الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظر التلاميذ إلى أن هناك خطأ ما ونحن بصدد البحث عنه واكتشافه فإذا فطنوا إليه ولم يدركه التلميذ القارئ، أوقف التلميذ عند الخطأ وجعل مكتشفه من زملائه يصوبه له. فإذا كان التلميذ قد اكتشفه بنفسه أشار إليه إشارة عابرة وواصل السير في القراءة. ومن التجارب المفيدة تقييد الأخطاء الشائعة في دفتر أو على السبورة ومحاولة تصويبها في معظم الحصص عن طريق الحوار والمناقشة مع التلاميذ، حتى تقضي على هذه الأخطاء وتستقيم الألسنة، ويستحسن أن نحتفظ بالعبارات المصوبة فقط وأن نمحوا الخطأ منها. حتى لا يعلق بأذهان التلاميذ إلا ما نتمناه من عبارات سليمة ونطق صحيح.
القرآن والضمير:
إن الأصل في الأخلاق الإسلامية يرجع إلى سلطة خارجية هي سلطة الدين، وأساس هذا الدين "القرآن" الواجب تعليمه وتعلمه. وقد شمل القرآن أبعاد الضمير ومظاهره، وارتقى به ليكون الدافع والمحرك نحو الكمال الأخلاقي في الإنسان، والصلة بين الدين الإسلامي والأخلاق عظيمة تبلغ حد التوحيد بينهما، فالدين وسيلة لتكوين الخلق، والأخلاق مظاهر تطبيقية لأسس الدين ومبادئه.
ومنذ أقدم العصور والإنسان يتطلع فيما وراء الأفق يبحث عن شيء يستمد منه العون، ويركن إليه في ساعات اليأس والمتاعب والمحن، وهو في سبيل ذلك أرهف حسه وارتقى بشعوره، ذلك الشعور النفساني الذي هو بالنسبة للإنسان كالمرآة تنعكس عليها أعماله، فيرى فيها تقدير هذه الأعمال، ويتسنى له أن يحكم عليها بالخير أو الشر، وقد عبر علماء الأخلاق عن هذا
الشعور "بالضمير" وقالوا إنه هو الذي يقف من المرء موقف الرقيب، يحثه على أداء الصالح، وينهاه عن فعل الضار، ويعاوده بعد أداء الأعمال مستنكرا منه سوء عمله، مرضيا له عن جميل فعله "وهو ما يسمى براحة الضمير"، فلا توجد أخلاق بلا ضمير، سواء اعتبرنا أصل الأخلاق سلطة خارجية دينية أو اجتماعية أو قانونية، أو اعتبرنا أصل الأخلاق هو هذه السلطة النفسية الصادرة عن النزعات الذاتية والأفكار الباطنة، وليس من المتصور فصل الضمير عن الأخلاق، وبالتالي فصلهما معا عن الدين. إذ إن الدين هو محور الشعور الإنساني منذ الطفولة، ومن هذا الشعور يبنى الضمير الذي تقوم عليه دعائم الأخلاق، وما دام الضمير مكتسب من الدين فإننا نرى أن الإسلام يحل الضمير الديني محل الضمير الخلقي بحث يكون محور الشعور ومركز التساؤل "الرقيب" إنما هو الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإحسان قال:"أإن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". والقرآن الكريم أصل الدين ومنبع فكره يبين أن الله تبارك وتعالى مطلع على ضمائر الناس. وأنه محاسبهم على ما في ضمائرهم. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين} {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فالضمير له قوة الحث على العمل الصالح، والنهي عن ارتكاب السيئات، ووظيفته الاطلاع والرقابة على الأعمال. والله يعلم السر والجهر، كما يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو سبحانه الرقيب على الضمير أيضا، ولا يكون الضمير سليم التوجيه والفعل إلا إذا كان مستمدا
قواه من الدين ملتمسا هديه من القرآن ويرى القابسي1 أن إحياء الضمير لا يكون إلا بوسيلتين تتفرعان عن أصل واحد "وهو الإيمان الخالص بالله القوي العليم الغفور" والوسيلة الأولى "أن تعبد الله كأنك تراه" وهذا يقتضي من العبد أن يكون ملتزما بالطاعة والفضائل في كل أحواله؛ لأنه يشاهد الله في أعماقه كلما أقدم على فعل، وهذا يجدد إيمانه في كل لحظة، والوسيلة الثانية الاعتصام بالله؛ لأن الانزلاق الخلقي مرجعه اتباع الشهوات، ولا عاصم للإنسان من نفسه الأمارة بالسوء إلا الله.
فإذا ما أردنا أن تكون مجتمعاتنا قائمة على الضمير، فلا بد وأن نعتني بتعليم القرآن، ذلك النبع الذي يفيض بالأخلاق السامية، والذي حدد في خطوات سهلة ميسرة سبل الإيمان بالله، والاعتصام به، وهي الوسائل التي تحيي الضمير، فتستقيم الأخلاق.
وعلى المعلم أن يحرص في دروس القرآن على تعليم التلاميذ مبادئ الإيمان الصحيح، والعبادات المختلفة، ومراقبة النفس، والترفع إلى مرتبة الصالحين، والتوجيه إلى الله بالدعاء {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، وليكن صوب عينيه أن العبادة في الإسلام ليست عبثا، وأنه مسئول أن يجعلها كالغذاء والهواء في حياة التلاميذ، فالصلاة وهي جوهر الإسلام عبادة الغرض منها معرفة الله، وذكره في كل وقت، ودوام الذكر هو السبيل إلى يقظة الضمير. لهذا
1 انظر "أ" نقد العلم والعلماء أو تلبيس إبليس لابن الجوزي - والرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين - للقابسي.
الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتردية.
التعرف لمذهب أهل التصوف للكلابازي.
كانت الصلاة المفروضة على المسلمين تؤدى في خمسة أوقات متفرقة من كل يوم ليدوم ذكر الله بامتداد اليوم والليلة، {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} ، إذا استطاع المعلم أن يصل بهذا المفهوم وغيره من المفاهيم الإسلامية إلى عقول التلاميذ فقد حقق الغرض المرجو منه وإلا كان كمن يحرث البحر أو يزرع في الهواء.
وقد كان أثر القرآن في المسلمين كبيرا، وظهر ذلك في أحاديث رسول الله ومأثور المؤمنين، وكلاهما يبين أن إحساس الضمير بالرضى والسكينة عند فعل الخير وإحساسه بالسوء والقلق عند مقارفة الشر، إنما هو من علامات الإيمان، روي عن عمر "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن"1.
وفي الحديث ما يجعل فعل الخير موازيا في الأجر لأداء فريضة من فرائض التكاليف، بل لأداء ركن من أركان الإسلام، أو يجعله كفيلا عند الله بمغفرة فيها صلاح أمر المرء كله يقول صلى الله عليه وسلم:"من أغاث ملهوفا كتب الله له ثلاثا وسبعين مغفرة، واحدة فيها صلاح أمره كله، واثنتان وسبعون له درجات يوم القيامة"2.
وفيه ما يجعل فضيلة من فضائل الخلق والضمير جهادا من أعظم الجهاد عند الله؛ لأن المرء له ميادين عدة يجاهد فيها، منها ما هو في سبيل العيش، والعمل والبقاء، ورد الظلم، وأعظمها ما كان في سبيل الله والرسول يقول:"أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" 3 ويرى صلى الله عليه وسلم أن التراخي في دفع الظلم والتهاون في الدعوة إلى البر والخير والمعروف،
1 مسند أحمد جـ1 ص18 طبع الحلبي.
2 رواه الشعبي عن أنس في الجامع الصغير شرح الحفي ص313، 314 جـ3.
3 رواه أنس بالجامع الصغير ص356 جـ3.
يكون سببا للعنة الله في الآخرة وفساد الأمر في الدنيا فيقول: "والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا أو لتقصرنه على الحق قصرا. أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم" 1 أهو كما لعن "اليهود".
وفي الحديث ما يدل على أن النفاق فردي أو اجتماعي يكون سببا من أسباب الخذلان والفناء "إأن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كانه الرجل يلقى الرجل فيقول له: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض"2.
والنفاق في المجتمع من الأمور القاتلة له والتي تؤدي به إلى الهلاك، والمنافق مرذول في الدنيا معذب يوم القيامة. يقول الرسول "ليلة أسري بي مررت على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء؟ -سائلا جبريل عليه السلام فقال: هؤلاء خطباء من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون"3.
ويدل على ذلك أيضا قوله: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه4 فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون. يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر
…
؟ فيقول: بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه. وأنهى عن المنكر وآتيه" 5.
1 أخرجه أبو داود كتاب الملاحم باب الأمر والنهي/ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
2 كت الملاحم ص36.
3 مسند أحمد جـ3 ص120 "الحلبي".
4 الأقتاب. الأمعاء. واحدها قتب.
5 صحيح مسلم 53 كتاب الزهد والرقائق حديث 51 طبع الحلبي تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
لأن الضمير مخفي وهو مركز الثقل في أعمال الإنسان، وربما يتوب المرء توبة تبدل سيئاته حسنات، وفي حديث الرسول ما يبين مقدار ترغيبه في الأوبة إلى الضمير والإنابة على الذنب؛ لأن هذا المذنب الذي يعاود الذنب مرة بعد مرة ثم يحاسبه ضميره في كل مرة فيتوب ويرجع إنما هو في حقيقة أمره يتعامل مع الله، ويقظة ضميره هذه هي التي تجعل الله يغفر له هذه المعاودة، ونفت عنه وصف الإصرار يقول:"لم يصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة"1 ويقول: الإمام الغزالي "المؤمن مفتن تواب. وهو بعيد عن الإصرار والإكباب"2.
1 من تفسير الفخر الرازي جـ1 ص311.
2 المنقذ من الضلال ص101 ط دمشق.