية الأسبوع، ويتفرغ للعبادة، فعُرف بهذه النسبة، ولم يزل كذلك إلى أن مات سنة أربع وثمانين ومئة، قبل موت أبيه.
* * *
36 -
أبو العباس أحمد بن أبي الحسن (1) علي بن أبي العباس أحمد، المعروف بابن الرفاعي: كان رجلًا صالحًا فقيها، شافعي المذهب، وأصله من العرب، وسكن بالبطائح بقرية يقال لها: أم عبيدة، وانضم إليه خَلْق من الفقراء، وأحسنوا الاعتقاد فيه، وتبعوه الطائفة المعروفة بالرفاعية والبطائحية، وله شعر، منه:
إِذَا جَنَّ لَيْلِي هَامَ قَلْبِي بِذَكْرِكُمْ
…
أَنُوحُ كَمَا نَاحَ الحَمَامُ المُطَوَّقُ
[
…
.] ، وهو مشهور، توفي يوم الخميس، ثاني عشري من جمادى الأولى، سنة ثمان وسبعين وخمس مئة (2) بأم عبيدة، وهو في عشر التسعين.
والرفاعي - بكسر الراء - نسبة إلى رجل من العرب (3) يقال له: رفاعة، وأم عبيدة والبطائح: قرى مشهورة بين واسط والبصرة، ولها شهرة بالعراق.
* * *
(1) في الأصل زيادة: "بن"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 171).
(2)
في الأصل: "ثمانين وخمس مئة"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 172).
(3)
في الأصل: "رجل بالمغرب"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(1/ 172).
37 -
الأمير أبو العباس أحمد بن طولون: صاحب الديار المصرية والشامية والثغور، وكان المعتز بالله ولَاّه مصر، ثم استولى على الشام أجمع، وأنطاكية، والثغور، وكان شجاعًا، حسن السيرة، يحب أهل العلم، ويتصدق كثيرًا، وكان مع ذلك كله طائشَ السيف، وكان يحفظ القرآن، ورُزق حسنَ الصوت، وبنى الجامع المنسوب إليه بين القاهرة ومصر، سنة تسع وخمسين ومئتين، وأنفق على عمارته مئة ألف دينار، وعشرين ألف دينار.
توفي طولون سنة أربعين ومئتين، وقيل: إن أباه طولون تبناه، ولم يكن ابنه.
وكان مولده ثالث عشري من رمضان، سنة عشرين ومئتين، وتوفي ليلة الأحد، لعشرٍ خلون من ذي القعدة، سنة سبعين ومئتين، وطُولون - بضم الطاء -: اسم تركي.
* * *
38 -
أبو الحسين أحمد بن أبي شجاع بُويه بن [فناخسرو بن تمام ابن كوهي بن] شيرزيل: لقبُه: مُعِزُّ الدولة، وهو عم عضد الدولة أحدِ ملوك الديلم، كان صاحبَ العراق والأهواز، وكان يقال له: الأقطع؛ لأن يده اليسرى مقطوعة، وبعض أصابع اليمنى من ضربةٍ أصابته في الحرب، وملكَ العراق وبغداد.
مولده سنة ثلاث وثلاث مئة، وتوفي سنة ست وخمسين
وثلاث مئة ببغداد، ودفن بمقابر قريش.
* * *
39 -
أبو العباس أحمد بن عبد السيد بن شعبان بن محمَّد بن جابر بن قحطان، الإربليُّ، الملقَّب: صلاح الدين: وهو من بيت كبير بإربل، وكان حاجبًا عند الملك المعظَّم مظفرِ الدين صاحب إربل، ثم انتقل إلى الديار المصرية، وخدم الملك الكامل، فعظمت منزلته عنده، وكان الصلاح ذا فضيلة، وله ديوان شعر.
ولد في ربيع الآخر، سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة بإربل، وتوفي وهو مع الملك الكامل عند قصده بلادَ الروم، قبل دخوله الرها، في الخامس والعشرين من ذي الحجة، سنة إحدى وثلاثين وست مئة، ودفن بظاهرها، ثم نقله ولده إلى الديار المصرية، فدفنه بتربته بالقرافة في أواخر شعبان سنة سبع وثلاثين وست مئة، وكان تقدير عمره يوم وفاته ستين سنة.
* * *
40 -
أبو بكر أزهر بن سعد السمَّان، الباهليُّ البصريُّ: روى الحديث عن حُمَيدٍ الطويل، وروى عنه أهل العراق، وكان يصحب أبا جعفر المنصور قبل الخلافة، ثم جاء إليه بعد الخلافة، ووقع له معه وقائع، وأحسن إليه.
ولد سنة إحدى عشر ومئة، وتوفي في سنة ثلاث ومئتين.
والبصري: نسبة إلى البصرة، وهي إسلامية، بناها عمر بن الخطاب في سنة أربع عشرة من الهجرة على يد عتبة بن غزوان، وهي أشهر مدن العراق، والبصرة: الحجارة الرخوة.
* * *
41 -
أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر، الكنانيُّ الكلبيُّ الشَّيْزَرِيُّ (1)، الملقب: مؤيد الدولة، مجد الدين: من أكابر بني مُنْقِذ أصحابِ قلعة شَيْزَرَ، وعلمائِهم وشجعانهم، له تصانيف عديدة في فنون الأدب.
سافر إلى الديار المصرية والشامية، ثم أقام بحصن كَيْفا إلى أن ملكَ صلاح الدين دمشق، فاستدعاه، فجاءه وهو شيخ قد جاوز الثمانين، ومن شعره:
لَا تَسْتَعِرْ جَلَدًا عَلَى هِجْرَانِهِمْ
…
فَقُوَاكَ تَضْعُفُ عَنْ صُدُودٍ دَائِمِ
وَاعْلَمْ بِاَنَّكَ إِنْ رَجَعْتَ إِلَيْهِمُ
…
طَوْعاً، وَإلَاّ عُدْتَ عَوْدَةَ رَاغِم
ولد يوم الأحد، السابع والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، وتوفي في الثالث والعشرين من رمضان، سنة أربع
(1) في الأصل: "الشيرازي"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 196).
وثمانين وخمس مئة بدمشق، ودفن من الغد في شرقي جبل قاسيون، وتوفي والده سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.
* * *
42 -
أبو يعقوب إسحاق بن أبي الحسن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مرة، الحنظليُّ المروزيُّ، المعروف بابن راهويه: أحد أئمة الإِسلام، جمع بين الحديث والفقه والورع، روى عن الشافعي، وناظره.
وقال الإِمام أحمد عنه: عندنا إمام من أئمة المسلمين، وما عبر الجسرَ أفقهُ منه.
ولد سنة إحدى، وقيل: ثلاث، وقيل: ست وستين ومئة، وسكن آخر عمره بنيسابور، ومات بها ليلة النصف من شعبان، سنة ثمان، وقيل: سبع وثلاثين ومئتين.
ورَاهوَيه: لقب أبيه؛ لأنه وُلد بطريق مكة، والطريق بالفارسية: راه، وويه معناها: وجد، فكأنه وجد في الطريق.
* * *
43 -
أبو محمَّد إسحاق بن إبراهيم بن ماهان، التميميُّ بالولاء، الأرجانيُّ الأصل، المعروف بابن النديم (1): وقد سبق ذكر أبيه، وكان
(1) في الأصل: "بالنديم" بدل "بابن النديم".
وكان من ندماء الخلفاء (1)، وله الظرف المشهور، والغناء، وكان عالمًا باللغة والأشعار، وله يد طولى في الحديث والفقه وعلم الكلام، ومن شعره: ما كتبه إلى هارون الرشيد - رحمه الله تعالى -:
أَرَى النَّاسَ خُلَاّنَ الجَوَادِ وَلَا أَرَى
…
بَخِيلاً لَهُ في العَالَمِينَ خَلِيلُ
وَإِنِّي رَأَيْتُ البُخْلَ يُزْرِي بِأَهْلِهِ (2)
…
فَأَكْرَمْتُ نَفْسِي أَنْ يُقَالَ بَخِيلُ
وَمِنْ خَيْرِ حَالَاتِ الفَتَى لَوْ عَلِمْتَهُ
…
إِذَا نَالَ شَيْئًا أَنْ يَكُونَ يُنيلُ
وَكَيْفَ أَخَافُ الفَقْرَ أَوْ أُحْرَمُ الغِنَى
…
وَرَأْيُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ جَمِيلُ
وكان قد عمي في آخر عمره.
مولده سنة خمسين ومئة، وهي التي ولد فيها الشافعي رضي الله عنه، وتوفي في رمضان، سنة خمس وثلاثين ومئتين.
* * *
(1) في الأصل: "الخليفة"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 202).
(2)
في الأصل: "بنفسه"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(1/ 204).
44 -
القاضي الأسعد أبو المكارم مماتي بن الخطير أبي سعيد مهذب، المصريُّ الكاتبُ الشاعرُ: كان ناظرَ الدواوين بالديار المصرية، وفيه فضائل، وله ديوان شعر، ومن شعره:
وأهيفٌ أَحْدَثَ لِي نَحْوُهُ
…
تَعَجُّبا يُخْبِرُ عَنْ ظُرْفِهِ
عَلَامَةُ التَّأنِيثِ في لَحْظِه
…
وَأَحْرُفُ العِلَّةِ في لَفْظِه
وكان هو وجماعة من النصارى أسلموا في ابتداء الملك الصالحين.
توفي بحلب في سلخ جمادى الأولى سنة ست وست مئة، وعمره اثنان وستون سنة.
ولقب بمماتي؛ لأنه وقع بمصر غلاء، وكان كثير الصدقة والإطعام، خصوصاً لصغار المسلمين، وكانوا إذا رأوه، ناداه كل واحد منهم: مماتي.
* * *
45 -
أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور بن عبد العزيز، السلميُّ السنجاريُّ الفقيهُ الشاعرُ المنعوتُ بالبهاء: أجاد في الشعر، وخدم به الملوك، وأخذ جوائزهم، وكان له صاحب، فانقطع عنه، فسير إليه يطلبه، فكتب إليه صاحبه:
لَا تَزُرْ مَنْ تُحِبُّ في كُلِّ شَهْرٍ
…
غَيْرَ يَوْمٍ وَلَا تَزِدْهُ عَلَيْه
فَاجْتِلَاءُ الهِلَالِ في الشَّهْرِ يَوْمٌ
…
ثُمَّ لَا تَنْظُرُ العُيُونُ إِلَيْه
فكتب إليه البهاءُ من نظمه:
إِذَا حَقَّقْتَ مِنْ خِلٍّ وِدَاداً
…
فَزُرْهُ وَلَا تَخَفْ مِنْهُ مَلَالَا
وَكُنْ كَالشَّمْسِ تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمِ
…
وَلَا تَكُنْ في زِيارتهِ هِلَالَا
وله أشياء حسنة.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة بإربل، وتوفي في سنة اثنتين وعشرين وست مئة بسنجار.
* * *
46 -
أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم، المزنيُّ، صاحبُ الشافعيِّ رضي الله عنه: وهو من أهل مصر، وكان عالمًا مجتهداً، وهو إمام الشافعيين (1).
(1) في الأصل: "التابعين"، والتصويب من "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/ 217).
قال الشافعي: المزني ناصرُ مذهبي.
وكان إذا فرغ من مسألة، وأودعَها "مختصره"، قام إلى المحراب، وصلى ركعتين شكرًا لله.
وهو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي، وعلى مثاله رتَّبوا، وهو الذي تولى غسلَ الشافعي.
ومناقبُه كثيرة، توفي لست بقين من رمضان، سنة أربع وستين ومئتين، ودفن بالقرب من تربة الشافعي، وعاش تسعًا وثمانين سنة، وصلى عليه الربيع.
ونسبته بالمزني - بضم الميم -: هذه مُزَينة بنتُ كلب، وهي قبيلة مشهورة.
* * *
47 -
أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، العنزيُّ بالولاء، معروف بأبي العتاهية، الشاعر المشهور.
ولد بعين التمر: بُليدة بالحجاز قرب المدينة، ونشأ بالكوفة، وسكن بغداد، وكان يبيع الجِرار، فقيل له: الجرَّار، واشتُهر بمحبة عُتبة جاريةِ الإِمام المهديِّ، وأكثرَ تشبيبه فيها.
وبعث مرة إلى المهدي، وعرَّض بطلبها، يقول:
نَفْسِي بشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مُعَلَّقَةٌ
…
اللهُ وَالقَائِمُ المَهْدِيُّ يَكْفِيهَا
إِنِّي لأَيْأَسُ مِنْهَا ثُمَّ يُطْمِعُنِي
…
فِيهَا احْتِقَارُكَ لِلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَهمَّ أمير المؤمنين أن يدفع عُتبة إليه، فجزعت، وقالت: يا أمير المؤمنين! حرمتي وخدمتي، أتدفعني إلى رجل قبيح المنظر يبيع الجِرار؟ فأعفاها، وأمر له بمال.
وأنشد في حضرة الخليفة:
أَتَتْهُ الخِلَافَةُ مُنْقَادَةً
…
إِلَيْهِ تَجُرُّ بِأَذْيَالِهَا
فَلَمْ تَكُ تَصْلُحُ إِلَاّ لَه
…
وَلَمْ يَكُ يَصْلُحُ إِلَاّ لَهَا
فَلَوْ رَامَهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ
…
لَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا
فلم ينصرف أحد من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية.
ولد سنة ثلاثين ومئة، وتوفي في يوم الاثنين، ثامن جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وقيل: ثلاث عشرة ومئتين ببغداد، وقبره على نهر عيسى.
ولما حضرته الوفاة، قال: أشتهي أن يجيء مخارق المغني يغني عند رأسي هذين البيتين:
إِذَا مَا انْقَضَتْ عَنِّي مِنَ الدَّهْرِ مُدَّتِي
…
فَإِنَّ عَزَاءَ البَاكِيَاتِ قَلِيلُ
سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكْرِي وَتُنْسَى مَوَدَّتِي
…
وَيحْدُثُ بَعْدِي لِلخَلِيلِ خَلِيلُ
* * *
48 -
الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقانيُّ: كان نادرة الدهر، وأعجوبةَ الزمان في فضائله ومكارمه، وهو أولُ من لقِّب بالصاحب من الوزراء؛ لأنه كان يصحب أبا الفضل بن العميد، فقيل له: صاحبُ ابن العميد، ثم أُطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارةَ بعده، وبقي عَلَماً عليه، ثم تسمَّى به كلّ من وَلي الوزارة بعده.
قال أبو سعيد الرستمي في حقه:
وَرِثَ الوِزَارَةَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ
…
مَوْصُولَةَ الإِسْنَادِ بِالإِسْنَادِ
يَرْوِي عَنِ العَبَّاسِ عَبَّادٍ وِزَا
…
رتَهُ وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبَّادِ
وكتب بعضهم إليه ورقة، أغار فيها على رسائله، وسرق فيها جملة من ألفاظه، فوقَّع فيها:{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف: 65].
وحبس بعضَ غلمانه في مكان ضيق بجواره، ثم صعِد السّطح يوما، فاطلع فرآهُ، فناداه المحبوس بأعلى صوته:{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)} [الصافات: 55] فقال الصاحب: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون: 108].
ولد لأربعَ عشرةَ ليلة بقيت من ذي القعدة، سنة ستٍّ وعشرين وثلاث مئة بإصطخر، وتوفي ليلة الجمعة، العشرين أو الرابع والعشرين من صفر، سنة خمس وثمانين وثلاث مئة بالري، ثم نقل إلى أصفهان، وله نوادر كثيرة، ورسائل بديعة ونظم جيد، فمنه قوله:
وَشَادِنٍ جَمَالُه
…
تَقْصُرُ عَنْهُ صِفَتِي
هَوَى لِتَقْبِيلِ يَدِي
…
فَقُلْتُ قَبِّلْ شَفَتِي
رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
49 -
أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم، المالكيّ المصريّ: تفقه على الإِمام مالك.
قال الإِمام الشافعي: ما رأيت أفقهَ من أشهب لولا طيشٌ فيه.
ولد بمصر سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة أربع ومئتين، بعد الشافعي بشهر، ودفن بالقرافة الصغرى، ويقال: إن اسمه
مسكين، وأشهب لقبه.
ودعا على الشافعي بالموت، فبلغه ذلك، فقال مُتَمَثِّل:
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ
…
فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِوَاحِدِ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خَلَافَ الَّذِي مَضَى
…
تَزَوَّدْ لأُخْرَى مِثْلِها فَكَأَنْ قَدِ
وكان أشهب يخضب عَنْفَقَته - رحمه الله تعالى -.
* * *
50 -
أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت، الأندلسيُّ الدانيُّ: كان فاضلاً في علوم الأدب، عارفًا بفن الحكمة، انتقل من الأندلس، وسكن ثغر الإسكندرية، ومن شعره:
إِذَا كَانَ أَصْلِي مِنْ تُرَابٍ فَكُلُّهَا
…
بِلَادِي وَكُلُّ العَالَمِينَ أقارِبِي
وَلَا بُدَّ لِي أَنْ أَسْأَلَ العَيْشَ جَاهِدًا
…
لِنَفْسِي عَلَى شُمِّ الذُّرَا وَالغَوَارِبِ (1)
(1) في "وفيات الأعيان"(1/ 244):
"ولابد لي أن أسأل العِيسَ حاجةً
…
تشُقُ على شُمِّ الذرى والغوارب"
وشعره كثير، وانتقل إلى المهدية، وتوفي بها يوم الاثنين، مستهل سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
ومولده في دانية من بلاد الأندلس، سنة ستين وأربع مئة، ولما اشتد مرضه، قال لولده عبد العزيز:
عَبْدُ العَزِيزِ خَلِيفَتِي
…
رَبُّ السَّمَاءِ عَلَيْكَ بَعْدِي
أَنَا قَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا
…
تَدْرِيهِ فَاحْفَظْ فِيهِ عَهْدِي
فَلَئِنْ عَمِلْتَ بِهِ فَإِنَّـ
…
ـكَ لَا تَزَالُ حَلْيفَ رُشْدِ
وَلَئِنْ نكثْتَ لَقَدْ ضَلَلْتَ
…
وَقَدْ نَصَحْتُكَ حَسْبَ جُهْدِي
* * *
51 -
أبو واثلة إياس بن معاوية بن قُرَّة بن إياس بن هلال المزنيُّ: وهو اللَّسِنُ البليغ، والألمعيُّ المصيب، كان مشهوراً بفرط الذكاء، وإيّاه عنَى الحريريُّ في المقامة السابعة بقوله:
فإذا ألمعيتي ألمعيةُ ابن عباس، وفراستي فراسة إياس.
وكان عمر بن عبد العزيز ولاه قضاء البصرة.
وقيل لأبيه معاوية: كيف ابنُك لك؛ فقال: نِعْم الابنُ، كفاني أمر دنياي، ففرَّغني لآخرتي.
ويحكى من فطنته: أنه كان في موضع، فحدث فيه ما أوجب الخوف، وهناك ثلاث نسوة، لم يعرفهن، فقال: هذه ينبغي أن تكون حاملًا، وهذه مرضعاً، وهذه عذراء، فكُشف عن ذلك، فكان كما تفرّس، فقيل له: من أين لك ذلك؟ فقال: عند الخوف لا يضع الإنسان يده إلا على أعزِّ ما له، وما يخاف عليه، ورأيت الحاملَ قد وضعت يدَها على جوفها، فاستدللت بذلك على حملها، والمرضع وضعت يدها على ثديها، فعلمت أنها مرضع، والبكر وضعت يدها على فرجها، فعلمت أنها بكر.
وروي عنه: أنه قال: ما غلبني أحد قطُّ سوى رجل واحد، وذلك أني كنت في مجلس القضاء بالبصرة، فدخل عليَّ رجل، فشهد عندي أن البستان الفلاني - وذكر حدوده - هو ملك فلان، فقلت له: كم عدد شجره؛ فسكتَ، ثم قال: منذ كم سيدُنا القاضي في هذا المجلس؟ فقلت: منذ كذا، فقال: كم عددت خشب سقفه؟ فقلت: الحقُّ معك، وأجزتُ شهادته.
توفي سنة اثنتين وعشرين ومئة، وعمره ستٌّ وسبعون سنة، أدرك أَنسًا وغيرَه.
* * *
52 -
أبو محمود أحمد بن محمَّد بن إبراهيم بن هلال، المقدسيُّ الخواصيُّ المحدِّثُ: ولد سنة أربعَ عشرةَ وسبعِ مئة، ضَبَطَ، وأفاد، ورحل، ودرَّس بالمدرسة التنكزية (1) بالقدس الشريف بعد العلائي.
صنف: "المصباح والسلاح"، و"فضائل القدس"، وصار رحلة. توفي بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وستين وسبع مئة.
* * *
53 -
شهاب الدين أحمد بن لؤلؤ، الشافعيُّ المصريُّ، المعروفُ بابن النقيب: وكان إمامًا عالمًا، طارحًا للتكلف، له مصنفات حسنة، ولم يكتب قط على فتوى تورُّعا، ولم يلِ تدريساً، ولد سنة اثنتين وسبع مئة، وتوفي في رمضان، سنة تسع وستين وسبع مئة.
* * *
54 -
بهاء الدين أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي، الأنصاريُّ الخزرجيُّ السبكيُّ: مولده سنة سبعَ (2) عشرةَ وسبعِ مئة، درَّس وأفتى، وساد صغيرًا، وأسرع به الشيب، درَّس في تربة الشافعي، وغيرِها، ووليَ إفتاء دار العدل، وولي قضاء الشام عن أخيه، ثم ولي قضاء العسكر، وحدَّث وصنّف مصنفات مفيدة، وكان كثيرَ الإحسان للنّاس.
(1) في الأصل: "النكرية".
(2)
في "طبقات الشافعية"(3/ 78): "تسع".
ومن قول أبيه: درس أحمد خيرٌ من درس علي.
وقال فيه والده وقد حضر درسه:
دُرُوسُ أَحْمَدَ خَيْرٌ مِنْ دُرُوسِ عَلَيّ
…
وَذَاكَ عِنْدَ عَلي غَايَةُ الأَمَلِ
وقال أبوه في دروسه:
دُرُوسُ أَحْمَدَ خَيْرٌ مِنْ دُرُوسِ أَبِهْ
…
وَذَاكَ عِنْدَ أَبْيهِ مُنْتَهَى أَرَبِه
وكان كثير الحج والمجاورة، توفي بمكة مجاوراً في رجب، سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة عن ست وخمسين سنة - رحمه الله تعالى -.
* * *
55 -
الأمير ألجاي اليوسفيُّ الناصريُّ مملوكُ الناصر محمدِ بن قلاوون: تقدم حتى صار مقدم ألفٍ بمصر، وحاجباً كبيرًا، ثم عزل، ثم استقرّ أميرَ سلاح، ثم تزوج أم السلطان، وصار يتكلم في جميع الأمور، ثم استقر أتابكَ العساكر، فلما ماتت زوجتهُ، انحطت منزلتُه عند السلطان، ووقع بينهما على التركة، حتى همَّ السلطان بقبضه، فانهزم، فتبعوه، فألقى نفسه في نيل مصر، فغرق، وأُخرج، وحمل يوم تاسوعاء، ودفن بتربته تحت القلعة.
وكان شكلا حسنًا، فارس الخيل، يسلِّم على من يمر عليه، لكنه
كان قليل العقل، يأكل البرطيل، توفي في اليوم المذكور، سنة خمس وسبعين وسبع مئة.
* * *
56 -
أبو إسحاق إبراهيم بدر الدين بن أحمد بن محمَّد بن عيسى المخزوميُّ المصريّ الشافعيّ، المعروف بابن الخشاب: أفتى وأفاد، وحدَّث ودرَّس، وولي نيابة الحكم بالقاهرة، ثم ولي قضاء حلب، وولي قضاء المدينة النبوية وخطابتها، وكان ورعًا عفيفاً، بصيراً بالأحكام الشرعيّة.
توفي في ربيع الآخر، سنة خمس وسبعين وسبع مئة.
* * *
57 -
أبو العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر التلمسانيُّ، نزيلُ القاهرة، الشهير بابن أبي حجلة: كان إمامًا فاضلًاً، عارفًا بالأدب، ماهراً في كلام العرب، له مصنفات، منها:"دفع النقمة في الصلاة على نبي الرحمة"، ومنها:"السُّكردان" صنفه للملك الناصر حسن، ومنها: مقامات ضاهى فيها مقامات الحريري، ومن نظمه:
يَا عَاذِلي لَا تَلمْنِي
…
في حبّ هَذَا القِبْطِي
وَاقْطَعْ بِوَصْلٍ بَيْنَنَا
…
بِاللهِ رَأْسِ القِطِّ
ومن نوادره: أنه لقَّب ولدَه: جناح الدين.
توفي بالقاهرة في ذي الحجة، سنة ست وسبعين وسبع مئة عن إحدى وخمسين سنة.
* * *
58 -
تقي الدين أبو الفداء إسماعيل بن علي بن الحسن، القرقشنديُّ المصريُّ الشافعيُّ: فقيه القدس.
مولده سنة اثنتين وسبع مئة، وتوفي بالقدس في جمادى الآخرة، سنة ثمان وسبعين وسبع مئة.
* * *
59 -
عماد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن جماعة، الكنانيُّ الشافعيُّ: خطيب القدس.
مولده في ثالث شوال، سنة عشر وسبع مئة، ناب في القضاء بمصر عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، مضافاً لنظر الأوقاف، ثم توجه إلى بلده، وولي خطابة القدس لما ولي ابن عمه برهانُ الدين قضاء القاهرة، وكان يدرِّس عن ابن عمه في الصلاحية نيابة.
توفي في ربيع الأول، سنة ست وسبعين وسبع مئة رحمه الله.
* * *
60 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علاء الدين علي بن محيي الدين يحيى بن فضل الله، العدويُّ العمريُّ: ولي كاتب السر بدمشق،
توفي في المحرم، سنة سبع وسبعين وسبع مئة بدمشق عن نيف وثلاثين سنة.
* * *
61 -
برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن محمَّد بن عسكر، الطائيُّ المصريُّ الشافعيُّ، المشهور بالقيراطي: سمع "الصحيح" من جماعة، وكان شعره غاية في الحسن، ومنه قوله:
لمَّا رَأَيْتُ سُلُوِّي عَزَّ مَطْلَبُهُ
…
نعمْ وَعَقْدُ اصْطِبَارِي عَادَ مَحْلُولَا
دَخَلْتُ بِالرَّغْمِ مِني تَحْتَ طَاعَتِكُمْ
…
لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراَ كَانَ مَفْعُولَا
ولد في صفر، سنة ستٍّ وعشرين وسبع مئة، وتوفي بمكة في ربيع الآخر، سنة إحدى وثمانين وسبع مئة، ودفن بالمَعْلى.
* * *
62 -
تقي الدين بن تيمية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام الحرَّانيُّ الدمشقيُّ شيخ الإِسلام، أستاذ الحفاظ، ولد بحرَّان يوم الاثنين، عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستِّ مئة، ثم برع في التفسير، والفقه وأصوله، والعربية، وترجمه بعضهم بالاجتهاد، وبلوغِ درجته.
ووقع له وقائع مشهورة، وامتُحن غيرَ مرة رحمه الله، وعفا عنه -.
توفي سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. وله كتاب "الفرقان"، كَتَب عليه شيخُ الإِسلام حسنةُ الأيام الحافظُ قاضي القضاة شهابُ الدين بنُ حجر الشافعي:
للهِ دَرُّكَ مِنْ إِمَامٍ مُفْرَدٍ
…
لَمْ يثنِهِ عَنْ قَوْلِ حَقٍّ ثَانِ
نَظَرَ الهُدَى وَالزَّيْغَ مُشْتَبِهَيْنِ في
…
نَظَرِ الجَهُولِ فَجَاءَ بِالفُرْقَانِ
* * *
63 -
شهاب الدين أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد الأذرعيُّ: صاحب التصانيف المشهورة، شيخ البلاد الشمالية، ولد سنة تسع وسبع مئة بأذرعات، وتوفي في جمادى الآخرة، سنة ثلاث وثمانين وسبع مئة، وله نظم حسن، منه:
كَمْ ذَا بِرَأْيِكَ تَسْتَمِدُّ
…
مَا هَكَذَا الرَّأْيُ الأَسَدُّ
أَأَمِنْتَ جَبَّارَ السَّمَا
…
ءِ وَمَنْ لَهُ البَطْشُ الأَشَدّ
فَاغْنَمْ ذَمَاءً في الحَيَا
…
ةِ فَمَا مَضَى لَا يُسْتَرَدُّ
وَاعْلَمْ يَقِينًا أَنَّه
…
مَا مِنْ مَقَامِ العَرْضِ بُدُّ
عَرْضٌ بِهِ يَقْوَى الضَّعِيـ
…
ـفُ وَيَضْعُفُ الخَصْمُ الأَلَدُّ
وَاخَجْلَتَا مِنْ مَوْقفٍ
…
فِيهِ خَطَايَانَا تُعَدُّ
مَا لِي هُنَاكَ وَسِيلَةٌ
…
أَرْجُو بِهَا أَزْرِي يُشَدُّ
إِلَا شَهَادَةُ أَنَّهُ
…
سُبْحَانهُ في الكَوْنِ فَرْدُ
وَشَفَاعَةُ الهَادِي البَشِيرِ
…
وَمَنْ لَهُ الجَاهُ الأَمَدُّ
صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا
…
مَا سَبَّحَ الرَّحْمَنَ عَبْدُ
وكان محباً للغرباء، مُحسنا إليهم، وكان كثير التحرِّي في أموره رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
64 -
أحمد بن نجم الدين أحمد بن شهاب الدين أحمد بن فضل الله، العمريُّ: اشتغل في العلم، وعني بالأدب، ونظم الشعر، وولي كتابة سر طرابلس، ثم دمشق، وباشرها دون الشهر، ثم عزل.
وبقي خاملاً إلى أن توفي في ربيع الآخر، سنة أربع وثمانين وسبع مئة، وكان عنده شهامة وإقدام.
* * *
65 -
نجم الدين أبو العباس أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن، الياسوفيُّ الدمشقيُّ الشافعيُّ، المعروف بابن الجابي: ولد سنة ست وثلاثين وسبع مئة، سمع الحديث وبرع، وكان ينسب إلى جَدّهِ في بحثه (1)، وكان كثير الإحسان إلى الطلبة، ودرَّس في آخره عمره.
توفي في جمادى الأولى، سنة سبع وثمانين وسبع مئة، ودفن بمقبرة الصوفية بالقاهرة.
* * *
66 -
أبو إسحاق إبراهيم قاضي القضاة، وخطيب الخطباء برهانُ الدين بن الخطيب عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمَّد بن إبراهيم بن سعد بن جماعة، الكِنانيُّ الحَمَوِيُّ الأصل، المصريُّ المولد، المقدسيُّ المنشأ:
(1) في الأصل: "حِدَّةٍ في بحته"، والتصويب من "شذرات الذهب"(6/ 296).
ولد في ربيع الآخر، سنة خمس وعشرين وسبع مئة، وتوفي والده سنة تسع وثلاثين، تولى عوضَهُ خطابة القدس، وطلبَ الحديثَ، واستمر في التحصيل، وهو في ازدياد من الفضائل، ودرَّس بالصلاحية بعد موت العلائي، وولي قضاء الديار المصرية في جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة، ودرَّس بقبة الشافعي، ثم انفصل في شعبان سنة تسع وسبعين، وعاد إلى القدس، ثم أعيد في صفر، سنة إحدى وثمانين، وعزل في صفر سنة أربع وثمانين، وعاد إلى القدس على خطابته، وتدريس الصلاحية، ثم ولي قضاء دمشق والخطابة، وغير ذلك في أواخر سنة خمس وثمانين، وكان رئيساً عالي القدر، وله هيبة عظيمة، توفي شبه الفجأة في شعبان، سنة تسعين وسبع مئة، ودفن بتربة جده لأمه بالمِزَّة.
* * *
67 -
أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمَّد بن نجم الدين عمر ابن قاضي شُهبة، الأسديّ، الشافعيّ:
مولده في رجب، سنة سبع وثلاثين وسبع مئة، اشتغل بالعلم، وأذن له والده بالإفتاء، ودرَّس وأعاد، وكان بارعا في الفرائض، وكان كريم النفس، يتعانى الحشمة، وينصف الناس، توفي في ذي القعدة، سنة تسعين وسبع مئة، ودفن عند والده بمقبرة باب الصغير.
* * *
68 -
أبو إسحاق إبراهيم بن تقي الدين إسماعيل، القرقشنديُّ الشافعيُّ: كان من العلماء، ومن ترجمته: أنه كان يحفظ فَرَدَةَ الكتب، توفي سنة تسعين وسبع مئة.
* * *
69 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عيسى بن الرصاص، النحويُّ شارحُ الألفية: كان إمامًا كبيرًا في فقه أبي حنيفة، وغيرِ ذلك، وعليه انتفع الشيخ شمس الدين الديري، توفي بدمشق، سنة تسعين وسبع مئة.
* * *
70 -
أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمَّد بن علي الدنيَسري (1)، المصريُّ، المعروف بابن العطار: ولد سنة ست وأربعين وسبع مئة، واشتغل بمذهب الشافعي، وبالأدب، وله:
هَيَّأَ البلَاّنُ مُوسَى
…
خَلْوَةً تُحْيِي النُّفُوسَا
قُلْتُ مَا أَصْنعُ فِيهَا
…
قَالَ: تُسْتَعْمَلُ مُوسَى
قيل: اجتمع به عز الدين القدسي، وروى عنه.
توفي في ربيع الآخر، سنة أربع وتسعين وسبع مئة.
* * *
(1) في الأصل: "الدانيسري".
71 -
الأمير أينال عبد الله اليوسفي اليلبغاوي سيف الدين أتابكُ العساكر بالديار المصرية الجركسيُّ: ولي عدة وظائف، منها: أمير طبلخانة، ثم أعطي تقدمه، ثم بعد شهر استقر أميرَ سلاح، ثم في شعبان سنة إحدى وثمانين وسبع مئة ركب، وأخذ القلعة، وكان في جماعة يسيرة، وقاتل، وأظهر شجاعة عظيمة، ثم قُبض عليه، وسُجن، ثم أُطلق، وولي نيابةَ طرابلس، ثم نيابةَ حلب، ثم استقر أتابكاً بدمشق، ثم استقر أتابكَ العساكر بمصر.
وكان شكلًا حسنًا، تامَّ القامة، مليحَ الوجه، وشَابَ وأنقى سريعًا، وكان كثير الأدب، مع جبروت وظلم.
توفي في جمادى الآخرة، سنة أربع وتسعين وسبع مئة.
وبُني له بعد موته تربة خارج باب زويلة، ونقل إليها.
* * *
72 -
الشيخ الإِمام القدوة الزاهد العابد الخاشع الناسك أبو بكر ابن علي بن عبد الله بن محمَّد، الشيبانيُّ الموصليُّ الشافعيُّ: الزاهدُ العالم المفيد، فقيه مشايخ الصوفية، جُنيد العصر، قدم من الموصل وهو شابّ، وعلا ذكره، وصار يتردد إليه نواب الشام ويمتثلون أوامره، وحجَّ غيرَ مرة، وكان من كبار الأولياء، جمع علمَي الشريعة والحقيقة، ورُزق العلم والعمل، وقد زاره السلطان برقوق بمنزله بالأمينية بالقدس الشريف.
توفي بالقدس الشريف في شوال، سنة سبع وتسعين وسبع مئة.
* * *
73 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائيّ: ولد في ثلاث وعشرين وسبع مئة. وبَكَّر به والدُه إلى السماع، وهو آخرُ من حدَّث [عن] أبي حيان بالبلاد الشامية.
توفي بالقدس الشريف في ربيع الآخر، سنة ثلاث وثمان مئة.
* * *
74 -
الشيخ أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن الناصح، المصريّ الصالح المحدِّث: كان من المشهورين بالصلاح.
وحكى خليفة المالكي: أنه شاهده وقد خرج من التربة إلى الأقصى، ورأى الأرض تُطوى تحته.
ولد سنة ثلاثين وسبع مئة، وتوفي في رمضان، سنة أربع وثمان مئة.
* * *
75 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن المهندس أبوه المقدسيّ الحنبليُّ، رحل وكتب، وسمع على الحافظ.
مولده في سنة أربع وأربعين وسبع مئة، توفي بالقدس الشريف في
رمضان، سنة أربع، وقيل: ثلاث وثمان مئة، وقد شاخ، ودفن بتربته بباب القطانين، عن يمين الخارج من الخوخة، ولم تُبَع تركتهُ إلا في سنة تسع، باعها شمس الدين بن حسان وَصِيُّه.
* * *
76 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ناصر، الصفديُّ الباعونيُّ الشافعيُّ: ولد سنة إحدى (1) وخمسين وسبع مئة.
اشتغل وفَضُل وسافر إلى مصر، وولَاّه الظاهر خطابة الجامع الأموي سنة اثنتين وتسعين، وقدم دمشق في ذي القعدة منها، ثم في ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ولاه القضاء مع الخطابة، وباشر بعفَّة وشهامة، وانضبطت الأوقاف، غير أنه لم يكن فيه بشاشة، فعُزل في جمادى الآخرة، سنة ست وتسعين وسبع مئة، وكُشف عليه، وأُهين، وحصل في حقه تعصب، ثم ولي خطابة القدس، ثم أعيد إلى قضاء دمشق في صفر، سنة اثنتي عشرة وثمان مئة، وكان تولى قضاء مصر في أيام الحصار، فلما انقضى، عزل.
توفي في المحرم سنة ست عشرة وثمان مئة، ودفن بالسفح بزاوية الشيخ داود.
* * *
(1) في "شذرات الذهب"(7/ 118): "اثنتين".
77 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمَّد بن حِجِّي ابن موسى بن أحمد بن سعد الحسبانيُّ الأصل، الدمشقيُّ:
ولد في المحرم، سنة إحدى وخمسين وسبع مئة، وكان إمامًا عالمًا، فقيه الشام، وشيخ الشافعية، باشر الخطابة ومشيخة الشيوخ، ونظر الحرمين، مستقلاً تارة، ومشاركاً أخرى، وسئل على قضاء الشام، فأبى، وكان حسن الشكل، لطيف الذات، وله حظ من صيام وصلاة، وكان يحبه الخاص والعام.
توفي في المحرم، سنة ست عشرة وثمان مئة، ودفن بالقرب من والده وابن الصلاح بدمشق.
* * *
78 -
أحمد بن علي بن النقيب، المقدسيُّ الحنفيُّ، الشيخ العالم.
ولد سنة إحدى وخمسين وسبع مئة، وكان أحد علماء القدس، مشهوراً بالعلم والصلاح، توفي في المحرم، أو صفر، سنة ستَّ عشرةَ وثمان مئة.
* * *
79 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علم الدين أبي الربيع سليمان، العمريُّ المالكيُّ، المشهورُ بابن عوجان: كان من أهل العلم والدين، ولي قضاء المالكية بالقدس الشريف، وطالت مدته، وكان حسن السيرة في ولايته، والناسُ راضون منه، وكانت توليته في سنة
خمس وثمان مئة، وتوفي في سنة ثمان وثلاثين وثمان مئة، ودفن بماملا ظاهر القدس من جهة الغرب رحمه الله.
* * *
80 -
[
…
] الخاصكي: مولده أيام ولاية والده دمشق حوالي سنة خمس وثمان مئة.
وأمه أم ولد، قدم مع والده إلى بلاد الشام، وحمل الغاشيةَ على رأس والده يومَ دخوله إلى دمشق، فعاجلته المنية في شهر رجب، سنة ثلاث وعشرين وثمان مئة، ودفن بالتربة التي أنشأها أبوه بمدرسته المؤيدية، ويشاع أنه مات مسموماً برأي والده، وكان حسن الشكل، كريمًا شجاعًا.
* * *
81 -
الحافظ شهاب الدين قاضي القضاة شيخ الإِسلام أبو الفضل أحمد بن علي بن محمَّد بن محمَّد بن علي بن أحمد بن محمود الشهير بابن حجر، العسقلانيُّ الأصل، الكنانيّ النسب:
ولد في ثاني عشري شعبان، سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة، وكان أبوه رئيسًا من أعيان تجار الكارم، اشتغل بالعلم، وتولَّع بالنظم، وما زال حتى برع فيه، ثم اشتغل بالحديث، فاتسعت فيه معارفه، فخرَّج التاريخ، وعَيَّن الأحاديث، ومَيَّز الصحيحَ من الضعيف، وصنَّف التصانيف
الفائقة، ورحل إلى الأقاليم الشامية، وسمع الحديث بالقدس، وغزة، والرملة، ونابلس، وسافر [إلى] اليمن، وحلب، وهو يُملي ويحدِّث، وصنَّف "فتح الباري بشرح البخاري" عشرين مجلداً، وهو من أعظم مصنفاته، وصنف غيره في علوم شتى، ونشر العلوم من الحديث والفقه وغيرهما، بالقاهرة وغيرها.
وتولى قضاء الديار المصرية في أوائل دولة الأشرف برسباي في المحرم، سنة سبع وعشرين وثمان مئة، وباشر مباشرة حسنة، واستمر إلى أيام الظاهر جقمق.
وتوفي إلى رحمة الله في ثامن عشري الحجة، سنة اثنتين وخمسين وثمان مئة رحمه الله، ورضي عنه -.
ومن شعره:
يَارَبِّ أَعْضَاءُ السُّجُودِ عَتَقْتَهَا
…
مِنْ فَضْلِكَ الوَافِي وَأَنْتَ الوَاقِي
وَالعِتْقُ يَسْرِي بِالغِنَى يَاذَا الغِنَى
…
فَامْنُنْ عَلَى الفَانِي بِعِتْقِ البَاقِي
وسئل شيخ الإِسلام ابنُ حجر عن الكَرْد ما هو نظمًا، فقال:
يَا شَيْخَ الاسْلَامِ يَا نِعْمَ الإِمَامُ الفَرْدُ
…
سَرَدْتُ كُلَّ عُلُومِ النَّاسِ أَوْفَى سَرْدِ
الكَرْدُ مَا هُوْ وَمَا شَيْءٌ يُسَمَّى الكَرْدُ
…
بِاللهِ باللهِ خَبِّرْنَا وريح الطَّرد
فأجابه:
الكَرْدُ باِلْفَتحِ وَالإِسْكَانِ شِبْهُ الطَّرْد
وَشِبْهَ مَعْنَاهَا قَالُوا: رَاحَ يَكْرُدُ كَرْد
وَالعِتْقُ عِنْدَ العُرْبِ أَيْضا يُسَمَّى الكَرْد
خُذْ مسألَة من صِحَاح الجَوْهَرِي يَا فَرْد
* * *
82 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الفقيه أمين الدين حسين ابن حسن بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان الرمليُّ الشافعيُّ: القطبُ العارف بالله، ذو الكرامات الظاهرة، رحل من الرملة إلى القدس الشريف، وأقام بالزاوية الختنية، قبلة المسجد الأقصى، وانتفع به خلق كثير، وما اشتغل عليه أحد ولازمه إلا وآثر نفعه، فكان يكني جماعته بكنىً ينتخبها لهم، وصارت عَلَماً عليهم؛ كأبي طاهر، وأبي مدين، وأبي العزم، وأبي طلحة، وغير ذلك.
وألف مؤلفات في الفقه والنحو، وغير ذلك، منها:"صفوة الزَبَد"، ومختصر "الأذكار"، و"شرح سنن أبي داود"، وغير ذلك من الكتب المفيدة.
وكان متواضعًا زاهداً، له قدم عالٍ في التهجد والعبادة، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
واتفق من أمره: أن كاشِفَ الرملة ضرب شخصًا من جماعته، فاستغاث بالشيخ، فقال له: إن كان لشيخك برهان، يظهره في هذه النخلة، وكانت نخلة قائمة على ساقها أمامه، ففي الحال وقعت إلى الأرض، فترجَّل، وأتى إليه، ووقع على قدميه.
وكان يخاطب الشيخَ نجمَ الدين بن جماعة بـ: يا شيخ الصلاحية، وهو صغير، فوليها.
وتوفي بالقدس الشريف، بالزاوية المذكورة في رابع عشر، وقيل ثاني عشري شعبان، سنة أربع وأربعين وثمان مئة، عن أربع وسبعين سنة، ودفن إلى جانب أبي عبد الله القرشي، بتربة ماملا، ظاهر القدس الشريف، من جهة الغرب، وقبره بها معروف يُقصد ويُزار.
ويقال: إن من دعا الله تعالى بين قبره وقبر القرشي بأمر يريده، استجاب الله له.
ولما مَنَّ الله عليه بالسكن بالزاوية الختنية، والإقامة بالقدس الشريف أنشد:
حَبَانِي إِلَهِي بِالتِصَاقِي لِقِبْلَةٍ
…
بِمَسْجِدِهِ الأَقْصَى المُبَارَكِ حَوْلَهُ
فَحَمْدًا وَشُكْراً دَائِمَيْنِ وَإِنَّنِي
…
أَوَدّ لإِخْوَانِي المُحِبِينَ مِثْلَه
فقدر أن شخصًا من جماعته يقال له: الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن عبد الرحمن الأنصاري الخليلي الشافعي، رحل من بلد الخليل عليه السلام، واستوطن ببيت المقدس فمّن الله عليه بالسّكن بالزاوية المذكورة، وقرر فيها، [وسكن بها في سنة سبع وستين وثمان مئة فأنشده]:
كَذَاكَ إِلَهِي قَدْ حَبَانِي بِمَا حَبَا
…
بِهِ الشَّيْخَ أُسْتَاذِي لَقَدْ نَالَ سُؤْلَهُ
فَحَمْدًا وَشُكْرًا يَا إِلَهِي وَأنَّهُ
…
دليلٌ عَلَى أَنّي مُحِبٌّ أَخٌ لَهُ
وتوفي الشيخ برهان الدين المذكورُ ببلد سيدنا الخليل عليه السلام في شهور سنة ثلاث وتسعين وثمان مئة، ولعله في ربيع الآخر.
* * *
83 -
الحافظ العلامة شيخ الإِسلام شهاب الدين المكنى بأبي العباس أحمد بن عبد الله، الكنانيُّ الشافعيُّ: الواعظ الحافظ، نزيلُ القدس الشريف، أحد جماعة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان، وهو الذي كناه بأبي العباس، وكان يعظ الناس بباب الناظر بالمسجد الأقصى الشريف، واشتهر أمره حتى قيل عنه: ابن الجوزي في زمانه، توفي بالقاهرة المحروسة، في شهور سنة سبعين وثمان مئة.
* * *
84 -
قاضي القضاة العلامة الورع الزاهد شهاب الدين أبو الأسباط أحمد الرمليُّ الشافعيُّ: العالم، أحدُ جماعة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان، وهو الذي كناه بأبي الأسباط، وتولى قضاء الرملة، فأدركته المنية بها.
توفي إلى رحمة الله تعالى في شهور سنة سبع وسبعين وثمان مئة.
* * *
85 -
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر العُمَيريُّ الشافعيُّ الواعظُ: كان فقيهاً حافظاً، واشتهر أمره في المملكة، وعظُم أمره عند الناس، وكان قُرر في مشيخة المدرسة المنسوبة لمولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي، التي هدمت، وأنشع مكانها المدرسة المشهورة بالمسجد الأقصى الشريف، بجوار باب السلسلة، ولما عمرت المدرسة المذكورة على ما هي عليه الآن، وانتهت عمارتها، أدركته المنية، فتوفي إلى رحمة الله تعالى في شهر ربيع الأول، سنة تسعين وثمان مئة، ودفن بماملا، ظاهر القدس الشريف، واستقر في مشيخة المدرسة المذكورة شيخُ الإِسلام كمالُ الدين بن أبي شريف - فسح الله في مدته -.
* * *
86 -
[
…
] ابن الشيخ شمس الدين محمَّد، القرقشنديُّ الشافعيُّ المقدسيُّ: شيخ الإِسلام، عالم القدس الشريف، كان من أهل العلم والدين، متواضعا سخياً، وانتهت إليه الرئاسة في بيت المقدس،
وعظم أمره عند أكابر المملكة، توفي إلى رحمة الله تعالى في شهر جمادى الآخرة، سنة سبع وستين وثمان مئة، ودفن بالإيوان الكائن بداخل الزاوية القلندرية بتربة ماملا، ظاهر القدس الشريف رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
87 -
برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن شيخ الإِسلام جمال الدين عبد الله بن جماعة، الكنانيُّ الشافعيُّ: خطيب المسجد الأقصى الشريف، هو ووالده، وشيخ المدرسة الصلاحية والده، ولي القاضي برهان الدين المشار [إليه] قضاءَ الشافعية بالقدس الشريف بعد وفاة القاضي علاء الدين بن السائح الرملي في سنة سبع وخمسين وثمان مئة، وعلت كلمتُه، ونفذ أمره ببيت المقدس، وكان موصوفاً بالسخاء والشهامة.
توفي والده الشيخ جمال الدين بن جماعة في سنة خمس وستين وثمان مئة، فاستقر ولد القاضي برهان الدين، وهو شيخ الإِسلام نجمُ الدين أبو البقاء محمَّد بن جماعة في مشيخة الصلاحية عوضًا عن جده في حياة والده المشار إليه.
وتوفي القاضي برهان الدين بن جماعة في ثالث عشرين صفر (1)، سنة اثنتين وسبعين وثمان مئة، ودفن بتربته المعروفة عند ضريح الشيخ
(1) في "الأنس الجليل"(2/ 334): "ثاني عشر صفر".
شهاب الدين بن أرسلان بماملا، ظاهر القدس الشريف، واستقر ولده الشيخ نجم الدين المشار إليه في وظيفة القضاء بعد وفاته مضافاً إلى مشيخة الصلاحية، وباشرها في شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وسبعين وثمان مئة.
* * *
88 -
برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن عبد الله بن أقضى القضاة أكمل الدين بن مفلح، الحنبليُّ: كان من أهل العلم والدين والعفة، ولي قضاء قضاة الحنابلة بالشام المحروس نيفًا وثلاثين سنة، بعد مباشرته نيابة القضاء بها مدة طويلة، وباشر في ولايته بعلة، وعظُم أمره، وعلت كلمته عند السلطان فمَنْ دونه، وعُين لقضاء الديار المصرية بعد وفاة قاضي القضاة عز الدين الكناني الحنبلي، في شهور سنة ست وسبعين وثمان مئة، فلم يقدر له بالتوجه؛ لمرض حصل له، وصنف "شرح المقنع" في الفقه، و"طبقات الأصحاب".
ومحاسنه كثيرة - رحمه الله تعالى، وعفا عنه -.
توفي إلى رحمة الله تعالى بدمشق، في شهر شعبان، سنة أربع وثمانين وثمان مئة.
واستقر ولده قاضي القضاة نجم الدين عمر في وظيفة القضاء بعده في شهر شوال، سنة أربع وثمانين وثمان مئة.
* * *
89 -
قاضي قضاة دمشق شهاب الدين أحمد المِرِينيُّ المغربيُّ المالكيُّ: ولي قضاء دمشق استقلالًا أكثر من عشرين سنة، بعد مباشرته نيابة الحكم مدة، وكان عفيفًا في مباشرته، وسيرته حسنة، وكان السلطان يصفه بالعفة، ويعظِّمه، وهو من رفقة قاضي القضاة برهان الدين بن مفلح الحنبلي.
توفي في شهر ذي الحجة قبل عيد الأضحى، سنة ست وتسعين وثمان مئة.
* * *
90 -
تقي الدين أبو بكر بن زيد الجرَّاعي، الحنبليّ الفقيهُ: باشر نيابة القضاء بدمشق، وكان من أهل الفضل والدين، وهو رفيق الشيخ علاء الدين المرداوي الحنبلي في الاشتغال على الشيخ تقي الدين بن قُندس، وانتقل إلى رحمة الله تعالى بدمشق، في شهور سنة ثلاث وثمانين وثمان مئة رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
91 -
قاضي القضاة عز الدين أبو البركات أحمد ابن قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم ابن قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله، الكِنانيّ العسقلانيّ الحنبليّ، شيخُ الإِسلام:
باشر نيابة القضاء بالديار المصرية في أيام قاضي القضاة محبّ الدين سالم المقدسي الحنبلي وفي أيام قاضي القضاة علاء الدين بن
معلى الحنبلي وفي أيام قاضي القضاة محب الدين بن نصر الله البغدادي، ثم استقر في وظيفة قضاء القضاة بالديار المصرية، عوضًا عن قاضي القضاة بدر الدين البغدادي الحنبلي بعد وفاته في أوائل دولة الأشرف أينال، في جمادى الأولى، سنة سبع وخمسين وثمان مئة.
وكان ورعًا زاهداً، وباشر بعفَّة، وعلت كلمته، وعظُم أمره عند السلطان وأركان الدولة والرعية، وكانت له هيبة ووقار.
توفي إلى رحمة الله تعالى في مستهل جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وثمان مئة، وعين السلطان [على] القضاء [في] الديار المصرية قاضيَ القضاة برهانَ الدين بنَ مفلح الحنبليَّ بدمشق، فلم يقدر له بالحضور، واستمر منصبُ الحنابلة شاغراً نحو خمسة أشهر، ثم استقر فيه قاضي القضاة بدر الدين محمَّد السعدي الحنبلي، يوم خَتْم البخاري بالقلعة المنصورة، في يوم الأحد، ثامن عشري رمضان المعظَّم سنة ست وسبعين وثمان مئة، وسلك في مباشرته طريقة شيخه قاضي القضاة عز الدين؛ من العفة، والتوقف في الأمور، وعدم التجاوز في ثبوت الإجارات الطوال، وعدم بيع الأوقاف، مقتدياً بشيخه المشار إليه - كما يأتي في ترجمته -.
* * *
92 -
شهاب الدين أحمد بن حسين، الحسنيُّ المالكيّ الأرميونيُّ، خليفةُ الحكم العزيز بالديار المصرية. كان من أهل العلم والتواضع،
وعليه مدار الفتوى بالديار المصرية، باشر نيابة الحكم بها نحو ثلاث وعشرين سنة، وكان له هيبة في الحكم، مع تواضعه، ولين جانبه.
توفي رحمه الله في يوم الجمعة، رابع عشري شهر جمادى الأولى، سنة تسع وثمانين وثمان مئة، وصُلي عليه بعد صلاة الجمعة بالجامع الأزهر رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
93 -
زين الدين أبو بكر بن مُزْهر الأنصاريُّ الشافعيُّ، صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالديار المصرية: كان من أهل العلم، والذين باشروا الوظائفَ السَّنية؛ كنظر الإسطبلات، ونظر الجوالي، ووكالة بيت المال، ونظر الجيوش بالمنصورة بالديار المصرية.
ثم استقر في وظيفة كتابة السر في دولة الظاهر خشقدم، في أوائل سنة سبع وستين وثمان مئة، واستمر إلى حين وفاة الظاهر خشقدم، وباشرها في دولة الظاهر إيلباي، والظاهر تمربغا، إلى أن استقر الملك الأشرف قايتباي في السلطنة، واستمر به، وعلت كلمته في المملكة، وعظُمت هيبته، وانتهت إليه رئاسة المملكة، وصار عزيزَ مصر.
وكان رحمه الله عنده التواضع لأهل العلم، والتّأدّب في حقّ الفقراء، وكان طلبة العلم يحضرون مجلسه، ويتذاكرون بين يديه، وكان فيه احتمال، وعدم مفاجأة بالكلام السّئ، وكان له صدقات وإحسان، وعمَّر مدرسة بالمدينة الشريفة - على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام -
ومدرسة بالقدس الشريف، وجامعاً تجاه منزله بالقاهرة.
وكان حصل في شهور سنة ست وثمانين وثمان مئة واقعة بالقاهرة، أوجبت أن السلطان عزله هو وقاضي القضاة ولي الدين الأسيوطي الشافعي، وقاضي القضاة برهان الدين اللقَّاني المالكي في مجلس واحد، بحضورهم، في يوم الأحد، مستهل شهر رجب من السنة المذكورة.
ثم أعيد القاضي زين الدين بن مزهر إلى وظيفته في يوم الاثنين، تاسع الشهر المذكور، وتولى في ذلك اليوم قاضي القضاة محيي الدين عبد القادر بن تقي المالكي قضاء الديار المصرية عوضًا عن اللقاني، ونزلا من القلعة معا، وكان يوما مشهوداً، ثم استمر إلى سنة ثلاث وتسعين وثمان مئة، فتوجه من القاهرة صحبة الأمير أقبردي الدوادار الكبير لجهة نابلس؛ لتجهيز الرجال للتجريدة لقتال السلطان أبي يزيد ابن عثمان، فحضر إلى الرملة صحبة الأمير دوادار في يوم السبت، حادي عشري جمادى الأولى من السنة المذكورة، وتوجه لنابلس، فحصل له توعك، فلما قضى الأمر الذي هو بصدده، توجه إلى القاهرة، ودخلها في أواخر رجب، وهو في التوعُّك، واستمر إلى أن توفي في صبيحة يوم الخميس، سادس شهر رمضان، سنة ثلاث وتسعين وثمان مئة، وصلَّى عليه السلطان، ودفن من يومه، وكان يومًا مشهودًا، تأسف الناس عليه، وانزعج أهل المملكة لموته، خصوصًا طائفة الفقهاء وأرباب المناصب؛ لشفقته عليهم، وتبصره وتأنيه في الأمور - رحمه الله تعالى، وعفا عنه -.
ثم استقر ولده المقر الأشرف البدري محمَّد بن مُزهر في كتابة السر
الشريف عوضًا عنه، وأُلبمس التشريف الشريف من الحضرة الشريفة، وركب معه أركان الدولة والأكابر في يوم الخميس، ثالث عشر شهر رمضان، سنة ثلاث وتسعين وثمان مئة.
* * *
94 -
القاضي ولي الدين أبو الفضل أحمد بن أحمد بن عبد الخالق، الشافعيُّ، شيخُ الإسلام: باشر نيابة الحكم بالديار المصرية، ومشيخة الخانقاه الجمالية، وكان من أخصَّاء القاضي جمال الدين يوسف ناظرِ الخاصِّ الشريف.
ثم حج إلى بيت الله الحرام في سنة سبعين وثمان مئة في أيام الظاهر خشقدم، فأُشيعت وفاته بدرب الحجاز الشريف، وأُخرجت وظائفه بحكم وفاته، وأستقر القاضي بدر الدين محمدُ ابن القاضي زين الدين بن مزهر الذي صار كاتب السر الشريف في مشيخة الجمالية، وأُلبس التشريف الشريف من حضرة السلطان، ونزل الناس في خدمته، وهو يومئذ صغير دون البلوغ، ثم لما حضر القاضي ولي الدين الأسيوطي من الحجاز الشريف، في سنة إحدى وسبعين وثمان مئة، أعيدت إليه وظائفه، ثم اقتضى الحال استقراره في وظيفة قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية، فوليها في شهر جمادى الآخرة، سنة إحدى وسبعين وثمان مئة، واستمر بها إلى أيام الملك الأشرف قايتباي، فوقعت حادثة أوجبت أن السلطان عزله هو وقاضي القضاة بدر الدين العدي الحنبلي، في يوم الخميس، سابع عشري ربيع الآخر، سنة خمس وثمانين وثمان مئة، ثم أعادهما في
يوم الأحد، مستهل جمادى الأولى من السنة المذكورة، ثم عزل قاضي القضاة ولي الدين الأسيوطي في مستهل رجب سنة ست وثمانين وثمان مئة - كما تقدم في ترجمة القاضي زين الدين بن مزهر -، واستمر إلى أن توفي في أوائل سنة إحدى وتسعين وثمان مئة.
وكان له معرفة بصناعة القضاء والشهادة، ويعرف خطوط الشهود، وإذا وقف على مستند عرف إن كان حقًا أو مفتعلًا، وكان عنده توقف في الأمور، وعدم تجاسر في الأحكام، وأمر نوابه أن لا يحكم أحد منسم بحكم مطلقًا إلا بعد عرضه عليه، وكتابة خطه على المستند المحكوم به رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
95 -
قاضي القضاة برهان الدين اللقاني الراهيم بن محمد، اللقانيُّ المالكيُّ شيخُ الإسلام: باشر نيابة الحكم بالديار المصرية، وتصدى للكتابة على الفتوى، وإشغال الطلبة بالجامع الأزهر، ثم ولي قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية، عوضًا عن قاضي القضاة سراج الدين عمر بن حُرَيز المالكي في شهر صفر، سنة سبع وسبعين وثمان مئة، وباشر الحكم بشهامة، وكان قامع المبتدعين، ثم عزل في مستهل رجب، سنة ست وثمانين وثمان مئة - كما تقدم في ترجمة القاضي زين الدين بن مزهر -، واستمر إلى أن توفي في أوائل سنة ست وتسعين وثمان مئة رحمه الله، وعفا عنه بمنه وكرمه -.
* * *
96 -
القاضي شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خَلِّكان، البرمكيُّ: كان عالما فاضلًا، تولَّى القضاء بمصر والشام، وله مصنفات جليلة، منها:"وفيات الأعيان في التاريخ"، وغيره، ولد يوم الخميس، بعد صلاة العصر، حادي عشر ربيع الآخر، سنة ثمان وست مئة بمدينة إربل، وتوفي في سنة إحدى وثمانين وست مئة رحمه الله، ورضي عنه -.
* * *