الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبتعد عن الشر إيمانا وطاعة، كما يعمل على البر بأهله وبالناس، يساعد الضعيف، وينصف اليتيم، ويطعم المسكين. لا تجده أبدا في دائرة نفسه، بل يتجاوزها إلى المجتمع بأسره يعطيه ويأخذ منه، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يرتقي به ضميره مع كل حركة وقول وفعل من أقوال العبادة وأفعالها، فتشتد مخافته من الله في السر والعلانية. فيحيا حياة طيبة، متكاملة في جوانبها الإنسانية، فهو سعيد في نفسه، محترم من أبناء جنسه، موثوق به في قوله وفعله، مرضي عنه من ربه. وبذلك تكتمل سعادته في الدنيا، ويحظى بالأجر العظيم في الآخرة، قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وليس هناك شيء في الحياة "كالعبادة" يرفع عن الإنسان هموم الدنيا، ويزيل كرباتها ويخفف من ضيق الصدور عندما تشتد المحن، وتأتي الأيام بما لا قبل للإنسان بمعرفته أو إدراك سره.
العبادات وآثارها النفسية والاجتماعية:
الآثار النفسية والاجتماعية للعبادات أكثر من أن تحصى. ويكفي أن أشير هنا، إلى أن العبادات تربي الضمير الديني عند الإنسان، وذلك الضمير يستمر مع الإنسان يساعده على طرد ما يخالف فطرة الإنسان الطاهرة النظيفة، حتى يصبح هو "أي: الضمير الديني" أساس الضمير النفساني والخلقي. فلا يرى الإنسان في نفسه ومن نفسه إلا ما يرضي ربه، ولا يرى في خلقه إلا ما يتفق وما يقوم به من عبادات تربطه بخالقه. لذلك كانت التربية الإسلامية بالنسبة للأطفال هامة جدا لكي نبني عندهم هذا الضمير الذي منه ستنبثق النفس الإنسانية وتنطلق إلى مجتمعها، تنشر فيه الخير والمحبة والرحمة،
وتأخذ منه الرضا والسعادة والثقة. ومن هنا أطلق العرب قديما على المعلم لفظ "المؤدب" لأنه هو الذي يطبع الطفل على العبادات، ويزرع في نفسه العادات، ويغرس في وجدانه طرائق السلوك الأخلاقي. وأدب السلوك في الإسلام مستمد من الدين نفسه علما وعملا، عقيدة وعبادة. ذلك أن الطهارة ركن أول في كل عبادة.
والطهارة منها ظاهرة، ومنها باطنة، منها مادية، ومنها روحية. والعبادات في الإسلام تشمل الجانبين معا؛ لأن جوهر الإسلام الصحيح يجعل الدنيا سبيل الآخرة ولا يحرم زينة الله. وإذا ما نظرنا إلى الوضوء كطهارة، وإلى الغسل كذلك. لرأينا أن تلك الطهارة إنما الراد منها أن يكون العبد طيب الجسد، كما فعل العبادة نفسه يجعله طيب الروح، ففي النية في العبادة طهارة القلب كما في الإعداد لها من نظافة طهارة للجسد. وفي الزكاة طهارة للمال وفي الصوم طهارة للروح، وفي الحج طهارة شاملة للمال والروح والبدن، وتعويد الأطفال من الصغر على العبادات الإسلامية، يطبعهم على طهارة النفس وتصفيتها من شوائب الدنيا. لينطلقوا إلى الحياة بنور الله يهديهم ويدفعهم إلى الحق والفضيلة.
والعبادات تعلم الطاعة والنظام. فالطاعة واجبة بنص الدين على الأبناء للآباء، وعلى الزوجة لزوجها، وعلى المأموم للإمام وعلى المتعلم للمعلم، وعلى الصغير للكبير، وهذا يؤدي إلى تناسق اجتماعي، وإلى بناء نفسية سوية لا تشعر بالضيق والملل من الأوامر والنظم الاجتماعية. والمعلمون والآباء والمؤدبون والناصحون والأئمة حين يقومون بتربية الشعب، صغارا كانوا أم كبارا، إنما يأمرون بما أمر الله به على لسان نبيه، وينهون بما نهى عنه. ولا تصلح تربية بغير طاعة، ولا تقوم جماعة بغير انقياد. ويتعلم المسلمون
النظام من العبادات. فالصلاة تؤدى في أوقات معلومة، وينتظم المسلمون في الجماعة وراء الإمام صفوفا متلاحمة كصفوف الجند. ويمسك المسلم في الصوم عند السحر، ويفطر عند آذان المغرب. وهكذا الشأن في كل عبادة. تؤدى في نظام ودقة، بطريقة محددة وفي وقت معلوم
…
وإذا استطاع المسلم فهم العبادات فهما قائما على الوعي والتدبر انتظمت أسرته واستقام أمرها. وبها يستقيم أمر الشعب، ويقوم المجتمع ويحيا الناس حياة راضية مطمئنة. وكانت الأمة في مجموعها راقية، فلا فسوق ولا فجور، ولا جرائم ولا أحقاد، ولا أطماع ولا أنانية، ولا تجبر ولا تكبر؛ لأن الدين يدعوهم إلى أن يكونوا أخوة متحابين، يشكلون مجتمعا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. وبذلك ترقى الأمة وتقوى جوانبها، فلا ينتقص منها عدو، ولا يطمع فيها طامع، ويشعر الناس بالسعادة والرضا، وينجو المجتمع من شرور النفس الإنسانية الحاقدة الطامعة. التي ما إن بعدت عن الدين والعبادات، حتى أصبح لا يرضيها شيء مهما كان، وإن بلغ مثل جبال الأرض ذهبا وفضة، وبالجملة فإن طهارة الجسد والروح بالعبادات، خير علاج للأمراض النفسية والاجتماعية، التي نراها اليوم تجتاح العالم مشرقه ومغربه.