الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القيم والاتجاهات وأهمية تركيز المعلم عليهما
…
القيم والاتجاهات وأهمية تركز المعلم عليها:
القيم في سيكولوجية نظرية المجال، هي اتجاهات السلوك أو للعمل أو اتجاهات في السلوك أو العمل، أو هي السلوك الفعلي للأفراد في تفاعلاتهم مع بيئاتهم، كما يدركون أنفسهم وهم يؤدون في مواقف حياتهم، وكل فعل لكل فرد يمثل تفضيلا لمسلك على الآخر.
والمسلك المختار هو الأحسن والأكثر قبولا، والأكثر أهمية الذي يصطنعه الفرد وقت سلوكه طبقا لتقديره وإدراكه للظروف القائمة في الموقف.
ولكن السلوك الظاهري هو وجه واحد فقط من القيمة، أما الوجه الآخر فهو الإدراك الباطني والحكم اللذان يؤيدان وظيفتيهما من البداية، ثم يستمران بصورة معدلة حتى تتسبب تغييرات الموقف في وقف العمل الذي انبعث من القيمة.
فكل اتجاه للعمل أو السلوك يمكن ملاحظته أو رصده هو مجرد المظهر الخارجي المعبر عن أحكام القيمة الداخلية التي تنشأ في نفس الوقت مع السلوك البادي.
وكل حدث في العمل، وكل جزء في المسلك يتضمن حكما مرده إلى
قيمة، سواء أكانت على المستوى الجزافي اللاإرادي الذاتي أم على المستوى الإدراكي، إذ يوجد في كل كائن حي إنسان صورة ما أو شكل ما من أشكال أو صور العمل الهادف المفضل الراجع إلى قيمة ما1.
وبنظرة موضوعية إلى التربية الإسلامية نجد أنها في مناهجها وموضوعاتها الإلهية والبشرية تحقق جانبي القيمة الظاهرية والباطنية، فهي تعنى بسلوك الفرد مع نفسه ومع الناس، وتحثه بأداء العبادات على طهارة القلب والنفس والجوارح، وتمنحه الوازع الذي يدفعه إلى التضحية والفداء والصبر. وتقترب به في مثاليتها إلى جوانب الحق والجمال والخير، وتصل به في بعض مواقفها إلى سمو يرفعه فوق ترابيته ويدنيه من عالم الروح، فهي إذن تربية أخلاقية، تنشد الوصول إلى الخلق الكامل عند الفرد المسلم، وتساعده بهذا البناء الأخلاقي على الاهتمام بالجسم والعقل والعلم والعمل، والطفل في حاجة إلى قوة هذه الجوانب جميعها، كما هو في حاجة إلى تربية الخلق والوجدان والإرادة والذوق والشخصية. ولا يمكن أن يحقق المعلم غايته في ذلك، إلا إذا اهتم بالقيم الإسلامية وأبرزها في دروس الدين. وجعلها أمام التلاميذ قيما تتعلق بحياتهم ومستقبلهم حتى يقبلوا عليها برضا وحب، يجعل منها جزءا من وجدانهم وأفكارهم، وقد أشرت إلى ذلك في موضوعات العبادات وتدريسها، وبينت أن الغرض من التربية الإسلامية ليس حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات، وتعليمهم من الأشياء ما يعلموا، بل الغرض أن نهذب أخلاقهم، ونربي أرواحهم ونبث فيهم الفضيلة، ونعودهم الآداب السامية، ونعدهم لحياة طاهرة قوامها الإخلاص والعدل والصفاء.
فالهدف الأسمى من التربية الإسلامية هو تهذيب الخلق، وتربية الروح،
1 انظر النفس المنبثقة في المدرسة والبيت ص466، 467 ل. توماس هوبكنز ترجمة الدكتور محمد على العريان.
وكل قول وفعل وحركة من معلمي التربية الإسلامية يجب أن تكون درس أخلاق.
وتنظيم الاتجاهات وتعديلها لدى الأطفال يجب أن يكون مقصودا في كل درس؛ لأن القيم وإن كانت واضحة في كل تعاليم الإسلام، إلا أن اتجاهات الأفراد والمجتمع ربما تكون متأثرة بعوامل أخرى من مذاهب وأفكار لا تتصل بالإسلام في شيء. ولكي نجعل من القيمة شيئا جوهريا في نفوس التلاميذ. لا بد من تعديل هذه الاتجاهات ومحاولة القضاء على مؤثراتها التي تطرق على الطفل بابه في أجهزة الإعلام والصحافة، ودور التعليم، ومهمة معلم التربية الإسلامية نحو ذلك واضحة، إذا بمقدوره المقارنة بين هذه الاتجاهات الدخيلة والاتجاهات الاسلامية السامية، وبيان الفرق بينهما في حياة الإنسان وفكره وعقيدته. وأن يعتمد في ذلك على الحقائق الإسلامية في القرآن والحديث والسيرة ولا يكون كل همه عرض الموضوعات المقررة على التلاميذ، والانتقال منها إلى عملية تقويم المحفوظ والمفهوم لديهم؛ لأنه بذلك يلغي أثر التربية الإسلامية نهائيا.
وقد اهتم علماء التربية الإسلامية بهذه الجوانب.
فالفارابي وابن سينا وإخوان الصفا يرون أن الكمال الإنساني لا يتحقق إلا بالتوفيق بين الدين والعلم، ذلك التوفيق الذي يجعل من القيم الإسلامية شيئا متصلا بحياة الفرد في كل مجال وعمل.
والغزالي يرى أن محور التربية الحقة هو التقرب إلى الله، وألا يقصد المتعلم بالتعلم الرياسة والمال والجاه، ومباهاة الأقران، وهذا يعني التربية الخلقية قبل كل شيء.
وفي كشف الظنون قال الحاج خليفة1:
ليس الغرض من الدرس تحصيل الرزق في هذه الدنيا، لكن الغرض الوصول إلى الحقيقة، وتقوية الخلق وهو يعني الوصول إلى الحقيقة العلمية والخلق الكامل.
فالتربية الإسلامية التي ننشدها الآن في مدارسنا يجب أن تقوم على هذه الحقائق التي أدركها علماؤنا الإسلاميون في عصور السلف، واستطاعوا عن طريقها أن يربوا أجيالا كانت في إيمانها وقوتها وصلابة إرادتها، موضع احترام العالم وتقديره، وعلى المعلمين أن يعتنوا بتلك القيم والاتجاهات، وأن يخاطبوا الأطفال على قدر عقولهم بعبارات يفهمونها، ولغة جيدة ترتقي بألفاظهم وأساليبهم، وأن يضعوا كل طفل في الموضع اللائق به، وأن يتسع حلمهم لهم جميعا بلا تفرقة أو تمييز، وفي هذا يقول الرسول الكريم:"نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونخاطبهم على قدر عقولهم".
ويقول أيضا: "ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم". والتربية الحديثة تهتم بذلك. وتدعو إلى مراعاة المستوى العقلي والعلمي للتلاميذ حتى يدركوا ما يقال لهم.
واهتمام المعلم بأهداف التربية الإسلامية وبثها في نفوس التلاميذ ليس أمرا عسيرا؛ لأنهم مفطورون على حب الحق والفضيلة والخير. وغايتنا لا تخرج عن ذلك؛ لأنها بث الأخلاق الكريمة، وغرس الفضائل، والتمسك بها، والميل إلى الحق والعدل، واجتناب الظلم والشر، والتفكير في النواحي الروحية والإنسانية، وتفريغ القلب من الشهوات والأهواء، والاهتمام بالدين والعلم والعمل.
1 كشف الظنون ص16.