الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا ما انتهت مناسك الحج حلق الرجل شعر رأسه أو قصره بأي قدر يشاء، ويحل له بعد ذلك ما كان محرما عليه في الإحرام إلا النساء وفي هذا بيان للنفس الإنسانية إنها مطالبة بأن تتجرد من كل أحوالها الدنيوية في وقت من الأوقات لتصفو فيها لله وحده، ولتقاوم النقائص البشرية التي تستهلك الإنسان في صبحه ومسائه. وكان ذلك في الحج أولى وأشد لتتمكن شعائر الحج من نفوس الحجاج وتنقلهم بالفعل من ماديتهم إلى الروحانية المقصودة من تلك الفريضة. وما أعظمه من أدب ذلك الذي يلزم الحاج بأن يغتسل ويتطهر ويطوف طواف الوداع شاكرا الله على ما أولاه من نعمه، وما تكرم عليه به من قدرة وصحة أعانته على أداء الفريضة، وطرح ما عليه من غبار الحياة، ومكنته من رؤية تلك البقاع الطاهرة التي شهدت الوحي وسار على رمالها خير الأنبياء وأعظم الرسل. وبطواف الوداع ينتهي المرء من حجه، وبروح تلك الأداب عليه أن يسلك طرق الحياة وأن يخوض غمارها.
كيف ندرس الحج لتلاميذ المرحلة الابتدائية:
يجب على المعلم في المدرسة الابتدائية التي هي أساس التعلم ومنبعه أن يكون مدركا لأهداف التربية بوجه عام، وأهداف التربية الإسلامية بوجه خاص؛ لأن ذلك يساعده على السير في دروسه بأسس واضحة تصل به في النهاية إلى تحقيق تلك الأهداف.
وأهداف التربية العامة كما هو رأي معظم علماء التربية ليست من الأمور المفروضة، والتي يجب التسليم بها كقضية مقدسة لا تحتمل التغيير أو المناقشة، وإنما هي خلاصة ما يجب أن يكون.
ومن هذه الأهداف العمل على تكوين الطفل تكوينا يساعده على فهم
مجتمعه الذي هو منه وإليه، ومعرفة تراثه الثقافي وتعلقه به وإدراك التنظيمات والمؤسسات القائم عليها البناء الاجتماعي من حوله. وأن يكون ذلك كله في نمو دائم يساعدنا على بناء شخصية متكاملة، يمكننا في النهاية أن نتعرف على قدراتها وإمكاناتها الفاعلة داخل إطار المجتمع، مع اعتبار القيمة الشخصية للفرد، واحترام ذكائه والإيمان به، وبما يمكن أن يؤديه في موقف من المواقف الاجتماعية، وعلم المعلم -بجانب مراعاته لهذه الأهداف- أن يتجنب فكرة إعداد الصغار من أجل حياة الكبار أو على شاكلتهم؛ لأنه لا هو ولا غيره يستطيع أن يعرف ماذا ستكون عليه الحياة عندما يصبح هؤلاء الصغار كبارا. فالمهمة إذن ليست طبع صورة الكبار على أذهان الصغار ليكونوا مثلهم، إنما المهمة الأعظم أن نبين لهم أن الحياة في تغير دائم، وأن التعليم وسيلة لفهم حياتهم الحاضرة والمستقبلة وتهيئتهم لقبول التغير الدائم في نظم الحياة، ونحن بذلك نساعدهم على التقدم والرقي؛ لأن المجتمع الساكن الهامد الذي لا حركة فيه ولا تغير مجتمع خامل بعيد عن طبيعة الحياة التي هي في حقيقتها دائمة الحركة والتغيير. ونحن إذا استطعنا ذلك نكون قد ساعدناهم على الإلمام بالحركات الاجتماعية والتاريخية، وأعطيناهم القدرة على الانطلاق مع الحياة نموا وتغيرا وحافظنا في الوقت نفسه على تراثهم الثقافي والحضاري.
وداخل هذا الإطار تكون مراعاة أهداف التربية الإسلامية التي هي في حقيقتها أهداف منطلقة إلى الأمام دائما، ومتسعة لأهداف الحضارة الإنسانية كلها ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وليس في هذا القول تغال؛ لأن التربية الإسلامية في إيجاز شديد تنشد بناء الإنسان:
1-
الدائم الاتصال بالله.
2 -
المتوازن بين الروح والمادة.
3-
المتوافق بين نفسه ومجتمعه.
4-
القادر على العطاء خلقا وعلما وعملا.
5-
المقدر لدور الآخرين في بناء الحياة، وقيمته كفرد بين جماعات متعددة الأشكال والأجناس والأهداف.
6-
المؤمن بأن العمل الشريف هو الحياة، وأن غاية الإيمان العمل الدائب القائم على التضحية والإخلاص واليقين بالله.
7-
النظافة في الجسد، والروح والفكر.
8-
التدبر في القول والنظر والعمل.
9-
النظام والدقة فيما يقول ويعمل.
10-
الثقة في النفس وتحريرها من عبودية المال والهوى.
والعبادات الإسلامية في جملتها تعمل على تكوين الإنسان المتصف بهذه الصفات، والطفل بطبيعته الفطرية مستعد لتقبلها بشرط أن يجد التطبيق والمثل، فلو استطاع المعلم أن يكون هو المثل والنموذج أمام تلاميذه. كان تحقيقه لهذه الأهداف أمرا سهلا وميسرا، وتمكن بعد ذلك من خلال التطبيق العملي أن يجعل تلاميذه حاملين فعلا لروح التربية الإسلامية متمسكين بها سلوكا وعملا.
والحج من العبادات الإسلامية التي تمثل نموذجا كاملا لهذه الصفات التي أشرت إليها، ويمكن للمعلم أن يبين لتلاميذه حكمة كل موقف من مواقف الحج عن طريق المناقشة والحوار، وذكر الآيات والأحاديث التي وردت في الحج، وأن يقص عليهم قصصا مشوقة تتعلق بالحج منذ بدء بناء الكعبة حتى عصرنا الذي نحن فيه، وأن يعرض على تلاميذه رسوما وخرائط تبين أماكنه مع التركيز على ما لهذه الأماكن من قدسية وحرمة شرفها الله بها. وعليه أن يبين
الهدف من كل عمل من أعمال الحج حتى يشعر التلاميذ بالقيمة الروحية التي ينشدها الإسلام من خلال هذه الفريضة.
ويمكن تصور خطوات درس في العبادات تقوم على الآتي:
1-
التمهيد للدرس تمهيدا قائما على أساس من الفهم والمعرفة بإبعاد دروس الدين. وذلك بأن يقصد المعلم من التمهيد الربط بين دروس العبادة والعقيدة التي هي مصدر هذه العبادة وسبب قيامنا بها. وكذلك الربط بينها وبين مشكلات الحياة وأثرها في علاج هذه المشكلات، هذا مع الحرص على أن يكون كل درس من دروس الدين مرتبطا بما سبق من الدروس الأخرى؛ لأن الدين وحدة متكاملة.
2-
عرض الدرس: ولا يتم بصورة سليمة إلا إذا استطاع المعلم أن يدير الحوار حول الموضوع، وأن يضرب الأمثلة من حياة الرسول وعبادته وطريقة أدائه لها، وكلما لاحت له فرصة ليقص عليهم قصة تتعلق بالعبادة التي هي موضوع الدرس ذكر تلك القصة وناقش تلاميذه فيها ليتمكن في النهاية من الوصول إلى وجدان التلاميذ وتأثرهم به وبالموضوع الذي يتناوله. ويمكنه أن يهيئ نفسه لذلك بالرجوع إلى كتب السيرة والتفسير والحديث. وما يتصل بها من الكتب الإسلامية كإحياء علوم الدين للغزالي والترغيب والترهيب، وزاد المعاد وغير ذلك من الكتب الحديثة التي تظهر في المكتبة الإسلامية كل عام. المهم أن يكون المعلم دائما على صلة بموضوعات الدين المختلفة حتى يتمكن من جعل درسه درسا مؤثرا في بناء شخصية التلميذ، وفي تكوين فكره وعقائده.
3-
الحرص على القيام بتطبيق العبادة عمليا، والمناقشة في كل فعل وحركة من حركاتها، والتركيز على الهدف منها، ومحاولة التعرف على وصول هذا الهدف
إلى التلاميذ بأن يتابع بعضهم وهم يطبقون عمليا في دائرة اتصالهم به وبزملائهم وبالمدرسة ككل.
4-
التقويم:
ويجب أن يشتمل على نماذج من الأسئلة والمواقف التي يمكن الاسترشاد بها للتعرف على مدى نمو التلاميذ في تحصيل وفهم الموضوعات الدينية، واكتساب المهارات والاتجاهات والميول والقيم التي تعمل الفرائض والعبادات الإسلامية على تنميتها في نفوس التلاميذ.
ويجب أن يكون هذا التقويم دائما ومتصلا طوال العام. وأن يكون شاملا ومخططا له. حتى يتناول كافة الأهداف الإسلامية التي تناولناها بالشرح والتحليل.
وأحب أن أشير إلى أن التقويم لا يعني أبدا معرفة مدى تحصيل التلاميذ لمنحهم الدرجات، وإنما يعني إبراز الأهداف التربوية، والوصول من خلال معرفتها إلى الحكم على نجاح العملية التعليمية أو فشلها، أي: إن التقويم هو عبارة عن عملية تشخيص وعلاج ووقاية للمادة الدراسية التي يقوم المعلم بتأديتها، وهو في مادة التربية الإسلامية ضروري وهام؛ لأن هذه المادة لا تقوم على الوصف والتحليل واكتساب المعلومات، وإنما تقوم على بناء قيم وأهداف وإبراز صفات. وهذا يجعل التقويم الدائم والمستمر هام بالنسبة لها.