الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل الكاف والباء
ك ب ب:
قوله تعالى: {أفمن يمشي مكبًا} [الملك: 22] الكب: إسقاط الشيء على وجهه، والإكباب: جعل وجهه مكبوبًا على العمل، وهذا عكس ما هو المعهود من أن الفعل المجرد يكون قاصرًا، فإذا دخلت الهمزة عدته لمفعولٍ نحو: خرج زيد وأخرجته، وهذا عكسه. فيقال: كببت زيدًا فأكب، ومثله: قشعت الريح السحاب فأقشعت، وتحقيقه أن الهمزة هنا للضرورة والمطاوعة.
والكبكبة: تكرير الكب، وهو تدهور الشيء في هوةٍ كقوله:{فكبكبوا فيها هم والغاوون} [الشعراء: 94]. وقيل: المعنى جمعوا. وقيل: ألقي بعضهم على بعضٍ، وهي متقاربة.
والكبكبة: الجماعة -بضم الكاف الأول وفتحها- وفي الحديث: "كبكبةٍ من بني إسرائيل" أي جماعة. وفي حديث ابن زملٍ: "فأكبوا رواحلهم في الطريق" قال الهروي: كذا الرواية، والصواب كبوا، والمعنى: ألزموها الطريق. الرجل يكب على عملٍ يعمله: إذا لزمه، وأنشد قول عنترة:[من الكامل]
1314 -
قدح المكب على الزناد الأجذم
والكواكب: جمع كوكبٍ. وهو كجوهرٍ في زيادة واوه، ولا قال له كوكب إلا عند ظهوره؛ فالكواكب: النجوم البادية، وأنشد للنابغة الذبياني:[من الطويل]
1315 -
فإنك شمس والنجوم كواكب
…
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ووجه الرد أنه سماه كوكبًا عند عدم ظهوره، وكان مراد الراغب الحقيقة، وقول النابغة على المجاز.
ويقال: هم كوكبة واحدة أي مجتمعون. وكوكب العسكر: ما يلمع فيه من الحديد على التشبيه، وفي المثل:"تفرقوا تحت كل كوكب" إذا تشتتوا.
ك ب ت:
قوله تعالى: {كبتوا} [المجادلة: 5] أي غيظوا شدة الغيظ، وقيل: أذلوا وأخزوا. وقيل: الأصل فيه كبدوا؛ أي أصيب كبدهم بما لا يقدر عليه من الهموم والآلام فقلبت الدال تاء لقرب مخرجهما، كقولهم: سبت رأسه وسبدها أي حلقها. وقيل: هو الحزن. وقيل: أشد الحزن، وهو الصحيح. ويدل عليه أنه أخص من الحزن أنه صلى الله عليه وسلم "رأى طلحة حزينًا مكبوتًا". وقيل: الكبت: الرد بعنفٍ.
قوله تعالى: {أو يكبتهم} [آل عمران: 127] قال أبو عبيدة: أو يهزمهم. وقيل: يحزنهم. والأصل فيه ما قدمته وما ذكره المفسرون أسباب لذلك.
ك ب د:
قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ} [البلد: 4] أي مشقةٍ شديدة. وأصل ذلك من قولهم: كبدته أكبده أي أصبت كبده، فأصابه الكبد والكباد أي وجع وصل إلى الكبد. ونبه تعالى بقوله:{لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ} ، على أنه خلقه على حالةٍ لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر في دار القرار، كقوله تعالى:{لتركبن طبقًا عن طبقٍ} [الانشقاق: 19].
وكبد السماء وكبد القوس: وسطهما تشبيهًا بكبد الإنسان لتوسطها البدن. وكبد كل شيء وسطه. وفي الحديث: "وتلقي الأرض أفلاذ كبدها" أي ما خفي من كنوزها. وقيل: {في كبد} أي خلق منتصبًا غير منحنٍ. وما أبعد هذا لفظًا ومعنى! وقال ابن عرفة: في كبدٍ أي في ضيقٍ كأنه يشير لمحله في الرحم، وأنشد للبيد:[من المنسرح]
1316 -
يا عين هلا بكيت أربد إذ
…
قمنا وقام الخصوم في كبد
قال: والإنسان في بطن أمه في ضيقٍ ثم يكابد ما يكابده من أمر دنياه وآخرته ثم الموت إلى أن يستقر في جنةٍ أو نارٍ.
وفلان يكابد معيشته، أي يقاسي منها ضيقةً وشدةً، قال الشاعر:
وفي الحديث: كبدهم البرد. أي شق عليهم.
ك ب ر:
قوله تعالى: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} [الأنعام: 35] أي صعب وشق. قوله: {وإنها لكبيرة} [البقرة: 45] أي شاقة. ثم إن الكبر والصغر اسمان متضايفان باعتبار بعضها ببعضٍ، فرب شيءٍ يكون كبيرًا بالنسبة لما دونه، صغيرًا بالنسبة لما فرقه، ويستعملان في الكمية المتصلة كما في الأجسام نحو: الجمل أكبر من الفرس، كالقلة والكثرة في استعمالهما في الكمية المنفصلة كالأعداد. وقد يتعاقب الكبير والكثير على شيءٍ واحدٍ وذلك بنظرين مختلفين كما في قوله تعالى:{إثم كبير} [البقرة: 219] قرئ "كبير" و"كثير" بالياء الموحدة والثاء والمثلثة. وقد حررناه بأكثر من هذا في موضعٍ هو أليق به. والأصل استعماله في الأعيان ثم يستعار للمعاني كقوله تعالى: {فيهما إثم كبير} {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} [الكهف: 49].
قوله تعالى: {إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] وصفه بالكبر تنبيهًا على أن العمرة حج أصغر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:"العمرة هي الحج الأصغر"، ويستعمل ذلك اعتبارًا بتقدم الزمان. ومنه: فلان كبير أي مسن، قال الله تعالى:{وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40]. قال الشاعر: [من المتقارب]
1317 -
أشاب الصغير وأفنى الكبير
…
كر الغداة ومر العشي
وقد يقال باعتبار المنزلة والرفعة كقوله تعالى: {قل أي شيءٍ أكبر شهادة} [الأنعام: 19]. قوله تعالى: {فجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم} [الأنبياء: 58] إنما أطلق عليه ذلك على زعمهم وتسميتهم أي باعتبار جثته فإنه كان أعظمهم جثةً. قوله تعالى: {أكابر مجرميها} [الأنعام: 123] أي رؤساءها، وذلك على سبيل الاستدراج كقوله:{أمرنا مترفيها} [الإسراءك 16]{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 182]. قوله تعالى حكايةً عن فرعون {إنه لكبيركم} [طه: 71] أي رئيسكم في هذه الصناعة. وفي المثل: "ورثه كابرًا عن كابرٍ" أي أبًا عظيم القدر عن أبٍ عظيمٍ مثله.
قوله تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش} [الشورى: 37] وقرئ "كبير" فالكبيرة متعارفة في كل ذنبٍ لعظم عقوبته، واختلف الناس في حدها وعدها، ولهما موضع هو أليق بهما بيناهما فيه ولله الحمد.
قوله تعالى: {كبرت كلمة} [الكهف: 5] أي عظم ذنبها وعقوبتها لأنها قول باطل في حق من لا يجوز عليه ذلك بوجهٍ. وليست كسائر الكذبات؛ فإن الكذب قد يقال فيمن يجوز عليه مثل ذلك الشيء المكذوب فيه كقولك: الأمير ظلمني، ولم يكن ظلم، فهذا كذب قبيح وإن كان ممكنًا جائزًا وقوع الظلم منه، والباري تبارك وتعالى لا يتصور في حقه ما افتروه.
قوله: {كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 3] يعني أن مقته لكم على ذلك أشد من مقته لكم على غيره من الذنوب، ولذلك أخرجهما نصبًا على التمييز.
قوله: {والذي تولى كبره منهم} [النور: 11] إشارةً إلى من تولى حديث الإفك، ونبه بذلك على أن كل من سن سنةً قبيحة يقتدي بها غيره فذنبه أعظم وعقوبته أشد. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وفي عكسه كذلك والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب معنى، لكن الكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم الكبر والتكبر: ما وقع في جانب أوامر الله ونواهيه، وذلك أن يتكبر على أداء طاعاته والانزجار عن معاصيه.
والاستكبار يقال باعتبارين: أحدهما تحري الإنسان وطلبه أن يكون كبيرًا وهذا إذا كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب وفي الزمان الذي يجب محمود غير مذمومٍ. والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له أو يرى نفسه أكبر من غيره بما أنعم الله عليه من مال أو جاهٍ. ولذلك قال تعالى: {نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا} [القصص: 83]، فجعل إرادة ذلك علةً مستقلةً بدليل إعادة "لا" فيما عطف. وجميع ما ورد في القرآن العظيم من الاستكبار من هذا النوع كقوله تعالى:{واستكبروا استكبارًا} [نوح: 7] أي واستكبر، {فيقول الضعفاء للذين استكبروا} [غافر: 47] قابل المستكبرين بالضعفاء منبهةً على أن استكبارهم عليهم كان بما لهم من القوة في البدن والمال. وقوله: {فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين} [الأعراف: 133] فنبه بقوله: {فاستكبروا} على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وبقوله: {وكانوا قومًا مجرمين} أن الحامل لهم على ذلك ما تقدم من جرمهم، وأن ذلك ليس شيئًا حادثًا منهم بل كان ديدنهم وهجيراهم. والتكبر -أيضًا- يقال على وجهين.
أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدةً على محاسن غيرها، وبهذا وصف الله تعالى نفسه فقال:{العزيز الجبار المتكبر} [الحشر: 23] وما أبلغ
تناسب هذه الصفات الثلاث: العزة والجبروت والتكبر!
والثاني: أن يوصف به من يشبع بما ليس له ويتكلف ذلك، وهذا في أوصاف الناس كقوله تعالى:{كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبارٍ} [غافر: 35] قرئ بإضافة القلب إليه. ويوصف القلب بالمتكبر، ولا يجوز أن يوصف بالثاني غير الباري تعالى: وجوز ذلك الراغب فقال: ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود. ثم قال: ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذمومًا.
قوله: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف: 146] فافهم أن التكبر فيها بحق سائغٍ، وفيه نظر لأنه من باب قوله:{ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به} [المؤمنون: 117] إذا لا مفهوم لهذه الصفة، أو يكون فائدة قوله:{بغير الحق} أنهم لو سئلوا عن تكبرهم لأجابوا بأنه بغير حق كما قيل ذلك في قوله: {ويقتلون الأنبياء بغير حق} [آل عمران: 112].
والكبر: كبر السن، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"كبر الكبر" أي قدموا الكبير منكم. والكبرياء: الترفع عن الانقياد والطاعة. وذلك لا ينبغي أن يوصف بها غير الله تعالى، ولذلك قال:{وله الكبرياء} [الجاثية: 37] أي له خاصةً لا لغيره. وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكاه عن ربه: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في شيءٍ منهما قصمته".
والكبار: مخففًا أبلغ من الكبير. وأنشد: [من البسيط]
1318 -
كحلفةٍ من أبي دثارٍ
…
يسمعها لاهه الكبار
والكبار -مشددًا- أبلغ منه قال تعالى: {ومكروا مكرًا كبارًا} [نوح: 22].
وأكبرته: جعلته أو اعقتدته كبيرًا، كقوله تعالى:{فلما رأينه أكبرنه} [يوسف: 31]، كبرته مثله أيضًا. ومعنى كبرياء الله تعالى وصفنا له بالعظمة، وبقولنا: الله أكبر.
قوله: {لخلق السماوات والأرض أكبر من اخلق الناس} [غافر: 57] إشارة إلى ما خصمها تعالى من إبداعه عجائب صنعته ولطائف حكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله تعالى: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض} [آل عمران: 191]، وليس قصد ذلك كبر جثتهما فإن أكثر الخلق يعلمون ذلك.
قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] إشار إلى العذاب الواقع يوم القيامة، أعاذنا الله منه، وفيه تنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب في الدنيا أو في البرزخ صغير في جنب ما يناله في الآخره.
قوله: {إنها لإحدى الكبر} [المدثر: 35] أي إحدى العظائم، قيل: عنى بها النار.
قوله تعالى: {قال كبيرهم} [يوسف: 80] عنى بذلك أكبرهم عقلاً لا سنًا، وفي الحديث:"أخذ عودًأ في منامه ليتخذ منه كبرًا" بزنة طللٍ. قال شمر: هو الطبل له وجه واحد. وقول المؤذن: "الله أكبر الله أكبر" ليس فيه تفضيل، إنما المراد به الله الكبير، كقول الأحوص:[من الكامل]
1319 -
إني لأمنحك الصدود وإنني
…
قسمًا إليك مع الصدود لأميل
وقول الفرزدق: [من الكامل]
1320 -
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتًا دعائمه أعز وأطول
أي المائل، وعزيز مائل. والنحويون يقولون "من" محذوفة لأن أفعل خبر، والخبر يكثر فيه الحذف، والتقدير: أكبر من كل شيءٍ، ومثله قول الخنساء:[من الطويل]