الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه الدين الوحيد الذي قام وسيظل قائما على المبدأ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ} . {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} .
ويرى المنصفون من أهل العلم أن الحياة المتفقة مع التعاليم الإسلامية حياة أخلاقية لا غبار عليها؛ ذلك لأنها تتطلب الرحمة نحو جميع مخلوقات الله والوفاء بالعهود وكف غرائز الإنسانية.
وكما يحرص الإسلام على الآخرة لا يهمل الدنيا {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} . والإنسان مأمور في الإسلام بالطاعة والأعمال الصالحة ولكن بلا تشدد ولا قسوة. فالاستقامة في الدين كما يقول القابسي "مداومة المقام فيه لا ينكب عنه يمينا ولا شمالا ولا يلتزم منه ما لا يطيقه" وفي حديث الرسول: "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون" فالإسلام يرفض المغالاة وينادي بالتوسط "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه". وإذا عاش الإنسان معيشة صالحة في هذه الدنيا فإنه يبلغ درجة رفيعة في الآخرة، ولهذا اشتمل القرآن الكريم على كثير من المسائل الدنيوية المنوعة.
الإسلام والمجتمع:
جاء الإسلام في زمن تفشت فيه العصبية واتسم بالجبروت والطغيان، وتكالب الناس فيه على الباطل تسوقهم إليه عقائد فاسدة وعادات دنيئة فقضى على العصبية وحل محلها مبدأ التسامح والمحبة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وأزال روح القبلية من بنيه لتوجد فكرة الأمة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
الإسلام والمجتمع:
جاء الإسلام في زمن تفشت فيه العصبية واتسم بالجبروت والطغيان، وتكالب الناس فيه على الباطل تسوقهم إليه عقائد فاسدة وعادات دنيئة فقضى على العصبية وحل محلها مبدأ التسامح والمحبة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وأزال روح القبلية من بنيه لتوجد فكرة الأمة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . أمة أخوة الإيمان فيها فوق أخوة النسب، فترابط الناس وأصبحوا أسرة واحدة تمتد أعماقها في كل جنبات المجتمع الإسلامي، يتألم المسلم لألم أخيه، كما يفرح لفرحه يتعاونون على الخير آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، يسودهم البر والتعاطف "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" يتكافأ الناس فيه في الحقوق والواجبات فلا ميزة لحسب أو نسب، ولا لجاه أو سلطان الكل سواء في العبادات والمعاملات لا يتمايز أحدهم عن الآخر إلا بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
وهكذا أوجد الإسلام أمة لا يعيش أفرادها لأنفسهم وإنما يعيشون لأمتهم يفدونها بالروح والمال، والزكاة في الإسلام أكبر مظهر من مظاهر التضامن الاجتماعي، الذي يعمل على توحد القلوب وإزالة الأحقاد، وقد أوجب الدين فيه على كل شخص أن يقدم من ماله سنويا قرضا مكتوبا عليه للفقراء ولبناء المرافق العامة في الدولة، هذا فضلا عن الصدقات التي حث عليها القرآن وآثاب فاعليها ثوابا مضاعفا في الدنيا والآخرة {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وهكذا جعل الإسلام للفقراء حقا معلوما في أموال الأغنياء، ورغب القادرين في التعامل مع الله بالعناية بالضعفاء ومنحهم من أموالهم ما يعينهم على الحياة ويدفع عنهم الحاجة والعوز، وقد تسابق المؤمنون في هذا الميدان حتى رأينا منهم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وشاعت في المجتمع الإسلامي روح المحبة، الكل يتسابق لإغاثة الملهوف، وتفريج كربة المكروب، وتأمين الخائف، وإشباع الجائع، والمساهمة
الدائمة في إقامة المصالح العامة، وقد حرص الإسلام على تنظيم العلاقات بين الناس حفاظا على الكيان الاجتماعي وصيانة له من التمزق والاضطراب، كالميراث والتجارة والزراعة والصناعة، وثبت على مدى التاريخ الإسلامي سلامة الأسس والمبادئ التي جاء عليها نظام الميراث في الإسلام، وكانت الأوامر الإلهية واضحة في العمليات التجارية، فلا غش ولا خداع ولا استغلال {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقد أوجب للعامل أجرا يتقاضاه جزاء عمله، كما حثه على الإخلاص في العمل والتفاني في إجادته {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وهكذا تناولت التعاليم الإسلامية كل جوانب المجتمع بما يكفل له الأمن والاستقرار، ولكي تكتمل الصورة الاجتماعية في إطارها الصحيح نظم الإسلام علاقة الرجل بالمرأة، وقد كانت المرأة في الجاهلية مهضومة الحقوق محبوسة الإرادة، ففك الإسلام أسارها، وجعل لها ما للرجل من الحقوق وعليها ما عليه من الواجبات {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} . وجعل كرامة المرأة وصيانتها شيئا أساسيا لبناء المجتمع، فحرم البغاء وشدد في عقاب الزنا إلى حد القتل. ورغب في الزواج وجعله فريضة محببة إلى الله، ونظم تلك العلاقة الزوجية بما يجعلها وحدة متماسكة روحا وجسدا {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} وفي حجة الوداع وجه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا النداء إلى الناس جميعا "أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، وإن لا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة مبيتة، فإن
فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله. فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا" ووضح الإسلام نظام العلاقة إذا ما انفصلت الحياة الزوجية فللمرأة حقوق لا تنتقص من نفقة وأجرة إرضاع وصداق {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} ، وهكذا نجد أن الإسلام قد نظم المجتمع تنظيما دقيقا يكفل له السعادة والأمن، مما يجعله مجتمعا متآلفا ومتعاونا في طريق الخير والسلام والمحبة.