الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: سنة الطلاق وبدعته
1070 -
وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّه طلَّقَ امرأتَه -وهي حائضٌ- في عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فسألَ عمرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"مُرْهُ فليُراجِعْها، ثم ليتركْها حتى تَطهُرَ، ثم تحيضَ ثم تطهُرَ، ثم إنْ شاءَ أمسكَ بعدُ، وإنْ شاءَ طلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ فتلك العدة التي أمر الله أن تُطَلَّق لها النساءُ" متفق عليه وفي رواية لمسلمْ "مُرْهُ فليُراجِعْها، ثم ليُطلِّقْها طاهرًا أو حاملًا" وفي رواية أخرى للبخاري وحُسبت عليه تطليقة وفي رواية لمسلم قال ابنُ عمر أمَّا أنتَ طلَّقْتَها واحدةً أو اثنتين، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أنْ أُراجِعَها ثم أُمْسِكَها حتى تحيضَ حيضةً أُخرى، ثم أُمهِلَها حتى تطهُرَ، ثم أطلقها قبل أن أمسها، وأمَّا أنتَ طلَّقْتَها ثلاثًا، فقد عصيتَ ربَّك فيما أمرَكَ به من طلاقِ امرأتكَ. وفي رواية أخرى: قال عبد الله بن عمر فرَّدها عليَّ، ولم يرها شيئًا وقال:"إذا طَهُرَتْ فليُطلِّقْ أو ليُمسِكْ".
رواه البخاري (5215)، ومسلم 2/ 1093، وأبو داود (2179 - 2180)، والنسائي 6/ 137، وابن ماجه (2019)، وأحمد 2/ 6 و 54 و 63 و 102 و 124، وابن الجارود في "المنتقى"(734)،
والدارمي 2/ 83، والطيالسي (68) و (1853)، وابن حبان 6 / رقم (4249)، والبيهقي 7/ 323 - 324، والدارقطني 4/ 7 - 9، والطحاوي 3/ 53، والبغوي في "شرح السنة" 9/ 202، كلهم من طرق عن نافع، عن ابن عمر به مرفوعًا.
وللحديث ألفاظ عدة ذكر الحافظ ابن حجر في "البلوغ" جملة منها.
فقد رواه مسلم 2/ 1095 من طريق سالم، عن ابن عمر؛ أنَّه طلَّق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "مره فليُراجعها، ثمّ ليطلقها طاهرًا أو حاملًا".
ورواه البخاري (5253) من طريق أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال حُسبت عليَّ بتطليقة.
ورواه مسلم 2/ 1094 من طريق أيوب، عن نافع، عن ابن عمر باللفظ الأول وفيه فكان ابن عمر إذا سُئل عن الرَّجل يُطلق امرأته وهي حائض يقول أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها وأما أنت طلقتها ثلاثًا، فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك، وبانت منك.
والرواية الأخيرة التي ذكرها الحافظ في "البلوغ" رواها مسلم 2/ 1098 من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر؟
وأبو الزُّبير يسمع ذلك، كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ فقال طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ليراجعها" فردَّها وقال "إذا طهرت فليطلق أو ليمسك" هكذا وليس فيه "ولم يرها شيئًا" وقد أخرجها أبو داود (2185) من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج به وفيه فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 9/ 353 إسناده على شرط الصحيح، فإن مسلمًا أخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج وساقه على لفظه ثم أخرجه من رواية أبي عاصم عنه وقال نحو هذه القصة ثم أخرجه من رواية عبد الرزاق عن ابن جريج قال مثل حديث حجاج وفيه بعض الزيادة فأشار إلى هذه الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدًا.
ورواه ابن عبد البر في "التمهيد" 15/ 65 - 66 من طريق عبد الرزاق به بمثله وقال وروى أبو عاصم النبيل هذا الحديث، عن ابن جريج فلم يقل فيه ولم يرها شيئًا قال أبو عمر قوله في هذا الحديث "ولم يرها شيئًا" منكر عن ابن عمر لما ذكرنا عنه أنه اعتد بها، ولم يقله أحد عنه غير أبي الزبير، وقد رواه عنه جماعة جلة، فلم يقل ذلك واحد منهم، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه؟ ولو صح، لكان معناه -عندي- والله أعلم؛ ولم يرها على استقامة، أي ولم يرها شيئًا مستقيمًا، لأنه لم يكن طلاقه لها على سنة الله وسنة رسوله؛ هذا أولى المعاني بهذه اللفظة - إن صحب وكل من روى هذا الخبر من
الحفاظ، لم يذكروا ذلك، وليس من خالف الجماعة الحفاظ بشيء فيما جاء به اهـ.
وقال البيهقي في "المعرفة" 5/ 453 وفي حديث أبي الزبير يشتبه به، ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت في الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه، وقد وافق نافعًا غيره من أهل الثبت في الحديث له اهـ.
وقال الخطابي في "معالم السنن" 3/ 67 وقال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يره شيئًا باتًا، يحرم معه المراجعة ولا تحل له إلا بعد زوج، أو لم يره شيئًا جائزًا في السنة ماضيًا في حكم الاختيار، وإن كان لازمًا على سبيل الكراهة والله أعلم اهـ.
* * *
1071 -
وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال كان الطلاقُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسَنَتَينِ من خلافةِ عُمرَ، طلاقُ الثلاثِ واحدةً فقال عمر بن الخطاب إنَّ الناسَ قد استعجلُوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناةٌ، فلو أمضيناهُ عليهم فأمضاه عليهم رواه مسلم.
رواه مسلم 2/ 1099 من طريق مَعْمَرٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، عن ابن عباس بمثله.
ورواه أيضًا مسلم 2/ 1099، وأبو داود (2200) والنسائي 6/ 145، كلهم من طريق ابن جريج، أخبرني ابن طاووس، عن أبيه؛ أنَّ أبا الصهباء قال لابن عباس أتعلم أنما كانت الثلاثُ تُجعَلُ واحدةً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثًا من إمارة عمر؛ فقال ابن عباس نعم.
* * *
1072 -
وعن محمود بن لَبيدٍ قال أُخبِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ طلَّقَ امرأتَه ثلاثَ تطليقاتٍ جميعًا، فقامَ غضبانَ ثم قال:"أَيُلْعَبُ بكتابِ الله تعالى وأنا بينَ أظهُرِكُم" حتى قامَ رجلٌ، فقال يا رسول الله! أقتلُه؟ رواه النسائي ورواتُه موثقون.
رواه النسائي 6/ 142 - 143 قال أخبرنا سليمان بن داود، عن ابن وهب، قال أخبرني مخرمة، عن أبيه، قال سمعت محمود بن لبيد، قال أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات.
قال صديق حسن خان في "الروضة الندية" 2/ 253 أخرجه النسائي بإسناد صحيح اهـ.
قلت رجاله ثقات وقد أُعِلَّ إسناده بالانقطاع فإن مخرمة بن بكير بن الأشج قيل إنه لم يسمع من أبيه شيئًا إنما روى عنه وجادة قال الإمام أحمد هو ثقة، إلا أنه لم يسمع من أبيه شيئًا إنما روى من كتاب أبيه اهـ وقال ابن معين نحوًا منه.
وكذا نقل العلائي في "جامع التحصيل" ص 275، ونقل أيضًا عن أبي داود أنه قال لم يسمع من أبيه إلا حديث الوتر اهـ. ونقل أيضًا العلائي عن أبي موسى بن سلمة أنه قال أتيتُ مخرمة فقال لم أدرك أبي، ولكن هذه كتبه ثم قال العلائي أخرج له مسلم عن أبيه عدة أحاديث، وكأنه رأى الوجادة سببًا للاتصال وقد انتقد عليه ذلك (1) اهـ.
ولهذا قال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 3/ 193 رواه مخرمة بن بكير، عن أبيه، ولم يسمع منه إنما كان يحدث من كتاب أبيه وقال النسائي لا أعلم رواه غير مخرمة اهـ.
وتعقبه ابن القطان فقال في كتابه "بيان الوهم والإيهام" 2/ 374 - 375 فقال فأبو محمد أحد القائلين بأنه لم يسمع من أبيه، وقد أخبر بذلك مخرمة عن نفسه، فهو بهذا الاعتبار من المدرك الرابع وقد قدمنا ذكره في هذا الأول، لأن المحدثين قائلون به عنه، والأمر فيه عندهم مشهور، قال الدارقطني قال حماد بن خالد سألت مخرمة: أسمعت من أبيك شيئًا؟ قال لا وقال سعيد بن أبي مريم: حدثنا موسى بن سلمة خالي، قال أتيت مخرمة بن بكير فقلت له حدثك أبوك؟ فقال لم أدرك أبي، ولكن هذه كتبه. وقال ابن حنبل مخرمة ثقة، لم يسمع من أبيه شيئًا، وإنما يروي من كتابه، وكذا قال ابن معين وحكى البخاري عن حماد بن
(1) وسيأتي التوسع في بحث مسألة سماع مخرمة بن بكير من أبيه في كتاب "العدة والإحداد" رقم الحديث (1105).
خالد الخياط قال أخرج مخرمة بن بكير كتابًا فقال هذه كتب أبي، لم أسمع منها شيئًا اهـ.
وقال ابن القيم في "الهدي" 5/ 241 إسناده على شرط مسلم.
ومخرمة ثقة بلا شك، وقد احتج مسلم في "صحيحه" بحديثه عن أبيه، والذين أعلوه قالوا لم يسمع منه، وإنما هو كتاب قال أبو طالب سألت أحمد بن حنبل عن مخرمة بن بكير؟ فقال هو ثقة، ولم يسمع من أبيه، إنما هو كتاب مخرمة، فنظر فيه، كل شيء يقول بلغني عن سليمان بن يسار فهو من كتاب مخرمة اهـ.
وضعف الألباني الحديث في "ضعيف سنن النسائي"(221) وأما محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأشهلي فقد ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين فيمن ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حاتم لا نعرف له صحبة اهـ.
وذكره مسلم في الطبقة الثانية من التابعين.
وقال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" 10/ 59 روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث ولم تصح له رؤية ولا سماع منه اهـ.
وقال الترمذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام صغير اهـ. وجزم بصحبته البخاري وقال ابن عبد البر قول البخاري أولى -يعني إثبات الصحبة-.
ولما ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" 9/ 362 الحديث قال رجاله ثقات، لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت له منه سماع، وإن ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرؤية وقد
ترجم له أحمد في "مسنده" وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شيء صرح فيه بالسماع اهـ.
* * *
1073 -
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال طَلَّقَ أبو رُكانةَ أُمَّ رُكانةَ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "راجِعْ امرأتَك" فقال إني طلقتها ثلاثًا قال "قد علمتُ، راجِعْها" رواه أبو داود وفي لفظ لأحمد. طلَّقَ رُكانَةُ امرأتَه في مجلسٍ واحدٍ ثلاثًا، فحزِنَ عليها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإنَّها واحدةٌ" وفي سندهما ابن إسحاق وفيه مقالٌ.
وقد روى أبو داود من وجهٍ آخرَ أحسنَ منه أنَّ رُكانةَ طلَّقَ امرأتَه سُهَيمةَ ألبتَّة فقال واللهِ ما أردتُ إلا واحدةً فردَّها إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
رواه أبو داود (2196) قال حدثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال طلَّق عبدُ يزيدَ -أبو رُكانَةَ وإخوتِهِ- أمَّ رُكانةَ، ونكحَ امرأةً من مُزَينَةَ، فجاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت ما يُغني عني إلا كما تُغني هذه الشعرةُ -لشعرةٍ أخذَتْها من رأسها- ففرِّقْ بيني وبينه فأخذتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حمِيَّةٌ، فدعا بركانةَ وإخوتِهِ، ثم قال لجلسائه "أترون فلانًا يُشبِهُ منه كذا وكذا؟ " من عبد يزيدَ "وفلانًا يشبه منه كَذا وكَذا؟ " قالوا
نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدِ يزيدَ "طَلِّقْها" ففعل ثم قال "راجع امرأتَكَ أمَّ رُكانَةَ وإخْوَتِه" قال إنيِ طلقتُها ثلاثًا يا رسول الله، قال "قد علمتُ، راجِعْها" وتلا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].
قلت إسناده ضعيف، لأن في إسناده من لم يسم وهم بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد قال الخطابي في "معالم السنن" 3/ 120 - 121 - مع "مختصر المنذري" في إسناد هذا الحديث مقال، لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني أبي رافع، ولم يسمّه والمجهول لا يقوم به الحجة اهـ.
وقد اضطرب في إسناده فقد أعل الحديث أبو داود فقال في "السنن" 1/ 667 عقب روايته لهذا الحديث وحديث نافع بن عُجَير وعبد الله بن علي بن يزيد بن رُكانة عن أبيه عن جده أن ركانة طلق امرأته البتة، فردَّها إليه النبي صلى الله عليه وسلم أصح؛ لأنهم وَلَدُ الرجلِ وأهلُه أعلم به، أنَّ ركانة إنما طلق امرأته البتة، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة اهـ.
ورواه أحمد 1/ 265، وأبو يعلى في "المسند" 4/ 379 (173)(2500) والبيهقي 7/ 339 كلهم من طريق ابن إسحاق، قال حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني مُطَّلِب امرأتَه ثلاثًا في مجلس واحد فحزن عليها حزنًا شديدًا قال فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف طلقتها؟ " قال طلقتُها ثلاثًا. قال فقال. "في مجلس واحد؟ "
قال نعم قال "فإنما تلك واحدةٌ فارْجِعْها إن شئت" قال فرَجَعَها فكان ابن عباس يرى أنما الطلاق عند كُلِّ طُهْرٍ.
قلت: في سنده ابن إسحاق وبه أعلَّ الحديث الحافظُ في "البلوغ" وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، لكن قال البيهقي 7/ 339 هذا الإسناد لا تقوم به الحجة مع ثمانية رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما فُتْياهُ بخلاف ذلك ومع رواية أولاد ركانة أن طلاق ركانة كان واحدة وبالله التوفيق اهـ.
ولما ذكر ابن القيم في "حاشيته على السنن" 6/ 192 الحديث بالسند السابق قال وهذا أصح عن حديث نافع بن عجير ومن حديث ابن جريج، وقد صحح الإمام أحمد هذا السند في قصة رد زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص، وقال الصحيح حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بالنكاح الأول، وهو بهذا الإسناد بعينه من رواية ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس وهكذا ذكر الثوري والدارقطني أن رواية ابن إسحاق هي الصواب، وحكموا له على رواية حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه بنكاح جديد وحجاج بن أرطاة أعرف من نافع بن عجير ومن معه، وبالجملة فأبو داود لم يتعرض لحديث محمد بن إسحاق ولا ذكره اهـ.
وقال أبو داود في "مسائله للإمام أحمد"(1129): سمعت أحمد سئل عن حديث ركانة لا تثبته أنه طلق امرأته البتة؟ قال لا؛ لأن
ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا اهـ.
وقال ابن عبد الهادي في "تنقيح تحقيق أحاديث التعليق" 213/ 3 قال أحمد بن أصرم سئل أبو عبد الله -يعني البخاري- عن حديث ركانه في البتة فقال ليس بشيء اهـ.
ورواه أبو داود (2208)، والترمذي (1177)، وابن ماجه (2051)، وأبو داود الطيالسي (1188)، والحاكم 2/ 199، وابن حبان (1321)، والبيهقي 7/ 342، كلهم من طريق جرير بن حازم، عن الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي بن يزيد بن رُكانة، عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله! إني طلقت امرأتي البتة فقال "ما أردت بها؟ " قلت واحدة قال "والله؟ " قلت. والله! قال "فهو ما أردت".
قلت: الزبير بن سعيد بن سليمان بن سعيد بن نوفل الهاشمي تكلم فيه، فقد وثقه ابن معين في رواية، وضعفه في أخرى وقال أبو داود في حديثه نكارة، اهـ. وقال أبو زرعة شيخ اهـ. وقمال النسائي ضعيف اهـ. وقال ابن سعد كان قليل الحديث اهـ. وقال الدارقطني يعتبر به اهـ. وقال الحاكم: ليس بالقوي عندهم اهـ. وقال ابن المديني ضعيف اهـ. وذكره ابن حبان في "الثقات".
وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(2178) ليس الحديث اهـ.
وأما عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة فقد ذكره ابن حبان في "الثقات".
وقال العقيلي لا يتابع على حديثه مضطرب الإسناد اهـ.
قال الحافظ في "التقريب"(3857) ليس الحديث. اهـ.
أما علي بن يزيد بن ركانة فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" 5/ 165 وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(5402) مستور اهـ.
ورواه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 254 من طريق جرير به ثم قال العقيلي حدثني آدم بن موسى، قال سمعت البخاري قال علي بن زيد بن رُكانة. لم يصح حديثه، وكذا قال في "التاريخ الكبير" 6/ 301 وسكت عنه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" 3/ 1 / 208 ونقل ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 103 عن أبي داود أنه قال وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا لأنهم أهل بيته وهم أعلم به اهـ.
وذكر الحديث ابنُ عبد الهادي في "تنقيح تحقيق أحاديث التعليق " 3/ 212 فقال الزبير تكلم فيه يحيى والنسائي وغيرهما وعلي قال البخاري لم يصح حديثه، وعبد الله قال العقيلي لا يتابع عليه اهـ.
لهذا قال الترمذي 4/ 159 هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال فيه اضطراب، ويُروى عن عكرمة عن ابن عباس أن رُكانة طلق امرأته ثلاثًا اهـ. ونحوه قال في "العلل الكبير" 1/ 461.
ورواه أبو داود (2206) قال حدثنا ابن السرح وإبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور في آخرين، قالوا: ثنا محمد بن إدريس الشافعي،
قال: حدثني عمي محمد بن علي بن شافع، عن عبيد الله (1) بن علي بن السائب، عن نافع بن عُجير بن عبد يزيد بن رُكانة، أن رُكانة بن عبد يزيد طلّق امرأته سُهيمة البتة، فأخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال والله ما أردتُ إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله ما أردت إلا واحدة؟ " فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة، فردَّها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان.
قال أبو داود أوله لفظ إبراهيم، وآخره لفظ ابن السرح اهـ.
ومن طريق أبي داود رواه الدارقطني 4/ 33.
قلت: عبيد الله بن علي بن السائب لم أجده في "التهذيب" فلا أدري من هو، لكن صرح الدارقطني بأنه عبد الله بن علي بن السائب، وأيضًا صرح الحافظ ابن حجر في "التهذيب" في ترجمة محمد بن علي بن شافع أنه روى عن عبد الله بن علي بن السائب وقد ترجم له الحافظ وغيره ولم ينقل فيه توثيقًا.
وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(3856) عبد الله بن علي بن السائب بن عبيد المطلبي مستور اهـ.
أما نافع بن عجير فقد قيل له صحبة. وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/ 469 في ثقات التابعين.
ولما ذكر ابن القيم في "حاشيته على السنن" 6/ 191 الحديث قال وهذا هو الحديث الذي ضعفه الإمام أحمد والناس، فإنه من
(1) هكذا ورد عبيد الله وهو تحريف صوابه عبد الله كما ورد في كثير من طبعات "سنن أبي داود" وانظر "تحفة الأشراف"(3613).
رواية عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير عن ركانة، ومن رواية الزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده، وكلهم ضعفاء، والزبير أضعفهم، وضعف البخاري أيضًا هذا الحديث قال علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه لم يصح حديثه.
ولما ذكر الألباني رحمه الله في "الإرواء" 7/ 141 - 142 أوجه الاضطراب في إسناده ثم ذكر هذا الإِسناد قال وهذا الإسناد أحسن حالًا من الذي قبله، فإن رجاله ثقات، لولا أن نافع بن عجير لم يوثقه غير ابن حبان 1/ 238، وأورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 4/ 1 / 454 ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا ولهذا قال ابن القيم في "الزاد" 4/ 59 مجهول، لا يعرف حاله البتة، ومما يؤكد جهاله حاله، تناقض ابن حبان فيه، فمرة أورده في التابعين من "ثقاته" وأخرى ذكره في الصحابة، وكذلك ذكره فيهم غيره، ولم يثبت ذلك اهـ.
وقال الخطابي في "معالم السنن" 3/ 122 مع "مختصر المنذري". كان أحمد بن حنبل يضعف طرق هذه الأحاديث كلها اهـ.
وقد اضطرب في متنه أيضًا ولما نقل المنذري في "مختصر السنن" 3/ 134 قول البخاري إنه مضطرب فيه، قال المنذري تارة قيل فيه:"ثلاثًا" وتارة قيل فيه "واحدة" واصحه أنه طلقها البتة، وأن الثلاث ذُكرت على المعنى وقال أبو داود حديث نافع بن عجير حديث صحيح وفيما قاله نظر.
فقد تقدم عن الإمام أحمد أن طرقه ضعيفة، وضعفه أيضًا البخاري وقد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه انتهى ما نقله وقال المنذري.
قلت وعبارة أبي داود أنه قال كما في "السنن" 1/ 667 و 672 عن حديث نافع بن عجير أصح اهـ. فإن كان المنذري أخذ من هذه العبارة تصحيح أبو داود للحديت ففيه نظر؛ لأنه لا يلزم عن قول "أصح" أن يكون صحيحًا، لكن نقل الدارقطني 4/ 33 عن أبي داود أنه قال هذا حديث صحيح اهـ فلعله اطلع على تصريح عن أبي داود في تصحيح الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 3/ 240 اختلفوا هل هو من رُكانة أو مرسل عنه وصححه أبو داود وابن حبان والحاكم، وأعله البخاري بالاضطراب، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" ضعفوه اهـ.
ونقل ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 105 إعلال البخاري والمنذري للحديث ثم قال. وقال الإمام أحمد كما نقله عنه ابن الجوزي في "تحقيقه" و"علله" حديث ركانة ليس بشيء، وفي رواية عنه طرقه ضعيفة اهـ.
فائدة: ركانة هو ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي الصحابي، وهو بضم الراء وتخفيف الكاف وبالنون، وليس في الأسماء ركانة غيره. هكذا قاله البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما أسلم يوم الفتح، وهو الذي صارعه النبي صلى الله عليه وسلم انظر "البدر المنير" 8/ 108.