الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"عندئذ ينشب في الطفل صراع بين نوازعه الداخلية والمطالب الخارجية التي هي مقاصد وتوقعات الكبار، الذين هم بدورهم يعانون من حالة عدم طمأنينة وحالة قلق في سلوكهم مما ينتج عنه القلق والبلبلة والحيرة التي تسبب له تحويل طاقاته من مجراها الطبيعي الهادف لتحقيق وصيانة وتعلية الذات إلى مجرى شاذ غير طبيعي، قوامه الخنوع والخضوع أو العدوان أو العزلة، والنأي بجانبه والترفع على الآخرين والاستعلاء. وفي تلك البدايات الصغيرة وبوساطة تلك الضغوط والكظوم الملحة تنشأ النفس النيروزية بما تحويه من شعور بالنقص، أو نبذ الذات والنفور منها. أو الطموح الخيالي، أو شعور الانتقام والتربص بالآخرين مع جموح وجنوح بأن تكون كلمته دائما هي العليا، وكلمة غيره هي السفلى، ولكن ما هو أخطر من ذلك
…
هو تسلط نازع أو باعث أو دافع جزافي لا يملك حياله دفعا لإشباع حاجاته.. وكثير من الأباء والمربين يسوغون سلوكهم على أساس أنه في صالح الطفل، بينما هو في الحقيقة يمثل اتجاههم الطبيعي في السلوك في مجالات إدراكهم التي تتحكم فيها قيم، قد لقنوها وتقبلوها جزئيا". ومن هذه الأفكار نستطيع أن نتصور دور البيت في تربية الطفل وإعداده إعدادا يتفق وحاجاته الدينية والاجتماعية والنفسية.
ب-
في المدرسة:
ترى التربية الحديثة أن المدرسة ما وجدت إلا لتكون بيئة يمارس فيها المتعلم نشاطه، ويرتقي عن طريقها بميوله ورغباته. وتتحدد قدراته وإمكاناته. وبهذا تعد المدرسة بيئة أخرى ذات أهمية إلى جانب البيت تنظم فيها الفاعليات وترتب فيها الأعمال حتى تستثير الطفل للنشاط، وتحفزه إلى العمل، وتدفعه.
إلى اختيار ما يتفق ومواهبه. والمعلم في هذا كله يقوم بدور المهيئ للمحيط، المنظم للخبرة، المساعد للطفل على تحديد أهدافه وغاياته، واستغلال مواهبه وقدراته، والإفادة من إمكانيات المدرسة في تعليم نفسه وتثقيف ذاته وتدريب يده وعقله. وهو غير مطالب -في نظر التربية الحديثة- بالتدخل في نشاط الطفل إلا حين لا يجد مقرا من ذلك، وإذا تدخل فإنما ليدل ويرشد ويوجه لا ليلقن ويعلم. وهكذا يكون عمل المعلم قد اتخذ شكل الإعانة على التعلم لا شكل التعليم والتلقين، وتكون المدرسة مكانا يتعلم فيه الطفل ولا يعلم.
والذي يهدي المعلم في المدرسة الحديثة هو الحياة، حياة الطفل الحاضرة وطفولته أولا، وخصائص هذه الطفولة وحياته الخاصة ثانيا. وصفات هذه الحياة الخاصة وقدراته وميوله ثالثا. وما تتميز به هذه القدرات والميول من فردية رابعا. وأخيرا الحياة المقبلة للطفل وحاجاته فيها ومكانه الخاص منها، على أن تكون هذه الحياة المستقبلية تبعا للحياة الحاضرة ونتاجا من نتائجها1، وهكذا نجد أن المعلم يعد القدوة الذي تتمثل في سلوكه الصورة الحية للتعاليم التي يدعو إلى اتباعهم. ومعلم الدين بالذات لا يمكنه أن يمثل القدوة إلا إذا جعل الأطفال يحسون ويدركون أنه أول مطبق لتعاليم الدين. ولا يخفى علينا أن الطفل يرى في معلمه المثل الأعلى ويقوم بتقليده في العادات والحركات والأساليب. فإذا وجد تناقضا بين أعمال أستاذه وأقواله ضعفت قناعته بهذه الأقوال، واهتزت في نظره قيمة هذه التعاليم، والمربي الناجح يدرك أبعاد مكونات الطفل، فيحرص على أن يبدو أمامه بالصورة اللائقة علما وثقافة وخلقا، ويدرك أن الطفل لا يكتفي منه بالعلم والثقافة، وإنما يستكشف جوانبه العملية، ويعرف إن كان يعمل بتعاليم الدين ويشعر بمسئولية أمام الله
1 انظر معالم التربية ص88، 89 للدكتور فاخر عاقل.