الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجوع إلى الخلف، وذلك كناية عن مشيهم على غير طريقه الواضح ونهجه القويم. كما جاء في حديثٍ آخر:"فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقوال: سحقًا سحقًا".
فصل القاف والواو
ق وب:
قوله تعالى: {فكان قاب قوسين} [النجم: 9] أي قدر قوسين. يقال: بيني وبينه قاب رمحٍ وقاد وقيد وقدى رمحٍ. والقوس: الرمح بلغة أزد شنوءة وسيأتي. وقال الراغب: القاب: ما بين المقبض والسية من القوس. قلت: السية موضع الوتر. وهذا أقل من الأول. وفي الحديث أن عمر نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال: "إنكم إن اعتمرتم في أشهر الحج رأيتموها مجزئةً عن حجكم فكانت قائبة قوب عامها" ضرب! عمر هذا مثلاً لخلاء مكة من المعتمرين سائر السنة. قال شمر: يقال: قيبت البيضة فهي مقوبة: إذا خرج فرخها. وقال الفراء: القابية: البيضة، والقوب: الفرخ. وتقوبت البيضة: تقلقت عن فرخها، ويقال: انقضى قوبي من قاويةٍ، يعني أن الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إليها.
ق وت:
قوله تعالى: {وكان الله على كل شيءٍ مقيتًا} [النساء: 85] قيل: معناه مقتدرًا، وقيل: حافظًا، وقيل: شاهدًا؛ وحقيقته: قائمًا عليه يحفظه، وأنشد:[من الخفيف]
1295 -
ليت شعري وأشعرن إذا ما
…
قربوها منشورةً ودعيت
ألي الفضل أم علي، إذا حو
…
سبت؟ إني على الحساب مقيت
والقوت: ما يمسك به الرمق، والجمع أقوات لقوله تعالى:{وقدر فيها أقواتها}
[فصلت: 10] يعني أرزاقها المقدرة لخلقه لا يعدوا أحد رزقه.
وقاته يقوته قوتًا: أطعمه القوت. وأقاته يقيته إقاتةً: جعل له ما يقيته، كما قيل في سقيته وأسقيته وقبرته وأقبرته. وفي الحديث:"إن أكبر الكبائر أن يضيع الرجل من يقوت"، ويروى "من يقيت" من قاته وأقاته. وقيل: فعل وأفعل فيه بمعنى كنظائره. وقيل: من قوله: "مقيتًا" أي مقتدرًا على أن يعطي كل واحدٍ قوته.
ويقال: ما عنده قوت ليلةٍ وقيت ليلةٍ وقيتة ليلةٍ، نحو: الطعم والطعم والطعمة. وأنشد الشارع يصف نارًا: [من الطويل]
1296 -
فقلت له: ارفعها إليك فأحيها
…
بروحك واقتته لها قيتةً قدرا
ق وس:
قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى} [النجم: 9] القوسان معروفان، وهما ما يرمى عنهما، قيل: أراد بهما القريبين وكأنهما أقصر شيءٍ من غيرهما، من قسي الناس. وقيل: هما الذراعان.
والقوس: الذراع بلغة أزد شنوءة، قال مجاهد: قاب قوسين أي قدر ذراعين. وفي الحديث: "لقاب قوس أحدكم أو موضع قده من الجنة". وفي الحديث: "أطعمنا من بقية القوس الذي في نوطك" القوس هنا: البقية تبقى في أسفل الجلة، وتصور من القوس هيئتها فقيل للانحناء: تقوس، ومنه تقوس ظهر الشيخ وقوس، قال امرؤ القيس:[من الطويل]
1297 -
أراهن لا يحببن من قل ماله
…
ولا من رأين الشيب فيه وقوسا
وقوست الخط، والمقوس: مكان يجري منه القوس، وأصله الحبل الذي يمد على
هيئة قوسٍ فترسل الخيل من خلقه.
ويجمع القوس على قسي بضم القاف وكسرها وأصله قووس، نحو: فلس وفلوس فقلبت الكلمة بتقديم لامها وتأخير عينها فصيرها التصريف إلى ما ترى، ووزنه الآن فلوع، وقد حققنا هذا في غير هذا الموضع.
ق وع:
قوله تعالى: {فيذرها قاعًا صفصفًا} [طه: 106] القاع: المستوي من الأرض، قاله الراغب. وقال الفراء: القاع مستنقع الماء. وقال الهروي: هو المكان المستوي الواسع من وطاء الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه فيستوي ماؤه، وجمعه: قيعة وقيعان. يقال: قاع وقيعة، مثل جارٍ وجيرةٍ. وقال الراغب: والقيع والقاع: المستوي من الأرض، فلم يفرق بينهما. وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصيل:"كيف تركت مكة؟ قال: تركتها قد ابيض قاعها"، أي غسله المطر فابيض.
قوله تعالى: {كسرابٍ بقيعةٍ} [النور: 39] أي مكانٍ مستوٍ، فهو أظهر للمعان السراب والإحاطة به بخلاف المحدودب من الأرض.
والقاع من ذوات الواو، ولذلك قال الراغب: وتصغيره قويع، واستعير منه قاع الفحل الناقة: أي ضربها. لكن الهروي ذكره في مادة (ق ي ع)، والراغب أيضًا ذكره في مادة (ق ي ع) لكن نصل على تصغيره بالواو، فهو كبابٍ وبويبٍ، وإنما انقلبت الواو في قيعةٍ لانكسار ما قبلها وهي ساكنة نحو ديمةٍ وقيمةٍ من: دام يدوم، وقام يقوم.
ق ول:
قوله تعالى: {قوله الحق وله الملك} [الأنعام: 73] لما كان القول يكون حقًا وغيره خصص بالإضافة، وهذا خلاف ما يقوله الكوفي من أنه أضاف الموصوف لصفته، وأصله القول الحق كقوله:{وإنه لحق اليقين} [الحاقة: 51] أي الحق اليقين. ولنا فيه كلام متقن في غير هذا.
والقول والقال والقيل بمعنى واحدٍ، ومنه قوله تعالى:{وقيله يا رب} [الزخرف: 88]. والقول يستعمل على أنحاء.
أحدها: أن يقصد به حكاية الجمل المفيدة، وهذا غالب أحواله لقوله تعالى:{وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} [النحل: 51] خلافًا لمن قال: الأصل استعماله في المفرد، وهذا لا تتغير الجمل بعده عما تستحقه من الإعراب، ويكون في محل نصب به، وتكسر بعده إن.
والثاني: أن يقصد به الظن فيعمل عمله مطلقًا عند قومٍ وهم سليم كقوله: [من الرجز]
1298 -
قالت، وكنت رجلاً فطينًا
…
هذا لعمر الله إسرائينا
وغيرهم لا يعمله إلا بأربعة شروط: أن يكون مضارعًا بمخاطبٍ بعد استفهامٍ غير مفصولٍ إلا بالظرف أو عديله أو أحد معموليه، كقوله:[من الرجز]
1299 -
متى تقول القلص الرواسما
…
يدنين أم قاسمٍ وقاسما؟
وقول الآخر: [من البسيط]
1300 -
أبعد بعدٍ تقول الدار جامعةً
…
شملي بهم أم دوام البين محتوم؟
وقول الآخر: [من الوافر]
1301 -
أجهالاً تقول بني لؤي
…
لعمر أبيك أم متاجهلينا؟
ويجوز في أن بعده الوجهان من الفتح والكسر، وكان ينبغي وجوب الفتح. وأنشدوا:[من الطويل]
1302 -
إذا قلت إني آيب أهل بلدةٍ
بالوجهين. واختلف النحاة في القول المعمل على الظن هل يكون بمعناه أم في اللفظ فقط؟ فإن ورد ما ظاهره أن القول حكى به مفرد لا يؤدي مؤدي قولٍ قدر له خبر تتم به الجملة كقوله تعالى: {قالوا معذرة} [الأعراف: 164] رفعًا ونصبًا، وقال امرؤ القيس:[من الطويل]
1303 -
إذا ذقت فاها قلت: طعم مدامةٍ
معتقةٍ مما تجيء به التجر
فإن كان المفرد يؤدي مؤدى الجملة أو قصد به حكاية ذلك المفرد يعمل فيه القول عمله في المفعول به، كقولك: قلت: خطيئةً وقلت: زيرًا.
أي قلت هذه اللفظة. ومنه: {فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} [الأنبياء: 60] على أحسن الوجوه كما بيناه في غير هذا.
الثالث: أنه يستعمل في المتصور في النفس قبل الإبراز في اللفظ، ومنه: في نفس فلانٍ قول لم يبرزه، وعليه قوله تعالى:{ويقولون في أنفسهم لولا يذبنا الله بما نقول} [المجادلة: 8].
الرابع: الاعتقاد، نقول بقول الشافعي.
لخامس: الدلالة بما يفهم من حال الشيء، كقول الشاعر:[من الرجز].
1304 -
امتلأ الحوض وقال قطني
…
سلا رويدًا، قد ملأت بطني
السادس: يقال للعناية الصادقة بالشيء نحو: هو يقول بكذا، أي يعني به.
السابع: الإلهام كقوله تعالى: {قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب} [الكهف: 86] قاله الراغب وفيه نظر لإمكان جريانه على حقيقته، لكنه قال في توجيه ذلك: فإن ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما روي وذكر، بل كان ذلك إلهامًا، فسماه قولاً.
الثامن: كثيرًا ما يستعمله المنطقيون في معنى الحد، فيقولون: قول الجوهر كذا وقول العرض كذا أي حدهما.
التاسع: يستعمل بمعنى القتل، قال ابن الأعرابي: يقال: قالوا يريد أي قبلوه، وأنشد الأزهري:[من الرجز]
1305 -
نحن ضربناه على نطابه
…
قلنا به قلنا به قلنا به
أي قتلناه.
قوله: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11]. قيل: ذلك قول حقيقي خلق الله فيهما قوة النطق فنطقتا بذلك. وقيل: ذلك بالقول المجازي، وهو عبارة عن عدم التأبي عما يريده.
قوله: {يقولون بأفواههم} [آل عمران: 167]. فائدة: قوله: {بأفواههم} وإن كان القول لا حقيقة له إلا بالفم، إن ذلك صادر عن غير اعتقادٍ، لأن القول قد يطابق اعتقاد قائله. وقيل: هو توكيد كقوله: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: 79]{ولا طائرٍ يطير بجناحيه} [الأنعام: 38].
قوله: {لقد حق القول على أكثرهم} [يس: 7] أي علمه بهم وحكمه عليهم. قوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق} [مريم: 34] أطلق على عيسى عليه السلام قول الحق تنبيهًا أنه كلمة الله كما سماه في موضعٍ آخر {كلمة} [آل عمران: 45].
وعلى ما قال: يقال: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون، الحق من ربك} [آل عمران: 59 - 60]. وهذا على قراءة رفع "قول" وجعله بدلاً من عيسى أو عطف بيان أو خبرًأ ثانيًا لذلك. قوله: {إنكم لفي قولٍ مختلفٍ} [الذاريات: 8] أي في أمرٍ من العبث فسماه قولاً؛ فإن المقول فيه يسمى قولاً كما أن المذكور يسمى ذكرًا.
قوله: {لقول رسولٍ كريمٍ} [الحاقة: 40] فنسب القول إلى الرسول، والمراد به القرآن لأن القول الصادر إليك عن الرسول يبلغه إليك عن مرسلٍ له فيصح أن تنسبه تارةً إلى رسوله وأخرى إلى مرسله، قال الراغب: وعلى هذا فإن قيل: فهل يصح أن ينسب الشعر والخطبة إلى روايهما كما تنسبهما إلى صانعهما؟ قيل: يصح أن يقول: هو قول الراوي ولا يصح أن يقال هو شعره وخطبته، لأن الشعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصةٍ، وتلك الصورة ليس للرواي فيها شيء، والقول قول الراوي كما هو قول المروي عنه.
قوله: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] لم يرد به القول النطقي فقط بل ما معه اعتقاد وعمل. قوله: {ولو تقول} : يريد بذلك الكذب والاختلاق: والمتقول الكذاب. وقولني فلان حتى قلت، أي: علمني حتى علمت. وفي الحديث: "نهى عن قيلٍ وقالٍ" يروى بفتح اللامين على أنهما فعلان ماضيان، وحكيا بالجر والتنوين على الإعراب على أنهما مصدران أو نقلا إلى الأسمية.
ورجل تقوالة وقوال وقوالة: أي منطيق. والمقول: اللسان لأنه آلة القول.
والقيل: الملك من ملوك حمير؛ سمي بذلك للاعتماد على قوله أو لأنه متقيل لأبيه، يقال: تقيل فلان أباه، فإن قيل: فكان ينبغي أن يقال فيه قول فالجواب أن أصله
قيول فأدغم، كهيب وأصله هيوب، ولذلك جمعوه على أقوالٍ كقولهم أموات ثم خفف فصار قيلاً كما يقال ميت في ميت. ويجوز أن يجمع على أقيالٍ، قال الراغب: وإذا قيل أقيال فذلك نحو أعيادٍ. قلت: إنما قالوا: أعياد في جمع عيدٍ، وإن كان الأصل يقتضي أعوادًا لأنه قد يلبس بجمع عود الحطب، فكذلك هنا؛ فلو قيل: أقوال لألبس بجمع القول، ولكن العرب لم تلتفت إلى ذلك هنا.
واقتال فلان: قال ما يجتر به إلى نفسه خيرًا أو شرًا. والقال والقالة: ما انتشر من القول. والقال يكون بمعنى القائل. يقال: انا قال كذا، أي قائله؛ قاله الخليل.
ق وم:
قوله تعالى: {إلا ما دمت عليه قائمًا} [آل عمران: 75] أي ثابتًا على طلبه. والقيام: مصدر قام يقوم، وأصله قوام ولكنه أعل لإعلال فعله بخلاف لواذٍ مصدر لاوذ، لصحة فعله، وهذا متقن في غير هذا من كتبنا في التصريف، ثم القيام أنواع: قيام بالشخص إما بالتسخير كقوله: {منها قائم وحصيد} [هود: 100]، وإما باختيار كقوله تعالى:{أمن هو قانت آناء الليل ساجدًا أو قائمًا} [الزمر: 9]. وقيام هو مراعاة الشيء والحفظ له كقوله: {الرجال قوامون على النساء} [النساء: 34]{أفمن هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت} [الرعد: 33] أي مراعون لأحوالهن وحافظوهن.
وقيام: هو عزم على الشيء، كقوله:{إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] و {يقيمون الصلاة} [البقرة: 3] أي يداومون على فعلها ويحافظون عليها. وقيل: هو من قام سوق كذا أي نفق فيه المتاع. وأقمته: أي جعلته كذلك: وأنشد: [من المتقارب]
1306 -
أقامت غزالة سوق الضراب
…
لأهل العراقين حولاً قميطا
وقيل: معناه يؤدونها مقومة الأركان والسنن غير مخلين بشيءٍ منها، من: أقام الأمر إذا أتى به على أكلم هيئاته.
قوله: {أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} [النساء: 5] أي جعله مما
يمسسككم ويرد قواكم لأنه سبب رزقكم.
والقيام والقوام: ما تقوم به بينة الإنسان، وما يقوم به الشيء كالسناد. والعماد اسم لما يسند به ويعمد به.
والقوام بالفتح ما هو متوسط بين رتبتين، كقوله تعالى:{وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: 67]. قوله: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} [المائدة: 97] بمعنى قوامًا لهم في أمور دنياهم ودينهم، فهي تقوم بأمورهم في معاشهم ومعادهم. وقال الأصم: قائمًا لا ينسخ. قرئ قيمًا بمعنى قائمًا، وقيل: هو جمع قيمة، قاله الراغب. وليس قول من قال: هو جمع قيمةٍ بشيءٍ. قلت: وهذا صحيح هنا لكنه قد قرئ في قوله: {التي جعل اله لكم قيمًا} [الأنعام: 161] وهذا صحيح في الأموال.
قوله: {دينًا قيمًا} [النساء: 15] قيل: معناه ثابتًا لأمور معائشهم ومعادهم. وقرئ "قيمًا" وفيه وجان؛ أحدهما: أنه مقصور من قيامًا، والثاني: أنه وصف على فعل نحو: لحم زيم وقوم عدى ومكان سوى وماء روى. وأصل قيم قيوم كميتٍ.
قوله: {وذلك دين القيمة} [البينة: 5] قال ابن عرفة: فجعلها مصدرًا كالصغر والكبر، وأنشد لكعب بن زهير:[من الطويل]
1307 -
فهم ضربوكم حين جرتم عن الهدى
بأسيافهم حتى استقمتم على القيم
أي على الاستقامة.
قوله تعالى: {وذلك دين القيمة} أي الأمة القيمة، أي القائمة بالقسط والعدل، وهم المشار إليهم بقوله تعالى:{كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس} [آل عمران: 110].
قوله: {فيها كتب قيمة} [البينة: 3] إشارة إلى القرآن، وذلك لما فيه من قمرة كتب الله المنزلة، فإن القرآن مجمع معاني كتبه القديمة. وإليه أشار بقوله تعالى:{ما فرطنا في الكتاب من شيءٍ} [الأنعام: 38] أي من كتب الأولين وغيرها.
قوله: {ولم يجعل له عوجًا قيمًا} [الكهف: 1 - 2] من صفة الكتاب، وقيل: عوجًا حال من الهاء في "له". ولنا فيه كلام أتقناه في غير هذا.
قوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [آل عمران: 2] بناء مبالغةٍ وزنه فيعول، وأصله قيووم فقلبت الواو الأولى ياء لأجل الياء قبلها وأدغمت الياء الأولى فيها، ومعناه القائم الحافظ لكل شيءٍ والمعطى له ما به قوامه، وإلى ذلك الإشارة بقوله:{أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى} [طه: 51]. وقرئ القيام والقيوم، وذلك نحو ديون وديان، وقال أبو عبيدة: القيوم: القائم وهو الدائم الذي لا يزول، وقيل: هو القائم بأمور الخلق، يقال: فلان قائم بالأمر: أي حافظ له. وعندي أنه لا يجوز إطلاق هذه اللفظة على غير الباري تعالى لما فيها من المبالغة، ولما ذكروا ذلك في الرحمن ونحوه.
{وإذا أظلم عليهم قاموا} [البقرة: 20] أي ثبتوا ووقفوا متحيرين. وليس المراد القيام من قعودٍ.
قوله: {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1] اسم غلب على يومٍ يبعث الله عباده لحسابهم لأنه فيه يقومون لذلك، وذلك إشارة إلى قوله:{يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 6]. وقوله: {ويوم تقوم الساعة يؤمئذ} [الروم: 14] نسب
القيام للزمان والمراد أهلها. والساعة أيضًا اسم ليوم القيامة؛ قال الراغب: القيامة أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دفعة واحدة، أدخل فيها الهاء تنبيهًا على وقوعها دفعةً.
قوله: {واتخذا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] أي مكان قيامه؛ يريد به المكان الذي كان يقوم عليه حين بنى الكعبة الشريفة، من الله علينا برؤياها ثانيًا وأكثر من ذلك بحجة من شرع حجها. والمقام يكون اسم مكان القيام وزمانه ومصدره، وأصله مقوم، فأعل بالنقل والقلب.
قوله تعالى: {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي} [يونس: 71] يجوز أن يكون مصدرًا أي قيامي فيكم ودعوتي إلى الله، وأن يكون زمانًا أي زمن قيامي لأنه صلى الله عليه وسلم يتعهد نصيحتهم ليلاً ونهارًا كما أخبر عنه تعالى بقوله:{رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا} [نوح: 5] وذلك مما يضجر الأشقياء، فقال لهم ذلك، وأن يكون مكانًا لأنه كان يبرز نفسه الشريفة ويظهرها على مكانٍ لا يخفى. فصلى الله على سائر الأنبياء ما أقوى جأشهم وأرسخ قدمهم وأثبت صبرهم.
قوله: {قبل أن تقوم من مقامك} [النمل: 39]. قال الأخفش: إن المقام المقعد، قال الراغب: فهذا إن أراد أن المقام والمقعد شيء واحد بالذات، فإنهما يختلفان بالنسبة إلى الفاعل كالحدور والصعود. وإن أراد أن معنى القيام معنى المقعد فذلك بعيد فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقامًا إذا اعبتبر بقيامه، ومقعدًا إذا اعتبر بقعوده.
وقيل: المقامة عبارة عن الجماعة الحاضرين عنده، وأنشد [من الطويل]
1308 -
وفيهم مقامات حسان وجوههم
وهذا على سبيل المجاز أطلق للمحل على الحال، ومثله قول مهلهل:[من الكامل]
1309 -
نبئت أن النار بعدك أوقدت
…
واستب بعدك يا كليب المجلس
وما أحسن قوله: {فليدع ناديه، سندع الزبانية} [العلق: 17 - 18] فشتان ما بين النداءين والمناديين والمناديين.
قوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [فصلت: 30] أي لزموا الطريق المستقيم، وهو ما أمر الله به فامتثلواه وما نهى عنه فاجتنبوه، وهو أمر شاق، ولذلك يروى عن سيد الخلق أنه قال:"شيبتني هود وأخواتها" قيل: أشار بذلك إلى قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت} [هود: 112].
قوله: {إهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] يعني طريق الحق والدين الحق، وذلك على سبيل الاستعارة؛ شبه طريق الحق بدينٍ مستقيمٍ إذ لا عوج فيه ولا احد يداب ولا حدوبة، كذا دين الإسلام سهل مستقيم. وإليه أشار بقوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ} [الحج: 78]{يريد الله بكم اليسر} [البقرة: 185] اووافق قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحاء". ولا يرى أشق من سلوك الطرق المعوجة الجائزة عن القصد، وكذلك الدين غير الحق لا يرى أثقل منه ولا أشق على النفس من اعتقاده، وإنما يتحمله من يتحمله لشقاوته.
قوله: {حتى تقيموا التوراة} [المائدة: 68] أي تحللوا ما حللت وتحرموا ما حرمت، فذلك تقويمها وإقامتها، فإن من ضيع حدودها فقد أضاعها ولم يقم منآدها، والمراد: توفوها حقها علمًا وعملاً. قال بعضهم: لم يأمر الله تعالى بالصلاة حيثما أمر ولا مدح بهما حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة، تنبيهًا على أن المقصود بها توفية شروطها والإتيان بهيئاتها كاملةً مستكملة الفرائض والسنن لا الإتيان بهيئاتها. وكذلك سؤاله صلى الله عليه وسلم
في قوله: {رب اجعلني مقيم الصلاة} [إبراهيم: 40] أي وفقني لتوفية شرائطها وآدابها كاملة. وقيل: قد يعبر بالإقامة للصلاة عن الإقرار بوجودها كقوله تعالى: {اقتلوا المشركين} إلى قوله: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة} [التوبة: 5] أي أقروا بوجوبها. وقد يعبر عن الإظهار لشعارها، ومنه قوله تعالى:{الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة} [الحج: 41] لأن المراد الأئمة.
قوله: {إنها ساءت مستقرًا ومقامًا} [الفرقان: 66] المقام بالضم من أقام، وهو يصلح للمصدر والزمان ولامكان المفعول به، والمراد به هنا مكان الإقامة بالفتح من قام وهو صالح لما تقدم غير المفعول به. وقد قرئ:{لا مقام لكم} [الأحزاب: 63] بالوجهين، وكذا {إن المتقين في مقامٍ أمينٍ} [الدخان: 51].
قوله: {الذي أحلنا دار المقامة} [فاطر: 35] هي بمعنى الإقامة كقوله: {دار الخلد} [فصلت: 28] وقد يعبر بالإقامة عن الدوام والاستقرار كقوله تعالى: {ولهم عذاب مقيم} [المائدة: 27] يعني دائم ولا ينقطع، وإليه أشار بقوله:{إن المتقين في مقامٍ} أي مكان تدوم فيه إقامتهم.
قوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ} [التين: 4] تقويم الشيء: تثقيفه، وأشار تعلى بذلك إلى ما عليه الإنسان دون سائر الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة وتناول المأكولات والمشروبات بيديه واستيلائه على كل ما في هذا العالم والتصرف فيه.
وتقويم السلعة: جعل قيمتها معادلة لها.
والقوم سموا بذلك لقيامهم بمهمات الأمور، والأصل إطلاقهم على الرجال دون النساء. ولذلك أشار تعالى بقوله:{الرجال قوامون على النساء} وذكر سببه فقال: {بما فضل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34] فإن الهم لمعصب برؤوس الرجال، ولذلك قابل بينهما زهير بن أبي سلمى:[من الوافر]
1310 -
وما أدري وسوف إخال أدري:
…
أقوم آل حصنٍ أم نساء؟
وذلك قوله تعالى: {لا يسخر قوم من قومٍ} [الحجرات: 11] ثم قال: {ولا نساء من نساءٍ} إلا أنه أكثر ما ورد في القرآن، والمراد به الرجال والنساء جميعًا.
قوله: {من أهل الكتاب أمة قائمة} [آل عمران: 113] أي متمسكة بدينها، وهم قوم آمنوا بموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومنه حديث حكيم بن حزامٍ:"بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخر إلا قائمًا" أي متمسكًا بديني، قاله المبرد. وقال أبو عبيدٍ: معناه إلا ثابتًا على الإسلام، وقال عليه الصلاة والسلام:"ما أفلح قوم قيمتهم امرأة" أي سائسة أمرهم القائمة به. وفي حديث ابن عباس: "إذا استقمت بنقدٍ فبعت بنقدٍ فلا بأس به، وإذا استقمت فبعت بنسيئة فلا خير فيه" قال أبو عبيد: استقمت بمعنى قومت وهي لغة أهل مكة؛ يقولون: استقمت المتاع، أي قومته. قال: ومعنى الحديث أن يدفع الرجل الثوب فيقومه بثلاثين ثم يقول: بعه فإن زاد عليها فلك. فإن باعه بأكثر من الثلاثين فانتقد فهو جائز ويأخذ ما زاد وإن باعه بالنسيئة بأكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود غير جائز.
ق وو:
قوله تعالى: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} [هود: 52] قيل: هي ولد الولد. ويروى أن رجلاً شكا إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما -قلة الولد- فقال له: أكثر الاستغفار. ففعل فرزقهم. فقيل للحسن بن علي: من أين لك ذلك؟ فقال: من قوله تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم} إلى قوله: {ويزدكم قوةً إلى قوتكم} وقيل: إن الله قد ضمن أن يعطي كل واحدٍ منهم من أنواع القوى قدر ما يستحقه.
والقوة تستعمل تارةً في معنى القدرة، نحو:{خذوا ما آتيناكم بقوةٍ} [البقرة: 63] وقيل: بعزيمة وجد. قوله: {ذي قوةٍ عند ذي العرش} [التكوير: 20] قيل: يعني به جبريل، وهو الصحيح. وبلغ من قوته أن حمل سبع مدائن على ريشةٍ من ريشه ثم
قلبها. وجعله قويًا عند ذي العرش تنبيهًا أنه إذا اعتبر بالملأ الأعلى فقوته إلى حد ما، ولذلك أفرد القوة ونكرها. وهذا بخلاف وصفه في موضعٍ آخر بقوله:{علمه شديد القوى} [النجم: 5] يقول: إن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحي به إليه عن الله تعالى فناسب أن يصفه بشديد القوى فعرفه وجمعه تنبيهًا أنه إذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة.
قوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ} [الأنفال: 60] قيل: هي المري، وقيل: إن ذلك مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: هو السلاح والعدة. ثم القوة تستعمل على أوجه، أحدها: بمعنى القدرة على الشيء والإطاقة له نحو: هو قوي على عمل كذا، ومنه:{خذوا ما آتيناكم بقوةٍ} ، الثاني: للتهيؤ الموجودة في الشيء نحو قولنا: الإنسان كاتب بالقوة. وأن يقال: النوى بالقوة نخل أي أنه متهيئ لأن يجيء منه ذلك. وأكثر من يستعمل القوة بهذا المعنى الفلاسفة، ويقولون: ذلك على وجهين: أحدهما أن يقال لما كان موجودًا، فيقال: كاتب بالقوة أي معه المعرفة لكنه ليس ملتفتًا لها. والثاني: أن يقال: هو كاتب بالقوة وليس معه معرفة بذلك ولكنه قابل للتعلم في الجملة، إذ هو من جنسٍ يمكن تعلمه ذلك. ويقابلونها بالفعل فيقولون: هذا كاتب بالفعل أي متلبس بذلك.
قوله تعالى: {تذكرة لكم ومتاعًا للمقوين} [الواقعة: 73] قيل: هم الذين فني زادهم. وحقيقتهم النازلون بالأرض القواء، وهي القفز من الأرض؛ يقال: أقوى الرجل: إذا صار في قواءٍ، كأترب: إذا صار في التراب. ويقال لها القيء أيضًا. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "وبي رخص لكم في صعيد الأقواء" الأقواء: جمع قواءٍ وهو القفر من الأرض، قاله الهروي وفيه نظر من حيث إن فعالاً لا يطرد جمعه على أفعال. وفي الحديث أيضًا؛ "صلى بأرضٍ قي" والأصل قوء فقلبت الواو الأولى ياء ثم قلبت الثانية كذلك لأنه صار من باب ميتٍ وسيدٍ. وقيل: إنما قيل: لهم مقوون لأن من نزل بالقفر حصل له فقر، وفي عبارة بعضهم وتصور من حال الحاصل في القفر الفقر، وهو تجانس بديع.