الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: نظرة في العقائد
مدخل
…
نظرة في العقائد:
اقتضى الأمر فيما قدمناه من دراسة، أن نتناول البناء الإنساني في الإسلام. وأن نبين منهج العبادات الإسلامية الذي يساعد على إقامة هذا البناء شامخا وثابتا، لا تدمره الأعاصير ولا تحطمه الزلازل. ولما كانت العبادات قائمة على عقائد يقينية لا يتطرق إليها شك ولا يعتريها خلل، وجدت من الواجب أن أشير إلى هذه العقائد إشارات موجزة تفيد وترشد في عملية التخطيط لدروس العبادة السالفة الذكر.
والعقائد في الإسلام تقوم على "الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والبعث، والحساب" وبعض هذه الأشياء غيبي غير مدرك، والبعض الآخر ملموس وإن اختلف الناس حوله منذ فجر حياتهم. وقد جاء الإسلام ليقضي على هذا الاختلاف نهائيا، ويبين كل هذه العقائد بصورة تجعلها كلها وكأنها ملموسة ومشاهدة. فعن الإيمان بالله، بين الإسلام وحدة الله المطلقة التي لا يتطرق إليها شك ولا شرك ولا تشبيه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} 1
1 من سورة محمد آية 19.
وكل الأديان قبل الإسلام سواء كانت سماوية أو اجتهادية أقرت وحدانية الله المطلقة، على الرغم مما نقرأه ونعرفه من تشويه بعضها أو إدخال فيها ما ليس منها، وقد بين القرآن أنهم جميعا -أي: المتمسكون بالتعاليم الحقة منها قبل الإسلام- على صواب وأن لهم أجرهم يوم القيامة. قال تعالى في سورة البقرة آية 62:
ويوضح القرآن أنه لا اختلاف بين الأديان، وأن تربية الله لعباده تتابعت حسب الظروف والحاجات الإنسانية، وأن المختلفين ما أقاموا هذا الخلاف بينهم إلا لغاية دنيوية ينشدونها. لذلك فأمرهم إلى الله، هو وحده يتولاهم ويحكم بينهم. قال تعالى1:
والإسلام خاتم الأديان كلها، جاء معترفا بكل الأديان السماوية ومحللا لها، ومتحدثا عن أنبيائها، وملزما المسلمين بأن يؤمنوا بهم جميعا {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ومبينا أن أحكامه الأساسية هي التي أمر بها كل الأنبياء والرسل قال تعالى2:
1 من سورة البقرة آية 113.
2 من سورة الشورى آية 13.
فاختلاف الأديان إذن هو اختلاف من ناحية الشرائع فقط.
{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} 1
ولكن الكل مسلمون -أي: مسلمون لله بوحدانيته وقدرته وبقائه وعلمه- وكل ما عدا الله هباء وفناء. وهذا نوح يقول: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 2 وإبراهيم وإسماعيل {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 3 {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} 4 ويوسف {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 5 وكذلك عيسى والحواريون {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} 6.
ومن هنا كان الإسلام يعني الإيمان بكل الرسل، والكتب المنزلة عليهم، فلا يكون المرء مسلما إلا إذا آمن بهم جميعا، وصدق بكل ما جاءوا به؛ لأن الإيمان لا يتجزأ، ومن هنا أيضا كان الإسلام دينا عالميا للإنسان والجن بلا اختلاف ولا تمييز.
وقد بين الله في كتبه أن له ملائكة هم جنوده لذلك كان الإيمان بهم من
1 من سورة المائدة آية 48.
2 من سورة يونس آية 72.
3 من سورة البقرة آية 128.
4 من سورة يونس آية 84.
5 من سورة يوسف آية 101.
6 من سورة آل عمران آية 52.
مقتضيا التسليم له، والاعتراف بوحدانيته وقدرته قال تعالى1:
واليوم الآخر: أي: يوم القيامة، أو الساعة، أو الحاقة، أو غير ذلك من الأسماء التي أطلقت على اللحظة التي يأمر الله فيها بأن تبدل الأرض غير الأرض والسموات، وهو من الأمور الغيبية التي لم يخبر الله به أحدا من أنبيائه، وجعل علمه مقصورا عليه وحده قال تعالى3:
والإيمان بهذا اليوم وغيره من الغيبيات هو دليل يقين الإنسان بالله، ومشهد تصديقه على القدرة الإلهية التي صنعت الكون بحساب، ورسمت نهايته بحساب، وأعدت البعث والحشر أيضا بحساب وقد أمدنا الله بلطف من عنده بعض علامات لهذا اليوم تحدث في الدنيا قبل وقوعه قال تعالى4:
1 من سورة البقرة آية 285.
2 من سورة النساء الآيتان 150، 151.
3 من سورة الأعراف آية 187.
4 من سورة الدخان من 10 إلى 16.
وفي تلك العلامة إشارة إلى ابتعاد الناس عن الإيمان وهجرهم لتعاليم الله، فإذا ما جاءتهم هذه الظاهرة الطبيعية الرهيبة وامتلأت السماء بدخان يخنق الأنفاس ويحرق الأكباد، نادوا ربهم إنا مؤمنون، ويكشف الله عذابه إلى حين ثم تأتي الساعة التي لا مفر منها ولا خلاص.
وهناك علامة أخرى يقول الله فيها1:
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ}
ووقوع القول يعني صدور أمر الله بما سيحدث، وقد أمر الله نبيه أن ينذر الظالمين بعذاب ذلك اليوم، وأن يحذرهم من هوله الذي لن ينفع فيه صديق ولا شفيع مهما بلغ جاهه أو سلطانه قال تعالى2:
وهذا اليوم الذي استأثر الله بعلمه، وذكر لنا بعض علاماته سيأتي في أي لحظة، لذلك الإعداد له بالعمل الصالح والتقرب إلى الله غير محدد بزمن، فكل الناس في كل عصر وعلى كل أرض يجب أن يعدو أنفسهم له فإنه آت لا ريب في ذلك:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} 3 ووصف هذا اليوم
1 من سورة النمل آية 82.
2 من سورة غافر آية 18.
3 من سورة النحل آية 77.
كما جاء في القرآن يوحي بقدرة الله الهائلة التي لا يمكن لعقل أن يحيط بها، ولا لعلم مهما بلغ أن يصل إليها. فهو يحدثنا عن خسوف القمر وكسوف الشمس، ونسف الجبال وانفجار البحار وزلزلة الأرض، وتشمل الصاعقة كل من في الأرض والسماء إلا من يحفظه الله من ذلك ليكون شاهدا لهذا اليوم العظيم. وفي هذا يقول تعالى1:
وفي سورة التكوير:
وفي سورة طه 105، 106:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}
وفي سورة النبأ 19، 20:
{وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}
وفي سورة الزمر آية 68:
والبعث: وهو عملية إعادة الأموات إلى الحياة مرة ثانية، الإيمان به لا يفترق في معناه عن الإيمان بغيره من الغيبيات، وإن كان يقين المؤمن به يجب أن يكون متابعا له في الليل والنهار وفي كل حركة من حركاته؛ لأنه الذي عن طريق تصوره يعرف المرء موقفه بين يدي الله، ويحاسب نفسه على قوله وفعله قبل أن يأتيه ذلك اليوم، فهو بمثابة رادع للمرء عن ظلمه وجبروته وطمعه في
1 من سورة الانفطار 1، 4.
دنياه، ومنبه له ليتحسس طريق الخيرالذي به ينجو يوم يعرض الله أعمال العباد عليهم.
ولا شك أن إعادة الموتى إلى الحياة ثانية أسهل من بدء الخلق أولا، فالإيمان بالبعث لا يحتمل جدالا أو مناقشة، وإنما شكله وطريقته هو الذي لا نعرف منه شيئا واستأثر الله بعلمه، ولم يذكر لنا منه إلا بعض الأحوال التي ستحدث. وفي سورة الزمر يحدثنا المولى عن ذلك فيقول1:
وفي سورة يس 51:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}
وفيها أيضا آية 53:
{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}
وفي سورة القمر 7:
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}
وفي سورة الكهف 47، 48:
1 الزمر 68، 69.
وفي سورة مريم 68:
{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}
وفي سورة يس 81:
ولا بد أن يكون هذا البعث للحساب ليأخذ كل إنسان مكانه، وليعرف جزاء ما قدمت يداه، وهذا مركز الحركة، ومدار الأفعال، من عرفه وأدرك بعده خشي ربه وانتظمت الصلة بينه وبين خالقه.
والعبادات التي تحدثنا عنها، وبينا طرق تدريسها في المرحلة الابتدائية يجب أن تكون مربوطة بتلك العقائد؛ لأن العبادات هي مظهر الامتثال لهذه العقائد، ودليل التعرف عليها، لذلك كان من الضروري أن يبين المعلم أثر هذه العقائد في دروس العبادة، وأن يصل من خلال الربط بينهما إلى تنشئة التلاميذ تنشئة تقوم على مفهوم واضح يصل بين العقيدة والعبادة وبينهما وبين العمل والسلوك الذي ننشده في مستقبل حياة أبنائنا.