الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعود، فاستقر به، ثم استقر بحلب عماد الدين زنكي بن مودود صاحبُ سنجار، واستقر مسعود بسنجار بتراضيهما.
ثم في سنة ثمان وسبعين وخمس مئة: في خامس المحرم، سار الملك صلاح الدين عن مصر إلى الشام.
ومن عجيب الاتفاق: أنه لما سار، برز من القاهرة، وخرجت أعيان الناس لوداعه، أخذ كل منهم يقول شيئاً في الوداع وفراقه، وفي الحاضرين معلِّم لبعض أولاد السلطان، فخرج من بين الحاضرين وأنشد:
تَمَتَّعْ مِنْ شَمِيمِ عَرَارِ نَجْدٍ
…
فَمَا بَعْدَ العَشِيَّةِ مِنْ عَرَارِ
فتطير صلاحُ الدين، وانقبض بعد انبساطه، وتنكَّد المجلس على الحاضرين، فلم يَعُدْ صلاح الدين بعدها إلى مصر طولَ المدة.
وسار صلاح الدين في طريقه على بلاد الفرنج، وغنم، ووصل إلى دمشق في حادي عشر صفر من السنة المذكورة.
*
ذكر ما وقع للسلطان صلاح الدين بعد وصوله إلى دمشق في هذه السنة:
سار السلطان صلاح الدين من دمشق في ربيع الأول، ونزل قرب طبرية، وسَيَّر الإغارةَ على بلاد الفرنج؛ مثل: بَيسان، وجنين، والغور، فغنم، وقَتل، وعاد إلى دمشق.
ثم سار إلى بيروت، وحصرها، وأغار على بلادها، ثم عاد إلى دمشق.
ثم سار إلى بلاد الجزرية، وعبر الفرات من البيرة، ونازل الرها، وحصرها، وملكها.
ثم سار إلى الرقة، وأخذها من صاحبها.
ثم سار إلى الخابور، وملك فرقيسا، وماليسين، وعريان، والجابور.
ثم سار إلى نصيبين، وحاصرها، وملك المدينة والقلعة، ثم حاصر سنجار، وملكها.
وفي سنة تسع وسبعين وخمس مئة: ملك السلطان صلاح الدين حصن آمد بعد قتال وحصار في العشر الأول من المحرم.
ثم سار إلى الشام، وقصد تلَّ خالد من أعمال حلب، وملكها.
ثم سار إلى عين تاب، وحصرها وملكها، بتسليم صاحبها.
ثم سار إلى حلب، وحصرها، وبها صاحبها عمادُ الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أَقْسنقر، فأجاب السلطانَ صلاح الدين إلى تسليم حلب، على أن يعوض عنها سنجار، ونصيبين، والخابور، والرقة، وسروج، واتفقوا على ذلك، وسلم حلب إلى السلطان في صفر من هذه السنة، فكان يُنادي (1) أهل حلب على عماد الدين زنكي المذكور: يا حمار، بعتَ حلب بسنجار!
(1) في الأصل: "ينادون".
ومن عجيب الاتفاق: أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة، منها:
وَفَتْحُكُمْ حَلَباً بِالسَّيْفِ فِي صفَرٍ
…
مُبَشّرٌ بِفُتُوحِ القُدْسِ فِي رَجَبِ
فكان فتحُ القدس في رجب، سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة.
ولما فرغ السلطان من تقرير أمر حلب، جعل فيها ولدَه الملكَ الظاهر غازي.
ثم تجهز إلى الكرك، وأرسل إلى نائبه بمصر، وهو أخوه الملك العادل أبو بكر أن يلاقيه إلى الكرك، فسار إليها، ثم رحل عنها في منتصف شعبان.
وأرسل السلطانُ ابنَ أخيه الملكَ المظفر تقيَّ الدين عمر إلى مصر نائبا عنه موضعَ الملك العادل، وأعطى أخاه أبا بكر العادلَ مدينة حلب وقلعتَها وأعمالها، وأحضر ولده الظاهر منها إلى دمشق.
ثم في سنة ثمانين وخمس مئة: غزا السلطان الكَرَك، وضيَّق على من به، وملك رَبَضَ الكرك، وبقيت القلعة، وحصل بين المسلمين والفرنج القتال، فرحل عنها، وسار إلى نابلس، وأحرقها، ونهب ما بتلك النواحي، وقتل وأسر وسبى، وعاد إلى دمشق.
وفي سنة إحدى ثمانين وخمس مئة: ملك السلطان صلاح الدين مَيَّا فارقين.