الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمات
مقدمة الطبعة الثانية
…
بسم الله الرحمن الرحيم
"أ"
مقدمة الطبعة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبد الله الذي اختاره من بين عباده ليحمل رسالة العلم والتعليم والإيمان للبشرية في كل عصر وعلى كل أرض، وأهله لذلك برعاية سماوية وتربية إلهية، فما نطق عن هوى، ولا تردد إلى معلم، ولا انتحل من فكر، وإنما جاءته الآيات من لدن حكيم خبير، فبلغها في أمانة لم تعرف الإنسانية لها نظيرا، وسلك بها طريقا تنحني له جباه الفلاسفة والعلماء والمفكرين عصرا بعد عصر، وتهتدي على دروبه قوافل الحياة عهدا بعد عهد، ويقف التاريخ على مشارفها عاجزا عن أن ينال منها، أو أن يلج فيها بالتغيير أو التبديل، أو المحاصرة والتقييد. وظل انطلاقها على الرغم من تهاوي القائمين عليها حقبا طويلة من الزمان، وعلى الرغم من بروز قوى من الشر عاتية حاولت ولا زالت القضاء عليها بكل أساليب المكر والدهاء. ودار الزمن دورته ليشعر الناس من جديد أن التهافت والتهاوي لم يكن في الإسلام وإنما كان في المسلمين، ولتشعر تلك القوى التي تصارعت وتضاربت وأكل بعضها بعضا وانصهرت عظام البشرية بين أنيابها في حربين عالميتين وما تبعهما من مآسي للإنسان، أن الخلاص من أوهامها وعذابها لن يكون إلا بالعودة إلى أحكام الإسلام ومبادئه التي لا مصلحة لصانعها في تغليب طبقة على طبقة ولا فرد على فرد ولا أمة على أمة،
لأن هؤلاء وأولئك جميعا عباد الله، وهم سواء من حيث منشئهم ومن حيث مآلهم الأخير. لقد كان فشل كل النظريات التربوية الاقتصادية والسياسية على كثرتها في بناء إنسان يتقارب مجتمعه تقاربا يقضي على نوازع الشر فيه، ويحوله إلى مصدر إسعاد له وللآخرين، بدلا من التصارع والأنانية والشراهة والأحقاد.
كان ذلك داعيا لظهور جماعات لا حصر لها في كل جوانب الأرض، رافضة لكل المباديء والقوانين بل والعادات والتقاليد التي يسير عليها الآخرون.
وكثرت الانقلابات العسكرية وشبه العسكرية في كثير من الأمم، وتبعها محاولات دائبة لتغيير المناهج والأفكار والسلوك، ولكنها فشلت واعتراها الضعف والهزال ثم تهاوت واضمحلت ليأتي من جديد غيرها ليسلك نفس الدرب وليخوض من أوهام جديدة نفس الطريق. وتتشابك القضايا وتهتز النفوس وتضطرب الجماعات، وتشتعل الحروب، ولا خلاص؛ لأن الصانع إنسان، وهو مهما أوتي لن يكون إلا واحدا من بين ملايين الآحاد، لا يمكن أن ينطبق نظامه وفكره على الجميع لصالح الجميع.
أما الإسلام ونظمه الاقتصادية والسياسية والتربوية فهي من وحي السماء، جاءت إلى الأرض جامعة وشاملة لكل جوانب الحياة فيها، لا يخرج عن دائرتها إنسان أو حيوان أو جماد، بل هي للجميع لصالح الجميع، لا فرق بين حاكم ومحكوم، غني أو فقير، قوي أو ضعيف، شريف أو وضيع، كلهم أمام التشريع الإلهي سواء.
ولن تحصل البشرية على أمنها وسلامها، بل ورقيها الاجتماعي والأخلاقي والنفسي إلا بالأخذ بجوانب هذا النظام الإلهي تربويا واقتصاديا وسياسيا.
1 الأنعام آية 98.
وترك هذه الأفانين التي ابتدعها الإنسان، إما لغايته الشخصية، أو من أجل جماعة ينسب إليها، أو وطن يستظل به أو جهل بأسس التشريع الإسلامي، أو فقر في الإيمان واختلال في العقيدة، وليس فيما أنادي به خروج على العلم وأهله، وإنما هو دعوة لهم على كل أرض ومن كل جنس ليتجهوا بما وهبهم الله من عقل وفكر إلى التحليل والموازنة والمقارنة بين النظم الإلهية الإسلامية، وبين ما هم فيه من تضاد واضطراب واختلاف في الرأي الواحد والنظرية الواحدة، ولست أشك أنهم سيجدون في رحاب الإسلام حلولا لكل القضايا التي ضاقت بها النفس الإنسانية منذ طغت عليها مادية الحياة، وابتعدت خطوات كثيرة عن روحانية الإيمان.
وأول ما أدعوهم إليه، تعمق نظم التربية الإسلامية، تلك التربية التي تعنى بالإنسان "جسدا، وعقلا، وروحا" فلا تكبت رغبات الجسد فيه، ولا تحد من قدرات العقل عنده، ولا تحصره في دائرة المادة الفانية، وإنما تجعل لروحه مددا متصلا بالقوة الخفية في هذا الكون تستلهم منه النور الذي لا تراه الحواس ولا يدركه العقل
ومن ينابيع تلك التربية سوف يهتدون إلى أسس العدالة والحق الذي اهتدى إليها المسلمون الأول، وأنشئوا بها مجتمعات الإخاء والتضحية والإيثار والوفاء والمحبة، والتي أصبح العالم اليوم في حاجة إليها أكثر من حاجته إلى الغذاء والكساء والمأوى؛ لأن هذه وتلك لا توفر للإنسان الأمان والاستقرار النفسي كما توفره تربية متصلة بالله تطلق الإنسان من عقاله وتدخله دائرة السلام مع نفسه وأهله وولده وجماعته.
وإني لأتساءل هل في كل مواثيق حقوق الإنسان وقوانينه ومبادئه وتشاريعه ما يعدل هذا القول الإسلامي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله عز وجل:
"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيتها لكم ثم أوفيكم بها. فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" 1 وقول الله تعالى:
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما أفسد من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها" وثبت أن عمر بن الخطاب جلد أحد أبنائه حين شرب الخمر، لم يمنعه عن ذلك أنه ابن أمير المؤمنين ولم يشفع له حسبه ونسبه. تلك هي مبادئ الإسلام وأحكامه التي ملكت قلوب الناس فجعلتهم ينشدون العدل والحق والسلام لكل الناس وعلى كل أرض. والتي تحرص تعاليمها التربوية على أن يكون الفرد جزءا من الجماعة والجماعة شريحة من الأمة والأمة بعض من الأمم، والكل في اتساق واحد من صنع الخالق، وإليه يرجع.
1 انظر رياض الصالحين للإمام النووي ص73.
ولو استطعنا من الوجهة السيكلوجية أن نستوعب هذا النظام، وأن نجعله قاعدة لتربية الإنسان لأمكننا -كما حدث في التاريخ مرة في زمن الرسول والخلفاء الراشدين وغيرهم- أن نعيد عمليات التطبيق المتكامل لأحكام الشريعة، وأن نجعلها موضع إجلال واحترام من كل بني الإنسان؛ لأنها في حقيقتها العدالة المطلقة، لا تظلم فردا من أجل فرد، ولا تحابي إنسانا على حساب آخر، الحاكم فيها كالمحكوم، والغني فيها كالفقير والعظيم فيها كالحقير لا يفترقان إلا بالتقوى والعمل الصالح من أجل الإنسان وفي سبيل الله.
وقد حاولت جهدي أن أعرض في ثنايا هذا العمل المتواضع بعضا من جوانب التربية الإسلامية، وأن أبين كيفية إيصالها إلى الأجيال المتعاقبة بأيسر طريق، وخاصة لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وكنت حريصا على أن أعرض بعض الأمثلة التربوية من عصر صدر الإسلام في الطبعة الأولى، ولكن ظروفا خارجة عن إرادتي لم تسعفني لتحقيق هذه الغاية، وقد تمكنت بعون الله من تحقيق ذلك في الطبعة الثانية، وإني لأرجو من الله أن يكون عملي خالصا لوجهه، وأن يقبله عنده، إنه وحده الموفق والمعين
…
دكتور
عبد الرشيد عبد العزيز سالم
أثر الوسائل المعينة في تدريس الدين
…
10-
القدوة الصالحة:
وهي لا شك تعد من أهم الوسائل في غرس الفضائل في نفوس التلاميذ؛ لأن الأطفال يلتقطون الأشياء وخاصة من معلمهم كما تلتقط آلة التصوير الصورة والمناظر، فإذا لم يراع المعلم الحكمة في أقواله وأفعاله وتصرفاته انتقلت منه إلى التلاميذ، وتبدل النفع الذي نرجوه من درسه إلى سيئات يحملها الأطفال عنه، ولذلك فإنه معلم الدين بل وكل معلم للأطفال يجب أن يكون نموذجا للفضائل والأخلاق السامية؛ لأنه بذلك يحقق نفعا لأبنائه ولأمته أفضل من ألف درس. وكلما كان المعلم مهذبا مع تلاميذه، عطوفا عليهم، راقيا في معاملته، صادقا في قوله، معتدلا في رأيه، كلما كان ذلك أدعى لحب تلاميذه له وتعلقهم به في القول والفعل. ونتج من خلال ذلك تعديل سلوك التلاميذ وتنمية الجوانب الخلقية في نفوسهم.
11-
الرحلات:
وليس كالرحلة شيء يجعل الطفل يرى بعينه ما يقرأه ويسمعه من الدروس الدينية، والرحلة إلى الأماكن المقدسة فوق أنها توضح المعلومات لدى الأطفال فإنها تضفي عليهم جوا روحيا، يحببهم في دروس الدين، ويجعلهم يتعلقون بها.
12-
الزيارات واللقاءات بين الجماعات الدينية بالمدرسة:
ليس هناك من ينكر على الإسلام جماعيته وقيامه على المحبة والسلام، وتحقيق ذلك في جو المدرسة ميسر لو توفرت النية الصادقة والإخلاص لله من معلمي التربية الإسلامية، لذلك يجب أن تكون لقاءات المعلم بتلاميذه دائمة وهادفة، يقصد من خلالها التعرف على مشاكلهم وحاجاتهم النفسية