الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
114 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الإِمَام الْجَلِيل أَبُو بكر بن الْحداد المصرى
صَاحب الْفُرُوع وساحب ذيل الْفضل الذى هُوَ على الرؤوس مَحْمُول وعَلى الْعُيُون مَوْضُوع ذُو الفكرة المستقيمة والفطرة السليمة فكره فى محتجبات الْمعَانى سَارِيَة وفى سَمَاء المعالى سامية وقريحه عَجِيبَة الْحَال مَا أَدْرَاك مَاهِيَّة نَار حامية إِمَام لَا يدْرك مَحَله وجواد لَا يجاريه إِلَّا ظله سَارَتْ مولداته فى المغارب والمشارق وطرق فكره الأسماع وَمَا أَدْرَاك مَا الطارق وناطق قَالَ فَكَانَ لَهُ من القَوْل بسيطه ووجيزه ومصرى صَحَّ على نقد الأذهان إبريزه ووضح حليه فعوذ من شَرّ الوسواس الخناس واصطفت الْأَئِمَّة مَعَه فَقَالَ لِسَان الْحق مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ
(يقف التَّوَهُّم عَنهُ حِدة ذهنه
…
فَقضى على غيب الْأُمُور تَيَقنا)
(أمضى إِرَادَته فَسَوف لَهُ قد
…
واستقرب الْأَقْصَى فتم لَهُ هُنَا)
ولد يَوْم موت المزنى
وَأخذ الْفِقْه عَن أَبى سعيد مُحَمَّد بن عقيل الفريابى وَبشر بن نصر غُلَام عرق وَمَنْصُور بن إِسْمَاعِيل الضَّرِير
وجالس أَبَا إِسْحَاق المروزى لما ورد مصر
وَدخل بَغْدَاد سنة عشر وثلاثمائة فَاجْتمع بجرير وَأخذ عَنهُ وَاجْتمعَ أَيْضا بالصيرفى وبالإصطخرى وَلم يتهيأ لَهُ الِاجْتِمَاع بأبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فَكَانَ يتأسف وَيَقُول وددت أَنى رَأَيْت ابْن سُرَيج وأنى أحم فى كل لَيْلَة إِلَى أَن أَمُوت
وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن مُحَمَّد بن ولاد
وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن عقيل الفريابى الْفَقِيه وَأَبُو يزِيد القراطيسى وَعمر بن مِقْلَاص والنسائى وَغَيرهم وَلكنه لم يحدث عَن غير النسائى
قَالَ الدارقطنى كَانَ ابْن الْحداد كثير الحَدِيث وَلم يحدث عَن غير أَبى عبد الرَّحْمَن النسائى وَقَالَ جعلته حجَّة فِيمَا بينى وَبَين الله تَعَالَى
وَكَانَ كثير التَّعَبُّد يخْتم كل يَوْم وَلَيْلَة ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَيخْتم يَوْم الْجُمُعَة ختمة أُخْرَى فى رَكْعَتَيْنِ فى الْجَامِع قبل الصَّلَاة سوى الَّتِى يختمها كل يَوْم
وَكَانَ عَارِفًا بِالْحَدِيثِ والأسماء والكنى والنحو واللغة وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء وَأَيَّام النَّاس وسير الْجَاهِلِيَّة حَافظ لشئ كثير من الشّعْر
وَكَانَ حسن الثِّيَاب رفيعها حسن المركوب
وَولى الْقَضَاء بِمصْر نِيَابَة لِابْنِ هروان الرملى وَلغيره أَيْضا
وَكَانَ نَسِيج وَحده فى حفظ الْقُرْآن إِمَام عصره فى الْفِقْه بحرا وَاسِعًا فى اللُّغَة تجمل بِهِ وجوده يجلس فى خلْوَة للشغل بِالْعلمِ فيغشى حلقته الجم الْغَفِير الَّذين يفوتون الْحصْر وَله كلمة نَافِذَة عِنْد الْمُلُوك وجاه رفيع
وَأما غوصه على الْمعَانى الدقيقة وَحسن استخراجه للفروع المولدة فقد أجمع النَّاس على أَنه فَرد فى ذَلِك وَلم يلْحقهُ أحد فِيهِ
وَله كتاب الباهر فى الْفِقْه قيل إِنَّه فى مائَة جُزْء وَكتاب أدب الْقَضَاء فى أَرْبَعِينَ جُزْءا وَكتاب جَامع الْفِقْه وَكتاب الْفُرُوع المولدات الْمُخْتَصر الْمَشْهُور الذى شَرحه عُظَمَاء الْأَصْحَاب مِنْهُم الْقفال وَالشَّيْخ أَبُو على السنجى والقاضى أَبُو الطّيب الطبرى والقاضى الْحُسَيْن المروزى وَغَيرهم
قَالَ الرافعى فى كتاب الْعدَد من الشَّرْح وَنقل القاضى الرويانى فى جمع الْجَوَامِع أَن الإِمَام أَبَا بكر بن الْحداد كَانَ فقيد الخصية الْيُمْنَى وَكَانَ لَا ينزل وَكَانَت لحيته طَوِيلَة
وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى سَمِعت الدارقطنى يَقُول سَمِعت أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد الْمعدل النسوى الْمعدل بِمصْر يَقُول سَمِعت أَبَا بكر بن الْحداد وَذكره بِالْفَضْلِ وَالدّين وَالِاجْتِهَاد يَقُول أحدث نفسى بِمَا رَوَاهُ الرّبيع عَن الشافعى أَنه كَانَ يخْتم فى رَمَضَان سِتِّينَ ختمة سوى مَا كَانَ يقْرَأ فى الصَّلَاة فَأكْثر مَا قدرت عَلَيْهِ تسعا وَخمسين ختمة وأتيت فى غير رَمَضَان بِثَلَاثِينَ ختمة
قلت وفى ابْن الْحداد يَقُول بَعضهم
(الشافعى تفقها والأصمعى
…
م تفننا والتابعون تزهدا)
وَقَالَ ابْن زولاق فى شَوَّال سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة سلم مُحَمَّد بن طغج الإخشيد قَضَاء مصر إِلَى أَبى بكر بن الْحداد وَكَانَ أَيْضا ينظر فى الْمَظَالِم ويوقع فِيهَا فَنظر فى الحكم خلَافَة عَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أبي زرْعَة مُحَمَّد بن عُثْمَان الدمشقى وَهُوَ لَا ينظر وَكَانَ يجلس فى الْجَامِع وفى دَاره وَرُبمَا جلس فى دَار ابْن أَبى زرْعَة وَوَقع فى الْأَحْكَام وَكَاتب خلفاء النواحي
وَكَانَ فَقِيها متعبدا يحسن علوما كَثِيرَة مِنْهَا علم الْقُرْآن وَقَول الشافعى وَعلم الحَدِيث والأسماء والكنى وسير الْجَاهِلِيَّة وَالشعر وَالنّسب ويحفظ شعرًا كثيرا ويجيد الشّعْر
وَيخْتم كل يَوْم وَلَيْلَة فى صَلَاة ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَيخْتم يَوْم الْجُمُعَة ختمة أُخْرَى فى رَكْعَتَيْنِ فى الْجَامِع قبل صَلَاة الْجُمُعَة سوى الَّتِى يختمها كل يَوْم
حسن الثِّيَاب رفيعها حسن المركوب فصيحا غير مطعون عَلَيْهِ فى لفظ وَلَا فضل ثِقَة فى الْيَد والفرج وَاللِّسَان مجموعا على صيانته وطهارته
كَانَ من محَاسِن مصر حاذقا بِعلم الْقَضَاء أَخذ ذَلِك عَن أَبى عبيد القاضى
إِلَى أَن قَالَ وكل من وقف على مَا ذَكرْنَاهُ يَقُول صدقت
ثمَّ قَالَ وَكَانَ من محبته للْحَدِيث لَا يدع المذاكرة وَكَانَ يَنْقَطِع إِلَيْهِ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد ابْن سعد الباوردى الْحَافِظ فَأكْثر عَنهُ من مصنفاته فذاكره يَوْمًا بِأَحَادِيث فاستحسنها أَبُو بكر وَقَالَ اُكْتُبْهَا لى فكتبها لَهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا مَنْصُور اجْلِسْ فى الصّفة فَفعل فَقَامَ أَبُو بكر وَجلسَ بَين يَدَيْهِ وسمعها مِنْهُ وَقَالَ هَكَذَا يُؤْخَذ الْعلم فَاسْتحْسن النَّاس ذَلِك مِنْهُ
وَكَانَت أَلْفَاظه تتبع وَأَحْكَامه تجمع ورميت لَهُ رقْعَة فِيهَا
(قولا لحدادنا الْفَقِيه
…
والعالم الماهر الْوَجِيه)
(وليت حكما بِغَيْر عقد
…
وَغير عهد نظرت فِيهِ)
(ثمَّ أبحت الْفروج لما
…
وَقعت فِيهَا على البديه)
فى أَبْيَات يعْنى أَن مَادَّة ولَايَته من الإخشيد لَا من الْخَلِيفَة
وَقد أجَاب عَن هَذِه الأبيات جمَاعَة
ثمَّ قَالَ وَلم يزل ابْن الْحداد يخلف ابْن أَبى زرْعَة فى الْقَضَاء إِلَى آخر أَيَّامه وَكَانَ ابْن أَبى زرْعَة يتأدب مَعَه ويعظمه وَلَا يُخَالِفهُ فى شىء
قلت وماأحسن قَول ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى حق ابْن الْحداد بعد مَا نَصره فى فَرعه الْمَشْهُور بِأَنَّهُ وهم فِيهِ وَهُوَ مَا إِذا أوصى بِعَبْد لِرجلَيْنِ يعْتق على أَحدهمَا الْقَصْد دفع نِسْبَة هَذَا الإِمَام الْجَلِيل عَن الْغَلَط إِلَى أَن قَالَ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الإِمَام فى حق الحليمى إِمَام غواص لَا يدْرك كنه علمه الغواصون والبلدية عِلّة جَامِعَة للنصرة فَإِنَّهُ مصرى انْتهى
وَلَيْسَ هُوَ كَقَوْل الرافعى فى كتاب الطَّلَاق إِن ابْن الْحداد فَوق مَا قَالَ إِلَّا أَن الْعجب أَخذ بِرجلِهِ فزل