الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التهذيب:
تدريس التهذيب:
التهذيب: في معناه العام يعني "التربية" وفيما نقصده هنا هو بناء الأخلاق وتقويم السلوك، وإيقاظ الضمير، وشحذ الهمم، وتربية الإرادة على أسس إسلامية تؤدي نتائجها إلى وجود الإنسان المسلم الحق الذي يتحلى بأخلاق القرآن وآداب الإسلام، ومبادئه في الأخوة والتسامح والعدالة والمحبة. وهكذا يوجد المجتمع المسلم الذي تهدف التربية الدينية بجملتها إلى بنائه وتكوينه.
أهداف التهذيب:
1-
تنمية الشعور الديني عند الطفل، وتمسكه بالفضائل والأخلاق، كما تنهاه عن الرذائل والعادات القبيحة والأمور التي تخالف الدين.
2-
تربي فيه روح الخير والتسامح، وتعوده الثقه في النفس، وقوة الاحتمال والصبر، وضبط الانفعالات، والتضامن مع الآخرين في سبيل الخير والتفاني في العمل، واحترام الآخرين. لتتوفر له السعادة النفسية، والأمن والرضا داخل مجتمعه.
3-
إبراز الاتجاهات القويمة أمام التلاميذ ليتمكنوا عن طريقها من تكوين علاقات اجتماعية سوية وناضجة، أساسها الإخاء والتعاطف والتراحم
فيما بينهم، وغايتها معرفة واجباتهم نحو الآخرين. من احترام للحقوق، وتقدير للمزايا، ورعاية للصالح العام.
4-
تعلم آداب الزيارة والحديث، وما يجب أن يتحلى به الفرد من أخلاق فاضلة سواء كان في البيت أو في المدرسة أو في الشارع، وتعلمه فضيلة الاستماع وحسن المناقشة والترفع عن الدنايا والقبيح من القول والفعل.
5-
المقارنة بين الأهداف والمبادئ التي يتمسك بها الناس في تعاملهم اليومي الآن، وبين الأهداف المبادئ والمثل الإسلامية الحقة، لنغرس في نفوسهم حب الدين والاتجاه إليه والارتواء من فيضه في العلم والعمل.
6-
إبراز ما في التراث الإسلامي من عظمة وحضارة وفكر، وما كان عليه رجاله من خلق وبطولة وفداء. ليعتزوا بهذا التراث. ويحاولوا تقليد عظماء الإسلام والاقتداء بهم.
7-
بيان أن الحياة لا تستقيم إلا بالربط بين الروح والمادة، وأن الإسلام هو الدين الإنساني العام الذي جاء صالحا للدنيا كلها، ولكل زمان مهما اختلفت الأشكال والأجناس والألوان، وبذلك ننمي في نفوسهم الجوانب الروحية، والتمسك بتعاليم الدين.
والنفس الإنسانية بطبيعتها لديها الاستعداد للتكوين الخلقي؛ لأن عامل المتعة والألم فيها موجود بالفطرة، والأخلاق تحقق لصاحبها اللذة والمتعة حيث يكون مقبولا بين الناس مستعدا للقاء ربه، ولذلك لم تخل الشرائع الإلهية من التهديد بالنار والوعد بنعيم الجنة، والقوانين والشرائع الوضعية أيضا تتضمن هذين الجانبين، وعن طريق الأخلاق يتحقق الوعد الإلهي بالجنة ويأمن الإنسان سطوة القانون الوضعي فيصل إلى اللذة والمتعة. وبانتفاء الأخلاق أي: خروجه على الأوامر الشرعية أو مخالفة القانون يتعرض للآلام والعذاب. والأطفال أكثر
استعدادا للخضوع لهذين العاملين لذلك نادى جان جاك رسو ومنتسوري بمبدأ عقوبة الطفل، العقوبة التي ترده عن المخالفة وتعود به إلى جادة الصواب، والقصة في التهذيب يجب أن تشمل على بيان الثواب والعقاب وكيف ينال الطفل عطف المجتمع وتضامنه معه، ولماذا يصبح البعض مكروها مبغضا من الآخرين، ومن خلال هذا السياق يعرض المعلم أوجه الثواب والعقاب عند الله وأسبابهما والطرق المؤدية إليهما. ولا يصح أن يكون العرض على هيئة أوامر ونواهي وإنما يجب أن يتضمن من الإيحاء ما يؤدي إلى غرس هذه الأخلاق والمثل -التي أشرنا إليها في النقاط السابقة- في نفوس التلاميذ غرسا يجعلها تصدر عنهم بغير تكلف أو رياء؛ لأنهم إذا أدركوا قيمتها الروحية ونسبتها إلى الله الذي هو وحده العالم بهم وبكل أعمالهم، امتلئوا بجب هذا الخالق العظيم، وشعروا بضرورة الرجوع إليه عند الشدائد. وأخضعوا نوازعهم لرقابة الله طمعا في محبته ورضاه لا عن خوف ورهبة.
إذا استطاع المعلم إبراز هذين الجانبين، حب الله. وحب المجتمع، فإنه بذلك يكون قد وصل إلى الغاية المرجوة من دروس التهذيب. وحقق مبدأ إسلاميا عظيما وهو ربط العقيدة بالعمل.
وأرى من المفيد في هذا المقام أن أبين بعض الأشياء التربوية التي تساعد على جعل دروس التهذيب أكثر فائدة، وأصدق وقعا في تربية النشء، وتنظيم اتجاهاته الأخلاقية بعيدا عن الانفعالات اللاإرادية، أو التقليد السيئ لحضارات ونظم مستوردة لا تقترب ولا تتشابه مع الإسلام في شيء.
أولا: إيمان المعلم برسالته، ومعرفته للدور القيادي الذي يقوم به في بناء الأجيال حيث يشكل هو أعظم قاعدة أخلاقية وإنسانية في حياة أمته وفي نفوس تلاميذه، فهو بالنسبة للأمة المخترع العظيم الذي في معمله تبنى الرجال، وتفتح العقول،
وتحدد الاتجاهات. وبالنسبة لتلاميذه فهو القدوة الفعالة والمؤثرة لفترة طويلة شاء ذلك أم أبى. لذلك يجب عليه أن يزن تصرفاته وأقواله بميزان الحكمة والصدق، حتى يرى فيه تلاميذه صورة الإنسان الذي ننشد تكوينهم على مثاله، وليعلم أن كل حركة وسكنة محسوبة عليه، فالطفل أشد نقدا وأصدق نظرة لمعلمه من أي شيء آخر في حياته. فإذا ما ارتكب هذا المعلم حماقة أيا كان حجمها فإن الطفل سوف يتأثر بها، ويكون تأثره في الغالب ذا أبعاد لا تنحصر في دائرة المدرسة والمعلم، وإنما تتعدى ذلك إلى المجتمع وإلى حياته العملية والخلقية، فليحذر المعلم أن يكون سببا في فساد إنسان وانحلال مجتمع، وانهيار أخلاق. وليضع قاعدة لنفسه في الملبس، والمأكل، والمشرب والقول والفعل داخل المدرسة على الأقل. إن لم يكن في حياته كلها. وليس ذلك بعسير إذا ما عرف المعلم أنه صاحب رسالة، وأصحاب الرسالات يمتازون بصفات أخلاقية معينة. وإذا ما عرف المعلم أيضا أن الطفل الذي يربيه مفطور على المحاكات والتقليد. وأن أول من سيقلده هو معلمه فعليه أن يوجه نفسه إلى كل ما يريد أن يربي عليه أطفاله من أخلاق وعبادات ومعاملات ومثل، حتى يصدر درس التهذيب من صميم نفسه عن قناعة ويقين، وحتى لا يكون أمام تلاميذه أشبه بالمهرج الذي يقول ما لا يفعل، وبالتالي سيعود أطفاله الملق والنفاق والغش والخداع، وعدم اليقين بأي شيء، حتى تهتز في عيونهم صور اليقين نفسه، وبهذا نشاهد مجتمع اللامبالاة والشك والحيرة. ولست أجد مسئولا عن ذلك إلا المعلم بالدرجة الأولى والأسرة بالدرجة الثانية، وليس لغيرهما دور في ذلك إلا بدرجة تشبه اللقاء العابر في حياة الناس.
ثانيا: تلك التربية التي تفسح المجال للطفل ليمارس بالفعل العادات والاتجاهات
والأخلاقيات والنظم والأفكار التي يتعلمها في دروس التهذيب: وخير طريق لذلك النشاط المدرسي، فقيام الطفل بالعمل في جمعية المدرسة يعلمه التعاون أفضل من عشرين درسا، وكذلك اشتراكه في فريق من فرق الكرة بالمدرسة أو ممارسته رياضة ما من الرياضات التي تقوم على تعاون الجماعة، وكذلك فإن عشرات الدروس في الآمانة ومئات الأمثلة من الأمناء، لا تعادل قيام التلميذ بأمانة الصندوق لجمعية مدرسية من قبل الطلاب بشكل دوري، وقيام بعض التلاميذ بجمع الزكاة أو الصدقة من أهل الخير والإشراف على توزيعها إلى من يستحق، تربي روح الخير والعطف على الآخرين، أفضل من مائة درس وألف رواية عن فعل الخير وأثره. ويمكننا عن طريق المشاركة الفعلية للتلاميذ في مثل هذه الأمور أن نكشف جوانب الخطأ في تربيتهم المنزلية، وأن نعمل على معالجتها بزيادة الرعاية وحسن التوجيه إلى ما تهدف إليه المدرسة وينشده المجتمع، وبإمكان المدرسة فعلا أن تمحو إساءة البيت إن أخلص القائمون بالأمر، وكانوا هم مثالا أفضل مما شاهد التلاميذ في منازلهم. وهذا يقتضينا أن نبين بعض المواقف التي تؤدي إلى عكس ما تهدف إليه التربية. مثل سوء الظن بالتلاميذ واعتبارهم دائما غير أهل لتحمل المسئولية، فإن ذلك بطريق غير مباشر يحملهم على اليأس والاشمئزاز من العمل، وبالتالي يربي فيهم روح التحدي والخيانة والعنف. فعلينا أن نمنحهم ثقتنا، ونوليهم عطفا يقربنا إلى قلوبهم، ونأخذ المتهم منهم بالنصح الانفرادي في حزم لا يشعر فيه بالتحدي، وبصبر لا يدرك من خلاله التهاون أو الضعف، وبهذا يمكن علاج النفوس المرهفة بلا جرح لها، واكتشاف النفوس الأخرى التي لا ينفع معها التلميح أو التصريح، فننتقل معها إلى مرحلة الحرمان من النشاط ومن مساعدة الجماعة في بعض المواقف، ويمكن أن يشتد العقاب أكثر من ذلك إذا لم تُجد هذه الطريقة، وهذا رأي علماء التربية بالنسبة للأطفال منذ عصر "القابسي". حتى عصرنا