الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أكثر الأديان تحديدا لمعنى التوازن. فهو في تعاليمه يبين أن الحياة جهاد وعمل يقول تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدعو الإنسان إلى العمل الدائب في الحياة، على أن يكون العمل خالصا لوجه الله والحق.
ولو نظرنا إلى قول الله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} لو نظرنا إلى هذه الآيات لوجدنا أنها ترسم صورة كاملة للإنسان المتوازن في الإسلام، الذي لا يغيب عن ربه، يصون مجتمعه، ويحفظ عرضه، وينأى بنفسه عن الظلم ويترفع عن الرذائل، وبالجملة فهو إنسان متوازن نفسيا واجتماعيا وأخلاقيا.
الدين والقيم:
حدد الدين الإسلامي قيما أساسية، وترك المرء الاجتهاد في قيم أخرى فرعية، ومن قيمه الأساسية، أنه أحل البيع وحرم الربا وطلب من المتداينين أن يكتبوا الدين بينهم حتى لا يقعوا في غبن أو خداع، أحل الطيبات وحرم الخبائث، دعا إلى العدل ونهى عن الظلم والجور، وطلب القصاص وحدد الإنصاف، جعل الناس سواسية لا يتفاضل أحدهما عن الآخر إلا بالتقوى، أعطى الإنسان القدرة وحاسبه في أي شيء بذلها، منحه المال وسأله في أي وجه أنفقه، طلب منه الإنفاق في وجوه الخير، ومنعه من التبذير في أوجه الشر، وأنزل الفرائض
لتكون مقياسا على تمسك الإنسان بما أمره الله به، ولكي تكون حكما بين نفسه وهواه.
ومن الحقائق المعروفة أن الرغبة الدائمة والملحة على الإنسان هي رغبة الوجود، وكل مغامرات الإنسان الطويلة ليست -في أقصى غاياتها- إلا طريقا لتحقيق وجوده، ومن ثم لإدراك معنى الوجود. وقد أخذت هذه المغامرات أشكالا مختلفة، فهي تتمثل مرة في البحث عما نسميه الحقيقة، وأخرى في البحث عن الله وثالثه في محاولة تفهم ما النفس، وإذا نحن ترجمنا هذه المحاولات في إطار أعم أمكننا أن نتمثلها في علاقة الإنسان بالكون، وعلاقته بالله، وعلاقته بالإنسان نفسه.
وقد حدد الإسلام هذه العلاقات في إطار عام من القيم الاجتماعية والروحية والأخلاقية، وكانت أنواع العبادات مظهرا مجسما لهذه القيم، ومحددا لها في سلوك دائم لا ينقطع عنه الإنسان، ولا ينفك منه إلا إذا خرج على عقيدته وتحلل من قدسية الدين. ومن خلال هذه العلاقات الدائمة بين العبد وربه تبدو المواقف الثانوية من النظر في الحياة والموت في الحب والكره، في الخلود والفناء، في الشجاعة والخوف، في النجاح والإخفاق، في العدل والظلم، في الفرح والحزن وكل هذه المعاني مستقرة في الضمير الإنساني، وقد استقرت فيه منذ وقت مبكر، منذ أن تبلورت التجربة الإنسانية في العقيدة الدينية، وجاء الإسلام منظما لكل هذه العلاقات مرتقيا بها إلى أقصى غايات السمو النفسي والعقلي والروحي، وعلى الرغم من أنها استقرت في ذاكرة ذاك الإنسان التي تكونت عبر التاريخ وانطبعت آثارها في عاداته المجتمعية، إلا أن الإسلام وضع لها سبل الكمال، وجعلها محببة إلى نفوس المؤمنين، كما يسرها عليهم. ففي الكلمة الطيبة صدقة، وفي إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وفي النية الخالصة أجر،