الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي قول الصدق ثواب، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمال، ولا شك أن كل هذه القيم جاءت مرتبطة بالدين وبالعقيدة، محددة لشخصية المسلم وفارقة بينه وبين غيره من ذوي العقائد الأخرى.
الإسلام والإنسان:
الدين الإسلامي يسمو بالإنسان ويرفعه فوق كل الكائنات، فالطبيعة مسخرة له ولمنفعته، يستخدم في معرفة قوانينها عقله ويعمل فيها فكره، وبذلك فك القيود عن روح الإنسان وعقله جميعا، وأطلق طاقاته تبدع في الحياة ما أمكنتها القوة والقدرة، وقد دلت الآيات الكريمة في مواضع كثيرة من القرآن على سمو الإنسان، وأنه يفضل سائر المخلوقات فقد خلق في {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ومنحه الله من القدرات الذهنية والجسدية ما جعل كل عنصر في الطبيعة في خدمته يقول تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} .
وفي مواضع كثيرة يبين القرآن أن الإنسان وحده من دون المخلوقات هو خليفة الله في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة} {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} فالإنسان خليفة الله على الأرض، أحسن خلقه، وأبدع صنعه، وجعل كل ما في الوجود مسخرا له. وحمله من الأمانات ما لم تستطع حمله السموات والأرض والجبال {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} .
فالإسلام يعتد بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وقد جاء والاسترقاق منتشر ومتأصل في جميع الأمم، فدعا إلى تحرير العبيد وتخليصهم من ذل
الرق، وحرض المؤمنين القادرين على إعتاق الرقاب وفك أسارها، وجعل الكفارة في أكثر من موضع "عتق رقبة" وبالجملة فقد قضى على تلك العادة المذمومة التي كانت منتشرة بين الناس، ووسع في حقوق الإنسان واحترمها حتى في الدين نفسه قال تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فللإنسان كامل الحرية فيما يختار من الأديان والعقائد، وهو وحده المسئول عن عقيدته وعمله، وإن كان المسلمون قد قاتلوا فإنما دفاعا عن دين الله لا للعدوان أو إكراه الغير للدخول في الإسلام قال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} ويقول عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} . وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في حروبهم ألا يقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة، وأن يصونوا لأهل الذمة كنائسهم ومعابدهم، وأن تترك لهم الحرية في ممارسة عباداتهم، وجاء الخلفاء الراشدون من بعده فحافظوا على عهده ومبادئه، وليس هناك من ينكر موقف عمر بن الخطاب من أهل بيت المقدس، فقد "أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شيء من أمولهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم"1 وقد تكرر مثل ذلك العهد مع كثير من أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون داخل بلاد الشام أو الذين فتحت بلادهم بعد أن أغاروا على المسلمين أو هددوا حدودهم ودينهم.
وبنظرة شاملة إلى تلك القيمة الإنسانية في الإسلام يتبين لنا أن الإسلام دين السلام والعدل والمحبة، وأن القوة فيه لا تستخدم إلا في موضعها،
1 انظر سيرة ابن هشام. وتاريخ الطبري وفتوحات الشام للواقدي.