الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر: [من الطويل]
1402 -
ولست بكنتي وما أنا عاجن
…
وشر الرجال الكنتني وعاجن
يروى «الكنتني» وهذا من تغيير النسب لزيادة النون الأخيرة. ويروى «عاجز» بالزاي أو النون وكلاهما له معنىً حسن؛ فالعاجز ظاهر، وبالنون على التشبيه بعاجن العجين. كنوا بذلك عن الكبر فإن الكبير إذا قام اعتمد على يديه كالعاجن للعجين. وكذا قال الفقهاء في القيام من السجود: قام كالعاجن أو العاجز؛ بالزاي أو النون.
ك وي:
قوله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم} [التوبة: 35] يقال: كويته بالنار: إذا ألصقتها بجسده حتى تصل إليه حرارتها وتؤثر فيه. وإنما خص هذه الأعضاء الظاهرة لأنها أحسن شيءٍ من الأعضاءٍ، وقدم الجباه لأنها أشرفها وأرقها. نسأل الله تعالى بعميم فضله الوقاية من لفحاتها ورؤيتها.
وكويت الدابة أكويها كيًا، والأصل كويًا فأدغم، كطويت طيًا. والكي: الاستدفاء من البرد على التشبيه بذلك، وفي كلام بعضهم:«إني لأغتسل من الجنابة ثم أتكوى بمباشرتها» أي أستدفئ بها.
فصل الكاف والياء
ك ي د:
قوله تعالى: {فيكيدوا لك كيدًا} [يوسف: 5] الكيد: الاحتيال والاجتهاد فيما بقصده الإنسان، وغلب في المكر، ومنه سميت الحرب كيداء، كما سميت خدعةً. وقال بعضهم: أن يكون محمودًا، قال تعالى:{كذلك كدنا ليوسف} [يوسف: 76]. ويقال: أراد بالكيد العذاب، قيل والصحيح أنه الإمهال المؤدي إلى العذاب، يعني من إطلاق المسبب وإرادة السبب. وقيل: علمناه الكيد على إخوته لأن هذا كان شرعًا لهم،
فأخذهم بما يعتقدونه لا بقوة سلطانه لأنه ألزم في الحجة عليهم.
وقيل: الكيد: المضارة، وأنشد لعمر بن لجأ:[من الوافر]
1403 -
تراءت كي تكيد به بشر
…
وكيد بالتبرح ما يكيد
قوله تعالى: {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} [يوسف: 52] فيه تنبيه على أنه قد يهدي من لم يقصد بكيده خيانةً، نحو كيد يوسف لإخوته ما قصه الله علينا، بخلاف كيد امرأة العزيز به.
قوله تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 57] أي لأريدن بهم سوءاً، وأنهم لو أطبقوا على كيده لم يقدروا على ذلك. ثم لم يكتف بذلك حتى طلب منهم مفاجأة ذلك ومعالجته، وهذا من صدق العزم وقوة الجاه، وكيف لا يكون أنبياء الله، صلوات الله وسلامه عليهم. كذلك؟ رزقنا الله الذي أرسلهم ونبأهم! بركتهم في الدنيا والآخرة.
وكاد زيد بنفسه، قيل: معناه جاد بها، ومنه الحديث:«دخل عليه الصلاة والسلام عل سعد وهو يكيد بنفسه» والكيد: الحيض، ومنه أن ابن عباسٍ «مر بجوارٍ وقد كدن فأمر أن ينحين عن الطريق». والكيد أيضًا: القيء، ومنه حديث الحسن:«إذا بلع الصائم الكيد أفطر» . والكيد: الحرب، وفي حديث عمر:«فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدًا» أي حربًا. والأحسن أنه على العموم. وفي الحديث: «عقول كادها باريها» أي أضلها.
و «كاد» من أفعال المقاربة تعمل عمل كان إلا أن خبرها لا يكون إلا مضارعًا، واقترانه بأن ضرورة. كقوله:[من الرجز]
1404 -
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
أو نادر كقولٍ عمر رضي الله عنه: «ما كدت أن أصلي العصر» . ويستعمل منها المضارع دون الأمر؛ قال تعالى: {يكاد سنا برقه} [النور: 43]. وندر كون خبرها اسمًا مفردًا، وأنشد لتأبط شرًا:[من الطويل]
1405 -
فأبت إلى فهمٍ وما كدت آيبًا
…
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
وزعم بعضهم أنها إذا نفيت كان الكلام إثباتًا، وإذا لم تنف كان نفيًا، حتى ألغزوا ذلك في بيتين وهما:[من الطويل]
1406 -
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة
…
جرت في لساني: جرهم وثمود؟
إذا نفيت والله أعلم أثبتت
…
وإن أثبتت قامت مقام جحود؟
وعنوا بذلك ما ذكرته كأنهم قد توهموا من قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة: 71]. هذا الحكم ليس بصحيحٍ لأن نفي المقاربة أبلغ من نفي الفعل، إلا ترى إلى قوله:{لم يكد يراها} [النور: 40] أبلغ من: لم يرها، ولذلك رد الحذاق على ذي الرمة قوله، وقد اعترض عليه، في قوله:[من الطويل]
1407 -
إذا غير النأي المحبين لم يكد
…
رسيس الهوى من حب مية يبرح
فإنه لما اعترض عليه بهذا وقيل له: فقد برح، فغيره إلى قوله: لم يكد قال الحذاق: إن قوله الأول أصوب لما ذكرته لك. وأما الجواب عن قوله: {وما كادوا يفعلون} فمن وجهين؛ أحدهما أنه على وقتين، أي ذبحوها في وقت ولم يذبحوها في آخر. والثاني أنه منبهة على عسر ذبحهم.
وزعم الأخفش أنها تزاد مستدلًا بقوله: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها} [طه: 15]
وليس كما زعم.
ويقال: كدت وكدت؛ بكسر الكاف على أنها من ذوات الياء، وبضمها على أنها من ذوات الواو، ولا تنقل حركتها إلى فائها إلا إذا أسندت لضميرٍ متكلمٍ ونحوه، كنظائرها من الأفعال، نحو: بعت، إلا في ضرورة شعرٍ، وأنشد:[من الطويل]
1408 -
وكيد ضباع القف يأكلن جثتي
…
وكيد خراش بعد ذلك ييتم
وأحكامها كثيرة استغنينا عن استيعابها هنا.
ك ي س:
قوله تعالى: {وكأسٍ من معينٍ} [الواقعة: 18] قد أدخل الراغب الكأس في هذا الموضع ومادته من كافٍ وهمزة وسين. وقد تكلمنا عليه مشبعًا في بابه، ثم استطرد الراغب مادة (ك ي س) فقال: الكيس: جودة القريحة. وأكأس الرجل وأكيس: إذا ولد أولادًا أكياسًا. قلت: قال أبو العباس: الكيس العقل، وفي الحديث:«أي المؤمنين أكيس؟» قال أبو بكر: أعقل. وأنشد لنفيلة الأكبر: [من البسيط]
1409 -
وإنما الشعر لب المرء يعرضه
…
على المجالس إن كيسًا وإن حمقا
وفي الحديث: «إذا قدمتم فالكيس الكيس» قال ابن الأعرابي: الكيس: الجماع، قلت: قال بعضهم: هو العقل، وكأنه جعل طلب الولد عقلًا، وإنما فسره بالجماع لأنه سبب الولد.
وفي حديثٍ آخر: «المؤمن كيس فطن» . وفي الحديث: «أتراني إنما كستك
لآخذ جملك» أي غلبتك بالكيس. كاسيني فكسته أي كنت أكيس منه. والرواية المشهورة: «ماكستك» من المماكسة.
وأورد الراغب هنا: كأست الزرافة تكؤس: إذا مشت على ثلاث قوائم. وليس مما نحن فيه من شيءٍ، ولكنه زيادة فائدة.
ك ي ف:
قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] الآية. كيف: استفهام يسأل به عن الحال، نحو: كيف زيد؟ أي حاله، واستدل على اسميتها بدخول حرف الجر عليها في قولهم: على كيف تبيع الأحمرين؟ ولها صدر الكلام، وهي هنا للتعجب بالنسبة إلى الباري تعالى، كأنه قال: تعجبوا من حال هؤلاء المنافقين للكفر. وعند سيبويه: تسمى منصوبةً على التشبيه بالظرف؛ أي في حال يكفرون. وعند الأخفش تسمى منصوبةً على التشبيه؛ وقدرها: على أي حالٍ تكفرون. والاستفهام الوارد من الله تعالى لا على حقيقته، لأنه عالم بالأمور كلها خفيها وجليها، وإنما يرد منه تعالى على سبيل التوبيخ أو الإنكار أو التعجب على ما قررناه.
واعلم أن «كيف» إما أن يقع بعدها فعل مصرح أو مقدر أو غير فعلٍ، فإن وقع بعدها فعل مصرح أو مقدر كانت منصوبةً على التشبيه، إما بالظرف وإما بالحال كما مر تقريره نحو:«كيف تكفرون» . ومثال الفعل المقدر قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد} [النساء: 41] الآية، {كيف وإن يظهروا عليكم} [التوبة: 8] تقديره: كيف يكون حالهم، ومثله قول الحطيئة:[من الطويل]
1410 -
فكيف ولم أعلمهم خذلوكم
…
على مفظعٍ ولا أديمكم قدوا؟
أي: كيف تكون موتتي على مدح قومٍ هذه حالهم؟
وتزاد بعدها «ما» فلا تجزم بها خلافًا للكوفيين. وزعم بعضهم أنها ترد نفيًا، وجعل منه قوله تعالى:{كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} [آل عمران: 86]. وأنشد لعبد الله بن قيس الرقيات: [من الخفيف]
1411 -
كيف نومي على الفراش ولما
…
تشمل الشام غارة شعواء؟
أي لم يهد الله، ولم أنم، وفيه نظر لأن الاستفهام الوارد بمعنى النفي إنما هو هل، أو من، دون أخواتها، نحو قوله تعالى:{فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35] و {من يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] أي ما يهلك ولم يغفر الذنوب إلا الله. وأما الآية والبيتان المتقدمان فالتعجب فيهما ظاهر. وقال الراغب: لفظ يسأل به عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شبيهٍ كالأبيض والأسود والصحيح والسقيم. ولذلك لا يصح أن يقال في الله عز وجل «كيف» . قال: وقد يعبر عن المسؤول عنه بكيف كالأبيض والأسود فإنا نسميه كيف. وقد ينسب إلى هذه اللفظة، فيقال «كيفية» ، كما قالوا الكمية والآنية، وهي إحدى المقولات العشر عند المتكلمين.
ك ي ل:
قوله تعالى: {نزداد كيل بعيرٍ} [يوسف: 65] أي مقدار حمل بعيرٍ، فعبر عنه بذلك. والكيل معلوم وهو ما يكال به، وكأنه سمي بالمصدر في الأصل، يقال: كلته أكيله كيلًا.
وكلت يتعدى لاثنين أولهما بنفسه تارةً وبحرف الجر أخرى، ومثله في ذلك نحوه: كلت زيدًا الطعام، وكلت له طعامه، ووزنت له ماله، ووزنته دراهمه. واختلف النحاة هل أحدهما للآخر أصل أو مستقل بنفسه! ثلاثة مذاهب أظهرها ثالثها. وقد فرق الراغب بينهما فقال: يقال: كلت له الطعام: إذا توليت ذلك له، وكلته الطعام إذا أعطيته كيلًا.
واكتلت عليه: أخذت منه كيلًا، ومنه قوله تعالى:{الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} [المطففين: 2 - 3].
ووزن مكيلٍ بالنظر إلى لفظه فعيل والنظر إلى أصله مفعل. وقد جرت هذه المسألة بين يعقوب وابن السكيت وأبي عثمان المازني بين يدي عبد الملك بن الزيات؛ فغلط يعقوب، فانتبه ابن الزيات، والحكاية وشرحها مذكورة في «الدر» وغيره من كتبنا.
وفي الحديث أن رجلا سأله سيفًا فقال عليه الصلاة والسلام: «لعلي إن أعطيتكه أن تقوم في الكيول» قال أبو عبيد: الكيول: مؤخر الصفوف. وقال الأزهري: ما يخرج من حر الزند مسودًا لآثارٍ فيه، قال الكسائي: يقال: كال يكيل كيلًا: إذا كبا. فشبه مؤخر الصفوف به لأنه لا يقاتل من كان فيه.
والمكايلة: المساواة؛ يقال: كيل فلان بفلان إذا كيل به، لأنه ساواه وكافأه، وهو مأخوذ من التساوي، فإن الكيل لا يفاوت إذا كان المكيال واحدًا بعينه.
ك ي:
قوله تعالى: {كي لا يكون دولةً} [الحشر: 7] أي لئلا يكون دولةً، أي لئلا يكون متداولًا. و «كي» للتعليل كاللام وهي على ثلاثة أقسام:
الأول: قسم يتعين فيه أن يكون حرفًا وذلك كما صرح بعدها بأن الناصبة نحو: كي أن أتعلم، وأنشد:[من الطويل]
1412 -
فقالت: أكل الناس أصبحت مانحًا
…
لسانك كيما أن تغر وتخدعا؟
إذ لا يمكن دخول ناصبٍ على مثله.
والثاني: قسم يتعين فيه كونها ناصبةً، وذلك إذا صرح قبلها بلام العلة كقوله تعالى:{لكيلا تأسوا} [الحديد: 23] لئلا يدخل حرف جر على مثله.
الثالث: ما يحتمل الأمرين معًا نحو: جئت كي أتعلم، يجوز أن يكون حرف جر بعدها أن مقدرة نصبت المضارع، وأن تكون الناصبة ولام الجر قبلها مقدرةً، وعلى هذا فقول الشاعر:[من الطويل]
1413 -
أردت لكيما أن تطير بقربتي
…
وتتركها شنًا ببيداء بلقع
لا يخلو عن ارتكاب ضرورةٍ، وهو تأكيد حرف الجر، وتأكيد حرف النصب بمثله، وحسن ذلك اختلافهما لفظًا، وإن كانوا فعلوا ذلك مع تماثل اللفظ كقول الشاعر:[من الوافر]
1414 -
فلا والله لا يلفى لما بي
…
ولا للمابهم أبدًا دواء
ومثل البيت الأول في تأكيد المختلفي اللفظ قول الآخر: [من الطويل]
1415 -
فأصبح لا يسألنه عن بما به
فجمع بين عن والباء تأكيدًا.
وقال الراغب: «كي» حرف علة لفعل الشيء، وكيلا لانتفائه، انتهى. كيلا مركبة من كي التي للتعليل ومن لا النافية؛ فالنفي إنما هو مستفاد من لفظ كي. فكل منهما باقٍ على حقيقته، وهذا كما تقول: لئلا اللام للعلة ولا للنفي، فاللام للفعل منفيًا والأمر فيه قريب.
تم الجزء الثالث
ويليه الجزء الرابع
وأوله: باب اللام