الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو الذي يكثف ذرات الماء فتهطل مطرا تصور سيطرة الطبيعة على نفسها، فإذا ما استطاع المعلم أن يبين له أن الشمس وحدها لا تعمل وأن الماء أصلا له خالق، وأن حركة الرياح لها سلطان يصرفها، ومن هذا كله يأتي المطر بأمر وحكمة، قضى على الازدواجية بين العلم والدين وأرجع كل شيء إلى أصله ومصدره. ومن هنا كانت مهمة معلم الدين مهمة صعبة. وقدرته العلمية والدينية يجب أن تكون فوق مستوى ما نراه ونعرفه من معلمي هذا العصر الذي نحن فيه. وإذا كنا نريد نجاح التربية الإسلامية فعلا في مدارسنا ومجتمعاتنا، فعلينا أن نشمل معلمها برعاية خاصة وعناية فائقة في إعداده إعدادا إكاديميا يقوم على البحث والتقصي في كل جوانب الدين، فكرا وعقيدة وفلسفة ومنهجا وتطبيقا، واذا أراد هو أن يؤدي رسالته بصورة ترضي الله والناس فعليه أن يكون قادرا على إقناع تلاميذه في مثل هذه المواقف، وأن يتبع معهم وسائل القرآن في الإقناع. فيبدأ بالملموس ويتدرج منه إلى المتصور ليصل في النهاية إلى المعقول. ولا يترك تلاميذه عند نقطة عقائدية إلا بعد أن يقنعهم بهذه الطريقة حتى لا تكون مسائل العقيدة في نظرهم مجرد طلاسم لا فكر فيها ولا حل لها
…
الطفل وعملية الميلاد والخلق:
كل طفل ما إن يصل إلى مرحلة الإدراك حتى يبدأ في التساؤل. من أين ولدت؟ وفي أي مكان كنت؟ وكيف سرت وتكلمت وغير ذلك من الأسئلة التي يبدأها طفل في الثانية من عمره وتظل معه حتى السابعة أو الثامنة تقريبا، وكل ما يسمعه من إجابات عنها لا تقنعه، وإن كان يظهر رضاه عنها في وقتها؛ لأنه لا يملك تعليلا غير ذلك، وبعض الأطفال في سن الخامسة
يعتقد أن الله أوجده في بطن أمه من مجموع الغذاء الذي تتناوله، وبعضهم يتصور أنه وجد هكذا كما هو بشكله وحجمه. وأن أمه ولدت أباه كما ولدته فإذا ما وصل إلى السابعة من عمره راح يفكر إلى ما هو أبعد من ذاته وذات أبيه، فيسأل عن الإنسان الأول كيف ولد وكيف وهو فرد واحد امتلأت الدنيا هكذا؟ وهنا يبدأ تلمس الطريق نحو معرفة الخالق والبحث عنه. لذلك كانت المرحلة الابتدائية هامة في تكوين العقيدة على أسس صحيحة. وفي الإجابة على كل التساؤلات التي أرقت هذا الطفل منذ أدرك حتى جاء إلى المدرسة فإذا كان معلم التربية الإسلامية على درجة من العلم والكفاءة استطاع أن يجيب على كل هذه التساؤلات، وإن يربطها بالجوانب الفكرية والمنطقية في العقيدة الإسلامية. التي توضح أن الكون كله خلق من فيض الله. وأن ذات الله تعالى هي التي أوجدت هذا الكون كما يشهد على ذلك كل شيء في الوجود. بدءا من الحشرة الصغيرة إلى الجبل الكبير. إلى السماء والأفلاك والهواء والفضاء. كل شيء بمقدار. وكل حركة بحساب ولا يكون ذلك إلا من صنع خالق حكيم قادر. وكل هذه الدلائل تقودنا إلى التسليم لهذا الخالق، تسليما فرضته علينا قوى الطبيعة القاهرة وقبله العقل والمنطق؛ لأنه يتفق مع الحقائق التي نشاهدها وتمر بنا أحداثها في كل يوم.
وإذا كانت العملية التعليمية تعنى أول ما تعنى بخلق الملكات، والعمل على اتساعها وتنميتها، فإن الطفل معرض بناء على ذلك، إلى تصعيد أفكاره وتساؤلاته. لنراه في وقت من الأوقات يطلب لكل معلول علة، ويحاول تطبيق ذلك بالنسبة للذات الإلهية، والإجابة عن هذه الأشياء بالنسبة للأطفال يعد أمرا حيويا يتصل بالتوافق بين الدين والحياة، وبين الأوامر الإلهية والفكر الإنساني الذي يطرق على التلميذ بابه في كل لحظة، ولكي تكون الإجابة
سليمة ومقنعة يجب أن تنال الطفل من ناحيتيه النفسية والعقلية، وفي الناحية النفسية سنجد الأمر سهلا، إذ بيان عجز الطفل عن خلق حشرة أو زرع عضو أو إعادة الحياة لميت، وربط ذلك بأمثلة تبين عجز من هم أعظم منه وأكبر، كوالديه ورؤساء الدول وقادة الجيوش والعلماء والحكماء. عجزهم عن رد الموت عنهم، أو مقاومة المرض، ومنع العواصف والزلازل وغير ذلك مما هو مدار عجز الإنسان، كل هذا سوف يريح الطفل نفسيا. وهنا ننقله إلى الجانب العقلي الذي به يتضح له الكمال الإلهي في قدرته وعظمته وحكمته. تلك القدرة والعظمة والحكمة التي تقتضي ألا يكون هناك رب سواه. والتي تدعونا إلى التفكر في مخلوقاته الهائلة حتى لا نناقض أنفسنا ونتساءل عمن أوجد الله. إذ لو احتاج الله إلى من يوجده لكان ضعيفا مثلنا، ولكان هذا الكون فاسدا على غير نظام، يعتريه المرض ويحكمه الضعف، وتتداخل أشكاله وألوانه، فلا يكون على ما هو عليه من تناسق بديعة ومعجز.
وبسكون النفس واطمئنان العقل يتبين الطفل أن مثل هذا التساؤل مناف للإيمان بالله عز وجل وبكماله وقدرته التي نلمسها في كل شيء. ومعلم التربية الإسلامية يستطيع أن يلمس هذا الجانب في كل درس من دروس الدين. وأن يجيب عن هذه الأسئلة قبل أن تصبح مركز ثقل عن نفسية التلميذ ومدركاته. وكلما كان المعلم دقيقا وواضحا، كان تقبل التلاميذ لهذه النتائج سهلا وميسورا. ولا أكون مغاليا إذا قلت أن رسوخ العقيدة أو اضطرابها إنما يتكون في هذه الفترة من المرحلة الابتدائية. وأن دور المعلم فيها أكبر من دور الأسرة والمجتمع وأنه بسلوكه ومنطقه واعتداله يظل يلاحق تلاميذه حتى بعد فترة المراهقة. وليس معنى هذا، إلغاء دور الأسرة والمجتمع. وإنما هو بيان لمراكز التأثير في ترتيبها وأولويتها.
فالمدرسة ومعلم التربية الإسلامية أولا.