الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبادات:
الصلاة من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية:
الإسلام في بنائه العام ينقسم إلى قسمين: عبادات، ومعاملات، وقد سبق الحديث عن مضمون هذه المعاملات من الوجهة الأخلاقية والنفسية والاجتماعية، وسوف أتناول هنا العبادات من هذه الوجهة أيضا، مركزا على طرق تدريسها وخاصة في المرحلة الابتدائية. ومن أول العبادات وأهمها الصلاة. تلك الفريضة التي فرضها الله على المسلمين في اليوم والليلة خمس مرات، في أوقات محدودة، بنظام معين، وترتيب محدد، يتجه فيها المصلي بوجهه -أينما كان- جهة المسجد الحرام بمكة، وهي تبدأ بالتكبير "الله أكبر" ثم قراءة الفاتحة، وبعض آيات القرآن الكريم إن أمكن، ثم يركع المصلي منحنيا حتى يستوي ظهره ممسكا ركبتيه بيديه ويقول في سره أثناء ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثم يرفع رأسه حامدا لله قائلا: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ثم يخر ساجدا واضعا جبهته على الأرض، ويقول في أثناء سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم يرفع رأسه مكبرا، حتى يطمئن في جلسته، ثم يعود إلى السجود كالمرة الأولى، وتسمى هذه الأعمال "الركعة" يكررها المصلي مرتين في صلاة الصبح، وأربع مرات في الظهر والعصر والعشاء. وثلاث مرات في المغرب.
وقد أمر الله بإقامتها لوقتها وفرضها على المسلمين فقال تعالى في سورة النساء الآية 103:
{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
وفي سورة هود آية 114:
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}
وفي سورة طه الآية 132:
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}
وفي سورة البقرة آية 238:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}
وفي سورة إبراهيم آية 31:
{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ}
ووعد الله المؤمنين الذين يؤدونها بأعظم الجزاء، وبالفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة فقال تعالى في سورة "المؤمنون" 1، 2 {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، وفي سورة المعارج 34، 35 {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} كما توعد الغافلين، وأنذرهم بأشد أنواع العقاب في الدنيا والآخرة قال تعالى في سورة الماعون 4، 5:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} وفي سورة المدثر 42، 43:
{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}
والصلاة في حقيقتها خلوة قصيرة لمناجاة الله تشتمل على تفكر وتأمل وعلى ذكر ودعاء وعلى تلاوة القرآن، وهي وسيلة لتذكير الإنسان بربه. تنقله إليه، وتقربه منه، على الرغم من استغراقه في الأعمال اليومية الدنيوية التي توجه ذهنه
عادة إلى الكسب والربح أو إلى ملذات الحياة أو متاعبها ومشاقها، وأداة الصلاة والحرص عليها، مع اليقين والخشوع فيها، يمنع الإنسان من الاسترسال في الشهوات أو ميله إلى الظلم والشر والباطل وتقاوم فيه ضعفه النفسي وشعوره بالعجز. وتصله بمصدر القوة والحق والخير والعدل "الله الخالق الرازق، من له الحكم وإليه المصير".
وأول ما يفعل الإنسان منها "صلاة الصبح" يؤديها فيما بين الفجر وشروق الشمس، ركعتان، يجلس في الثانية، ويقرأ التشهد ثم يسلم على اليمين وعلى الشمال بتحية الإسلام "السلام عليكم ورحمة الله" وتأتي بعدهها "صلاة الظهر" ووقتها ما بين الظهر ومنتصف المدة التي بينه وبين غروب الشمس. وهي أربع ركعات.
ثم "صلاة العصر" ووقتها ما بين هذا المنتصف وبين غروب الشمس وهي أربع ركعات أيضا، يجلس المصلي بعد الركعتين الأوليين ويقرأ التشهد إلى "اللهم صل على محمد" ثم يأتي بالركعتين الباقيتين ويقرأ التشهد إلى نهايته ويسلم.
وتأتي "صلاة المغرب" ما بين غروب الشمس وزوال شفقها من الأفق وهي ثلاث ركعات، يقرأ التشهد بعد الركعتين الأوليين. ثم يقوم واقفا ويكمل بركعة أخرى ويقرأ التشهد ويسلم.
وخامس الصلوات "صلاة العشاء" ووقتها ما بين زوال شفق الشمس إلى ما قبل الطلوع الفجر، وهي أربع ركعات كالظهر والعصر. والصلاة في الإسلام لا تختص بمكان معين، فكل أرض نظيفة طاهرة، صالحة للصلاة عليها، وفي الحديث الشريف "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا". والمسجد الذي هو
مكان الاجتماع للعبادة، ليس وجوده شرطا لصحة الصلاة، وإنما لجمع المؤمنين في صلاة الجماعة التي هي أفضل أنواع الصلاة؛ لأن فيها التعارف بين المسلمين والتآلف والتعاون على البر والتقوى، فالمسجد يجمع المسلمين ويوحد وجهتهم ويقرب بينهم، حيث لا كبير ولا صغير، ولا عظيم ولا حقير. بين يدي الله وفي بيته.
لذلك كانت صلاة الجماعة التي يقف فيها المسلمون صفا أو صفوفا متراصة متساوية كوقفة الجند المنظم خلف واحد منهم، يتقدمهم إمام منهم ويتابعونه في أفعاله، كانت هذه الصلاة أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها الفرد وحده كما ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك من الصلوات ما لا تصح إلا في جماعة "كصلاة الجمعة" التي هي عبارة عن ركعتين يصليهما المسلم في كل أسبوع في جماعة، مع استماعه للموعظة، وتهيؤه لها بالنظافة والتطيب وليس أحسن ما عنده من الثياب، ووقتها وقت الظهر من يوم الجمعة، وكذلك صلاة العيدين "عيد الفطر" في أول يوم بعد شهر رمضان. "وعيد الأضحى" في اليوم العاشر من ذي الحجة.
هذه الصلوات في مجملها تتخلل ساعات الليل والنهار، فتذكر الإنسان بموقعه من الكون وخالقه، وتذكره برسالته في هذه الأرض التي استخلفه الله فيها. وبما أمره الله به، وبالمثل العليا التي رسمها الله لحياته، وهي تزكي في المرء نفسه وأعماله، وفي الحديث الشريف $"مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار على باب أحدكم كثير الماء يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فهل يبقى عليه من الدرن شيء".
وتسبق الصلاة بتطهير لأطراف الجسد أو الأعضاء البارزة من الإنسان
وهي نفسها أعضاؤه التي بها يفعل الخير والشر، تطهيرا بالماء النظيف الطاهر الذي يرمز إلى تطهيرها من الإثم والشر والعدوان قال تعالى في سورة المائدة:
وإذا تعذر التطهير المادي بالماء لعدم وجود الماء أو لعذر طبي يستحيل معه وضع الماء على هذه الأجزاء أو بعضها، اكتفى المرء بما يدل عليه من التطهير الرمزي بتراب الأرض النظيف الطاهر وهو ما يسمى بالتيمم1.
وهيئة الوضوء: تكون بغسل الوجه، واليدين إلى مفصل الذراعين والرجلين إلى مفصل الكعبين، ومسح الرأس، وإذا كان المرء جنبا وجب غسل البدن كله.
والصلاة في الإسلام ليس بها طقوس معينة، ولا شكليات غامضة إنما هي عبارة عن قيام وقعود وركوع وسجود. وهذه حركات طبيعية تدل على مختلف أحوال الإنسان في الحركة والسكون. ولا تحتاج الصلاة إلى رجل معين من رجال الدين لا تصح إلا به كما هو الحال في الأديان الأخرى. وإنما كل مسلم يحسن الصلاة ويعرف كيفيتها وأحكامها يمكن أن يكون إماما للناس في صلاة الجماعة، ويمكن أن يصلي وحده في أي مكان طاهر من الأرض؛ وذلك لأنه لا وسيط بين الله والمصلين كما في الأديان الأخرى، والإمام عند المسلمين للقدوة وتوحيد الرأي والتجمع والتعارف. واستعلاء المثل العليا على المال والمنصب والجاه والقوة. إذ كل المصلين على اختلاف أحوالهم المالية والاجتماعية يكونون على صعيد العبودية لله، وإن كان إمامهم فقيرا لا سلطان له ولا مال ولا جاه.
1 والتيمم عند الفقهاء معناه "القصد والتوجه".
وللوضوء فوائد نفسية وطبية:
أما فوائده النفسية، فهو يشعر المرء بالراحة والسكينة، ويزيل عنه الكثير من المتاعب، وينقله إلى حالة من نظافة القلب بعد نظافة الأعضاء؛ لأن المرء به يكون قد استعد للقاء ربه. وبثه شكواه، إن كان له شكوى، أو شكره على نعمه الدائمة التي لا تنتهي. وهو يطفئ غضب الإنسان وثورته ويحل في قلبه الأمن والراحة، ويزيل عنه الأوهام والمخاوف.
أما فوائده الطبية فهي كثيرة منها كما ذكر عدد كبير من الأطباء أن الوضوء الذي يوصى فيه باستعمال الماء البارد يؤدي إلى تقبض العروق الشعرية السطحية، ثم تعود إلى حالها بعد الوضوء، فيستفيد الجسم من ذلك فوائد متعددة. إذ يرتفع الضغط الدموي أولا، وتزداد حركة القلب، ويزداد عدد الكريات الحمراء، وتنشط المبادلات في الجسم وتقوى الحركات النفسية، فيزداد مقدار الأكسجين الداخل، وتكثر كمية ثاني أكسيد الكربون الخارج، وغسل الأجزاء المكشوفة بالوضوء له تأثير عام على الجسم إذ يفرز البول ويكثر من إفراغ السموم وتزداد الشهوة إلى الطعام وينشط الهضم وتتنبه الأعصاب الجلدية والأعصاب المحركة، وينتقل هذا التنبيه إلى جميع الأعصاب الوريدية والرئوية والمعدية، ومنها إلى جميع الأعضاء والغدد. وفيه الوقاية من أمراض الأسنان واللثة؛ لأن المضمضة والغرغرة والاستنشاق التي هي من سنن الوضوء تؤدي إلى القضاء على الأمراض التي تنتشر عن طريق الجهاز التنفسي أو الفم.
وقد وضح ذلك في تقرير طبي للدكتور عبد الواحد الوكيل1 قال: "يؤدي الجلد للجسم وظيفة هامة جدا وهي إفراز العرق من آلاف غدد العرق
1 انظر "علم الصحة" للدكتور عبد الواحد الوكيل.
الموجودة فيه، ويحتوي العرق على مواد دهنية وأملاح فإذا تبخر الماء بقيت الأملاح الدهنية وتراكمت على الجلد
…
فإذا كان الجلد قذرا من تراكم هذه الأملاح والمواد الدهنية عليه انسدت مسام الغدد العرقية، وينتج عن ذلك أن عملية العرق لا تؤدى كما يجب، ووجود القذارة على الجلد قد يؤدي إلى حدوث عدوى الأمراض المعدية، وأن نظافة الجلد والأظافر هي من أهم لوازم الصحة الشخصية، فيجب غسل الوجه واليدين عدة مرات في اليوم، وبالأخص قبل النوم وبعده، وغسل اليدين قبل الطعام وبعده وبعد استعمال المرحاض، وإذا صافح الإنسان مريضا بمرض معد أو جلدي، أو إذا صافح شخصا قذرا.
كما يجب على الإنسان أن يعنى يغسل مخارج الإفرازات، أما نظافة الفم فمن أهم الضروريات؛ لأن إهمال ذلك يؤدي إلى ازدياد الميكروبات بالفم وإلى تسوس الأسنان وإلى تقيح اللثة من بقايا الطعام، ويصير صديد الإنسان واللثة مصدر خطر كبير على جسم، لذلك يجب غسل الأسنان على الأقل مرتين في اليوم.
هذا تقرير طبيب عالم بأحوال أعضاء الإنسان، ويضع الوقاية لها من الأمراض عن طريق النظافة، ولو نظرنا في تقريره. لوجدنا أن الوضوء للصلاة يؤدي ما أشار إليه وزيادة، ففي الوضوء غسل لجميع هذه الأعضاء التي أشار الطبيب إليها خمس مرات في اليوم والليلة، وهذه حكمة إلهية وكفى بالله عالما وطبيبا.
وبالنسبة لبناء الأعضاء وتقويتها في الجسم، فقد سبق الإسلام بالصلاة كل أنواع التمارين الرياضية؛ لأن الصلاة فيها تمرين لكل عضو من أعضاء الجسم، وتأتي أوقاتها والجسم في أمس الحاجة إلى هذه التمارين فهي صلاة الصبح حيث نقاء الجو. والجسم ما زال مسترخيا من النوم، يقوم المرء بتمرين خفيف في ركعتين، وحين يحل بالإنسان التعب يأتي الظهر فيقوم
بتمرين أكثر في أربع ركعات، وفي العصر حيث قارب يوم العمل على الانتهاء وزاد في الجسم التعب والعناء يقوم بتمرين ثالث لينشط الجسم ويعود إلى طبيعته فإذا ما جاء الغروب ومال الإنسان إلى الاسترخاء والراحة يقوم بتمرين رابع أخف من سابقه في صلاة المغرب. وقبل النوم حيث قد امتلأت المعدة بالطعام واستسلم المرء للراحة التامة. يقوم بتمرين خامس في صلاة العشاء ليذهب إلى النوم بعد ذلك، وقد أخذ كفايته من الحركة والنشاط، مما يجعل دورته الدموية في نشاط دائم وعضلات الظهر والمعدة، والفخذين والساقين في كامل قوتها من فعل الركوع والسجود. وهكذا تعتبر الصلاة أفضل رياضة بدنية يستفيد منها الجسم.
وفي الصلاة كما في الوضوء فوائد نفسية متعددة؛ لأن الإنسان في الصلاة يتذكر ربه، ويدرك دائما رعاية الله له وأنه مشمول بعنايته، فلا يخاف ظالما ولا جبارا ويتقدم في أعماله بثقة ويقين أن أمره بيد من تقوم السموات والأرض بأمره، وإذا ضاقت به الحياة أو اشتد عليه حالها وجد في وقوفه بين يدي الله السلوى والعزاء، ولجأ إليه يطلب منه العون والمساعدة. وهذا فوق أنه يريح النفس ويطهرها. فإنه يوجد للإنسان مخرجا من كل ما هو فيه؛ لأن الأمر بيد خالقه وحده، وقد لجأ إليه فلن يرده خائبا. والصلاة فوق هذه الفوائد الصحية والنفسية والرياضية تعد عنصرا من عناصر البر والحق، الذي حث الله عباده عليه. قال تعالى في سورة البقرة:
ولأن الصلاة فيها اجتماع على محبة من الله ورضوان، وفيها محو لفروق الطبقات. يكون الرجل بجوار الرجل على سواء، لا فرق بين غني وفقير، وأمير وسوقة، وحاكم ومحكوم، بل الكل سواء أمام رب العالمين، وفي بيت الله، فقد جعل الله إقامتها أول عمل بعد الإيمان، يدل على صدق المؤمن، ويستحق بها المرء أخوة المؤمنين وحبهم ورعايتهم قال تعالى في سورة التوبة1:
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}
وهي أول دليل على إيمان المرء وتمسكه بتعاليم الله، واتباعه لأحكامه، والوسيلة العظمى للتقرب إلى الله والحصول على الأجر والثواب قال تعالى في سورة الأعراف:
وليس في الحياة شيء يهذب النفس ويرتقي بها كالصلاة، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتطهر الأفئدة من غرائز الشر التي تفسد على الإنسان حياته، وتجعله مبغضا من الله، منبوذا من الناس، معذبا في معاشه وعمله قال تعالى في سورة العنكبوت:
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}
وفي سورة المعارج:
1 انظر في تفسير هذه الآية وما يتعلق بها، الكشاف جـ2 ص177.
وقد اعترف بذلك المنصفون من أهل الرأي من غير المسلمين ففي المجلة الإسلامية الإنجليزية كتب "هراس ليف" يقول: "ما كان شيء في العالم ليقنعني بأن أي دين من الأديان يدعو إلى المساوة بين الناس، ولو أن بعضها يتظاهر بهذه الدعوة: فقد زرت كثيرا من الكنائس والمعابد فرأيت التفريق بين الطبقات داخل المعابد كما هو خارجها، وكان اعتقادي بالطبع أن الأمر لا بد كذلك داخل المساجد الإسلامية. ولكن ما كان أشد دهشتي حينما رأيت الشعور بالمساواة على أتمه بين المسلمين في عيد الفطر في مسجد "ووكنج بلندن" هنالك وجدت أجناسا مختلطين على اختلافهم في المراتب اختلاطا لك أن تسميه بحق أخويا، ولم أكن شاهدت مثل ذلك. ترى في المسجد نبويا من بلاد ممباسا يصافح عظيما من رجال الأعمال المصريين أو سياسيا من بلاد العرب. وقد ارتفعت الكلفة بين الجميع فلا يأنف أحدهم مهما عظم قدره من أن يجاوره في الصلاة أقل الناس شأنا، وإنك لا تجد أقل محاولة لتخطي الصفوف إلى مكان ممتاز بالمسجد؛ لأنه ليس هنالك أي مكان ممتاز. فالكل عند الله سواء لا فضل لأحد على سواه، وعندما صرح لي إمام المسجد بأن المسلمين يعتقدون رسالة جمع الأنبياء ويؤمنون بما أنزل إليهم كدت لا أصدق أذني. وكان هذا جديد استفدته عن الإسلام لذلك لم أعد أشك في أن هذا الدين يصلح لأن يكون دينا عاما".
وإذا كان هذا رأي رجل غير مسلم، فحري بنا أن نعلم لماذا جعل الله ترك الصلاة عنوانا على الانغماس في الشهوات وطريقا للوقوع في الغي والضلال، وسبيلا للهلاك في الدنيا وسببا من أسباب الخلود في النار. قال تعالى في سورة مريم:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}
وفي سورة المدثر:
وعرفنا أيضا أن ترك الصلاة وعدم تدبر معناها، والامتثال لها عملا وروحا يعد علامة من علامات التكذيب بيوم الدين. قال تعالى في سورة الماعون:
وإذا اشتد الضيق بالإنسان، وأتته المحن من حيث لا يدري وتكالبت عليه الأوهام، وأصبح لا يجد لنفسه مخرجا فعليه بالصلاة، فإن فيها العزاء والفرج، والمناجاة والأمل. ولا عجب فهي لقاء مع الله الذي بيده العمر والرزق والصحة والسعادة. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:"جعلت قرة عيني في الصلاة": ويقول تعالى في سورة البقرة آية 153:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}
وفي الآيتين 45 و 46 من البقرة أيضا يقول عز وجل:
وقبل أن أنهي حديثي عن الصلاة أحب أن أشير إلى أن الصلاة عبادة
لم تخل منها شريعة من الشرائع، فهي قديمة قبل الإسلام وكل الأنبياء والرسل أمروا بها. وعلموا قومهم إياها، وإن كانت تختلف بعض الشيء عن صلاة المسلمين. ولكنها تضم في معناها وهدفها ما تضمه الصلاة في الإسلام.
وجاءت تعاليم الصلاة لرسول الله في رحلة "المعراج" وهو بين يدي ربه وأمر بنظامها وعددها وهيئتها وأوقاتها على رأي معظم الفقهاء والمفسرين ورواة الحديث.
وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على قدم هذه الفريضة، كقول سيدنا إبراهيم يدعو الله تعالى أن يأخذ بيد ولده اسماعيل وأمه بعد أن تركهما في الصحراء عند بيت الله الحرام. في سورة إبراهيم:
وحين أمر الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة ناداهما
{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
[سورة البقرة آية: 125] .
وحدثنا المولى عز وجل عن عظمة إسماعيل وقيمته عند الله فقال تعالى في سورة مريم:
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}
ونبي الله لقمان يوصي ابنه فيقول له [سورة لقمان آية: 17] .
ويأتي موسى عليه السلام، ويشتد الحوار بينه وبين بني إسرائيل فمرة يطيعون، ومرات يكفرون، حتى يأتيه أمر الله بميثاق وعهد يأخذه عليهم، ومن نصوص هذا الميثاق الصلاة. قال تعالى في سورة البقرة:
وفي سورة المائدة:
ويبث الله الطمأنينة في قلب مريم، ويخبرها بأنها طاهرة صادقة أم لنبي، وعليها أن تشكر الله على ذلك فتصلي له وتركع وتسجد، ويأتيها الخطاب بذلك من ملائكة الله الموكلين بها:{يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} .
وحين أنطق الله عيسى وهو في مهده. كان نطقه بنبوته ثم بوصية الله له بالصلاة. التي هي عماد الدين كل دين. قال: كما جاء في القرآن الكريم على لسان عيسى عليه السلام من سورة مريم:
ومن هنا يتبين لنا قيمة الصلاة عند الله، وجعلها عصب الإيمان في كل دين، وروح العقيدة في كل رسالة، وأقرب الأفعال للتقرب إليه، وأسمى الأعمال لتطهير النفس والروح، وأسهل الوسائل وأيسرها للقاء الله ورفع حاجات المرء إليه بلا خوف ولا فزع، ومن أوامر الله إلى محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين قوله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} .
ولهذا كله كان تدريس الصلاة في مدارسنا عملا علميا وتعبديا، يرفع مكانة المعلم والمتعلم، ويجعلنا في موقف من يحافظ على أديان الله كلها، ويصون كلمة الحق، ويحفظ لنفسه المكانة عند ربه ليلقاه طاهر النفس والروح والبدن.
طريقة تدريس الصلاة في المرحلة الابتدائية:
هي تلك الطريقة التجريبية القائمة على التدريب في المصلى، ومحاكاة التلاميذ لأستاذهم بعد أن يتوضأ أمامهم أكثر من مرة، ثم يطلب من بعض التلاميذ أن يحاكوه واحدا بعد واحد، ثم مجموعة بعد مجموعة، حتى يطمئن إلى أنهم قد أدركوا جميعا كيفية الوضوء. وأثناء قيام بعض التلاميذ بالوضوء يشرح المعلم للباقين ترتيب استعمال الأعضاء وكيفيته، ويناقشهم فيما يفعله زملاؤهم مبينا لهم الصواب من الخطأ، ويجب أن يكرر ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من حصة. حتى يطمئن إلى أن التلاميذ جميعا أصبحوا يجيدون الوضوء.
وفي درس الصلاة يصلي المدرس أمام التلاميذ مرة أو أكثر، ويشرح قبل أن يصلي نوع الصلاة التي سيؤديها صبحا أو ظهرا، وكيف سيؤديها،
ثم بعد الأداء يطلب من أحد التلاميذ ممن يجيدون الصلاة أن يصلي أمام زملائه، ويقف المدرس مع الآخرين في موقف خاضع. ثم يشرح لهم ما يفعله زميلهم، ثم يطلب من آخر أن يصلي ويلاحظه بدقة من حيث الركوع والسجود والقيام والقعود، ويصلح له خطأ كل فعل أولا بأول أمام التلاميذ حتى يدركوا مواقع الصواب والخطأ، وهكذا يتابع عملية التعلم من واحد إلى آخر حتى يصلي الجميع أمامه. وعليه أن يوجههم إلى أن هذه الصلاة تقرب العبد من ربه وتسهل له أمور دينه ودنياه، وتساعد على النجاح والفوز والسعادة. ويحثهم على أدائها في المنزل وفي المساجد في أوقاتها. ثم يتابع ذلك في حصص متفرقة حتى يطمئن إلى أن التلاميذ أجادوا أداء الصلاة وأصبحوا يحرصون عليها.