الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
160 - مُحَمَّد بن على بن إِسْمَاعِيل الْقفال الْكَبِير الشاشى
الإِمَام الْجَلِيل أحد أَئِمَّة الدَّهْر ذُو الباع الْوَاسِع فى الْعُلُوم وَالْيَد الباسطة وَالْجَلالَة التَّامَّة وَالْعَظَمَة الوافرة
كَانَ إِمَامًا فى التَّفْسِير إِمَامًا فى الحَدِيث إِمَامًا فى الْكَلَام إِمَامًا فى الْأُصُول إِمَامًا فى الْفُرُوع إِمَامًا فى الزّهْد والورع إِمَامًا فى اللُّغَة وَالشعر ذَاكِرًا للعلوم محققا لما يُورِدهُ حسن التَّصَرُّف فِيمَا عِنْده فَردا من أَفْرَاد الزَّمَان
قَالَ فِيهِ أَبُو عَاصِم العبادى هُوَ أفْصح الْأَصْحَاب قَلما وأثبتهم فى دقائق الْعُلُوم قدما وأسرعهم بَيَانا وأثبتهم جنَانًا وَأَعْلَاهُمْ إِسْنَادًا وأرفعهم عمادا
وَقَالَ الحليمى كَانَ شَيخنَا الْقفال أعلم من لَقيته من عُلَمَاء عصره
وَقَالَ فى كِتَابه شعب الْإِيمَان فى الشعبة السَّادِسَة وَالْعِشْرين فى الْجِهَاد إمامنا الذى هُوَ أَعلَى من لَقينَا من عُلَمَاء عصرنا صَاحب الْأُصُول والجدل وحافظ الْفُرُوع والعلل وناصر الدّين بِالسَّيْفِ والقلم والموفى بِالْفَضْلِ فى الْعلم على كل علم أَبُو بكر مُحَمَّد بن على الشاشى
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هُوَ الْفَقِيه الأديب إِمَام عصره بِمَا وَرَاء النَّهر للشافعيين وأعلمهم بالأصول وَأَكْثَرهم رحْلَة فى طلب الحَدِيث
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى كَانَ إِمَامًا وَله مصنفات كَثِيرَة لَيْسَ لأحد مثلهَا وَهُوَ أول من صنف الجدل الْحسن من الْفُقَهَاء وَله كتاب فى أصُول الْفِقْه وَله شرح الرسَالَة وَعنهُ انْتَشَر فقه الشافعى بِمَا وَرَاء النَّهر
وَقَالَ ابْن الصّلاح الْقفال الْكَبِير علم من أَعْلَام الْمَذْهَب رفيع وَمجمع عُلُوم هُوَ بهَا عليم وَلها جموع
قلت سمع الْقفال من ابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير وَعبد الله المدائنى وَمُحَمّد بن مُحَمَّد الباغندى وأبى الْقَاسِم البغوى وَأبي عرُوبَة الحرانى وطبقتهم
روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَقَالَ ورد نيسابور مرّة على ابْن خُزَيْمَة ثمَّ ثَانِيًا عِنْد مُنْصَرفه من الْعرَاق ثمَّ وردهَا على كبر السن وكتبنا عَنهُ غير مرّة ثمَّ اجْتَمَعنَا ببخارى غير مرّة فَكتبت عَنهُ وَكتب عَنى بِخَط يَده
وروى أَيْضا عَنهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى وَأَبُو عبد الله الحليمى وَابْن مندة وَأَبُو نصر عمر بن قَتَادَة وَغَيرهم
وَذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق أَنه درس على ابْن سُرَيج
قَالَ ابْن الصّلاح وَالْأَظْهَر عندنَا أَنه لم يُدْرِكهُ
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر بلغنى أَنه كَانَ مائلا عَن الِاعْتِدَال قَائِلا بالاعتزال فى أول مرّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَذْهَب الأشعرى
قلت وَهَذِه فَائِدَة جليلة انفرجت بهَا كربَة عَظِيمَة وحسيكة فى الصَّدْر جسيمة وَذَلِكَ أَن مَذَاهِب تحكى عَن هَذَا الإِمَام فى الْأُصُول لَا تصح إِلَّا على قَوَاعِد الْمُعْتَزلَة وطالما وَقع الْبَحْث فى ذَلِك حَتَّى توهم أَنه معتزلى واستند المتوهم إِلَى مَا نقل أَن أَبَا الْحسن الصفار قَالَ سَمِعت أَبَا سهل الصعلوكى وَسُئِلَ عَن تَفْسِير الإِمَام أَبى بكر الْقفال فَقَالَ قدسه من وَجه ودنسه من وَجه أى دنسه من جِهَة نصْرَة مَذْهَب الاعتزال
قلت وَقد انكشفت الْكُرْبَة بِمَا حَكَاهُ ابْن عَسَاكِر وَتبين لنا بهَا أَن مَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل كَقَوْلِه يجب الْعَمَل بِالْقِيَاسِ عقلا وبخبر الْوَاحِد عقلا وأنحاء ذَلِك فالذى نرَاهُ أَنه لما ذهب إِلَيْهِ كَانَ على ذَلِك الْمَذْهَب فَلَمَّا رَجَعَ لابد أَن يكون قد رَجَعَ عَنهُ فاضبط هَذَا
وَقد كنت أغتبط بِكَلَام رَأَيْته للقاضى أَبى بكر فى التَّقْرِيب والإرشاد وللأستاذ أَبى إِسْحَاق الإسفراينى فى تَعْلِيقه فى أصُول الْفِقْه فى مَسْأَلَة شكر الْمُنعم وَهُوَ أَنَّهُمَا لما حكيا القَوْل بِالْوُجُوب عقلا عَن بعض فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة من الأشعرية قَالَا اعْلَم أَن هَذِه الطَّائِفَة من أَصْحَابنَا ابْن سُرَيج وَغَيره كَانُوا قد برعوا فى الْفِقْه وَلم يكن لَهُم قدم راسخ فى الْكَلَام وطالعوا على الْكبر كتب الْمُعْتَزلَة فاستحسنوا عباراتهم وَقَوْلهمْ يجب شكر الْمُنعم عقلا فَذَهَبُوا إِلَى ذَلِك غير عَالمين بِمَا تُؤَدّى إِلَيْهِ هَذِه الْمقَالة من قَبِيح الْمَذْهَب
وَكنت أسمع الشَّيْخ الإِمَام رحمه الله يحْكى مَا أقوله عَن الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق مغتبطا بِهِ فَأَقُول لَهُ يَا سيدى قد قَالَه أَيْضا القاضى أَبُو بكر وَلَكِن ذَلِك إِنَّمَا يُقَال فى حق ابْن سُرَيج وأبى على بن خيران والإصطخرى وَغَيرهم من الْفُقَهَاء الذاهبين إِلَى ذَلِك الَّذين لَيْسَ لَهُم فى الْكَلَام قدم راسخ أما مثل الْقفال الْكَبِير الذى كَانَ أستاذا فى علم الْكَلَام وَقَالَ فِيهِ الْحَاكِم إِنَّه أعلم الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر بالأصول فَكيف يحسن الِاعْتِذَار عَنهُ بِهَذَا
فَلَمَّا وقفت على مَا حَكَاهُ ابْن عَسَاكِر انشرحت نفسى لَهُ وأوقع الله فِيهَا أَن هَذِه الْأُمُور أَشْيَاء كَانَ يذهب إِلَيْهَا عِنْد ذَهَابه إِلَى مَذْهَب الْقَوْم وَلَا لوم عَلَيْهِ فى ذَلِك بعد الرُّجُوع
وفى شرح الرسَالَة للشَّيْخ أَبى مُحَمَّد الجوينى أَن أَصْحَابنَا اعتذروا عَن الْقفال نَفسه حَيْثُ أوجب شكر الْمُنعم بِأَنَّهُ لم يكن مَنْدُوبًا فى الْكَلَام وأصوله
قلت وَهَذَا عندى غير مَقْبُول لما ذكرت
وَقد ذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بعد ذَلِك فى هَذَا الْكتاب أَن الْقفال أَخذ علم الْكَلَام عَن الأشعرى وَأَن الأشعرى كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْفِقْه كَمَا كَانَ هُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْكَلَام وَهَذِه