الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غليظة" قال الأصمعي: الظفرة: لحمة تنبت عند المآق. وأنشد: [من الرجز]
969 -
بعينها من البكاء ظفره
…
حل ابنها في السجن وسط الكفره
وقال الراغب: الظفرة: جليدة تغشى البصر، تشبيهًا بالظفر في الصلابة. وقد ظفرت عينه: أصابها ذلك. وقيل: "إن الظفر كان لباس آدم وحواء عليهما السلام في الجنة". فلما وقع ما وقع نزع عنهما كما قال الله تعالى، وأبقى الله منه هذه البقية على رؤوس الأصابع ليتذكر بها ما وقع منهما، فبقيت في ذريتهما تلك البقية، والله أعلم.
فصل الظاء واللام
ظ ل ل:
قوله تعالى:} في ظلالٍ وعيونٍ {الظلال جمع ظل، وهو ضد الصبح البارز للشمس، وهو أعم من الفيء؛ فإنه يقال: ظل الليل، وظل الحر. ولا يقال في الحر إلا بعد الزوال لأنه يفيء من جهة المغرب إلى جهة المشرق. والفيء: الرجوع. ومنه:} حتى تفيء إلى أمر الله {[المرسلات: 41] ولذلك غلط ابن السكيت الناس في تسميتهم الظل مطلقًا فيئًا. ويقال لكل موضعٍ لم تصل إليه الشمس: ظل. ولا يقال له في قوله تعالى:} يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدًا لله {[النحل: 48] أي أفياؤه يدل على وحدانية الله وينبئ عن حكمته.
قوله:} وظلالهم بالغدو والآصال {[الرعد: 15]. قال الحسن: "أما ظلك فيسجد الله وأما أنت فتكفر به".وقد يعبر بالظل عن الإحسان، فيقال: أنا ظلك، وعن العز والمنازعة، وبه فسر قوله تعالى:} إن المتقين في ظلال وعيون وفواكة}
[المرسلات: 41 - 42]. وظلله الله وأظله: حرسه ومنعه. قال بعضهم: "وظلالهم"، أي أشخاصهم. والظل: يعرف به عن الشخص، قال ذلك بعض اللغويين مستدلاً بقول الشاعر:[من البسيط]
970 -
لما نزلنا رقعنا ظل أخبيةٍ
قال: وليس ينصبون الظل الذي هو الفيء وإنما ينصبون الأخبية. وبقول الآخر: [من الطويل]
971 -
تتبع أفياء الظلال عشيًة
أي أفياء الشخوص. قال الراغب: وليس في هذا دلالة فإن قوله: "رفعنا ظل أخبيةٍ" معناه رفعنا الأخبية فرفعنا بها ظلها، فكأنه يرفع الظل. وأما قوله:"أفياء الظلال" فالظلال عام والفئ خاص. وقوله: "أفياء الظلال" من إضافة الشيء إلى جنسه. قوله تعالى:} وندخلهم ظلا ظليلاً {[النساء: 57] أي كنيفًا مانعًا من الحر، ومما يؤذي أذاه من الغم والضيق. وقيل: هو كناية عن غضارة العيش. وقال ابن عرفة: أي دائمًا طيبًا. يقال: إنه لفي عيشٍ ظليلٍ، أي طيبٍ، قال جرير:[من الكامل]
972 -
ولقد تساعفنا الديار، وعيشنا
…
لو دام ذاك بما نحب، ظليل
قوله تعالى:} وظل ممدودٍ {[الواقعة: 30] أي دائمٍ لا تنسخه الشمس. والجنة كلها ظل لا شمس فيها؛ كما قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه يمدحه عليه الصلاة والسلام: [من المنسرح].
973 -
من قبلها طبت في الظلال وفي
…
مستودعٍ حيث يخصف الورق
يشير إلى أنه كان عليه الصلاة والسلام طيبًا في صلب آدم عليه الصلاة والسلام.
وقال أبو بكرٍ: "ظل الجنة سترها والكينونة في دارها" وإلا فالشمس إنما تتعارف في الدنيا، هي معيار الظل باعتبار غيبوبتها وحجبها عن ذلك المكان الذي يوجد فيه الظل ولا شمس في الجنة. قوله تعالى:} ألم تر إلى ربك كيف مد الظل {[الفرقان: 45] هذه الآية من أشكل الآي في فهمها، وأحسن ما قيل فيها: إن معنى "مد الظل" أن جعله يبسط ويمشي وينتقل في الأمكنة التي كانت مشمولًة بالشمس، فينتفع به العالم انتفاعًا مشاهدًا في أبدانهم وزروعهم وثمارهم. ولو بقيت الشمس متسلطًة عليهم لأحرقت كل ذلك، وكذا لو لم تطلع عليهم لفسدوا أيضًا. قوله تعالى:} ولو شاء لجعله ساكنًا {[الفرقان: 45] أي لاصقًا بأصل كل شاخصٍ مطل لم ينبسط ولم ينتقل عن أصل ذلك الشاخص من بناءٍ أو جيلٍ أو شجرٍ، فلم ينتفع به ذلك العالم فيما ذكر، قسمي الله تعالى ابنساطه وانتقاله الانتقال المعهود امتدادًا وتحركًا، وعدم ذلك سكونًا. قوله:} ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً {معناه أن الناس يستدلون بالشمس وأحوالها في المسير العجيب الذي لا يدخل تحت العقول على أحوال الظل في كونه ثابتًا في مكانٍ، وزائلاً عن آخر، ومتسعًا منبسطًا ولاصقًا متقلصًا، فيثبتون حاجاتهم على حسب ما يريدون. قوله:} ثم قبضناه إلينا {معناه: ننسخه بضحى الشمس بأن نطلقها فيسطع نورها أي شعاعها على تلك الأمكنة بالسير الذي قدرناه فيذهب .. قوله:} قبضًا يسيرًا {أي على مهلٍ وتأنٍ. ولو قبض الظل ونسخ دفعًة واحدًة لتعطلت منافع الناس وفسدت معايشهم ونباتهم وشجرهم بالشمس والظل معًا، فسبحان الحكيم الذي تاهت عقول الحكماء في حكمته. وإنما شرحت ألفاظ الآية، وإن المقصود الظل لأنه لا يفهم معناها إلا بمجموع كلماتها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قوله تعالى:} إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام {[البقرة: 210] أي عذابه وأمره، وأما ذاته المقدسة فمنزهة عن الانتقال والحركة. وهي إما جمع ظلة: قطعة من السحاب لأنها تظل من تحتها. وقرئ} ظلال {، وهو جمع ظل أيضًا نحو غلبة وغلاب، وحفرةٍ وحفارٍ. وإما جمع ظل المراد به الشخص عند من يرى ذلك، وقد تقدم الاستدلال
به والجواب عنه. قوله:} موج كالظلل {[لقمان: 32] فقيل: هي شيء يشبه الظلمة، وبها شبهت الموجة. والأولى أن تكون على بابها، والتشبيه بها واضح لما فيها من التراكم والتلاحق. قوله:} هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون {[يس: 56] قرئ "ظلال" جمع ظل. وقيل: جمع ظلة نحو برمة وبرام، وقد تقدم. وقرئ "ظلل" جمع ظلة، يعني على التشبيه بما هم من الظل بمن أظلته سحابة، فصارت عليه ظلة. ثم لم يكتف بذلك حتى جعلها ظللاً متراكمة مبالغًة في الوصف. وحكي في ظلل - بضمتين - فقيل: يجوز أن يكون جمع ظلالٍ ظللٍ، فهو جمع الجمع، وهذا مردود بقاعدة تصريفيةٍ؛ وهو أن فعالاً وفعالاً إن كانا مضاعفين أو معتلي اللام لزمها الجمع على أفعلةٍ نحو زمام وأزمة. وقد يقال: لما ورد في لسانهم كما يشهد بذلك مساغ القول. وقد قالوا: عنان وعنن وحجاج وحجج. وكان الذي حمل هذا القائل - والله أعلم - على القول بذلك مع شذوذه أن هذا اللفظ قد ورد في صفة أهل النار بقوله لهم:} من فوقهم ظلل {[الزمر: 16] جعل أطباق النار - أعاذنا الله منها - ظللاً لمن فيها وبئس الظل. فقوله:} لهم من فوقهم ظلل {ظاهر؛ فإن الظلة ما علا فأظل. وأما قوله:} ومن تحتهم ظلل {فباعتبار من تحتهم من المعذبين في الطبقة التي تحتهم، فبالنسبة إلى من فوق هي كالأرض، وإلى من تحت ظلة، وهذا كسقفين؛ فإن الذي تحت يقال فيه ظلة، وغير ظلة بالنسبة والإضافة، وهذا كقوله تعالى في المعنى:} وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم {.
قوله:} عذاب يوم الظلة {[الشعراء: 189] هي سحابة أنشأها الله تعالى كان فيها عذاب مدين؛ قيل: أصابهم ذلك اليوم حر عظيم إلى أن كادوا يهلكون، فأرسل الله ظلًة كثيفًة، أي سحابًة متراكمًة، فهرعوا إليها يستجيرون بها من الحر، فلما تكاملوا تحتها أطبقت عليهم بعذابها، فلم ير يوم مثله. وحكى الفراء: أظل يومنا، أي صار ذا ظل وهو السحاب. قوله تعالى:} انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعبٍ لا ظليلٍ}
المرسلات: [30 - 31] سماه ظلاً تهكمًا بهم أو في الصورة من حيث إنه متراكب لا شمس فيه. ثم لما وصفه بوصفين بكونه ظلاً وبكونه [ساترًا] نفى عنه هذين الوصفين؛ فقال: ليس بظليلٍ على ما يتعارفونه، ونفى عنه فائدة الظل المتعارف، وهو أن من شأنه أن يغني من لهب النار وحرها. ويجوز أن يكون المعنى أن الظل، وإن كنتم تعهدونه يغني من الحر فهذا لا يغني من اللهب. قال الراغب: قوله:} لا ظليلٍ {أي لا يفيد فائدة الظل في كونه واقيًا من الحر. قلنا: هذا قد أفاد ولا يغني من اللهب. وأيضًا لو كان فائدة قوله:} لا ظليلٍ {ذلك لم يكن لقوله بعد، ولا يعني فائدًة لأنه إذا لم يق الحر علم أنه لا يغني من اللهب من باب الأولى والأحرى.
وقوله:} ظلت عليه عاكفًا {[طه:97] أصلها ظللت، وإنما حذفت اللام الأولى للتضعيف والكسر، وفيه وفيما أشبهه ثلاث لغاتٍ: ظللت على الأصل، وظلت بالحذف مع بقاء الفاء على حركتها، وظلت بكسرها منبهًة على حركة المحذوف، وإن كانوا قد حذفوا أحد المثلين في المضاعف وإن لم يكن كسر نحو: أحست في أحسست، وهمت في هممت، وحلت في حللت. فلأن يحذفوا فيما فيه ذلك وحركة ثقيلة أولى. ومنه قول الشاعر:[من الوافر]
974 -
سوى أن العتاق من المطايا
…
أحسن به فهن إليه شوش
يريد: أحسن. على أنه قد زعم بعضهم أنه جاء ذلك مع الفتح، وجعل منه:} وقرن في بيوتكن {[الأحزاب: 33] وليس كذلك حسبما بيناه في "الدر" و"العقد" وغيرهما.
وأصل ظل الدلالة على اتصاف اسمها بمعنى خبرها نهارًا كدلالة بات على اتصافه به ليلاً. تقول: ظل زيد يقرأ، أي اتصف بالقراءة نهارًا. وبات يصلي، اتصف بها ليلاً، قال الشاعر:[من السريع].
975 -
أظل أرعى وأبيت المحن
…
الموت من بعض الحياة أهون
وهي من أخوات كان ترفع اسمًا وتنصب خبرًا، وتكون تامًة إذا أريد بها الإقامة. وتكون بمعنى صار فتدل على الانتقال من حالٍ إلى آخرٍ كقوله تعالى:} ظل وجهه مسودًا {[النحل: 58]، إذ ليس المراد اتصافه بذلك نهارًا فقط. وقيل إنما ذكر وقت النهار لأنه أوضح، وهو الذي تظهر فيه. المخبآت. والعرب تقول: الليل ساتر للويل. وفي الحديث: "السلطان ظل الله في أرضه" قيل: ستره ووقايته. وقيل: خاصته. وقيل: المراد العزة والمنعة، وأنشد:[من الطويل].
976 -
فلو كنت مولى العز أو في ظلاله
…
ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم
ظ ل م:
قوله تعالى:} لا ظلم اليوم {[غافر: 17] أي أنه تعالى يظهر عدله في ذلك اليوم لكل أحدٍ، وإن كان نفي الظلم عنه ثابتًا في غير اليوم أيضًا، ولكنه فيه أظهر لأنه يوم مجموع له الناس فيشاهد عدله تعالى جميع الخلائق، فلا يجازي بالسيئة إلا مثلها. وأما الحسنات فيضاعفها ويعفو عن سيئات بعض العباد، ولا عدل أتم من ذلك. ولما كان التوحيد عند الله بمكانٍ لا يوازي كان الجزاء عليه كذلك. ولما كان الشرك عنده تعالى أيضًا في باب المعاصي بمكانٍ لا يوازي كان الجزاء كذلك، ولو عذب الكافر بكل عذابٍ لم يواز كفره ولم يساوه لعظم ما أتى به. فنسأل الله العظيم أن يتوفانا مسلمين كما أمرنا به. والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصانٍ أو بزيادةٍ وإما بعدولٍ عن وقته أو مكانه. ومن ثم قالوا: ظلم السقاء: إذا تناوله في غير وقته أو مكانه، ويقال لذلك اللبن: ظليم. وقيل: هو أظلم من الحية؛ وذلك أن الحية تأتي الحجر فتغتصبها من أرباها. قال الشاعر: [من الرجز]
977 -
وأنت كالأفعى التي لا تحتفر
…
ثم تجيء حاذرًا فتنجحر
ويقال: ظلم الأرض: إذا حفرها ولم تكن محلا للحفر، وتسمي المظلومة. قال
النابعة: [من البسيط]
978 -
إلا الأواري لأيًا ما أبينها
…
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
والتراب الخارج منها ظليمً. وقيل: الظلم: التصرف في ملك الغير من غير إذنه. وقد ظلمني، أي تصرف في ملكي بغير إذني، ومن ثم انتفى الظلم عن الباري تعالى من كل وجهةٍ وعلى كل وجهٍ. فله أن ينعم العاصي ويعذب الطائع. وليس ذلك ظلمًا إذ الأشياء كلها ملك له تعالى. وقيل: الظلم مجاوزة الحد الذي يجري مجرى نقطة الدائرة. ويقال فيما يقل ويكثر من التجاوز. ولهذا يقال في الذنب الصغير والذنب الكبير: ظلم. قال الراغب: ولذلك قيل لآدم عليه الصلاة والسلام في تعديه: ظالم، ولإبليس: ظالم، وإن كان بين الظلمين بون بعيد. قلت: أما التباين بين ما ذكره فمسلم، ولكن وصفه آدم بذلك جراءة لا تجوز، فنبهت عليها لذلك. وقال بعض الحكماء: الظلم أنواع: الأول: بين العبد وربه وأعظمه الشرك والكفر والنفاق. ومن ثم قال الله تعالى:} إن الشرك لظلم عظيم {[لقمان: 13]، وإياه قصد بقوله:} ألا لعنة الله على الظالمين {[هود: 18]. والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله تعالى:} إنما السبيل على الذين يظلمون الناس {[الشورى: 42]. والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله تعالى:} فمنهم ظالم لنفسه {[فاطر: 32]. وقوله:} ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين {[البقرة: 35] أي لأنفسهم. قال: وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس فإن الإنسان أول ما يهم بالظلم قد ظلم نفسه، فإذًا الظالم أبدًا يبتدئ بنفسه في الظلم، ولهذا قال في غير موضعٍ:} وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون {[آل عمران: 117] قلت: وفي قوله:} فتكونا من الظالمين {فائدة حسنة وهو أنه تعالى علم أنهما يصيبان ما يصيبان فلقنهما الاعتذار. فمن ثم قالا:} ربنا ظلمنا أنفسنا {[الأعراف: 23] فتأيد أن الظلم في قوله:} من الظالمين {أي لأنفسكما. ثم إن الظلم المتوسط - وهو ظلم
العباد - أصعب الثلاثة من وجهٍ وهو الافتقار إلى الخروج من مظلمة ذلك الإنسان؛ إما برد ما غصبه وإما بإعلامه بما اغتابه وثلبه. وفي هذا من الصعوبة كما هو معروف عند كل أحدٍ بخلاف النوعين الآخرين؛ فإنهما لمجرد الندم والإقلاع والعزم على عدم العود يحصل الغرض وينتفى الظلم.
قوله:} الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم {[الأنعام: 82] أي بشركٍ لأنه هو الظلم المؤثر في الإيمان. ولما سمعها الصحابة تبادر فهمهم إلى مطلق الظلم فضجوا فقال عليه الصلاة والسلام: "ذلكم الشرك" وتلا قوله تعالى:} لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم {[لقمان: 13] فسكتوا. قوله:} ولم تظلم منه شيئًا {[الكهف: 33] أي لم تنقص. قوله تعالى:} وما ربك بظلام للعبيد {[فصلت: 46]. قال بعضهم: لا يلزم من نفيه الأخص نفي الأعم، والله تعالى منتفٍ عنه الظلم على العموم. وظلام صيغة مبالغةٍ، ومثاله إذا قلت: ليس زيد بظالم، معناه أنه لم يلبتس بشيءٍ من الظلم قليله وكثيره. وإذا قلت: ليس بظلامٍ فإنما نفيت كثرة الظلم. ولا يلزم منه مطلق الظلم، والجواب عنه أن ظلامًا هنا ليس مثال مبالغةٍ وإنما معناه النسب، أي ليس بذي ظلمٍ كقولهم: لبان ونبال، أي صاحب لبنٍ ونبل. وقيل: إنما أتى به على صيغة المبالغة بالنسبة إلى ذكر ما بعده من الجمع. فلما تكرر المتعلق وتعدد حسن أن يتكرر الفعل الذي نفي عنه تعلقه، والأول أحسن.
قوله:} إنهم كانوا هم أظلم وأطغى {[النجم: 52] تنبيه أن الظلم لا يغني شيئًا؛ فإن قوم نوحٍ مع كونهم كانوا اظلم من هؤلاء لم يغن عنهم ظلمهم شيئًا بل كان وبالاً عليهم. قوله تعالى:} وما الله يريد ظلمًا للعباد {[غافر: 31] أي لا يريد أن يظلمهمٍ. وأما ظلمهم لبعضهم بعضًا فهو واقع وليس المراد نفي إرادته. وقد مضى هذا مستوفى. وقال في موضع آخر:} وما أنا بظلامٍ للعبيد {[ق: 29] فنفى الظلم عن ذاته المقدسة من غير تعرضٍ للإرادة، لأن المقام هنا يقتضي نفي ذلك. قيل: والظلم يرد أيضًا بمعنى العدول ومنه:} فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا {[النمل: 52] أي بعدولهم عن الحق. ولا شك أن ذلك لازم للظلم، بأي تفسير فسر. ويرد أيضًا بمعنى النقصان كقوله
تعالى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {[البقرة: 57] أي ما نقصوا ملكنا شيئًا، وإنما نقصوا أنفسهم حظها. ويرد بمعنى المنع؛ حكى أبو بكرٍ: ما ظلمك أن تفعل كذا؟ أي ما منعك. وفي حديث أم سلمة "أن أبا بكرٍ وعمر [ثلما] هذا الأمر فلم يظلماه" أي لم يضعاه في غير، موضعه. وقيل: لم يعدلا به عن الحق. وقيل: لم ينقصاه. وقيل: لم يمنعاه، وكله مراد. والحق أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وما ذكر فلوازم.
والظليم: ذكر النعام، والجمع ظلمان. وقيل: سمي بذلك لاعتقاد العرب أنه مظلوم بصلم أذنيه، وإياه قصد الشاعر بقوله:[من السريع]
979 -
[فصرت] كالهيق غدا يبتغي
…
قرنًا فلم يرجع بأذنين
الهيق هو الظليم. يعني أنه ذهب يطلب له قرنًا كبقر الوحش فذهبت أذناه. وهو في هذا المعنى كقولهم: من طلب الزيادة وقع في النقص. وقد تقدم أن الظليم نوع من اللبن، ونوع من التراب. والظلم: ماء الأسنان. وقيل: بريقها؛ قال كعب رضي الله تعالى عنه: [من البسيط]
980 -
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
…
كأنه منهل بالراح معلول
وفي الحديث: "إذا أتيتم على مظلومٍ فأغذوا السير" قيل أراد به البلد الذي لا رعي فيه ولا أصابه غيث. قوله تعالى:} الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور {[البقرة: 257] عنى بالظلمات هنا الكفر، وبالنور الإيمان. وهو من أحسن الاستعارات لهذين الضدين. وأصل الظلمة عدم النور، وهما متقابلان؛ قال الله تعالى:} وجعل الظلمات والنور {[الأنعام: 1] ثم يعبر بالظلمة عن الشرك والجهل والفسق، كما عبر عن أضدادها بالنور.