الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن كَلَامه وفوائده
قَالَ فى حد الصوفى إِنَّه من لبس الصُّوف على الصَّفَا وسلك طَرِيق الْمُصْطَفى وَأطْعم الْهوى ذوق الجفا وَكَانَت الدُّنْيَا مِنْهُ على الْقَفَا
وَقَالَ أَنْفَع الْيَقِين مَا عظم الْحق فى عَيْنك وَصغر مَا دونه عنْدك وَأثبت الرَّجَاء وَالْخَوْف فى قَلْبك
وَسُئِلَ عَمَّن يسمع الملاهى وزعمها حَلَالا لَهُ وَقَالَ لأنى وصلت إِلَى دَرَجَة لَا يُؤثر فى اخْتِلَاف الْأَحْوَال
فَقَالَ نعم قد وصل لعمرى وَلَكِن إِلَى سقر
قلت وَقد توصل من حكى هَذِه الْحِكَايَة إِلَى دَعْوَى أَنه كَانَ لَا يرى السماع وَالْأَظْهَر عندى فى معنى قَوْله أَنه أنكر من هَذَا الْقَائِل إِظْهَاره الْوُصُول إِلَى هَذِه الدرجَة فَإِن الْوَاصِل إِلَى هَذِه الدرجَة لَا يتظاهر بذلك إِلَّا عَن إِذن وَلَيْسَ مُرَاد الروذبارى تَحْرِيم السماع وَلَا إِنْكَار أَن بعض النَّاس لَا يُؤثر فِيهِ اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَكَيف يكون ذَلِك وَمن كَلَام الروذبارى أَيْضا السماع مكاشفة الْأَسْرَار إِلَى مُشَاهدَة المحبوب أسْندهُ عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم فى الرسَالَة
وَعَن الروذبارى جزت بقصر فَرَأَيْت شَابًّا حسن الْوَجْه مطروحا وَحَوله نَاس فَسَأَلت عَنهُ فَقَالُوا إِنَّه جَازَ بِهَذَا الْقصر وَجَارِيَة تغنى
(كَبرت همة عبد
…
طمعت فى أَن تراكا)
(أَو مَا حسب لعينى
…
أَن ترى من قد رآكا)
أسْندهُ القشيرى أَيْضا عَنهُ
وَعَن فَاطِمَة أُخْت أَبى على الرُّوذَبَارِي قَالَت لما قرب أجل أخى أَبى على وَكَانَ رَأسه فى حجرى فتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ هَذِه أَبْوَاب السَّمَاء فتحت وَهَذِه الْجنان قد زينت وَهَذَا قَائِل يَقُول لى يَا أَبَا على قد بلغناك الرُّتْبَة القصوى وَإِن لم تردها ثمَّ أنْشد يَقُول
(وحقك لَا نظرت إِلَى سواكا
…
بِعَين مَوَدَّة حَتَّى أراكا)
(أَرَاك معذبى بفتور لحظ
…
وبالخد المورد من جناكا)
ثمَّ قَالَ يَا فَاطِمَة الأول ظَاهر والثانى فِيهِ إِشْكَال
كَذَا أورد الْحِكَايَة القشيرى وَغَيره
وَمَا أحسن إشكاله الثانى وَلَيْسَ هُوَ عِنْد التَّحْقِيق بمشكل وَلكنه وَالله أعلم استقصر عقول النِّسَاء عَن دركه وخشى عَلَيْهِنَّ غائلة أَن يفهمن أَن الْأَمر على ظَاهره
وَعَن الروذبارى رَأَيْت فى الْبَادِيَة حَدثا فَلَمَّا رآنى قَالَ أما يَكْفِيك أَنه شغفنى بحبه حَتَّى علنى ثمَّ رَأَيْته يجود بِرُوحِهِ فَقلت لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَنْشَأَ يَقُول
(أيا من لَيْسَ لى عنة
…
وَإِن عذبنى بُد)
(وَيَا من نَالَ من قلبى
…
منالا مَا لَهُ حد)
وَعنهُ قدم علينا فَقير فَمَاتَ فدفنته وكشفت عَن وَجهه لأضعه فى التُّرَاب ليرحم الله غربته فَفتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ يَا أَبَا على أتذللنى بَين يدى من دللنى فَقلت لَهُ يَا سيدى أحياة بعد موت فَقَالَ بل أَنا حى وكل محب لله حى لأنصرنك غَدا بجاهى يَا روذبارى
وَعنهُ من الاغترار أَن تسئ فَيحسن إِلَيْك فَتتْرك الْإِنَابَة توهما أَنَّك تسَامح فى الهفوات وَترى أَن ذَلِك من بسط الْحق لَك
وَعنهُ المريد الذى لَا يُرِيد لنَفسِهِ إِلَّا مَا أَرَادَ الله لَهُ وَالْمرَاد لَا يُرِيد من الكونين شَيْئا غَيره
وَقَالَ الصول على من دُونك ضعف وعَلى من فَوْقك قحة
وَقَالَ التَّوْبَة الِاعْتِرَاف والندم والإقلاع
وَأنْشد لنَفسِهِ
(روحى إِلَيْك بكلها قد أَجمعت
…
لَو أَن فِيك هلاكها مَا أقلعت)
(تبكى إِلَيْك بكلها عَن كلهَا
…
حَتَّى يُقَال من الْبكاء تقطعت)
(فَانْظُر إِلَيْهَا نظرة فلطالما
…
متعتها من نعْمَة فتمتعت)
وَقَالَ كَيفَ تشهده الْأَشْيَاء وَبِه فنيت ذواتها عَن ذواتها أم كَيفَ غَابَتْ الْأَشْيَاء عَنهُ وَبِه ظَهرت بصفاته فسبحان من لَا يشهده شئ وَلَا يغيب عَنهُ شئ
وَقَالَ أظهر الْحق الأسامى وأبداها لِلْخلقِ ليسكن بهَا شوق المحبين إِلَيْهِ وتأنس قُلُوب العارفين لَهُ
وَأنْشد لنَفسِهِ
(إِن الْحَقِيقَة غير مَا تتوهم
…
فَانْظُر لنَفسك أى حَال تعزم)
(أتكون فى الْقَوْم الَّذين تَأَخَّرُوا
…
عَن حَقهم أَو فى الَّذين تقدمُوا)
(لَا تخدعن فَتلوم نَفسك حِين لَا
…
يجدى عَلَيْك تأسف وتلوم)
وَمن شعر الروذبارى
(لَو كل جارحة منى لَهَا لُغَة
…
تثنى عَلَيْك بِمَا أوليت من حسن)
(لَكَانَ مازان شكرى إِذا أشْرب بِهِ
…
إِلَيْك أجمل فى الْإِحْسَان والمنن)
وَمِنْه
(وَلَو مضى الْكل منى لم يكن عجبا
…
وَإِنَّمَا عجبى للْبَعْض كَيفَ بقى)
(أدْرك بَقِيَّة فِيك قد تلفت
…
قبل الْفِرَاق فَهَذَا آخر الرمق)
قَالَ أَبُو على التفكر على أَرْبَعَة أوجه فكرة فى آيَات الله وعلامتها تولد الْمحبَّة وفكرة فى وعد الله بثوابه وعلامتها تولد الرَّغْبَة وفكرة فى وعيده تَعَالَى بِالْعَذَابِ وعلامتها تولد الرهبة وفكرة فى جفَاء النَّفس مَعَ إِحْسَان الله وعلامتها تولد الْحيَاء من الله
وَأنْشد
(فَإِن شِئْتُم وَصلى فَذَاك أريده
…
وَإِن شِئْتُم هجرى فَذَلِك أوثر)
(أَلَسْت أرى أَهلا بِحَال يسركم
…
بذلك أزهو مَا حييت وأفخر)
وَمن شعره أَيْضا
(بك كتمان وجده بك عَنهُ
…
لَك مِنْهُ وعنك مَالك مِنْهُ)
(من إِذا لَاحَ مشرقى
…
هام وجدا عَلَيْك إِن لم تكنه)
(وَإِذا قَالَ لَا أَقُول ببين
…
بَان عَنهُ فَبَان إِن لم تبنه)
(يَا فَتى الْحبّ بل فَتى الْحق سرى
…
عَنْك مستودع لديك فصنه)
وَقَالَ مَا ادّعى أحد قطّ إِلَّا لخلوة عَن الْحَقَائِق وَلَو تحقق فى شئ لنطقت عَنهُ الْحَقِيقَة وأغنته عَن الدَّعْوَى
وَقَالَ كَانَ عندنَا بِبَغْدَاد عشرَة فتيَان مَعَهم عشرَة أَحْدَاث مَعَ كل وَاحِد وَاحِد وَكَانُوا مُجْتَمعين فى مَوضِع فوجهوا وَاحِدًا من الْأَحْدَاث ليَأْخُذ لَهُم حَاجَة فَأَبْطَأَ عَلَيْهِم وغضبوا من تَأْخِيره ثمَّ أقبل وَهُوَ يضْحك وَبِيَدِهِ بطيخة يقلبها ويشمها فَقَالُوا لَهُ احْتبست عَنَّا ثمَّ جئتنا تضحك
فَقَالَ جِئتُكُمْ بفائدة رَأَيْت بشر بن الْحَارِث وضع يَده على هَذِه البطيخة فَلم أزل وَاقِفًا حَتَّى اشْتَرَيْتهَا بِعشْرين درهما أتبرك بِموضع يَده عَلَيْهَا
فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم البطيخة وَجعل يقبلهَا ويضعها على عَيْنَيْهِ فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم بشر كَانَ مَعنا صَاحب عصبية أيش بلغ بِهِ هَذَا كُله حَتَّى تَفعلُوا بِهِ هَذَا
قَالُوا تقوى الله وَالْعَمَل الصَّالح
فَقَالَ أَنا أشهد الله وأشهدكم أَنى تائب إِلَى الله من كل شئ لَا يرضاه منى وَأَنا على حَالَة بشر وطريقته
فَقَالُوا كلهم مثل ذَلِك فتابوا بأجمعهم وَخَرجُوا إِلَى طرسوس وغزوا واستشهدوا كلهم فى مَوضِع وَاحِد
وَأنْشد أَبُو على لنَفسِهِ
(فلاذوا بِهِ من بعد كل نِهَايَة
…
لياذ مقرّ بالخضوع مَعَ الْحَد)
(بعجز وتقصير عَن الْوَاجِب الذى
…
بِهِ عرفوه للودود من الود)
(وَكَانَ لَهُم بالعز فى غَايَة المنى
…
شكُورًا لما أولاه من رتب الْحَمد)
(وَمن بأسرار الذَّخَائِر بَينه
…
وَبينهمْ عَن مُضْمر الكتم للجهد)
وروى أَن أَبَا على اتخذ مرّة أحمالا من السكر الْأَبْيَض ودعا بِجَمَاعَة من الحلاوانيين حَتَّى عمِلُوا من السكر جدارا عَلَيْهِ شرافات ومحاريب على أعمدة ونقشوها كلهَا من سكر ثمَّ دَعَا الصُّوفِيَّة حَتَّى هدموها وكسروها وانتهبوها