المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ صفة علي رضي الله عنه الخلقية: - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ٣

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌ أفرد عددٌ من المحدِّثين والمؤرِّخين باباً خاصاً في تزويج فاطمة

- ‌ صفة علي رضي الله عنه الخَلْقِيَّة:

- ‌المبحث الثاني:مهرها رضي الله عنها

- ‌لابن تيمية رحمه الله فتوى طويلة محررة عن الصداق

- ‌المبحث الثالث:تجهيزها رضي الله عنها

- ‌المبحث الرابع:البناء بها رضي الله عنها

- ‌ لباسها حين البناء بها

- ‌وقت البناء:

- ‌البيت الذي ابتنى به عليُّ فاطمة رضي الله عنهما

- ‌المبحث الخامس:وليمة عرسها رضي الله عنها

- ‌الفصل الثالث: حالها مع زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه خمسة مباحث:

- ‌المبحث الأول:غبطة(1)الصحابة علي بن أبي طالب؛ لزواجه بفاطمة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الثاني:افتخاره بها رضي الله عنهما

- ‌ لم يثبت شئٌ في أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاخَر بزوجه

- ‌المبحث الثالث:أنها أحد ركنيه رضي الله عنهما

- ‌المبحث الرابع:وقوع المغاضبة بينها وبين زوجها أحيانا رضي الله عنهما

- ‌المبحث الخامس:خدمتها لزوجها، وصبرها على ضيق العيش رضي الله عنهما

- ‌عملُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند اليهودي

- ‌ لماذا لم يُعطِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمةَ خادِماً

- ‌الفصل الرابع: حالها مع ابنيها: الحسن والحسين رضي الله عنهم وفيه أربعة مباحث:

- ‌المبحث الأول:ولادتهما رضي الله عنهم

- ‌فائدة: الولادة بلا دم، والحيض بدم يسير جداً دون اليوم والليلة

- ‌قبل الولادة:

- ‌تاريخ الولادة:

- ‌ جعلت الرافضة لِـ السِّقْطِ: «محسِّن» شهادات! وأحاديث وعبر! ، وهو آية من آيات اللَّه…إلخ

- ‌أثناء الولادة:

- ‌ مكان الولادة

- ‌بعد الولادة:

- ‌المبحث الثاني:العقيقة والصدقة عنهما رضي الله عنهم

- ‌المبحث الثالث:ملاطفتها لهما رضي الله عنهم

- ‌المبحث الرابع:طلبها من أبيها صلى الله عليه وسلم أن يورثهما

- ‌لم يصح في المبحث حديث

- ‌الفصل الخامس: وفاتها رضي الله عنها وفيه ثلاثة مباحث:

- ‌المبحث الأول:وقت وفاتها رضي الله عنها

- ‌المبحث الثاني:وصيتها رضي الله عنها

- ‌يُلحظ أنَّ لأسماءَ بنتِ عُميس مع فاطمة رضي الله عنهما وروداً في موضِعَين مُشكَلَين:

- ‌المبحث الثالث:الصلاة عليها ودفنها رضي الله عنها

- ‌لا يصح في الباب أثر أنَّ أبا بكر صلَّى على فاطمة رضي الله عنهما

- ‌أولاً: قبل وفاتها1.الإخبار بأنها أول أهله لحوقاً:

- ‌ مُدَّةُ مَرَضِهَا، ومَن مَرَّضَهَا:

- ‌ نوع مرضها:

- ‌ وصيَّتُهَا، ومَن غَسَّلهَا

- ‌ أوصَتْ أن تُدفن ليلاً

- ‌ثانيا: وفاتها

- ‌ عمرها عند وفاتها

- ‌ثالثاً: بعد وفاتها وتغسيلها

- ‌ مَن صلَّى عليها

- ‌ أول من غُطِّي نعشُها

- ‌ دُفنت ليلاً

- ‌ مَنْ نزَلَ قبرَها

- ‌ مكان قبرها

- ‌لا دليل على تخصيص صيغة معينة للسلام على فاطمة

- ‌نحنُ مُتعبَّدُون بطاعة اللَّهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم بفَهمِ سلف هذه الأمة في القرون المفضلة

- ‌الكتابة على قبر فاطمة رضي الله عنها

- ‌ لا يدخل شيعي قبة أهل البيت بالبقيع إلا إذا دفع خمسة قروش

- ‌ مكحلة فاطمة، ورحى فاطمة

- ‌«بستان فاطمة»

- ‌والراجح ـ واللَّه أعلم ـ أنه لا يمكن لأحدٍ ـ الآن ـ أن يَعرِف قبراً معيناً من قبور آل البيت والصحابة والتابعين، لأنه لم يكن السلف الصالح يعتنون بها ويشيدون المعالم عليها

- ‌تعليق ختامي مهم حول القباب التي أُحدثت على قبور…آل البيت وغيرهم، ومن ذلك قبر فاطمة رضي الله عنها

- ‌قال الإمام الشافعي (ت 204 هـ) رحمه الله: (ولَمْ أرَ قبورَ المهاجرين والأنصار مجصَّصَة

- ‌هدم القباب المحدثة على القبور في بقيع الغرقد وغيره

- ‌ هُدمت القباب في البقيع مرتين في عهد الدولة السعودية الأولى والثالثة

- ‌ هدم القباب في مكة

- ‌صور القباب في البقيع

الفصل: ‌ صفة علي رضي الله عنه الخلقية:

زوَّجتَنِيه أُعيمِش، عظيم البطن

(1)

؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد

(1)

‌ صفة علي رضي الله عنه الخَلْقِيَّة:

جاء في «تاريخ ابن معين» رواية الدوري (2/ 448)، و «الجعديات» (1/ 145) رقم (413): قال شعبة: رأى أبو إسحاق السبيعي علياً، وكان يصفه لنا:(عظيم البطن، أصلع). ليس في «الجعديات» : أصلع.

وفي «المعارف» لابن قتيبة (ت 276 هـ)(ص 210) في وصف علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال الواقديُّ: كان آدم شديد الأدمة، عظيم البطن، عظيم العينين، أصلع إلى القصر ما هو.

وروى قيس بن الربيع، عن: أبى إسحاق، عن: الحارث، قال: كان عليّ» رضي الله عنه قصيراً، أصلع، حادراً، ضخم البطن، أفطس الأنف، دقيق الذّراعين، لم يصارع أحداً قطّ إلا صرعة، شديد الوثب، قويَّ الضرب.

وقال غيره: ورأته امرأة فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر).

وفي «التنبيه والإشراف» للمسعودي (ت 346 هـ)(1/ 258): (وكان أسمر عظيم البطن، أصلع، أبيض الرأس واللحية، أدعج، عظيم العينين، ليس بالطويل ولا بالقصير، تملأ لحيته صدرَه، لا يُغيِّر شيبَهُ).

وفي «تاريخ دمشق» لابن عساكر (42/ 11) من قول عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر، في وصف علي:(ويقال إنه كان ربعة آدم، وقد قيل: أحمر، ضخم المنكبين، طويل اللحية، أصلع، عظيم البطن، أبيض الرأس واللحية).

وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 351): (وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت عليا شيخاً أصلع، كثير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية.

وقال سوادة بن حنظلة: رأيت علياً أصفر اللحية.

وعن محمد ابن الحنفية قال: اختضب عليٌّ بالحناء مرةً ثم تركه.

وعن الشعبي قال: رأيت علياً ورأسُه ولحيتُه بيضاء، كأنهما قطن.

وقال الشعبي: رأيت علياً أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحيةً منه، وفي رأسه زغيبات.

وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزارٌ ورداء، أنزَع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية.

وعن أبي جعفر الباقر قال: كان عليٌّ آدم، شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب).

وانظر زيادة في: «ذخائر العقبى» للمحب الطبري (ت 694 هـ)(ص 109 ـ 110).

وفي مقدمة تحقيق محمد جواد الجلالي «مسند فاطمة الزهراء للرافضي: حسن التويسركاني» (ص 164) روايات رافضية فيها ذم فاطمة علياً، وبيانها قبحَه وفقرَه، لمَّا عرض عليها والدها صلى الله عليه وسلم الزواج به

وبعده حديث في بيان فضائله رداً على جزئيات القبح التي ذكرته فاطمة! !

وانظر أيضاً: «براءة آل البيت مما نسبته إليهم الروايات» د. أحمد الغامدي (ص 710).

ص: 20

زوجتكه وإنَّه لأوَّلُ أصحابي سِلْماً، وأكثرُهُم عِلْماً، وأعظمُهم حِلْماً». هذا لفظ عبدالرزاق.

وفي لفظ: (حَمْش الساقين، عظيم البطن، أعمش العين).

وفي لفظ: (عظيم البطن، قليل الشئ).

وهو حديث مرسل ضعيف.

(1)

(1)

سيأتي تخريجه في الباب الثالث: مسند فاطمة، ضمن حديث رقم (34).

ص: 21

ومنها: ما أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3/ 140) رقم (4645) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي دارم الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي، قال: حدثنا سُريج بن يونس، قال: حدثنا أبو حفص الأبار، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت فاطمة رضي الله عنها: يا رسول اللَّه، زوَّجتَني من علي بن أبي طالب، وهو فقيرٌ لا مالَ له، فقال:«يا فاطمة، أما ترضين أن اللَّه عز وجل اطَّلَع إلى أهل الأرض، فاختار رجلين، أحدهما: أبوك، والآخر: بَعْلُكِ» .

قال الحاكم: على شرط البخاري ومسلم.

(1)

قال الذهبي في

«تلخيص المستدرك» : بل مَوضوعٌ على سُريج.

وهو كذلك موضوع، آفته:

ــ أبو بكر محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي، وهو وضَّاع.

(2)

وقد حكم عليه ـ أيضاً ـ الألباني بالوضع.

(3)

(1)

لم أجد قوله في مطبوعة «المستدرك» ، ولا في ط. الميمان (6/ 145) رقم (4695)، وهو في «مختصر استدراك الذهبي» لابن الملقن (3/ 1427) رقم (558).

(2)

«ميزان الاعتدال» (4/ 35)، «الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث» (ص 215) رقم (608).

(3)

«سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (10/ 530) رقم (4898).

ص: 22

الثانية: خطبة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

فيه حديث بريدة برقم (33): اعتذر لهما بأنها صغيرة. (حديث حسن)

وحديث عِلباء اليشكري: أنتظر بها القضاء. (مرسل ضعيف، والصحيح رواية وكيع دون ذكر خطبة الشيخين).

ومُرسل حُجْر بن العنبس: وعدْتُّ بها علياً. (مرسل وإسناده حسن).

وحديث علي: أبَى عليهما. (موضوع).

وحديث أنس: أنتظر بها أمر اللَّه. (ضعيف جداً).

دلَّ حَديثُ بُريدةَ، ومُرسلُ حُجر بن العَنبس على حُبِّ الصحابة رضي الله عنهم، أبو بكر، وعمر، وغيرُهما لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث حرصا على خطبة فاطمة رضي الله عنها

(1)

وقد ردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر، لا لمنقصة، وإنما ذكر لهما أنها صغيرة.

وقَبِل عليَّ بنَ أبي طالب، لأن الفرق بينه وبين فاطمة في العمر قليل.

ومرسل حُجر ـ إن صحَّ ـ في مقابل حديث بريدة، فيجمع بينهما ـ واللَّه أعلم ـ على أنه أعطى علياً وعداً بذلك، ثم تقدم الشيخان أبو بكر وعمر،

(1)

سيأتي ــ إن شاء اللَّه ـ مبحثان خاصان عن علاقة فاطمة بأبي بكر وعمر رضي الله عنهم في الباب الثاني: الفصل الثالث.

ص: 23

فاعتذر لهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنها صغيرة، وأنه قد وعد بها علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

وأما مسألة الصغر، فبيانها كما يلي:

كانت خطبة الصحابة رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها في السنة الأولى من الهجرة وقيل: في أول الثانية، وكان زواجها بعلي في السنة الثانية للهجرة، قيل: بعد غزوة بدر، في شهر شوال.

قال ابن ناصر الدين الدمشقي: (وكان تزويج فاطمة بعلي رضي الله عنهما في رجب، بعد مقدم رسول صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها مرجعه من بدر، وكان عمرها حين بنى بها علي ثماني عشرة سنة).

(1)

وبناء عليه فعمرها حين خطبتها: سبع عشرة سنة.

قال ابن مندة في «معرفة الصحابة» : (تزوج عليٌّ فاطمة بالمدينة بعد سنة من الهجرة، وبنى بها بعد ذلك بنحو من سنة).

(2)

(1)

«جامع الآثار» لابن ناصر الدين (3/ 483).

(2)

«دلائل النبوة» للبيهقي (3/ 162)، و «البداية والنهاية» (5/ 310)، و «الثغور الباسمة» للسيوطي (ص 55)، ولم أجده في المطبوعة الوحيدة لِـ «معرفة الصحابة» لابن مندة

(2/ 933) ـ تحقيق: عامر صبري، ط. جامعة الإمارات ـ، لوجود سقط في المخطوطة.

وكان الدخول بها في أواخر الثانية أو أوائل الثالثة. انظر: «البداية والنهاية» (5/ 310)، «سير أعلام النبلاء» (2/ 119)، و «فتح الباري» (6/ 199)، وسيأتي ــ إن شاء اللَّه ــ مزيد بيان في مبحث «البناء بها» .

ص: 24

وقيل: (بأن عمرها خمس عشرة سنة، وخمسة أشهر).

(1)

إذن:

الأقرب ـ واللَّه أعلم ـ أن خِطبتها في السنة الأولى من الهجرة، وكان عمرها: ثمان عشرة سنة تقريباً، لأن الراجح أنها ولدت قبل المبعث بخمس سنين، ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة، وخُطِبَتْ في السنة الأولى من الهجرة = 18 سنة، وربما وأشهر.

ومن الأقوال: خمس عشرة سنة، وخمسة أشهر، ونصف الشهر.

وعلى قول مَن قال وُلِدَتْ قبل المبعث بقليل، فيكون عمرها: أربع عشرة سنة تقريباً.

وكان عُمْرُ عليٍّ رضي الله عنه حين خطب فاطمة: ثلاثاً وعشرين سنة؛ لأنه توفي سنة أربعين، وله ثلاثٌ وستون سنة.

وقيل: إحدى وعشرون سنةً، وخمسة أشهر.

(2)

فبَينهما قرابة خمس سنوات ـ على القول الراجح ـ.

(1)

«أسد الغابة» (6/ 220)، وزاد بعضهم: ونصف الشهر، كما في:«المقدمات الممهدات» لابن رشد (3/ 352)، «طرح التثريب» (1/ 150)، «إمتاع الأسماع» للمقريزي

(5/ 352).

(2)

«الاستيعاب» (4/ 1893)، «المقدمات الممهدات» لابن رشد (3/ 352)، «إمتاع الأسماع» للمقريزي (5/ 352).

ص: 25

وعلى القول الثاني، بينهما: سبع سنوات تقريباً.

وكان عُمْرُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب فاطمة: خمسين سنة تقريباً، لأنه توفي سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة.

وكان عُمْرُ عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه حين خطب فاطمة: أربعين سنة تقريباً، لأنه توفي سنة ثلاث وعشرين، وله ثلاث وستون سنة.

وقد بوَّب النسائي حديث بريدة ــ السابق برقم (33) ــ بقوله: باب تزوُّج المرأة مثلها في السن.

قال السندي: («فخطبها علي» أي: عَقِبَ ذلك بلا مهلة، كما تدل عليه الفاء؛ فعُلِمَ أنه لاحَظَ الصِّغَرَ بالنظر إليهما، وما بقي ذاك بالنظر إلى علي، فزوجها منه، ففيه أن الموافقةَ في السِّنِّ أو المقاربةَ مَرْعِيَّةٌ؛ لكونها أقرب إلى المؤالفة.

نعم قد يُتْركُ ذاك لما هو أعلى منه، كما في تزويج عائشة رضي الله عنها، واللَّه تعالى أعلم).

(1)

قال الألباني: (وينبغي أن لا يُزوِّج صغيرته ــ ولو بالغة ــ من رجُلٍ يكبُرها في السِّن كثيراً، بل ينبغي أنْ يُلاحظ تقاربهما في السِّن

ثم ذكر

ص: 26

حديث بريدة، وتعليق السندي عليه).

(1)

قال الأثيوبي: («إِنَّها صَغيرَةٌ» أي: وكُلُّ منكما لا يوافقها في السنِّ، والمقصودُ من النكاح دوامُ الألفة، وبقاء العشرة، فإذا كان أحد الزوجين في غير سِنِّ الآخر؛ لم يحصل الغرض كاملاً، فرُبَّما أدَّى إلى الفُرقة المنافية لمقصود النكاح.

ثم أورد كلام السندي، وقال: أشار السنديُّ ــ رحمه اللَّه تعالى ــ في كلامه المذكور إلى جواب استشكال وارِدٍ على حديث الباب، وهو أنه صلى الله عليه وسلم تزوَّج عائشة وهي صغيرة، فكيف قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما «إنها صغيرة» ؟

وحاصلُ الجواب: أن الموافقة في السن، أو المقاربة فيه إنما يُعتبر فيما إذا لم يكن للزوج فضل يجبُرُ ذلك، وإلا فلا بأس بالتفاوت فيه؛ ولذلك تزوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، وهي بنت ست سنين، وهو فوق خمسين سنة؛ لما ذكرنا.

فإن قيل: قد كان لأبي بكر وعمر فَضلٌ يؤدِّي الغرض؛ فلماذا لم يُعتبر؟

قلنا: نعم، لا يُنكر فضلهما، وشرفهما رضي الله عنهما، إلا أنَّ لعليٍّ رضي الله عنه زيادةَ فضْلٍ عليهما بالنسبة لفاطمة رضي الله عنهم، وهو كونُه مقارباً لها في السنِّ،

ص: 27

وهو الذي يحصل به الغرض من النكاح، وهو دوامُ الألفةِ والمحبَّةِ بين الزوجين، كما ذكرنا، فلذا قدمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهما؛ لذلك، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان،

وعليه التكلان).

(1)

قال الملا علي قاري: (يُوهم أنه مما يدل على أفضلية علي عليهما، وليس كذلك، أو يحتمل أنها كانت صغيرة عند خطبتها، ثم بعد مدة حين كبرت ودخلت في خمسة عشر؛ خطبها علي، أو المراد أنها صغيرة بالنسبة إليهما لكبر سنهما، وزوَّجها من علي؛ لمناسبة سنِّه لها، أو لوحي نزل بتزويجها له، ويؤيده ما في «الرياض» أنه قال لأبي بكر وعمر، وغيرهما ممن خطبها: «لم ينزل القضاء بعد»، فرفع الإشكال واندفع الاستدلال).

(2)

قلتُ: لا يصح مما ذكره من الاحتمالات إلا الثاني، وهو أنها صغيرة، أي بالنسبة إلى أبي بكر وعمر، وأما الأول فضعيف، لأن خُطبت بعد البلوغ وعمرها خمس عشرة سنة، أو سبع عشرة سنة، وأما قوله لم ينزل بها القضاء، فقد ورد من مرسل عِلْباء، وهو مرسل ضعيف، وفي حديث أنس، وهو موضوع، كما سبق تخريجهما في شواهد حديث بريدة، رقم (33).

(1)

«ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» للأثيوبي (27/ 57 ـ 58).

(2)

«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ـ ط. الكتب العلمية ـ (11/ 259).

ص: 28

وسبق أيضاً بيان أنه لايصح حديث أن اللَّه تعالى أمرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بتزويج فاطمة علياً رضي الله عنهما.

وفي كتاب «إتحاف السائل» : (وظاهرُ حديثِ حُجْر الأول أن المصطفى لما خطبها الشيخان ابتدأ علياً فزوَّجه إياها بغير طلب.

وظاهر الباقي أنه لما خطباها علِمَ عليٌّ فجاء فخطبها، فأجابه، ويدل عليه كثير من الأخبار المارة.

والظاهر أن الواقعة تعددت، فخطباها فلم يجب، ولم يرد، فجاء عليٌّ فوعده وسكت، فلم يعلما بوعده، فأعاد الخطبة، فابتدأ وزوجها من عليٍّ؛ لسبق إجابته له).

(1)

قلتُ: محاولة الجمع، واحتمال تعدد الواقعة بناءً على صحة المرويات عنده، وقد تبيَّن أنه لايصح إلا حديث بُريدة رضي الله عنه، وأنه ردَّ الشيخين، لصغر سِنِّ فاطمة نسبةً إليهما.

ص: 29

الثالثة: تزويج فاطمة عليا رضي الله عنهما كان بوحي من الله تبارك وتعالى.

فيه حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه رقم (34)، وما تحته من الشواهد: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأنس رضي الله عنهم، وكلُّها موضوعة، وكلُّ حديثٍ فيه أن اللَّه أوحى لنبيه صلى الله عليه وسلم بتزويج فاطمة علياً، فهو موضوع.

(1)

الرابعة: خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في إملاك فاطمة رضي الله عنها.

فيه حديث أنس، وجابر رضي الله عنهما رقم (36)، وهو موضوعان.

(1)

وهذه الفائدة مما تصلح للتذييل بها على كتاب «التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث» للشيخ: بكر أبو زيد رحمه الله.

ص: 30

ومما يناسب هنا، بيان ما انتشر في بعض الكتب العقدية، وغيرها من إيراد خطبة جبريل عليه السلام في الملائكة لزواج فاطمة! !

عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: أصابت فاطمة صبيحة يوم العرس رِعْدة، فقال: لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة، زوَّجتُكِ سيِّدَاً في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين، يا فاطمة، لما أراد اللَّه تعالى أن أُملِّكَكِ بعلي أمر اللَّه جبريلَ فقام في السماء الرابعة، فصفَّ الملائكة صفوفاً ثم خطب عليهم، فزوَّجْتُك من علي، ثم أمرَ اللَّه شجرَ الجِنان فحمَلَتْ الحُليَّ والحُلَلَ، ثم أمرها فنثَرَتْهُ على الملائكة، فمَنْ أخذ منهم يومئذ شيئاً أكثرَ مما أخذَ غيرُه؛ افتخرَ بِهِ إلى يوم القيامة» .

قالت أم سلمة رضي الله عنها: لقد كانتْ فاطمةُ تفتخرُ على النساء؛ لأن أوَّلَ مَنْ خطبَ عليها جبريل عليه السلام.

حديث موضوع.

أخرجه: الآجري في «الشريعة» (5/ 2130) رقم (1616)

ـ مختصراً ـ، وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 59) ــ وهذا لفظه ـ، والحاكم في

«فضائل فاطمة» (ص 147) رقم (224) ـ مختصراً ـ، والخطيب في

«تاريخ بغداد» (5/ 210)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»

(42/ 127)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 221) رقم (776) من

ص: 31

طُرق عن خالد بن عمرو بن خالد السُّلَفي أبي الأخيل الحمصي، قال: حدثنا عبيداللَّه بن موسى، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه، به. وهذا لفظ أبي نعيم.

آفته: خالد بن عمرو بن خالد السُّلَفي

(1)

الحمصي.

كذَّبه جعفر الفريابي، ووهَّاه ابن عدي، وغيره.

(2)

قال أبو نعيم: (غريب من حديث الثوري، عن الأعمش.

وعبيداللَّه بن موسى، ومن فوقه أعلامٌ ثقات، والنظر في حال خالد بن عمرو السُّلَفي).

وقال الخطيب عقب الحديث: (والحديث على لفظ ابن مقسم غريب جداً، تفرَّد به أبو الأخيل بهذا الإسناد، وقد تابعه بعض الناس فرواه عن

عبيداللَّه كذلك.

حدثني الأزهري، عن أبي الحسن الدارقطني، قال: عثمان وأحمد ابنا خالد بن عمرو السلفي من أهل حمص ثقتان، وأبوهما ضعيف).

قال ابن الجوزي عقب الحديث: (هذا حديث موضوع، والمتهم به خالد

(1)

نسبة إلى السُّلَف بطن من الكلاع، من حِمْيَر. ينظر:«الإكمال» لابن ماكولا (4/ 467).

(2)

ينظر: «الكامل» لابن عدي (3/ 33)، «لسان الميزان» (3/ 331)، «تقريب التهذيب» (ص 225).

ص: 32

بن عمرو الحمصي، قال جعفر الفريابي: كان يكذب.

وقد رواه سفيان بن محمد الفزارى، عن عبيداللَّه بن موسى. قال ابن عدي: يسرق الأحاديث ويُسوِّى الأسانيد، وفي حديثه موضوعات. قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به).

وقد ذكر الذهبي الحديث من بلايا وكذب خالد بن عمرو.

(1)

ولخالدِ بن عَمرو السُّلَفي متابِعٌ

أخرج: ابنُ جميع الصيداوي

(2)

في «معجم شيوخه» (ص 193)، ومن طريقه:[ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/ 127)] عن أبي سعيد أحمد بن سعيد بن عُتَيب

(3)

الفارسي بصُور، قال: حدثنا محمد بن علي بن راشد

(4)

، قال حدثنا عبيداللَّه بن موسى

فذكره.

وهذا الحديث باطل، كما قال الذهبي في «المغني» في ترجمة: محمد بن علي بن راشد.

(1)

«ميزان الاعتدال» (1/ 587).

(2)

محمد بن أحمد بن جُميع، وثقه الخطيب، وغيره. «سير أعلام النبلاء» (17/ 152).

(3)

تصحف في مطبوعة «تاريخ دمشق» إلى: عسب. لم أجد له ترجمة.

(4)

«الطبري الصوري» كما في «تاريخ دمشق» (4/ 235)، (20/ 360).

قال الذهبي: روى عن عبيداللَّه بن موسى بإسناد الصحاح فذكر حديثاً باطلاً في زواج علي بفاطمة. «المغني في الضعفاء» (2/ 353).

ص: 33

وقد روي موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه بذكر النثار فقط:

أخرج ابن الأعرابي في «معجمه» (2/ 828) رقم (1705) قال: حدثنا سليمان بن الربيع النهدي

(1)

، قال: حدثنا الحارث بن إدريس

(2)

، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبداللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال:«لما تزوَّجَ علي فاطمة، تناثرت ثمار الجنة على الملائكة» .

وأُخبرت أن سفيان حدث به بالشام

وهذا حديث موضوع، سليمان: متروك. والحارث بن إدريس. لم أجد له ترجمة.

وستأتي أحاديث فيها النِّثَار، في مبحث:«البناء بها» .

(1)

سليمان بن الربيع بن هشام النهدي. قال عنه الدارقطني: متروك، وقال في موضع: ضعيف. وذكر أنه يغير أسماء الشيوخ. ينظر: «العلل» للدارقطني (8/ 104) رقم

(1428)، و (11/ 152) رقم (2188)، «لسان الميزان» (4/ 152).

(2)

لم أجد له ترجمة.

ص: 34

وكذلك ما يروى من خطبة علي في زواجه بفاطمة رضي الله عنهما! !

أخرجها: أبو القاسم إسماعيل بن القاسم بن إسماعيل الحلبي الخياط

(ت بعد 370 هـ) في «حديثه» (مخطوط (ص 53) في برنامج «جوامع الكلم» )، ومن طريقه:[ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/ 125)، ومن طريق ابنِ عساكر: الذهبيُّ في «العلو للعلي الغفار» (1/ 343) رقم (41)، وفي «العرش» له (2/ 110) رقم (94)] قال: حدثنا أبو الحسن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد العسقلاني، قال: حدثنا جعفر بن هارون الفراء قال: أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما خطبَ عليٌّ فاطمةَ رضي الله عنهما من

رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل عليها ، فقال لها:«أي بنية، إن ابن عمك علياً قد خطبك ، فماذا تقولين» ؟ فبكت ، وقالت: كأنك يا أبتِ ذخرتني لفقير قريش ، فقال:«والذي بعثني بالحق، ما تكلمت في هذا حتى أذِنَ اللَّهُ لي فيه من السماء» .

فقالت فاطمة: رضيت بما رضي اللَّهُ لي ورسولُه ، فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه، ثم قال:«يا علي اخطبْ لنفسك» .

ص: 35

فقال عليٌّ: الحمدُ لله الذي لا يموت ، وهذا محمدٌ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم زوَّجَني فاطمةَ ابنتَه على صداق، مبلَغُه أربعمئة درهم، فاسمعوا ما يقول واشهدوا ، قالوا: ما تقولُ يا رسولَ اللَّه؟ قال: «أشهدكم أني قد زوَّجْتُه» .

ــ ليس عند الذهبي الجزء الأخير من الحديث في خطبة علي رضي الله عنه.

وهذا حديث موضوع.

ــ يعقوب بن إسحاق العسقلاني. كذاب.

(1)

ــ جعفر بن هارون الفراء. قال الذهبي: (جعفر بن هارون، عن محمد بن كثير الصنعاني، جاء بخبر موضوع).

(2)

وقال الذهبي أيضاً ـ بعد تخريجه ـ: (هذا حديث منكر، لعلَّ محمد بن كثير افتراه، فإنه متَّهم، فإن الأوزاعي ما نطق به قط، ولم أرو هذا ونحوه إلا للتزييف والكشف، والفراء ليس بثقة).

(3)

قلت: محمد بن كثير هو ابن أبي عطاء الثقفي المصيصي الصنعاني، صدوق كثير الخطأ.

(4)

=

(1)

«لسان الميزان» (8/ 525).

(2)

«ميزان الاعتدال» (1/ 384)، «لسان الميزان» (2/ 480)، و (4/ 191).

(3)

«العلو للعلي الغفار» (1/ 343) رقم (41).

(4)

«تقريب التهذيب» (ص 534)، «ميزان الاعتدال» (4/ 250).

ص: 36

والعلَّة ممن دونه.

قال ابن كثير: (رواه ابن عساكر، وهو حديث منكر).

(1)

وقد جاء من طريق أخرى بلفظ مختلف:

روى الأديب أبو هلال العسكري في «الأوائل» ـ تحقيق القصاب والمصري ـ (ص 175) عن أبي أحمد، عن أبي الحسين النسابة، عن سعيد بن العباس، عن الزبير بن بكار، عن عمه، قال: سمعت أبا سعيد الأصمعي يقول: لما أملك عليٌّ بفاطمة عليهما السلام قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«اخطب» .

فقال: الحمدُ للَّهِ شكراً لأنْعُمِه وأياديه، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللَّه شهادةً تَبلُغُهُ وتُرضِيه، وصلَّى اللَّهُ على محمدٍ صلاةً تُزْلِفُه وتُحْظِيه، والنكاحُ مما أمرَ اللَّه به ورَضِيَهُ، واجتماعُنَا مما قدَّرَهُ اللَّهُ تعالى وأَذِنَ فيه؛ وإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زوَّجَنِي ابنتَهُ فاطمةَ بِصَدَاقِ اثنتي عشْرَةَ أُوْقِيَّةً، فاسألوه واشهدوا).

رجالُه من أهل الأدب والنسَب، وليسوا من أهل الحديث، وفيه من لم يُعرف، وهو منقطع. فالأصمعي (ت 216 هـ).

(1)

«البداية والنهاية» (11/ 55).

ص: 37

وقد أوردها ــ للأسف ــ محتجاً بها بعضُ أهل الفقه، والسير.

(1)

ومن الأحاديث الباطلة:

حديث طويل في جزء مفرد

نشر د. صلاح الدين المنجد جزءاً مخطوطاً بعنوان: «تزويج فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم»

(2)

للإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ت 113 هـ).

وهذا الجزء فيه حديث واحد فقط يرويه:

أبو عبداللَّه محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن إبراهيم الكاتب

(3)

ـ إجازة ـ، قال: أخبرنا الشيخ الثقة أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش

(1)

مثل: الديَّار البكري (ت 966 هـ) في «تاريخ الخميس» (1/ 362)، وعلي الحلبي

(ت 1044 هـ) في «السيرة الحلبية» (2/ 282).

وذكر بعضها الماوردي الشافعي في «الحاوي» ــ ط. دار الكتب العلمية ـ (9/ 165) ونسبها لبعض السلف. وكذا الروياني الشافعي في «بحر المذهب» ــ ط. دار الكتب العلمية ـ (9/ 163)، وغيرهم.

(2)

سبق ذِكر بياناته في التمهيد: المبحث الأول.

(3)

البغدادي الماسح الحاسب المحدث قاله الذهبي، وهو أديب من الأدباء، كتب كثيراً من الأجزاء، (ولد سنة 579 هـ ــ وتوفي سنة 637 هـ). «تاريخ الإسلام» (14/ 248).

ص: 38

التاجر

(1)

ـ إذناً ـ، قال: أخبرنا الشيخ أبو سهل محمد بن إبراهيم بن محمد بن سعدويه الأصبهاني

(2)

ـ قراءةً عليه ببغداد، في صفر سنة ثلاث وعشرين وخمسمئة ــ قال: أخبرنا الشيخ أبو عبدالرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار الرازي المقري بأصبهان

(3)

، قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن عبداللَّه بن يعقوب بن فناكي الرازي بالري

(4)

ـ قراءة عليه في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمئة ـ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن هارون الروياني

(5)

إملاء، قال: حدثنا يحيى بن محمد البصري

(6)

، قال: حدثنا عبدالرحمن بن حماد بن شعيث

(1)

الخباز البغدادي، سمع مسند الروياني من أبي سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه، وكان مكثراً صحيح السماع، قاله ابن نقطة، ولم أجد فيه توثيقاً، (ت 593 هـ).

«التقييد» لابن نقطة (2/ 305) رقم (660)، «سير أعلام النبلاء» (21/ 243).

(2)

قال عنه الذهبي: الثقة العالم

صالح خير صدوق مكثر. ولد سنة (446 هـ)، وتوفي سنة (530 هـ). «سير أعلام النبلاء» (20/ 47).

(3)

كذا ورد اسمه، وهو تصحيف، والصواب: أبو الفضل عبدالرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار الرازي العجلي المقرئ، وهو ثقة، زاهد. ولد سنة 371 هـ وتوفي سنة 454 هـ. ينظر:«تاريخ الإسلام» للذهبي (10/ 48).

(4)

وهو آخر من روى عن الروياني، قال أبو يعلى الخليلي: موصوف بالعدالة وحسن الديانة.

(ت 383 هـ). «تاريخ الإسلام» (8/ 543).

(5)

صاحب المسند المعروف، ثقة. «تاريخ الإسلام» (7/ 124).

(6)

لم أهتد لمعرفته. ووجدت في «مسند الروياني» أنه يروي عن أبي بكر يحيى بن محمد، وفي طبقة شيوخه: أبو بكر يحيى بن محمد بن البختري الحنائي البصري (ت 299 هـ)، فيحتمل أنه هو، وترجمته في «تاريخ الإسلام» (6/ 1066).

ص: 39

الشعيثي البصري

(1)

، قال: حدثنا أبو عبدالرحمن البصري

(2)

، عن محمد بن علي

(3)

،

عن أبيه

(4)

قال: لما أدركت فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطبها رجال من قريش، وكلما خطبها رجل أعرض عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوجهه، فلقي بعضهم بعضاً، وشكى بعضهم ما صنع بهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وكان رجلٌ ممن خطبَها بينه وبين عليٍّ خاصيَّةٌ، فقال ذاك الرجل: أنا أكفيكم هذا الأمر، فأنطلقُ إلى عليٍّ فأهيجه على أن يخطبها، فإن هو زوَّجه فعليه كان يحبسها، وإن هو رده فالأمر فيهما واحد، ينتظر فيها أمر اللَّه .... ثم ذكر حديثاً طويلاً فيه الخطبة، والمهر، والجهاز، والبناء، وطلب الخادم

ومنه: أنه لما اقتُرح على علي خطبة فاطمة، قال: واللَّه لقد هيجتني على أمر إن كنتُ عنه لفي غطاء.

وفيه: أنه انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم للخطبة وهو في بيت أم سلمة ..

(1)

أبو سلمة، صدوق، ربما أخطأ، توفي سنة (212 هـ). «تقريب التهذيب» (ص 372).

(2)

لم أهتد إليه.

(3)

ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثقة .. ستأتي ترجمته في الباب الثالث: مسند فاطمة، حديث رقم (4).

(4)

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثقة. ولم يدرك جدَّه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ستأتي ترجمته في الباب الثالث: مسند فاطمة، ضمن حديث رقم (21).

ص: 40

وذكر الدرع وبيعه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قبض قبضة من المال الذي أخذه من علي، وأعطاه بلال ليشتري به طيباً لفاطمة، وأعطى الباقي أم سلمة لتجهيز فاطمة، وكان مقدار الباقي: مئتي درهم.

ثم ذكر تجهير أم سلمة، والبناء بفاطمة، وصب الماء عليها وعلى زوجها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم زارهما في اليوم الرابع بعد صلاة الفجر، وكانت غداة باردة، وأنه جلس بينهما، وأدخل قدميه وساقيه بينهما، فأخذ كل منهما ساق النبي صلى الله عليه وسلم وقدمه ليضعه على الصدر والبطن ويدفئها! ! وطلبت فاطمة في هذا اليوم الرابع من الزواج خادماً، فقالت: إني كنت في عيالك، وكنت مكفية، وقد أفردت بنفسي، وقد شق عليَّ العمل، فأخدمني يارسول اللَّه!

فأرشدها إلى خير من خادم، إلى الذكر عند النوم، ووعدها إذا غزا وأصاب مغنماً أن يخدمها! !

ولبث ستة أشهر، فغزا ساحل البحر، وأصاب سبياً، فأعطى فاطمة بنتاً شابة منها، وأرشدها إلى عدم ضربها، وقال: إن جبرائيل قد نهاني أن أضرب المصلِّين.

وقالت فاطمة: يارسول اللَّه، عليَّ يوم، وعليها يوم ـ أي الخدمة ـ ففاضت عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبكاء، فقال: «اللَّه أعلم حيث

ص: 41

يجعل رسالته، ذرية بعضها من بعض، واللَّه سميع عليم».

وهذا حديث موضوع باطل، قبَّح اللَّه واضعه، ولا شك عندي أن الإسناد مركب، وفيه علل:

نكارة متنه: في وضع ساقي النبي صلى الله عليه وسلم على صدر فاطمة وعلي أول زواجهما لتدفئتهما! !

وكذلك: ورد مراراً ذكر أم سلمة قبل الخطبة وبعدها وأثناء التجهيز، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم متزوجاً أم سلمة رضي الله عنها ذلك الوقت، فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي سلمة رضي الله عنه في جمادى الآخرة

(سنة 4 هـ)، وقيل:(3 هـ)، كما في «الإصابة» لابن حجر (8/ 404)، وهو بعد زواج علي رضي الله عنه.

وأيضاً كيف يتقدم أحدٌ للنبي صلى الله عليه وسلم ـ أحسنَ الناس خُلُقاً ـ لخطبة ابنته، فيُعرِض عنه بوجهه ولا يرد عليه، حتى شكى بعضهم لبعض! ! في هذا إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وكيف تشكو فاطمة الخدمة، وتطلب خادماً في اليوم الرابع من زواجها؟ !

ثم صرَفها للذِّكْرِ، ووعدَها بخادم، والحديثُ في الصحيحين لم يعدها بشئ.

ص: 42

ثم يعطيها خادمة من السبي مباشرة ـ والسبي غير مسلمين ـ ويقول: إني نُهيت عن ضرب المصلين، فهل أسلمت مباشرة؟ !

ثم في آخر الحديث عبارة ركيكة، لا معنى لها ولا مناسبة، قوله: فاضت عيناه! وقال: اللَّهُ أعلم حيث يجعل رسالته، ذرية بعضها من بعض! !

ثم في الإسناد من لم يوثَّق، وفيه من لم أهتد لمعرفتهم، وفيه انقطاع بين أبي سهل ابن سعدويه وأبي الفضل ابن بندار، ويظهر أن فيه انقطاعاً آخر بين ابن بندار والفناكي. وهو أيضاً مرسل علي بن الحسين لم يدرك جده.

فالحديث موضوع.

ص: 43

وفي مسألة خطبة فاطمة ونكاحها

قال ابن حبان رحمه الله: (وقد روي في تزويجها أخبارٌ فيها طُول، تؤدِّي إلى مَسلكِ القُصَّاص؛ فتنكَّبْتُ عن ذكرها، لعلمي بعدم صحتها من جهة النقل).

(1)

وقال ابن كثير رحمه الله: (وقد ورد في هذا الفصل أحاديثُ كثيرةٌ منكرةٌ ومَوضُوعَةٌ، أضرَبنا عنها؛ لئلا يطول الكتاب بها، وقد أورد منها الحافظ ابنُ عساكر طرفاً جيداً في «تاريخه» مع ضعفها، ووضْعِها).

(2)

وقال في موضع آخر: (وقد وردت أحاديث موضوعة في تزويج علي بفاطمة، لم نذكرها؛ رغبة عنها).

(3)

ولما أورد ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله في الأحاديث الواردة في تزويج فاطمة رضي الله عنها، قال: (وقد رُويت قصة عرس فاطمة عليها السلام من طُرُق أُخَر، ومن رواية كذابين ورافضة

(4)

،

(1)

«الثقات» لابن حبان (1/ 145).

(2)

«البداية والنهاية» (11/ 55).

(3)

«البداية والنهاية» (9/ 486).

(4)

غلو الرافضة في فاطمة كثير جداً، ومن غلوهم الكثير في باب زواجها: =

ص: 44

أضربنا عنها، ولله الحمد.

وكذلك أَضْرَبْنَا عن حديثِ الخِطبة عند التزويج التي أولها: الحمد لله المحمود بنعمته.

وكذلك الخطبة المنسوبة إلى جبريل في ذلك أيضاً، وما قيل إنه جرى في زفافها؛ لكونه موضوعاً لا يحل ذِكرُه إلا للبيان، واللَّه أعلم).

(1)

= حديث موضوع فيه: نزول ملك خاص لتزويج النور بالنور علي وفاطمة

«أصول الكافي» للكليني (1/ 276) باب مولد الزهراء، حديث (8) أفاده: الأستاذ: عبدالستار الشيخ في كتابه: «فاطمة الزهراء» (ص 166)

عن علي أن جبريل هبط على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إن اللَّه

جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً عليه السلام لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض، آدم فمن دونه! !

«عيون أخبار الرضا» لابن بابويه القمي (1/ 225) أفاده: الشيخ: إحسان إلهي ظهير رحمه الله في «الشيعة وأهل البيت» (ص 137).

وانظر: «الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء» للرافضي: إسماعيل الزنجاني الخوئيني

(المجلد الثالث والرابع).

(1)

«جامع الآثار» لابن ناصر الدين الدمشقي (3/ 491).

منها: ما أخرجه الحاكم في «فضائل فاطمة» (ص 149) رقم (227)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (11/ 348) من طريق نصر بن خزيمة بن علقمة، عن أبيه، عن نصر =

ص: 45

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بن علقمة، عن أخيه محفوظ بن علقمة، عن ابن عائذ، قال: قال حابس بن سعد: أخبرتني فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنها رأت في المنام أنها نكَحَتْ أبا بكر، ونكَحَ عليٌّ أسماءَ بنتَ عُمَيس. وكانت أسماءُ بنتُ عُميس تحت أبي بكر، فتوفي أبو بكر، وتوفيت فاطمة، ونكحَ عليٌّ أسماءَ).

فيه: نصر بن خزيمة بن علقمة بن محفوظ، ووالده، لم أجد لهما ترجمة.

ــ حابس بن سعد، ويقال: ابن ربيعة بن المنذر، الطائي اليماني نزيل الشام.

قال الدارقطني: مجهول متروك. وقال ابن حجر: (مخضرم، قتل بصفين، وقيل: له صحبه).

وقد أثبت عددٌ من العلماء صحبته، منهم: ابن سعد، وابن سميع، وأبو زرعة الدمشقي، والبارودي، وابن جرير، وأبو القاسم البغوي، وابن حبان، والطبراني، وابن زبر، وابن مندة، وأبو نعيم، وابن عبدالبر، وابن الجوزي، وابن كثير، والذهبي، وابن حجر، ومغلطاي، وغيرهم.

ولم يُثبِتْ صحبتَه: البخاريُّ، وأبو حاتم، والبسوي، وأحمد بن محمد بن عيسى البغدادي، والدارقطني، والعلائي، والعراقي، وسبط ابن العجمي.

قال ابن حجر في «التهذيب» : ويغلب على الظن أن ليس له صحبة، وإنما ذكروه في الصحابة على قاعدتهم فيمن له إدراك، واللَّه الموفق، وفرَّق ابن حبان في الصحابة بين حابس بن ربيعة وبين حابس بن سعد الطائي).

ورجَّح د. كمال الجزائري ـ بعد بَحْثٍ ـ عدمَ صحبته، وأنه مخضرم، فليُراجع للاستزادة.

«سؤالات البرقاني للدارقطني» (ص 68) رقم (112)، «تهذيب الكمال» (5/ 183)، «تهذيب التهذيب» (2/ 127)، «تقريب التهذيب» (ص 183)، «الإصابة» =

ص: 46

شبهة وجوابها:

عرض المستشرق الكذاب: هنري لامَّنس (ت 1356 هـ)

(1)

في كتابه

«فاطمة وبنات محمد» صلى الله عليه وسلم للسيدة الشريفة البضعة النبوية الكريمة: فاطمة رضي الله عنها، أشبهِ الناس بأبيها هدياً وسمتاً ودَلَّاً ومِشيةً

(2)

فوصفها بأبشع الأوصاف، وأكذبها، ذهب «يبحث فيها عن العيوب حيث لا عيوب، فإذا العيب هو الإسفاف، وكم في الإسفاف من عيوب بل من ذنوب .... ومن إسفافه وتفاهته أنه حاول جهده إثبات أن فاطمة لم تتزوج قبل الثامنة عشرة؛ لأنها كانت محرومة من الجمال»

(3)

، وقد أخَّر المؤرِّخون سنة ولادتها ستراً لسبب تأخر زواجها حتى لا يقال بأنها لم تتزوج إلا متأخراً

وسبب ذلك ـ في نظره القاصر ـ أنها امرأة غير جذَّابة! فاقدة للجمال، والذكاء، والمرح، مهملة تماماً، لا يُحِبُّهَا والدُها، ولا يعتني بها، ولا يقدِّرُها زوجها، لذا زهد الناس في خطبتها، وتأخرت في الزواج، وأن والدها

= (1/ 656)، «الرواة المختلف في صحبتهم ممن لهم رواية في الكتب الستة» د. كمال الجزائري (1/ 383 ـ 389).

(1)

سبقت ترجمته في التمهيد: المبحث الخامس.

(2)

انظر مبحث: شبهها بأبيها

(3)

«فاطمة الزهراء» للعقاد (ص 33 ـ 34).

ص: 47

النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين أخبرها بخطبة عليِّ، بَكَتْ، لأنها فقيرة، عديمة الجمال، وتعجَّبَتْ من تقدُّمِ عَليٍّ لخطبتها .... إلى آخر الهراء! !

عرض هذه الشبهة وردَّ عليها: الأستاذ الأديب: عباس العقاد، والأديبة د. عائشة بنت عبدالرحمن، المعروفة بِـ «بنت الشاطئ» ، وبعض المستشرقين

(1)

ممن رد تعصبات وأكاذيب لامنس ـ إلا أنَّ المستشرقين وافقوه بأنها ليست جميلة! ! ـ.

(2)

(1)

ينظر: «فاطمة الزهراء والفاطميون» لعباس العقاد (ص 31 ـ 38)، «بنات النبي عليه الصلاة والسلام» د. عائشة بنت الشاطئ (ص 158 ـ 163 و 165)، «موجز دائرة المعارف الإسلامية» لمجموعة من المستشرقين (25/ 7707).

(2)

ذكر الرافضي: محمد كاظم القزويني عن الرافضي: الأميني أنه ذكر في كتابه «الغدير»

(3/ 10) أن المستشرق: أميل درمنغم ألَّف كتاباً عن «حياة محمد» ــ ترجمَه الفلسطيني: عادل زعيتر ـ، تحدث فيه أن فاطمة دون رُقيَّة في الجمال، ودون زينب في الذكاء، وذكر ذمَّاً لخِلْقَة علي، وأن فاطمة أكثر رغبة في علي، من علي في فاطمة

فشنَّع الأميني والقزويني على المستشرق، وعلى المترجِم؛ لأنه لم يعلق على هذا الإفك، قلت: الله أعلم بصحة كلامهما في عدم تعقُّب زعيتر، فليتُراجَع ترجمة زعيتر.

انظر: «فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد» للرافضي محمد كاظم القزويني (ص 13).

وقد اتهم الرافضةُ أهلَ السُّنة والجماعة بالإساءة إلى فاطمة، لأنهم قدَّمُوا سنَةَ ولادتها؛ لتكون قبل المبعث بخمس سنين، وذلك لغايات وأهداف؛ لأجل النيل من فاطمة وآل البيت، وليَنسِفُوا الأحاديثَ التي فيها أنها انعقدَتْ نُطفَتُها من ثمار الجنة، في الإسراء وغيره

، وليثبتوا أن فاطمة مزهودٌ فيها ولم يخطبها أحدٌ إلا بعد أن بلغت ثمان عشرة سنة

قلت: سبحانك ربي، هذا إفك مفترى، وبهتان عظيم، ولا يُقال لهم إلا: رمتني بدائها وانسَلَّتْ.

انظر: «فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد» للرافضي: محمد كاظم القزويني (ص 42 ـ 44)، و «الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء» للرافضي: إسماعيل الزنجاني الخوئيني، المجلد الثاني، و (4/ 11) و (21/ 10).

ص: 48

وخلاصة الرد عليه من وجوه:

1.

أن تأخرها عن الزواج يسير، حيث خُطِبت في السنة الأولى من الهجرة، وعمرها ثمان أو تسع عشرة سنة تقريباً. وبنَى بها عليٌّ بعد بدر وعمرها عشرون أو دون العشرين بقليل، هذا بناء على الراجح أنها ولدت قبل الهجرة بخمس سنين،

(1)

وعلى القول الثاني: قبل الهجرة بسنتين، فيكون عمرها ـ عند البناء بها ـ ثمان عشرة سنة تقريباً.

2.

للتأخر اليسير سبب قاهر، وهو أن: الكرب والبلاء استحكم على النبي صلى الله عليه وسلم والقلة المؤمنة في مكة ـ وكثير من المؤمنين هاجر إلى الحبشة ـ، وقد حصل الحصار الجائر على بني هاشم في الشِّعب، بدءاً من

(محرَّم 7 من النبوة) أي: قبل الهجرة بست سنين، واستمر ثلاث سنوات،

(1)

بناء على الراجح: 5 قبل البعثة + 13 بعد البعثة في مكة + 2 بعد الهجرة وقبل أُحُد = 20 سنة وأشهر تقريباً عند البناء بها.

ص: 49

وكان عمر فاطمة ــ بعد انتهاء الحصار ـ خمس عشرة سنة.

وبعد سنةٍ من انتهاء الحصار ـ قبل الهجرة بسنتين، وعمرها 16 سنة ـ، توفيِّتْ أمُّها خديجة رضي الله عنها، وعمُّها أبو طالب، وهو ما عُرِفَ بعامِ الحزن.

ولازال المسلمون مضطهدون، والبلاء مستحكم، والهجرة إلى المدينة قريبة.

وذكرت د. عائشة بنت الشاطئ: أن حياة فاطمة حياة شاقة كادحة، لابد أن تُؤثِّر على صِحَّتِها ــ وهي التي شدتها الأحداث من ملاعب الطفولة إلى صميم المعركة ــ ثم أحزنها موت أمها أشد الحزن، وزادها وحشة وشجناً، وكان إلى جانب ذلك كله مشغولة البال بأبيها النبي صلى الله عليه وسلم، تفكر فيه على البعد والقرب

وليست هذه الظروف مجتمعة

(1)

مما يعين على بهجة وانشراح.

(2)

3.

في هذه الفترة لا يمكن لأحد من المشركين أن يتقدم لخطبة مؤمنة، لتحريم اللَّه الزواج بين المؤمنين والمشركين.

وبقية المؤمنين هاجروا للحبشة ـ ومنهم: رقية ابنة النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

يضاف عليها: هجرتها من بلدها، ووفاة أخواتها واحدة بعد الأخرى مع وفاة أخيها إبراهيم

(2)

«بنات النبي صلى الله عليه وسلم» د. عائشة بنت الشاطئ (ص 165).

ص: 50

مع زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه: وكذا هاجر عدد من أقاربه؛ وكان البلاء في مكة شديداً، والوضع غير مستقر، ، والحزن جاثم على فراق الأمِّ والعَمِّ النصير، وغيرهما

قال العقَّاد عن المسلمين في الفترة المكية: (فمن كان متزوجاً قبل اشتداد العنت على المسلمين فلا حيلة له في الزواج، ومن لم يكن فليس أخلق به من إرجاء الزواج إلى حين).

(1)

4.

لذا، حصلت الخِطبة أول سَنَةٍ استقر بها النبي صلى الله عليه وسلم في مهاجَرِهِ: طيبة الطيبة، المدينة النبوية، وبنى بها عليٌّ بعد غزوة بدر (2 هـ).

5.

لايشك المسلمون أن نبينا صلى الله عليه وسلم من أجمل الناس خِلقةً وخُلقاً وهَدياً وسمتاً، وأولادُه بضعةٌ منه.

قال عباس العقاد رحمه الله: «المشهور أنها وُلِدت لأبوين جميلين، وأن أخواتها تزوجن من ذوي غنى وجاه كأبي العاص بن الربيع، وعثمان بن عفان، وليس من المألوف أن يكون الأبوان والأخوات موصوفين بالجمال وأنْ تُحرَمْه إحدى البنات، والمشهور المتواتر أن السيدة فاطمة بلغت سن الزواج والدعوة المحمدية في إبَّانها، والمسلمون بين مهاجر أو مقيم غير آمن، والحال قد تبدَّلَتْ بعد الدعوة المحمدية، فأصبحت خطبة المسلمات مقصورة على المسلمين،

(1)

«فاطمة الزهراء» للعقاد (ص 31).

ص: 51

وهؤلاء المسلمين قِلَّةً، منهم المتزوج، ومنهم من لا طاقة له بالزواج

... وذكر أنه كان صلى الله عليه وسلم ينتظر بها أن تهدأ الحال، ويستعدَّ ابنُ عمِّه للزواج، ويستقرَّ على حال بينه وبين آله الذين لا يزالون على دين الجاهلية، فلاهم في ذلك الوقت ذووه، ولاهُمْ بُعداءُ عنه

إلخ».

(1)

6.

كلُّ الصحابة ـ بل كل المسلمين ـ يتمنون القرب من النبي صلى الله عليه وسلم مصاهرة، ولمعرفتهم بعقل ودين وخلق أولاده صلى الله عليه وسلم، لذا تقدم أبو بكر وعمر لخطبة فاطمة رضي الله عنهم، فليس صحيحاً ما ادَّعاه أنه لا يرغب أحدٌ بخطبة فاطمة.

7.

ومسألة بكائها عند عِلمها بالخطبة، لا يصح فيه حديث، ولو صحَّ فيحمل البكاء على ما قاله العقاد: (وليس في ذلك من غرابة؛ لأننا لا نتخيل فتاة في مثل موقفها لا يبكيها ما تثيره في نفسها ذكرى أمها، ووداع بيت أبيها، وقد فارقتها مع أمها وهي صبية

(2)

تدرك ما فقدته من عطفها وبرها وإلطافها

(1)

«فاطمة الزهراء» للعقاد (ص 33 ـ 34).

(2)

. فائدة: رجح ابن حجر وغيره أنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين. «الإصابة»

(8/ 103).

قلت: يعني بعد النبوية بعشر سنين، وعمر فاطمة حينئذ على القول الراجح في مولدها يكون (15 سنة)، ويُعلَم أنها للتوِّ خرَجَتْ مع بني هاشم من الحصار في شعب أبي طالب، والأحوال غير مستقرة.

ص: 52

لها في رخائها وعسرها.

ثم يكون يوم الفِصَال في غربة من البيت الذي لزمتها فيه، ومن البلد الذي يحتويه، فإن جَهِدْنَا أنْ نتخيَّل فتاة لا تبكي حين تحوم بنفسها تلك الذكريات وتقترب من اليوم الفاصل بين معيشتها في كنف أبيها صلى الله عليه وسلم ومعيشتها في غير كنفه؛ فموضوع الغرابة أن تخيلها

ـ بعد الجهد ـ غير باكية ولا آسية، ولا سيما من كانت مثل الزهراء مجبولة على مزاج حزين، وأسى دفين على أمها العزيزة لم يفارقها مدى السنين

).

(1)

8.

وأما عدم حب والدها صلى الله عليه وسلم لها، وعدم تقدير زوجها، فهذا كذب صريح، استحى من هذا الإفك وأمثاله: إخوانُه المستشرقون، فبيَّنوا أنه لا يُوثَق بكلامه، ولا نَقْلِهِ ـ كما سبق في ترجمة في التمهيد ـ.

9.

وأما تأخير المؤرِّخِين سنة ولادتها، فهذا غير صحيح إلا على رأي الرافضة، فإنهم ادعوا بأنها وُلِدَت بعد البعثة النبوية بخمس سنين، وهاجرت وعمرها ثمان سنوات، وبَنَى بها عليٌّ في ذي الحجة سنة 2 هـ وعمرها عشر سنوات

(2)

وقيل: بنى بها بعد الخطبة بشهر أي في السنة 1 هـ، وهذا كله غير

(1)

«فاطمة الزهراء» للعقاد (ص 38).

(2)

ينظر: «مسار الشيعة» للمفيد (ص 10)، «المناقب» لابن شهر آشوب (ص 112)،

«بحار الأنوار» (43/ 110)، أفدته من: مقدمة تحقيق محمد جواد الجلالي لِـ «مسند فاطمة الزهراء للرافضي: حسن التويسركاني» (ص 9).

ص: 53

صحيح البتة.

وسبق بيان الأقوال في ولادتها عند أهل السُّنَّةِ، وكان آخر تقدير مَن قال: وُلِدَتْ قبل البعثة بسنتين أو ثلاث، وبناء عليه عمرها سبع عشر سنة تقريباً.

هذا، وقد ذكرت د. عائشة بنت الشاطئ من أسباب التأخر بالزواج:

«أنه لا يتزوج المسلمة إلا مسلمٌ، والمسلمون يرون أنهم غير أكفاء لبنت النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف عثمان في زواجه فقد كان ذا شرَفٍ وثَراءٍ وجَاهٍ.

ويكفيها جمالاً وبهاءً وهدياً أنها أشبهُ الناسِ بأبيها صلى الله عليه وسلم».

(1)

وذكَرَتْ من الأسباب: إنشغال والدها بالدعوة إلى الإسلام، ولأنها لا تريد فراق أبويها، وقد بلغت الثامنة عشرة وهي كارهة الزواج، لأنها لا تريد فراق الأبوين، وتعلم حاجة والدها إليها بعد وفاة أمها خديجة، لرعايته! !

(2)

قلت: لا دليلَ على ذلك، ولا نقلَ يدلُّ عليه، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ بعد موت خديجة وقبل زواج فاطمة ـ تزوَّجَ: سودة، وعائشةَ رضي الله عنهن.

(1)

«بنات النبي صلى الله عليه وسلم» د. عائشة بنت الشاطئ (ص 160 ـ 161).

(2)

«بنات النبي صلى الله عليه وسلم» د. عائشة بنت الشاطئ (ص 140 و 153 و 160).

ص: 54

فوائد:

1.

ذكر إحسان إلهي ظهير مسألة مساعدة أبي بكر الصديق علياً في تزويجه من فاطمة رضي الله عنهم

ونقل في ذلك بعض الأحاديث الموضوعة السابقة، ونقل أيضاً من كُتُب الشيعة.

(1)

2.

قال ابن الجوزي: (لما تبختر جمال فاطمة في جلباب كمالها ، حين شروع الشرع في وصف جلالها ، أنهض الصديق خاطباً لها في خطابه، فسكت الرسول عن جوابه ، فنهض عمر نهوض الليث في غابه، فلم يجبه، فاشتد الجوى به ، فلما نقل علي أقدامه لخطبتها؛ وجد الوحي قد سبقه قُدَّامه:

«إن اللَّهَ أمرني أن أزوج فاطمة من علي» .

فتزوجها في صفر، وبنى بها في ذي الحجة ، فولدت له الحسن في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وولدت الحسين لثلاث خلون من شعبان سنة أربع).

(2)

(1)

«الشيعة وأهل البيت» (ص 73).

(2)

«التبصرة» لابن الجوزي (1/ 457). والنص فيه تكلف في عباراته، وأوصافه، والحديث المذكور موضوع ـ كما سبق في حديث رقم (34) ــ، وقد ذكر أيضاً في كتابه

الآخر «المدهش» ــ ط. دارالقلم ــ (1/ 238)، الفصل السادس والعشرون: في تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما. وهو فصلٌ مسجوعٌ بأطول من هذا، ضمَّنَه أحاديث موضوعة.

ص: 55

3.

ذكر ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية» (8/ 244) كلاماً حسناً في دفع استدلال من يستدل من الرافضة بتفضيل عليِّ بن أبي طالب عَلَى أبي بكر وعمر وعثمان؛ لأنه زوَّجَه فاطمة رضي الله عنهم. فليُراجع.

ص: 56