الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمحات تربوية إسلامية:
اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم طرقا مختلفة لتعليم المسلمين القرآن والأحكام الشرعية، وكان في كل طريقة هو نفسه مضرب المثل حتى يقتدي به الناس في أعمالهم، وحتى يكون نموذجا يحتذى للمربين والمعلمين في مختلف العصور.
ومن الطرق التي اتبعها طريقة "المحاولة والتجربة" فهو يترك المسلمين يحاولون عن طريق الاجتهاد الوصول إلى الصواب في أقوالهم وأعمالهم، ويسلكون في محاولاتهم مختلف التجارب الفكرية والعملية، فإذا ما وصلوا من خلالها إلى الصواب أقرهم على ذلك، وإلا قام هو بالتطبيق وبين لهم أوجه الخطأ، وفي الحديث الشريف أن صحابيا دخل المسجد فصلى في ناحية منه ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يجلس مع بعض أصحابه، فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال الرسول:"وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل" ، فصلى وعاد فراجعه الرسول، ثلاث مرات.... فقال الرجل في الثالثة: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. فعلمه الرسول، وتركه يعيد صلاته حتى أتقنها. والمسلمون يشاهدون ما يحدث. وعلى هذا النحو كان صلى الله عليه وسلم يستحفظ الصحابة الآيات والأدعية، وقد روى بعض الصحابة أن الرسول كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم
السورة من القرآن. أي: إنه كان يهتم بتعليم المسلمين بطريقة تساعدهم على حفظ الأشياء وفهمها وتدبر معانيها.
وهذه الطريقة تكاد تتفق مع "طريقة المشروع" التي نادى بها "جون ديوي" الفيلسوف الأمريكي؛ لأن طريقة المشروع تهدف إلى تكوين شخصيات التلاميذ وتعويدهم الاعتماد على أنفسهم في بحث المشكلات وحلها، وخطواتها مسايرة للخطوات التي يترسمها العقل في الإدراك الفكري، وهي الإحساس بوجود مشكلة، ثم تحديدها بالضبط، ثم فرض ما يمكن من الفروض التي تحل بها المشكلة، ثم الشروع في حل المشكلة بعد ترجيح أحد الفروض حتى يتوصل إلى الحل النهائي لهذه المشكلة.
وما سقته كمثال تربوي في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج في غايته عن هذه الأهداف، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تقدمية الإسلام، وعلى أنه الدين الحق الصالح لكل زمان ومكان. وأنه في تطبيقه العملي يكفل للناس جوانب التقدم الفكري والتطبيقي.
وكما استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم طريقة "التجربة" استعمل أيضا الطريقة "الحسية" تلك الطريقة التي ينتقل فيها المرء من المحسوس إلى المعقول، والتي يقرب بها المعنى البعيد بتشبيهه بالمحسوسات التي تمتلئ بها الدنيا، فقد روى الإمام أحمد عن جابر قال:"كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه وقال: "هذا سبيل الله" وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال: "هذه سبل الشيطان" ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا قول الله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وحين سأله الصحابة يا رسول هل نرى ربنا يوم القيامة؟ أجاب: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة القدر"
قالوا: لا يا رسول الله، فضرب مثالا آخر فقال:"هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب" قالوا: لا يا رسول الله قال: "فإنكم ترونه كذلك". وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تقرب المعنى لأذهان الناس بالمحسوسات التي يدركونها {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وفي وصف نعيم الجنة بصفات تشبه نعيم الدنيا أكبر دليل على ذلك يقول تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ، بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ، وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تتعلق بالبعث والنشور والحساب {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} وبهذه الطريقة استطاع المسلمون أن يتفهموا أمور دينهم ودنياهم، وأن يربطوا حاضرهم الدنيوي بمستقبلهم الأخروي، وكانت قدراتهم على تفهم الأشياء تمتاز بالعمق والدقة.
وطريقة "منتسوري" المربية الإيطالية الشهيرة لا تخرج عن ذلك في شيء، فهي تعتمد على تقوية الحواس وجعلها أبواب المعرفة، وقد جربت طريقتها في تعليم ضعاف العقول من الأطفال في أول الأمر فنجحت نجاحا باهرا، واستطاع هؤلاء الضعاف اللحاق بإخوانهم العاديين، ويمكن الاستفادة بهذه الطريقة في تعليم الأطفال مبادئ القراءة والكفاية، وإيصال مفاهيم الأشياء إلى أذهانهم، كما أنها تساعد الكبار على الربط بين المرئي وغير المرئي.
فعلينا أن نلاحظ ما كان يصنعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وما دربنا عليه القرآن، وجاءت به النظريات الحديثة في تعليم أطفالنا، فنستخدم من الوسائل ما يقرب إلى إفهام التلاميذ معاني القرآن، وننقل لهم صورا ورموزا من الطبيعة التي يعيشون فيها تتعلق بالمعاني الواردة في الآيات، حتى نعلم أطفالنا كيف يربطون دينهم بدنياهم، وكيف يتوصلون إلى فهم المعنى بملاحظة المحسوس والمدرك. وقد استخدم الرسول أيضا طريقة الحوار والتكرار.
وهي طريقة تربوية عرضها الفلاسفة منذ القدم ويسمونها الطريقة "السقراطية" لأن سقراط الفيلسوف الإغريقي أول من استعمل الأسئلة الحوارية لقصد تعليمي وأخلاقي. وهي طريقة تصلح لتعليم الصغار؛ لأنها تقوم على أسئلة تحاورية من المدرس إلى تلاميذه، وتكون الأسئلة في الغالب قصيرة سهلة متصلة بشيء يسهل على التلاميذ ملاحظته وإدراكه، ومن فوائد هذه الطريقة أنها تتيح للتلاميذ فرصة التعبير الحر عما يجول بخواطرهم. والكشف عن الحقائق بأنفسهم.
وقد كثر استعمال هذه الطريقة بين الرسول وأصحابه. فقد روي عن معاذ بن جبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله "هل تدري ما حق الله على العباد يا معاذ" وكررها ثلاثا ومعاذ يجيب في كل مرة "الله ورسوله أعلم" وبعد الثالثة، قال الرسول:"إن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" وأسئلة جبريل للرسول عليهما الصلاة والسلام عن الإيمان، والإسلام والإحسان، والحياء مشهورة معلومة، والقرآن الكريم استعملها كثيرا {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وغير ذلك مما لا يمكن حصره، وقد اكتفيت بالإشارة إلى ذلك ليتعرف المعلم
على نهج الإسلام في التعليم والتثقيف. وعلى المعلم أن يختار ما يلائم تلاميذه من الطرق، وأن يسلك مختلف السبل ليحقق أقصى الغايات في التربية الإسلامية، وفي تثبيت أهدافها في عقول التلاميذ.
وأحب أن أشير إلى أن تعاليم الإسلام تعنى أول ما تعنى بتربية الأخلاق وتهذيبها، والأخلاق ليست دروسا تلقن ولا كلمات تستحفظ، إنما هي عادات وعواطف يمتلئ بها وجدان الطفل، حتى تصبح جزءا من ذاته وكيانه، فإذا مارسها جاءت منه عن قناعة ورغبة، وتركت في نفسه راحة وطمأنينة، وليس في إمكان المعلم تحقيق ذلك، إلا إذا ضرب المثل بنفسه ليقتدى به، وإلا إذا تخير الوقت المناسب ليحرك وجدان الأطفال للمعنى الذي يريد أن يغرسه في نفوسهم، والوقت المناسب يأتي عرضا أثناء الدرس، فلو افترضنا أن الدرس عن سورة "الكوثر" والدرس يقوم على الحوار والمناقشة بين المعلم والتلاميذ، فإن الوقت الملائم هنا لغرس المبدأ الحقيقي المراد من السورة يكون عند سؤال التلاميذ عن معنى "النحر" وهنا بعد بيان المعنى يعلمهم "شكر الله" على منحه وعطاياه، ويبين لهم فضيلة الشكر وأثرها في حياة الإنسان، ويا حبذا لو كان هذا الدرس في مناسبة عيد الأضحى، وكذلك يجب أن يبين لهم رزيلة البغض وما تجره على الناس من ويلات عند بيان معنى "شانئك" ومعنى "الأبتر" ولا يكون الدرس مجرد شرح الكلمات، وتوضيح معناها واستعراض الأفكار الموجودة فيها؛ لأن ذلك لا يتناسب مع دروس الدين، التي هي في جوهرها عملية أخلاقية. تربي الفضيلة، وتمحو الرذيلة، وتطهر الروح. وترقق الوجدان.
وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمه لأصحابه على الربط بين أمور الدنيا التي تدور بها حياة الناس، وبين آمال الآخرة التي إليها المستقر وفيها البقاء الدائم، فجاءت كلماته موازنة بين الخيرين ورابطة بينهما، مما يجعل المرء
وكأنه يشاهد الحياتين معا، ولنقرأ معا تعبيره عن مظاهر رحمة الله وتقديره للعلم وأهله في قوله صلى الله عليه وسلم:"من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"1.
فالحديث يبين أن الإسلام يعنى بتعليم أبنائه وتعويدهم على التعاون، وبذل ما يستطيعون من المعونات للآخرين، صغرت هذه المعونات أو كبرت، ويحثهم على العلم والجهاد في سبيله؛ لأن في ذلك كشف لقدرات الله وعظمة مخلوقاته. وهي تربية جهلها المسلمون حقبة طويلة من الزمان، مما أدى إلى تأخرهم وتراجعهم عن ركب التقدم والانطلاق في معرفة أسرار الكون وخفاياه، مع أن القرآن الكريم الذي يضم بين دفتيه "6236" آية2 حث على العلم والعمل في سبيله في ثلاث وستين وسبعمائة آية منها3 وهو مقدار كبير إذا ما قورن بالقضايا المتعددة التي شملها القرآن الكريم في التشريع والآداب والسلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة، وذكر الجنة والنار والحساب وغير ذلك، وليس بين الكتب السماوية الأخرى ما حفل بالعلم وأهله عشر معشار ما حفل به القرآن الكريم، ولكن الجهل الذي خيم على المسلمين أجيالا طويلة وقف حائلا بينهم وبين إدراك هذه
1 انظر صحيح مسلم جـ4 ص2074 طبع دار إحياء التراث العربي بيروت 1972، وصحيح البخاري المجلد الرابع الجزء الثامن ص71 المكتبة التجاربة بدون تاريخ.
2 الدليل الكامل لآيات القرآن الكريم، إعداد د. حسين محمد فهمي الشافعي المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر 1972م.
3 دستور الأخلاق في القرآن الكريم د. محمد عبد الله دراز ص5. دار البحوث العلمية - الكويت 1393هـ 1973م.
الحقائق والعمل بها، ولن يستطيع المسلمون إدراك ذلك والعمل به إلا إذا قامت التربية في مدارسهم وجامعاتهم ومعاهدهم على الأسس الصحيحة لهذا الدين، وأخذت من ينابيع الأحكام والقضايا الإسلامية مناهجها وطرقها في التعليم والتعلم، وحول هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" 1 فهو يبين أن رقي الإنسانية وتقدمها وسعادتها في تعلم هذا الدين والعمل به، وأن أفضل الناس من كان عالما عاملا نافعا لنفسه ولغيره، وأن شر الناس من لم ينفع نفسه ولا غيره، وأن الدين حق ثابت لا يتغير وصراط الله مستقيم لا ينحرف، وإنما الناس هم الذين يتغيرون وتتبدل أحوالهم وعقولهم ومعارفهم، وأن أمل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في العمل بهذا الدين، والقيام على مبادئه وأحكامه دون نقص أو تغيير، وأن البشرية ستظل في متاهتها تدور في حلقات مفرغة حتى تهتدي إلى نور هذا الإيمان، فتعمل به فيعم الأرض الأمن والسلام والمحبة، والله تبارك وتعالى يقول:
ولا نريد أن نكون كمن حملوا التوراة، فنعيش في دنيانا مسلمين بشهادات الميلاد والمواطن والنسب، وكل أعمالنا ومواقفنا وأحكامنا وقضايانا بعيدة كل البعد عن الإسلام ومناهجه، والمدرسة الابتدائية تعد ميدانا خصبا لغرس هذه
1 انظر صحيح البخاري جـ8 ص57.
2 سورة الجمعة آية 5.
المبادئ ورعايتها؛ لأن تلميذ هذه المرحلة على استعداد فطري لتقبل المعلومات التي تطرح عليه، سواء كانت متصلة بحياته وعمله اليومي وممارساته للعب وفي نطاق الأسرة، أو كانت متصلة بالغيبيات والأمور التي يجهلها جهلا كليا، ولا يستطيع أحد أن يجد لها رابطا من مشاهداته ومعارفه، بشرط أن تنقل إليه بطريقة يتقبلها عقله، ويشعر في ذاته أن لها مردودا يعود عليه وعلى المحيطين به في الأسرة والمجتمع.
والمنهج الإسلامي بأصوله الأساسية "القرآن، والحديث" ثابت في مقوماته ومبادئه؛ لأنه كما أراد الله متفق وطبيعة الإنسان، وللإنسان كينونة ثابتة، لا ينتقل منها إلى كينونة أخرى. وما يحدث له عبر العصور من تحولات وأطوار تلابس حياته لا تغير من طبيعته ولا تبدل من كينونته، ولا تحوله خلقا آخر، وإنما هي تغيرات سطحية كالأمواج في الخضم، لا تغير من طبيعته المائية، بل لا تؤثر في تياراته التحتية الدائمة المحكومة بعوامل طبيعية ثابتة، وقبل نزول القرآن وبعده عرف الناس أحوالا كثيرة من التغيير والتبديل في الآراء والأفكار والاتجاهات، ولكنها لم تعرف تغييرا مماثلا في بنية الإنسان وذاته بل ظل الإنسان هو الإنسان، وظلت حاجته الدائمة الدائبة إلى منهج رباني يصونه ويحميه من كل ما هو دائر فيه من ماض وحاضر ومستقبل، وظلت فطرة الإنسان تدعوه إلى الإيمان سواء كان إيمانا صحيحا مرده وملتمسه التنزيلات الإلهية، أم كان من صنع البشر واختراعاتهم وأوهامهم.
والقرآن كمنهج إلهي واجه بوضوح تلك الكينونة البشرية الثابتة؛ لأنه من صنع المصدر الذي صنع الإنسان، فهو يواجه حياته بظروفها المتغيرة، وأطوارها المتجددة بنفس المرونة التي يواجه بها الإنسان ظروف الحياة المتغيرة، وأطوارها المتجددة وهو محافظ على مقوماته الأساسية، مقومات الإنسان. وفي الإنسان هذا الاستعداد وهذه المرونة، وإلا ما استطاع أن يواجه ظروف الحياة وأطوارها،
وهي ليست ثابتة من حوله، وفي المنهج الرباني الموضوع لهذا الإنسان ذات الخصائص، بحكم أنه صادر من المصدر الذي صدر منه الإنسان، ومودع خصائصه ذاتها، ومعد للعمل معه إلى آخر الزمان، في البيئة الزراعية والصناعية، العلمية وغير العلمية التي تبحث عن الحقيقة والتي تفلسفها، الغنية والفقيرة، الجاهلة والعاملة، لهذا يستطيع هذا المنهج وتستطيع نصوصه من القرآن والحديث أن تلتقط الفرد الإنساني، وأن تلتقط المجموعة الإنسانية من أي مستوى ومن أية درجة من درجات المرتقى الصاعد، فتنتهى به وبها إلى القمة السامية، أنه لا يرده ولا يردها أبدا إلى الوراء ولا يهبط به أو بها أبدا إلى درجة أسفل في المرتقى، كما أنه لا يضيق به ولا بها ولا يعجز عن رفعه ورفعها أيا كان مكانه أو مكانها من السفح السحيق. المجتمع البدائي المتخلف كالمجتمع العربي في الجاهلية القديمة والمجتمع الصناعي المتحضر، كالمجتمع الشيوعي والأوروبي والأمريكي في الجاهلية الحديثة، كلاهما يجد في المنهج الرباني والنصوص القرآنية مكانه، ويجد من يأخذ بيده من هذا المكان، فيرقى به في المرتقى الصاعد، إلى القمة الساحقة، التي حققها الإسلام في فترة حية من فترات التاريخ الإنساني.
إن الجاهلية ليست فترة ماضية من فترات التاريخ، إنما الجاهلية كل منهج تتمثل فيه عبودية البشر للبشر. وهذه الخاصية تتمثل اليوم في كل مناهج الأرض بلا استثناء ففي كل المناهج التي تعتنقها البشرية اليوم، يأخذ البشر عن بشر مثلهم: التصورات والمبادئ والموازين والقيم، والشرائع والقوانين، والأوضاع والتقاليد، هذه هي الجاهلية بكل مقوماتها، الجاهلية التي تتمثل فيها عبودية البشر للبشر، حيث يعبد بعضهم بعضا من دون الله.
والإسلام هو منهج الحياة الوحيد، الذي يتحرر فيه البشر من عبودية البشر؛ لأنهم يتلقون التصورات والمبادئ، والموازين والقيم، والشرائع والقوانين والأوضاع والتقاليد، من يد الله -سبحانه- فإذا أحنوا رءوسهم فإنما يحنونها لله وحده، وإذا أطاعوا الشرائع فإنما يطيعون الله وحده، وإذا خضعوا للنظام
فإنما يخضعون لله وحده، ومن ثم يتحررون حقا من عبودية العبيد للعبيد، حين يصبحون كلهم عبيدا لله بلا شريك، وهذا هو مفترق الطريق بين الجاهلية -في كل صورة من صورها- وبين الإسلام1، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به، ولا يزيغ عنه" 2 ويقول: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي"3.
وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه والمسلمين في ربوع دولته كيفية التعامل مع الأفكار والآراء والمواقف التي تعرض لهم، وناقش معهم أبسط الأمور وأعقدها. واتخذ من نفسه مثلا للقضايا التي تخالف طباع الغرب وأهواءهم حتى يقضي على كل خلاف فيها، وكان أسلوب الحوار والاستنتاج أحد الأساليب التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعليم من حوله، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولكني سأحول عرض بعضها فيما يتصل بأمور وقضايا مختلفة.
روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: "كيف تصنع إن عرض لك قضاء"؟ قال: أقضى بما في كتاب الله قال: "فإن لم يكن في كتاب الله"؟ قال: فبسنة رسوله الله، قال:"فإن لم يكن في سنة رسول الله"؟ قال: أجتهد رأيي لا ألو. قال معاذ: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله"4.
1 انظر في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب جـ1 ص15-18، 555-557 طبع دار الشروق بيروت سنة 1393هـ-1973م.
2 صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة جـ9 ص122 كتاب الشعب سنة 1379هـ.
3 جامع بيان العلم "لابن عبد البر" 2/ 180 القاهرة، إدارة الطباعة النيرة.
4 انظر إعلام الموقعين جـ1 ص243.
وروى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا وإني قد أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"1.
فأما الموقف الأول فالحوار فيه يتعلق بأخطر القضايا التي يمكن أن يواجهها إنسان أسندت إليه مسئولية الحكم بين الناس والقضاء بينهم، وقد حرص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبين أن الأمر لله ولرسوله، وأن العقل الإنساني له دور خطير في الاستنتاج واستخلاص الأحكام، وأن الاجتهاد باب مفتوح يلجه القادرون من علماء الإسلام المخلصين، وعلى الأمة اتباع آرائهم والأخذ بما توصلوا إليه من أحكام وقضايا، وإن كانت غير واردة بالنص الصريح في القرآن والسنة، وأما الموقف الثاني فقد جاء مؤيدا للموقف الأول وزاد عليه توضيح الرسول صلى الله عليه وسلم للناس، كيف -وهو الملتقي عن ربه- أصدر أحكاما ليست بالنص الصريح في كتاب الله، والناس مطالبون باتباعها والعمل بها، فليس الأمر في قضايا الإسلام والمسلمين تحجرا وتعصبا، وإنما هو بحث وفكر واجتهاد، وكل ما يجب الالتزام به ألا يخرج هذا البحث أو ذاك الاجتهاد على نص صريح من نصوص كتاب الله وسنة رسوله، وكان التزام المسلمين بذلك في عصر صدر الإسلام التزاما مبدعا خلاقا، أدى إلى بروز جماعات علمية لم يعرف العالم لها نظيرا في أي عصر من العصور، وفي أي أمة من الأمم، حتى أخذت البشرية كلها تنهل من هذا الفيض قرونا متعددة، وأصبحت الفلسفات اليونانية والرومانية والهندية والفارسية التي كانت سائدة قبل الإسلام،
1 انظر تفسير القرطبي جـ1 ص37، 38.
في الدرجة الثانية من فكر بني الإنسان، بعد أن ارتقى عليها وفاقها الفكر الإسلامي في جميع مجالات الحياة، وقد رأينا عمر بن الخطاب يتبع خطوات رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فهو يقول:"لشريح" حين ولاه قضاء الكوفة: "انظر ما يتبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا، وما لم يتبين لك فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد في رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح"1. وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقفه التعليمية على أن يبين للمسلمين أن التعصب والمغالاة أمران مرفوضان في الإسلام، وأنه لا ينشد الصعب أو المستحيل فيما يقول ويعمل، وإنما يريد الأمان بينه وبين ربه، وبيئته ونفسه، والطريق لذلك لا يحتاج إلى خروج على المألوف، أو التزام طرق المحال، وإنما يحتاج إلى الصدق مع الله ومع النفس والعمل الدائب من أجل الحق والعدل والمحبة، وهو في سبيل توضيح ذلك ترخص في أمور كثيرة وهجر أصعبها إلى أيسرها، ولكن بعض الصحابة والمسلمين ظن أن ذلك لا يجوز إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتركوا هذه الرخص ولم يعملوا بها، وكان من الممكن أن يحضرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وأن يؤنبهم على ذلك ويطلب منهم العمل بها، ولكنه على عادته من الرفق بالمخطئ وعدم مواجهته باللوم أمام الناس، وقف خطيبا بين المسلمين ووجه لهم جميعا القول فيما روت عائشة رضي الله عنها قالت2: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخص فيه، فبلغ ناسا من أصحابه، فكرهوه وتنزهوا عنه، فقام خطيبا فقال: "ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه؟ فوالله لأنا أعلمهم بالله، وأشدهم له خشية". ويفسر لنا هذا الموقف أيضا ما روته السيدة عائشة في موضع آخر قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 انظر إعلام الموقعين جـ1 ص71، 97، 98 وما بعدها.
2 انظر صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة جـ9 ص 13، 1، 113.
بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما1، والتخيير في حالات كثيرة كان يأتي من قبل الله عز وجل ليكون مثالا تعليميا يدركه المسلمون ويعملون به، قال تعالى مخاطبا رسوله:
وقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم أيسر المطلوب، فكان يقوم أقل من نصف الليل. وخيره بين الإفطار في رمضان إذا كان على سفر مجيز لذلك "وهو موضح في كتب الفقه" وبين عدم الإفطار فاختار الأيسر وأفطر. روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى في أحد أسفاره زحاما من الناس حول رجل يظلونه من الشمس، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم:"ما هذا؟ "، فقالوا: صائم. فقال: "ليس من البر الصيام في السفر" 3 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصام، حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء، فرفعه إلى يديه ليريه الناس، فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان، فكان ابن عباس يقول:"قد صام رسول الله وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر4 والروايات على ذلك كثيرة"5.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ
1 انظر فتح الباري جـ6 ص371.
2 سورة المزمل الآيات 1-4.
3 انظر البخاري -كتاب الصوم- باب 35.
4 انظر البخاري -كتاب الصوم- باب 37.
5 انظر سيرة بن هشام وسيرة الحلبي والبخاري ومسلم.
أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1.
وكان الرسول حريصا على توضيح ذلك للناس حتى يعملوا به من بعده، وقصة الذين كانوا يقومون الليل ويصومون النهار وإنكار الرسول عليهم ذلك مشهورة ومتفق عليها، وإن كان هذا موقفه في العبادات فإن موقفه في المعاملات كان أكثر وضوحا في التمثيل للمواقف التعليمية، فقد روي أن أعرابيا جاءه يطلب شيئا فأعطاه، ثم قال له:"أأحسنت إليك؟ "، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت. فغضب المسلمون وهموا به، فأشار الرسول إليهم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله، وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئا ثم قال له:"أأحسنت إليك؟ "، قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال صلى الله عليه وسلم:"إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب ما في صدورهم عليك" قال: نعم، فلما كان الغد وفي العشي جاء الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي أكذلك؟ " قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال صلى الله عليه وسلم:"مثلي ومثل هذا الرجل مثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها أخلوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها، فأخذها من قمام الأرض، فردها حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار". فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى رد الأعرابي واستنطاقه بما نطق به، إلا ليبين للمسلمين في موقف تعليمي أن العفو والصفح يأسران القلوب، وأن الحسنة تذهب السيئة، وأن الانفعالية عند الإنسان إذا لم يكن لها ضابط يردعها فإنها تؤدي به وبغيره إلى الهلاك. كما في حالة الناقة وصاحبها.
1 سورة البقرة 183، 184.
وهذا يبين أن الإسلام بمصدريه الأساسيين: القرآن والسنة يتعهد الناس بالتربية التي تكفل لهم ولمجتمعاتهم الأمن والاستقرار والمحبة، والتي توجههم إلى تصور الأمور وقياسها على غيرها لينتج من ذلك واقع يؤدي إلى استمرارية الحياة في طريق صحيح، وكان حرص الإسلام شديدا على أن يبدأ التوجيه السليم من أول سنوات الطفولة، فيعود الطفل على ضبط رغباته لا كبتها؛ وذلك لأن الطفل كما أشارت نظريات علم النفس على قدر من الوعي أعظم بكثير مما يظن أغلب الناس. وفي إمكان المربي بحذقه ومهارته أن يبين للطفل الحكمة في منعه من إتيان عمل من الأعمال بطريقة لا يتعذر فهمها على مداركه، وكما أخذ الله عباده بالتدريج في كل أحكام الدين وقضاياه، فإننا نلاحظ ذلك مع الطفل، فإذا كان من المتعذر إدراكه لكل الموانع في زمن الطفولة، فإن الفرصة موجودة دائما لرفعها إلى عالم الشعور الواعي فيما بعد، حين تنضج أفكار الطفل إلى حد يسمح لها بالاستيعاب، فإذا فرضنا جدلا أن بعض الأطفال -في ظل النظام الإسلامي- قد أصيبوا بشيء من الكبت المبكر فإن اليقظة الدائمة المفروضة في الضمير الذي يبنيه الإسلام، ويتعهده بعرض الحقائق التي يتقبلها ويؤمن بها على أسس سليمة واضحة، كفيلة بتخفيف أعراض الكبت وشفاء آثاره، بل وتحويله إلى عمل خلاق ينتفع به الإنسان والبشرية من بعده، وفرويد يقرر أن قدرا معينا من الكبت ينشأ بطريقة ذاتية لا ضرر فيه، ولولا وجود الكبت لظل الإنسان في عذاب دائم من رغبات لا يمكن تحقيقها أصلا، لا لأن المجتمع أو الدين أو الأخلاق تحول دونها؛ ولكن لأن الطاقة البشرية تقف دونها عاجزة كالرغبة في الطيران في الجو كالطيور، والرغبة في السيطرة المطلقة على قوى الطبيعة، ورغبة بعض الأطفال في الحصول على القمر، ولعل كبت هذه الرغبات المستحيلة هو الذي يوجه النشاط العلمي لمحاولة تحقيقها من طريق آخر، ويوجه الفن لتحقيقها في الخيال، وليس هناك أخطر من تصور بعض المفكرين أو القائمين على التربية أن أوامر الدين وقضاياه أكبر من أن تعرض
على الطفل فيحجمون عن جهل أو خشية من عرضها بصورتها الحقيقية التي وضحها الإسلام وبين أبعادها؛ لذلك فإني أرجو من المسئولين عن التربية في كل أنحاء العالم الإسلامي أن يهتموا بمعلم التربية الإسلامية، وأن يتعهدوه بتربية خاصة، وأن يختاروه ذا نوعية مميزة عن باقي المعلمين، وأن يمنحوه من المزايا ما يتفق والرسالة الإنسانية الخطيرة التي يقوم بها، وليس هذا بدعا من القول فكل هذا معمول به عند أتباع الأديان الأخرى من قساوسة وأحبار ورهبان ومبشرين، ونحن وحدنا الذين جعلنا ديننا وتعاليمه السامية في مؤخرة العلوم، وجعلنا القائمين عليه بلا ضابط أو تمييز، مع أن الله تبارك وتعالى حدد لنا صفات المؤمن الحق، وهي ما يجب أن تتوفر في معلم التربية الإسلامية.
وهذه الصفات في إيجاز هي:
1-
طهارة النفس:
2-
التحكم في الأهواء:
{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 4
1- الشمس: 9، 10.
2-
ق: 31-33.
3-
النازعات: 40، 41.
4-
ص: 26.
3-
العفة وغض البصر:
4-
كظم الغيظ:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2
5-
الصدق:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} 3
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} 4
6 التحفظ في الأحكام:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} 6
1 النور: 30، 31.
2 آل عمران: 134.
3 التوبة: 119.
4 الزمر: 33.
5 الحجرات: 6.
6 الحجرات: 12.
7-
الثبات والصبر:
{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} 1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} 2
8-
القدوة الحسنة:
9-
الاعتدال:
{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} 6
{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} 7
1 المدثر: 7.
2 آل عمران الآية الأخيرة.
3 البقرة: 155.
4 الأحزاب: 21.
5 الصف الآية الأخيرة.
6 الفرقان: 67.
7 الإسراء: 29.
10-
11-
حسن الاستماع واتباع طريق الخير:
{فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} 2
12-
البعد عن الكذب:
{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} 3
13-
البعد عن النفاق:
1 المائدة: 48.
2 الزمر: 17، 18.
3 الحج: 30.
4 النحل: 105.
5 البقرة: 204-206.
14-
البعد عن البخل:
15-
البعد عن الرياء:
16-
البعد عن الاختيال:
17-
لا يتكبر ولا يتعاظم على الآخرين:
{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} 5
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} 6
1 البقرة: 268.
2 النساء: 37.
3 النساء: 38، 39.
4 الإسراء: 37.
5 النحل: 23.
6 النساء: 49.
7 النجم: 32.
وقد حرصت على عرض هذه الصفات بما يتفق وما جاء في القرآن الكريم دون شرح أو تحليل؛ لأنها واضحة لا تحتاج إلى فلسفات أو تقنين كما هو الشأن في مواد القوانين البشرية التي يصنعها الإنسان، وفي الغالب يكون هو أول المتمردين عليها.
ولا شك أن تحقيق أهداف التربية الإسلامية، لا يمكن أن يتم إلا عن طريق من يتحلون بهذه الصفات، وقد وقع ذلك فعلا في عصور السلف، ولا أدري ما هي الأسباب التي تحول دون أن يعمل المسئولون في الأمم الإسلامية على تحقيق ذلك مرة أخرى.