الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ وَكَانَ يسْأَل التحديث فيأبى ثمَّ أجَاب آخرا وَعقد لَهُ الْحَاكِم مجْلِس الْإِمْلَاء وانتقى عَلَيْهِ ألف حَدِيث فَحدث
قَالَ وَكَانَ يعد فى مجالسه ألف محبرة
توفى رحمه الله فَجْأَة
134 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله أَبُو بكر الأجرى الْفَقِيه الْمُحدث صَاحب المصنفات مِنْهَا الْأَرْبَعُونَ فى الحَدِيث وَقعت لنا بِإِسْنَاد عَال
سمع أَبَا مُسلم الكجى وَأَبا شُعَيْب الحرانى وجعفر بن مُحَمَّد الفريابى وَأحمد بن يحيى الحلوانى وَغَيرهم
روى عَنهُ أَبُو الْحسن الحمامى وَأَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان والحافظ أَبُو نعيم الأصبهانى وَغَيرهم
وَكَانَ مُقيما بِمَكَّة شرفها الله وَبهَا توفى بالمحرم سنة سِتِّينَ وثلاثمائة
قَالَ ابْن خلكان أخبرنى بعض أهل الْعلم أَنه لما دخل مَكَّة أَعْجَبته فَقَالَ اللَّهُمَّ ارزقنى الْإِقَامَة بهَا سنة فَسمع هاتفا يَقُول بل ثَلَاثِينَ سنة فَعَاشَ بعد ذَلِك ثَلَاثِينَ سنة
135 - مُحَمَّد بن خَفِيف بن إسفكشاد الشيرازى الشَّيْخ أَبُو عبد الله بن خَفِيف
شيخ الْمَشَايِخ وَذُو الْقدَم الراسخ فى الْعلم وَالدّين كَانَ سيدا جَلِيلًا وإماما حفيلا
يستمطر الْغَيْث بدعائه ويؤوب الْمصر بِكَلَامِهِ من أعلم الْمَشَايِخ بعلوم الظَّاهِر وَمِمَّنْ اتَّفقُوا على عَظِيم تمسكه بِالْكتاب وَالسّنة
وَكَانَت لَهُ أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقى من النساك شُيُوخًا وَمن السلاك طوائف رسخ قدمهم فى الطَّرِيق رسوخا وَصَحب من أَرْبَاب الْأَحْوَال أحبارا وأخيارا وَشرب من منهل الطَّرِيق كاسات كبارًا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النَّفس حَتَّى انقادت لَهُ فَأصْبح مبْنى الثَّنَاء عَلَيْهَا معربا صَبر على الطَّاعَة لَا يعصيه فِيهِ قلبه واستمرار على المراقبة شهيده عَلَيْهِ ربه وجنب لَا يدرى الْقَرار وَنَفس لَا تعرف المأوى إِلَّا الْبَيْدَاء وَلَا الْمسكن إِلَّا القفار
كَانَ ابْن خَفِيف من أَوْلَاد الْأُمَرَاء فتزهد حَتَّى قَالَ كنت أذهب وَأجْمع الْخرق من الْمَزَابِل وأغسله وَأصْلح مِنْهُ مَا ألبسهُ
حدث عَن حَمَّاد بن مدرك والنعمان بن أَحْمد الواسطى وَمُحَمّد بن جَعْفَر التمار وَالْحُسَيْن المحاملى وَجَمَاعَة
وَصَحب رويما والجريرى وطاهر المقدسى وَأَبا الْعَبَّاس بن عَطاء
ولقى الْحُسَيْن بن مَنْصُور
وروى عَنهُ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن جَعْفَر الخزاعى وَالْحُسَيْن بن حَفْص الأندلسى وَمُحَمّد بن عبد الله بن باكويه والقاضى أَبُو بكر بن الباقلانى شيخ الأشعرية وَطَائِفَة رَحل ابْن خَفِيف إِلَى الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى وَأخذ عَنهُ وَهُوَ من أَعْيَان تلامذته
قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم كَانَ شيخ الْوَقْت حَالا وعلما
قَالَ وَهُوَ الْخَفِيف الظريف لَهُ الْفُصُول فى الْأُصُول والتحقق والتثبت فى الْوُصُول
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس النسوي بلغ مَا لم يبلغهُ أحد من الْخلق فى الْعلم والجاه عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَصَارَ أوحد زَمَانه مَقْصُودا من الْآفَاق مُفِيدا فى كل نوع من الْعُلُوم مُبَارَكًا على من يَقْصِدهُ رَفِيقًا بمريديه يبلغ كَلَامه مُرَاده وصنف من الْكتب مَا لم يصنفه أحد وَعمر حَتَّى عَم نَفعه
وَحكى عَنهُ أَنه قَالَ كنت فى ابتدائي بقيت أَرْبَعِينَ شهرا أفطر كل لَيْلَة بكف باقلا فمضيت يَوْمًا وافتصدت فَخرج من عرقى شَبيه مَاء اللَّحْم وغشى على فتحير الفصاد وَقَالَ مَا رَأَيْت جسدا بِلَا دم إِلَّا هَذَا
وروى عَنهُ أَنه قَالَ مَا سَمِعت شَيْئا من سنَن النبى صلى الله عليه وسلم إِلَّا استعملته حَتَّى الصَّلَاة على أَطْرَاف الْأَصَابِع وَأَنه ضعف فى آخر عمره عَن الْقيام فى النَّوَافِل فَجعل بدل كل رَكْعَة من أوراده رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا للْخَبَر (صَلَاة الْقَاعِد على النّصْف من صَلَاة الْقَائِم)
وَقَالَ مرّة مَا وَجَبت على زَكَاة الْفطر أَرْبَعِينَ سنة مَعَ مالى من الْقبُول الْعَظِيم بَين الْخَاص وَالْعَام
وَعنهُ رُبمَا كنت أَقرَأ فى ابْتِدَاء عمرى الْقُرْآن كُله فى رَكْعَة وَاحِدَة وَرُبمَا كنت أصلى من الْغَدَاة إِلَى الْعَصْر ألف رَكْعَة
وَعنهُ وَسُئِلَ عَن فَقير يجوع ثَلَاثَة أَيَّام فَيخرج وَيسْأل بعد ذَلِك مِقْدَار كِفَايَته أيش يُقَال لَهُ فَقَالَ يُقَال لَهُ مكد ثمَّ قَالَ كلوا واسكتوا فَلَو دخل فَقير فى هَذَا الْبَاب لفضحكم
وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يخرج إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة يفرق كل مَا عِنْده من ذهب وَفِضة وَغير ذَلِك
وَيخرج فى كل سنة جَمِيع مَا عِنْده وَيخرج من الثِّيَاب حَتَّى لَا يبْقى عِنْده مَا يخرج بِهِ إِلَى النَّاس
وَقَالَ بعض أَصْحَابه أمرنى ابْن خَفِيف أَن أقدم كل لَيْلَة إِلَيْهِ عشر حبات زبيب لإفطاره قَالَ فَأَشْفَقت عَلَيْهِ لَيْلَة فجعلتها خمس عشرَة حَبَّة فَنظر إِلَى وَقَالَ من أَمرك بِهَذَا وَأكل مِنْهَا عشر حبات وَترك الباقى
وَقَالَ ابْن خَفِيف سَمِعت أَبَا بكر الكتانى يَقُول سرت أَنا وَأَبُو الْعَبَّاس ابْن المهتدى وَأَبُو سعيد الخراز فى بعض السنين وضللنا عَن الطَّرِيق والتقينا بحيرة فَبينا نَحن كَذَلِك إِذا بشاب قد أقبل وفى يَده محبرة وعَلى عُنُقه مخلاة فِيهَا كتب فَقُلْنَا لَهُ يَا فَتى كَيفَ الطَّرِيق فَقَالَ لنا الطَّرِيق طَرِيقَانِ فَمَا أَنْتُم عَلَيْهِ فطريق الْعَامَّة وَمَا أَنا عَلَيْهِ فطريق الْخَاصَّة وَوضع رجله فى الْبَحْر وعبره
وَحكى عَن ابْن خَفِيف قَالَ دخلت بَغْدَاد قَاصِدا لِلْحَجِّ وفى رأسى نخوة الصُّوفِيَّة وَلم آكل أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم أَدخل على الْجُنَيْد وَخرجت وَلم أشْرب وَكنت على طهارتى فَرَأَيْت ظَبْيًا فى الْبَريَّة على رَأس بِئْر وَهُوَ يشرب وَكنت عطشان فَلَمَّا دَنَوْت من الْبِئْر ولى الظبى وَإِذا المَاء فى أَسْفَل الْبِئْر فمشيت وَقلت يَا سيدى مالى عنْدك مَحل هَذَا الظبى فَسمِعت من خلفى يَقُول جربناك فَلم تصبر ارْجع فَخذ المَاء إِن الظبى جَاءَ بِلَا ركوة وَلَا حَبل وَأَنت جِئْت مَعَ الركوة وَالْحَبل فَرَجَعت فَإِذا الْبِئْر ملآن فملأت ركوتى وَكنت أشْرب مِنْهَا وأتطهر إِلَى الْمَدِينَة وَلم ينْفد المَاء فَلَمَّا رجعت من الْحَج دخلت الْجَامِع فَلَمَّا وَقع بصر الْجُنَيْد على قَالَ لَو صبرت لنبع المَاء من تَحت قدمك لَو صبرت سَاعَة
قلت قَوْله نخوة الصُّوفِيَّة يعْنى شدَّة المجاهدة والذى يَقع لى فى هَذِه الْحِكَايَة أَنَّهَا منبهة
لَهُ من الله على الْأَخْذ فى طَرِيق التَّوَكُّل وَطرح الْأَسْبَاب وَهَذَا يَقع كثيرا لأرباب العنايات من الله تَعَالَى فى أثْنَاء المجاهدات يقيض الله تَعَالَى لَهُم منبها من صَوت يسمع أَو إِشَارَة تحس أَو أنحاء ذَلِك يدلهم على مُرَاد الله تَعَالَى مِنْهُم أَو غير ذَلِك عناية بهم فقيض الله تَعَالَى هَذَا الظبى منبها لَهُ ثمَّ أكده بِكَلَام الْجُنَيْد لَهُ آخرا عِنْد عوده من الْحَج
وَكَذَلِكَ أَقُول فى الْحِكَايَة قبلهَا إِن ذَاك الشَّاب قد يكون قدره الله تَعَالَى ذَلِك الْوَقْت اعتناء بِابْن خَفِيف ورفيقيه لِئَلَّا تعظم أنفسهم عَلَيْهِ فَأحب الله تَعَالَى أَن يعرفهُمْ أَن فى عباده شَابًّا وصل إِلَى مَا لم يصلوا إِلَيْهِ وَهُوَ رَآهُمْ على طَرِيق الْعَامَّة وَهَذَا من الْعِنَايَة بهم
وَكَذَا أَقُول فى الْحِكَايَة الَّتِى قدمتها فى تَرْجَمَة الْجُنَيْد فى شَأْنه مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِى أنشدته
(لَوْلَا التقى لم ترنى
…
أَهجر طيب الوسن)
وَحكى أَن أَبَا عبد الله بن خَفِيف نَاظر بعض البراهمة فَقَالَ لَهُ البرهمى إِن كَانَ دينك حَقًا فتعال أَصْبِر أَنا وَأَنت عَن الطَّعَام أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَجَابَهُ ابْن خَفِيف فعجز البرهمى عَن إِكْمَال الْمدَّة الْمَذْكُورَة وأكملها ابْن خَفِيف وَهُوَ طيب مسرور
وَأَن برهميا آخر ناظره ثمَّ دَعَاهُ إِلَى الْمكْث مَعَه تَحت المَاء مُدَّة فَمَاتَ البرهمى قبل انْتِهَاء الْمدَّة وصبر الشَّيْخ إِلَى أَن انْتَهَت وَخرج سالما لم يظْهر عَلَيْهِ تغير
وَعَن ابْن خَفِيف خرجت من مصر أُرِيد الرملة للقاء أَبى على الروذبارى فَقَالَ لى عِيسَى بن يُوسُف المصرى المغربى الزَّاهِد إِن شَابًّا وكهلا قد اجْتمعَا على حَال المراقبة فَلَو نظرت إِلَيْهِمَا لَعَلَّك تستفيد مِنْهُمَا فَدخلت إِلَى صور وَأَنا جَائِع عطشان وفى وسطى خرقَة وَلَيْسَ على كتفى شئ فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا اثْنَان مُسْتَقْبلا الْقبْلَة
عَلَيْهِمَا فَمَا أجابانى فَسلمت ثَانِيًا وثالثا فَلم أسمع الْجَواب فَقلت ناشدتكما الله إِلَّا رددتما على السَّلَام فَرفع الشَّاب رَأسه من مرقعته فَنظر إِلَى ورد السَّلَام وَقَالَ لى يَا ابْن خَفِيف الدُّنْيَا قَلِيل وَمَا بقى من الْقَلِيل إِلَّا الْقَلِيل فَخذ من الْقَلِيل الْكثير يَا ابْن خَفِيف مَا أقل شغلك حَتَّى تفرغت إِلَى لقائنا فَأخذ كليتى فَنظر إِلَى وطأطأ رَأسه فى الْمَكَان فَبَقيت عِنْده حَتَّى صلينَا الظّهْر وَالْعصر فَذهب جوعى وعطشى ونصبى فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعَصْر قلت لَهُ عظنى فَقَالَ يَا ابْن خَفِيف نَحن أَصْحَاب المصائب لَيْسَ لنا لِسَان لعظة
فَبَقيت عِنْدهمَا ثَلَاثَة أَيَّام لَا آكل وَلَا أشْرب وَلَا أَنَام وَلَا رأيتهما أكلا وَلَا شربا وَلَا نَامَا فَلَمَّا كَانَ فى الْيَوْم الثَّالِث قلت فى سرى أحلفهما أَن يعظانى لعلى أنتفع بعظتهما فَرفع الشَّاب رَأسه فَقَالَ لى يَا ابْن خَفِيف عَلَيْك بِصُحْبَة من تذكرك الله تَعَالَى رُؤْيَته وَتَقَع هيبته على قَلْبك فيعظك بِلِسَان قَوْله وَالسَّلَام قُم عَنَّا
وَعَن ابْن خَفِيف قدم علينا بعض أَصْحَابنَا فاعتل بعلة الْبَطن فَكنت أخدمه وآخذ مِنْهُ الطست طول اللَّيْل فغفوت مرّة فَقَالَ لى نمت لعنك الله
فَقيل لَهُ كَيفَ وجدت نَفسك عِنْد قَوْله لعنك الله قَالَ كَقَوْلِه رَحِمك الله
وَعَن ابْن خَفِيف أَنه كَانَ بِهِ وجع الخاصرة فَكَانَ إِذا أَخذه أقعده عَن الْحَرَكَة فَكَانَ إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة يحمل على الظّهْر إِلَى الْمَسْجِد فَقيل لَهُ لَو خففت عَن نَفسك قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ حى على الصَّلَاة وَلم ترونى فى الصَّفّ فاطلبونى فى الْمَقَابِر
وَعَن ابْن خَفِيف تهت فى الْبَادِيَة فَمَا رجعت حَتَّى سقط لى ثَمَانِيَة أَسْنَان وانتثر شعرى ثمَّ وَقعت إِلَى فيد وأقمت بهَا حَتَّى تماثلت وصححت ثمَّ زرت الْقُدس فَنمت إِلَى جَانب دكان صباغ وَبَات معى فى الْمَسْجِد رجل بِهِ قيام فَكَانَ يدْخل وَيخرج إِلَى الصَّباح