المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع:وقوع المغاضبة بينها وبين زوجها أحيانا رضي الله عنهما - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ٣

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌ أفرد عددٌ من المحدِّثين والمؤرِّخين باباً خاصاً في تزويج فاطمة

- ‌ صفة علي رضي الله عنه الخَلْقِيَّة:

- ‌المبحث الثاني:مهرها رضي الله عنها

- ‌لابن تيمية رحمه الله فتوى طويلة محررة عن الصداق

- ‌المبحث الثالث:تجهيزها رضي الله عنها

- ‌المبحث الرابع:البناء بها رضي الله عنها

- ‌ لباسها حين البناء بها

- ‌وقت البناء:

- ‌البيت الذي ابتنى به عليُّ فاطمة رضي الله عنهما

- ‌المبحث الخامس:وليمة عرسها رضي الله عنها

- ‌الفصل الثالث: حالها مع زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه خمسة مباحث:

- ‌المبحث الأول:غبطة(1)الصحابة علي بن أبي طالب؛ لزواجه بفاطمة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الثاني:افتخاره بها رضي الله عنهما

- ‌ لم يثبت شئٌ في أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاخَر بزوجه

- ‌المبحث الثالث:أنها أحد ركنيه رضي الله عنهما

- ‌المبحث الرابع:وقوع المغاضبة بينها وبين زوجها أحيانا رضي الله عنهما

- ‌المبحث الخامس:خدمتها لزوجها، وصبرها على ضيق العيش رضي الله عنهما

- ‌عملُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند اليهودي

- ‌ لماذا لم يُعطِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمةَ خادِماً

- ‌الفصل الرابع: حالها مع ابنيها: الحسن والحسين رضي الله عنهم وفيه أربعة مباحث:

- ‌المبحث الأول:ولادتهما رضي الله عنهم

- ‌فائدة: الولادة بلا دم، والحيض بدم يسير جداً دون اليوم والليلة

- ‌قبل الولادة:

- ‌تاريخ الولادة:

- ‌ جعلت الرافضة لِـ السِّقْطِ: «محسِّن» شهادات! وأحاديث وعبر! ، وهو آية من آيات اللَّه…إلخ

- ‌أثناء الولادة:

- ‌ مكان الولادة

- ‌بعد الولادة:

- ‌المبحث الثاني:العقيقة والصدقة عنهما رضي الله عنهم

- ‌المبحث الثالث:ملاطفتها لهما رضي الله عنهم

- ‌المبحث الرابع:طلبها من أبيها صلى الله عليه وسلم أن يورثهما

- ‌لم يصح في المبحث حديث

- ‌الفصل الخامس: وفاتها رضي الله عنها وفيه ثلاثة مباحث:

- ‌المبحث الأول:وقت وفاتها رضي الله عنها

- ‌المبحث الثاني:وصيتها رضي الله عنها

- ‌يُلحظ أنَّ لأسماءَ بنتِ عُميس مع فاطمة رضي الله عنهما وروداً في موضِعَين مُشكَلَين:

- ‌المبحث الثالث:الصلاة عليها ودفنها رضي الله عنها

- ‌لا يصح في الباب أثر أنَّ أبا بكر صلَّى على فاطمة رضي الله عنهما

- ‌أولاً: قبل وفاتها1.الإخبار بأنها أول أهله لحوقاً:

- ‌ مُدَّةُ مَرَضِهَا، ومَن مَرَّضَهَا:

- ‌ نوع مرضها:

- ‌ وصيَّتُهَا، ومَن غَسَّلهَا

- ‌ أوصَتْ أن تُدفن ليلاً

- ‌ثانيا: وفاتها

- ‌ عمرها عند وفاتها

- ‌ثالثاً: بعد وفاتها وتغسيلها

- ‌ مَن صلَّى عليها

- ‌ أول من غُطِّي نعشُها

- ‌ دُفنت ليلاً

- ‌ مَنْ نزَلَ قبرَها

- ‌ مكان قبرها

- ‌لا دليل على تخصيص صيغة معينة للسلام على فاطمة

- ‌نحنُ مُتعبَّدُون بطاعة اللَّهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم بفَهمِ سلف هذه الأمة في القرون المفضلة

- ‌الكتابة على قبر فاطمة رضي الله عنها

- ‌ لا يدخل شيعي قبة أهل البيت بالبقيع إلا إذا دفع خمسة قروش

- ‌ مكحلة فاطمة، ورحى فاطمة

- ‌«بستان فاطمة»

- ‌والراجح ـ واللَّه أعلم ـ أنه لا يمكن لأحدٍ ـ الآن ـ أن يَعرِف قبراً معيناً من قبور آل البيت والصحابة والتابعين، لأنه لم يكن السلف الصالح يعتنون بها ويشيدون المعالم عليها

- ‌تعليق ختامي مهم حول القباب التي أُحدثت على قبور…آل البيت وغيرهم، ومن ذلك قبر فاطمة رضي الله عنها

- ‌قال الإمام الشافعي (ت 204 هـ) رحمه الله: (ولَمْ أرَ قبورَ المهاجرين والأنصار مجصَّصَة

- ‌هدم القباب المحدثة على القبور في بقيع الغرقد وغيره

- ‌ هُدمت القباب في البقيع مرتين في عهد الدولة السعودية الأولى والثالثة

- ‌ هدم القباب في مكة

- ‌صور القباب في البقيع

الفصل: ‌المبحث الرابع:وقوع المغاضبة بينها وبين زوجها أحيانا رضي الله عنهما

‌المبحث الرابع:

وقوع المغاضبة بينها وبين زوجها أحيانا رضي الله عنهما

-.

50.

[1] قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيتَ فاطمة فلم يجدْ عليَّاً في البيت، فقال:«أينَ ابنُ عمِّك» ؟ قالت: كان بيني وبينه شيءٌ، فغاضَبَنِي، فخرج، فلم يَقِلْ عندي، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم لإنسان:«انظر أين هو» ؟ فجاء فقال: يا رسولَ اللهِ، هو في المسجد رَاقِدٌ، فجاء رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقَطَ رِدَاؤه عن شِقِّه، وأصابه تُرابٌ، فجعل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يمسَحُه عنه، ويقول:«قُمْ أبا تُراب، قُمْ أبا تُراب» .

[«الجامع الصحيح» للبخاري، (ص 106) كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المساجد، حديث رقم (441)]

تخريج الحديث:

ــ أخرجه: البخاري في «صحيحه» ـ كما سبق ـ وفي (ص 1209) كتاب الاستئذان، باب القائلة في المسجد (6280)، ومسلم في «صحيحه»

(ص 981)، كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2409) كلاهما عن قتيبة بن سعيد.

ص: 279

ــ وأخرجه: البخاري أيضاً في (ص 709) كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب (3703) قال: حدثنا عبدُاللَّه بن مسلمة.

كلاهما: (قتيبة، وعبدُاللَّه بن مسلمة) عن عبدالعزيز بن أبي حازم.

ــ وأخرجه: البخاري أيضاً في (ص 1194) كتاب الأدب، باب التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى، حديث (6204) قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا سليمان بن بلال.

كلاهما: (عبدالعزيز بن أبي حازم، وسليمان بن بلال) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

في حديث عبداللَّه بن مسلمة، وسليمان بن بلال، زيادة في محبة علي وفَرَحِهِ بكُنْيَتِهِ أبي تراب.

ولفظ مسلم: عن سهل بن سعد، قال: استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال: فدعا سهلَ بنَ سعد، فأمرَه أن يشتُمَ علياً قال: فأبى سهل

(1)

فقال

(1)

قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (15/ 175): عند الحديث الذي يليه، وفيه: (قوله: «إنَّ معاوية قال لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسب أبا تراب» ؟

قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دَخَل على صحابي يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبِّه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السَبِّ، كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً، أو خوفاً، أو غير ذلك؟

فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السَبِّ فأنت مُصيبٌ مُحسنٌ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر.

ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبُّون، فلم يَسُبَّ معهم، وعجز عن الإنكار، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال. قالوا: ويُحتمل تأويلاً آخر أنَّ معناه: ما منعك أن تخطِّئَهُ في رأيه واجتهاده، وتُظهِرَ للناس حُسْنَ رأينا واجتهادنا، وأنه أخطأَ).

ص: 280

له: أما إذ أبيت فقل: لعن اللَّه أبا التراب فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دُعِي بها، فقال له: أخبرنا عن قصته، لم سُمِّي أبا تراب؟ قال: جاء رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة

الحديث بمثله.

غريب الحديث:

ــ (فلم يَقِل): القَيْلُولَة: نومَة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم، وهي القائلة: وقد قالَ يقِيلُ قَيْلا، وقَائِلَةً، وقَيْلُولَةً، ومَقَالاً، ومَقِيلاً.

(1)

* * *

(1)

ينظر: «تهذيب اللغة» (9/ 232)، «النهاية» (4/ 133)، «تاج العروس»

(30/ 304).

ص: 281

51.

[2] عن جابر بن عبداللهِ الأنصاري رضي الله عنهما في حديث حجة الوداع. . . وفيه: وقَدِم عليٌّ من اليَمَن بِبُدْنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فوجدَ فاطمةَ رضي الله عنها ممَّن حَلَّ، ولَبِسَتْ ثِيَاباً صَبِيغَاً، واكتحَلَتْ، فأنكرَ ذلك عليها، فقالَت: إنَّ أبي أمرَني بهذا.

قال: فكان عليٌّ يقول بالعِراق: فذهبتُ إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم محرِّشَاً على فاطمة للذي صَنعَتْ، مُستَفْتِياً لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما ذكَرَتْ عنْهُ، فأخبرتُه أني أنكَرتُ ذلك عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ .... الحديث.

تخريج الحديث:

أخرجه: مسلم في «صحيحه» ـ وسيأتي تخريجه في الباب الثالث:

«مسند فاطمة» ، حديث رقم (17).

غريب الحديث:

ــ (محرِّشاً على فاطمة): قال القاضي عياض: أي مُغرياً بها، وقال ابن الأثير: أراد بالتحريش هاهنا: ذِكرُ ما يُوجِبُ عتَابَه لها.

(1)

* * *

(1)

ينظر: «مشارق الأنوار» (1/ 188)، «النهاية» (1/ 368).

ص: 282

52.

[3] قال ابن سعد رحمه الله: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جرير بن حازم، قال: حدثنا عمرو بن سعيد، قال: كان في عليٍّ على فاطمة شِدَّةٌ، فقالت: واللهِ لأشكونَّك إلى رسول اللهِ، فانطلقتْ وانطلقَ عليٌّ بأَثَرِها، فقام حيث يَسمَعُ كلامَهما، فشَكَتْ إلى رسُولِ اللهِ غِلَظَ عَليٍّ وشِدَّتَه عليها، فقال:«يا بُنَيَّةَ، اسمَعي واستَمِعِي واعقِلي، إنَّه لا إمْرة بامرَأةٍ لا تَأتي هوى زوجِها وهُو ساكت» .

قال عليٌّ: فكفَفْتُ عمَّا كنْتُ أصنَعُ، وقلتُ: واللهِ لا آتي شيئاً تكرَهِيْنَهُ أبَداً.

[«الطبقات الكبرى» لابن سعد (8/ 26)]

دراسة الإسناد:

ــ محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم، البصري، نزيل بغداد، كاتب الواقدي.

صَدوقٌ.

قال الذهبي: حافظ صدوق. وقال ابن حجر: صدوق فاضل.

(1)

ــ يزيد بن هارون السُّلَمي، أبو خالد الواسطي.

متَّفَقٌ على تَوثيقه.

(1)

«الكاشف» (4/ 116)، «تقريب التهذيب» (ص 510).

ص: 283

قال ابن حجر: ثقة، مُتقِنٌ عابِدٌ.

(1)

ــ جرير بن حازم بن زيد الأزدي العتَكي، أبو النضر البصري.

قال الذهبي: ثقة، لما اختلط، حجبه ولده.

قال ابن حجر: ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعفٌ، وله أوهام إذا حدَّث من حفظه

لم يحدِّث في حال اختلاطه.

(2)

ــ عمرو بن سعيد القرشي، أو الثقفي مولاهم، أبو سعيد البصري.

ثقة.

لم يرو عن أحد من الصحابة إلا أنس بن مالك رضي الله عنه.

وثقه: ابن سعد، والعجلي، والنسائي، وذكره ابن حبان في «الثقات» .

قال ابن حجر: ثقة.

(3)

(1)

. ينظر: «تهذيب الكمال» (32/ 261)، «تهذيب التهذيب» (11/ 366)، «تقريب التهذيب» (ص 637).

(2)

ينظر: «تهذيب الكمال» (4/ 524)، «تهذيب التهذيب» (2/ 69)، «تقريب التهذيب» (ص 177)، «هدي الساري» (ص 394).

(3)

ينظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (7/ 240)، «الثقات» لابن حبان (7/ 222)،

«تهذيب الكمال» (22/ 40)، «إكمال تهذيب الكمال» لمغلطاي (10/ 174)، «تهذيب التهذيب» (8/ 39)، «تقريب التهذيب» (ص 452).

ص: 284

تخريج الحديث:

ــ أخرجه: ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ـ كما سبق ـ، ولم أجده عند غيره.

وله شاهد من حديث علي رضي الله عنه.

أخرجه: الحاكم في «فضائل فاطمة» (ص 91) رقم (115) قال: حدثني أبو علي الحسين بن علي الحافظ، قال: أخبرني علي بن عبدالملك بن عبدربه الطائي

(1)

بحمص، قال: حدثنا أبي عبدالملك بن عبدربه

(2)

، قال: حدثنا الهيثم بن عدي

(3)

، عن مسعر وموسى بن عبدالملك بن عمير، كلاهما عن عبدالملك بن ميسرة

(4)

، عن النزَّال بن سبرة

(5)

، عن علي رضي الله عنه قال: جاءت فاطمة تشكو إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أبغض النساء إلى اللَّه التي لاتزال رافعة ذيلها، تشكو زوجها» . فقالت: «يارسولَ اللَّه، لا أشكوه أبداً» .

الحديث موضوع، الهيثم: كذاب، وعبدالملك: منكر، وابنه: مجهول.

(1)

أبو الحسن الطائي، مجهول الحال، ترجمته في:«تاريخ بغداد» (13/ 477).

(2)

الطائي، منكر الحديث. «لسان الميزان» (5/ 263، 268).

(3)

الطائي الكوفي، كذاب. «لسان الميزان» (8/ 361).

(4)

الهلالي، أبو زيد العامري، ثقة. «تقريب التهذيب» (ص 397).

(5)

الهلالي الكوفي، ثقة، وقيل: إن له صحبة. «تقريب التهذيب» (ص 589).

ص: 285

الحكم على الحديث:

الحديث ضعيف لإرساله، ولتفرد ابن سعد بالحديث.

وفي متنه نكارة: كيف يتبع عليُّ فاطمة، ويستمع خفية إلى حديثها مع والدِها رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ !

* * *

ص: 286

53.

[4] قال ابن سعد رحمه الله: أخبرنا عبيداللهِ بن موسى، قال: أخبرنا عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كان بين علي وفاطمة كلامٌ، فدَخَل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فألقى له مِثَالاً فاضطَجَعَ عليه، فجاءت فاطمةُ فاضطجعتْ من جانب، وجاءَ عليٌّ فاضطجع من جانب، فأخذ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بيدِ عليٍّ فوضَعَهَا على سُرَّتِه، وأخذَ بيد فاطمةَ فوضَعَها على سُرَّتِهِ، ولمْ يَزَلْ حتَّى أصلَحَ بينهما، ثم خَرَج، قال: فقيل له: دخلَتَ وَأنتَ عَلى حَالٍ، وخَرجْتَ ونحنُ نَرى البِشْرَ في وجهِكَ، فقال:«وما يَمْنَعُنِي وقَدْ أصْلَحْتُ بين أَحَبِّ اثنَيْنِ إليَّ» .

[«الطبقات الكبرى» لابن سعد (8/ 26)]

دراسة الإسناد:

ــ عُبيدُاللَّه بن موسى بن أبي المختار العبسي مولاهم، أبو محمد الكوفي.

قال الذهبي: أحد الأعلام على تشيعه وبدعته

ثقة.

قال ابن حجر: ثقة، كان يتشيع.

(1)

(1)

ينظر: «تهذيب الكمال» (19/ 164)، «الكاشف» (3/ 361)، «تقريب التهذيب»

(ص 406)، «هدي الساري» (ص 423).

ص: 287

ــ عبدالعزيز بن سِياه الأسدي الكوفي.

صدوق، يتشيع.

وثقه: ابن معين، وزاد: ليس به بأس، والعجلي، وابن نمير، ويعقوب بن سفيان، وأبو داوود، وذكره ابن حبان في «الثقات» .

وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال أبو زرعة: لا بأس به.

قال الذهبي: شيعيٌّ صَدوقٌ.

وقال ابن حجر: صَدوقٌ يَتشيَّع.

(1)

ــ حبيب بن أبي ثابت ــ واسمه: قيس، وقيل: هند ـ، بن دينار الأسدي مولاهم، أبو يحيى الكوفي.

قال الذهبي: ثقة.

قال ابن حجر: ثقة، فقيه، جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس.

(ت 119 هـ).

(2)

(1)

ينظر: «الثقات» للعجلي (2/ 97)، «الجرح والتعديل» (5/ 383)، «الثقات» لابن حبان (7/ 114)، «تهذيب الكمال» (18/ 144)، «الكاشف» (3/ 304)، «تهذيب التهذيب» (6/ 340)، «تقريب التهذيب» (ص 389).

(2)

ينظر: «الجرح والتعديل» (3/ 107)، «تهذيب الكمال» (5/ 385)، «الكاشف»

(2/ 233)، «إكمال تهذيب الكمال» (3/ 355)، «تهذيب التهذيب» (2/ 178)،

«تقريب التهذيب» (ص 188).

ص: 288

تخريج الحديث:

ــ أخرجه: ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ـ كما سبق ـ، ولم أجده عند غيره.

الحكم على الحديث:

الحديث ضعيف لإرساله.

غريب الحديث:

ــ (مثالاً): المثال: الفراش.

(1)

* * *

(1)

ينظر: «مقاييس اللغة» (5/ 297)، «النهاية» (4/ 295)، «تاج العروس»

(30/ 382).

ص: 289

الدراسة الموضوعية:

لا تخلو الحياة الزوجية في أي بيت من وجود خلافات، حتى في بيت النبوة أفضلِ البيوت، فيه أفضلُ البشرِ صلى الله عليه وسلم مع أفضلِ النساء أمهاتِ المؤمنين رضي الله عنهن، يقع منهن ما يقع للبشر من الغيرة والمخاصمة والزيادة في طلبات النفقة، وغيرها.

وقد نُقل شئ مما حَدَث؛ تشريعاً للأمَّةِ، وبياناً لأفضلِ الهَدْي، واتِّسَاءً بخير الناسِ لأهلِهِ صلى الله عليه وسلم.

(1)

وكان صلى الله عليه وسلم يتعامَلُ مع الخلافات الزوجية بأساليب متعددة، منها: التغافل، والنصح، والعتاب، والهجر الجميل، وغير ذلك.

(2)

أما المخاصمات الزوجية في بيوت الصحابة رضي الله عنهم فهي كغيرها من البيوت، يعمرها الستر، وتحوطها الديانة والتعقُّل؛ لذلك لايصل إلينا شئ منه؛ لعدم الحاجة إليه

وفي هذا المبحث عليٌّ مع فاطمة، أجزم يقيناً بقلة الخلافات، لأمور:

(1)

ينظر: «صحيح البخاري» رقم (1910)، و (2469)، و (2581)، و (5289)،

و (6684)، و «صحيح مسلم» و (1083)، و (1084)، و (1085)، و (1463)،

و (2815)، وغيرها.

(2)

ينظر: «الأساليب النبوية في معالجة المشكلات الزوجية» د. عبدالسميع الأنيس.

ص: 291

أنَّ مكث عليٍّ مع فاطمة قليلٌ نسبياً، فالمدة قريبة من ثمانِ سنوات فقط، لأن بناءَه بها بعد غزوة بدر (2 هـ) وقبل أحد (3 هـ)، ووفاتها سنة (11 هـ)، وهذه السنوات كلُّها ـ عدا ستة أشهر ـ كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي مَقربة منه، فكان بيتُها مجاوراً لبيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ينالُه بركةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في زياراتِه المتكررة لهما، إضافةً إلى محبة عليٍّ فاطمةَ، ورؤيتِه محبةَ وإجلالَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الشديدةَ لابنتِه رضي الله عنها.

يُضاف إلى ذلك عِلمُهما رضي الله عنهما بالحقُوق الزوجية، مع الوصاية النبوية بالإحسان والرفق بالمرأة:«استوصوا بالنساء خيراً»

(1)

، وقوله:«خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي» .

(2)

(1)

أخرجه: البخاري في «صحيحه» رقم (3331) و (5186)، ومسلم في «صحيحه» رقم (1468).

(2)

أخرجه: الترمذي في «جامعه» رقم (3895)، والدرامي رقم (2306)، وابن حبان في «صحيحه» (4177) من حديث عائشة رضي الله عنها، وانظر:«المسند المصنف المعلل»

(38/ 245).

وأخرجه: ابن ماجه في «سننه» (1977)، والطحاوي في «مشكل الآثار» رقم

(2523)، والحاكم في «المستدرك» رقم (7327) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وانظر:«المسند المصنف المعلل» (12/ 367).

وأخرجه: الترمذي في «جامعه» رقم (1162)، وأحمد في «مسنده» رقم (10106)، والبزار في «مسنده» رقم (7947)، والحاكم في «مستدركه» (5359) من حديث

أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 292

ماسبق وغيرُه، يدلنا على قلة الخصومات بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، وإذا وُجِدَتُ ـ وهو أمر طبَعَي ـ فإنها محاطَة بالسِّتر، والدِّيَانة، والعَقْل، والمروءة؛ فلا ضَرْب، ولا تشهير، ولا هجراً سيئاً، ولا إخراج المرأة من المنزل، ولا غيره ـ كما يقع لبعض أهل زماننا ممن جَهِل الحقوق الزوجية ـ.

فأنعم وأكرم ببيت تميَّز بخصال فريدة:

الزوجةُ سيدة نساء أهل الجنة، وهي أشبَهُ الناس هَدياً وسَمْتاً ودلَّاً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، معلمها ومربيها رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأخذَتْ من والدتها خديجة رضي الله عنها خيراً كثيراً.

والزوجُ من خيار هذه الأمة دِيناً وعقلاً، من العشرة المبشرين بالجنة، والأولين السابقين إلى الإسلام، ورابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنه.

فحياتهما رضي الله عنهما: «حياة سعيدة على الشظف والفاقة، سعيدة بالعطف في قلوب الكبار، وما كان حطام الدنيا عندها لَيساوي مثقال ذرة من هباء.

ولم تخل هذه الحياة ـ وما خلَتْ حياةُ آدَميٍّ قط ـ من ساعات خلاف، وساعات شكاية، فربما شكَتْ فاطمةُ، وربما شكا عليٌّ، وربما أخذَتْ فاطمةُ

ص: 293

على قرينها بعضَ الشدَّةِ ـ وما هي بشِدَّةٍ ـ، فما كان رَجُلٌ مثلَ عَليٍّ لَيُعَنِّفُ على بنتِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يعلَمُ مكانَها من قَلْبِ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، إنَّمَا اعْتِزَازُ فَاطِمَةَ بِنَفْسِهَا وَإبِاؤُهَا أَنْ تُهْمَلَ حَيْثُ كَانَتْ، وإنِّمَا الحَنَانُ الذِي تَعَوَّدَتْهُ مِنْ أَبِيْهَا، فَلا تَسْتَرِيْحُ إلَى مَا دُوْنَهُ، وَكُلُّ حَنَانٍ بَعْدَ حَنَانِ ذَلِكَ القَلْبِ الكَبِيْرِ، فَكَأَنَّهُ قَسْوَةٌ أَوْ قَرِيْبٌ مِنْ القَسْوَةِ عِنْدَ مَنْ يَتَفَقَّدُهُ، فَلا يَجِدُ نَظِيْرَهُ فِي قَلْبِ إِنْسَانٍ

»

(1)

«فلم تكن حياتهما مترفة سهلة، بل مليئة بالمتاعب والخشونة والتقشف، بخلاف بقية أخواتها، فإن رقية وأم كلثوم كانتا بعد عثمان واحدة بعد الأخرى، وهو من أثرياء الصحابة.

وزينب مع أبي العاص بن الربيع، وهو من أثرياء قريش في مكة.

أما علي فقد كان فقيراً، حتى أنه لم يجد صداقاً إلا درعه، وقد تحدث عن نفسه بأنه تزوج وليس عنده شئ.

(2)

وقد كان يُؤجر نفسَه عند أحد المسلمين، أو اليهود لينزع الماء، مقابل طعام يسير

ولم يكن له مكسبٌ من تجارة ولا زراعة، ولا وَرث من والده ـ لاختلاف الدِّين بينهما ـ، ولم يكن

ص: 294

والده معروفاً بالثراء، وكان له ذرية كثيرة

(1)

«إضافة إلى شدة زوجها فليس زوجاً هيناً ليِّناً، بل كانت فيه شدة أقرب إلى أن تكون صرامة، وخشونة توشك أن تشتبه بالغلظة، وحَزناً يكاد يكون صلابة

»

(2)

وعلي فارسٌ شجاعٌ، ومَن هذه صفته، تكون فيه شدة ـ غالباً ـ

(3)

، وسبق حديث أنَّ في عليٍّ علَى فاطمة شِدَّةً.

(4)

مما ذكر العلماء في سبب المغاضبة بين علي وفاطمة كما في الحديث رقم (1)

قال ابن حجر رحمه الله: (ويُروى من حديث ابن عباس أن سبب غضب علي كان لما آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ولم يُؤاخِ بينه وبين أحدٍ فذهب إلى المسجد فذكر القصة، وقال في آخرها: قم فأنت أخي.

أخرجه «الطبراني» ، وعند «ابن عساكر» نحوه من حديث جابر بن سمرة؛ وحديثُ الباب أصح، ويمتنع الجمع بينهما؛ لأن قصة المؤاخاة كانت أولَ ما قدِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة، وتزويج عليٍّ بفاطمة ودخولُه عليها

(1)

«فاطمة الزهراء» لعبدالستار الشيخ (ص 113) ـ باختصار وتصرف ـ.

(2)

«بنات النبي صلى الله عليه وسلم» د. عائشة بنت الشاطئ (ص 166).

(3)

انظر: «فاطمة الزهراء» لعبدالستار الشيخ (ص 149).

(4)

حديث ضعيف، سبق تخريجه برقم (54).

ص: 295

كان بعد ذلك بمدة، واللَّه اعلم).

(1)

وفي مسألة هجران علي فاطمة ذلك اليوم وعدم القيلولة عنده، ذكرابن حجر رحمه الله قول بعض العلماء ـ في حديث آخر ـ بأن هجران المرأة مع الإقامة معها في البيت آلم لنفسها، وأوجع لقلبها، ثم قال:(والحقُّ أنَّ ذلك يختلفُ باختلاف الأحوال، فربما كان الهجران في البيوت أشدَّ من الهجران في غيرها؛ وبالعكس، بل الغالب أنَّ الهجران في غير البيوت آلم للنفوس وخصوصاً النساء، لضعف نفوسهن).

(2)

ومن فوائد وأحكام الحديث الأول مما له تعلق بالمبحث:

قال ابن بطال رحمه الله: (وفى حديث سَهْلٍ من الفقه: الممازحة للغاضب بالتكنية بغير كنيته إذا كان ذلك لا يُغضِبه ولا يَكرهه؛ بل يُؤنِسُه من حَرَجِه.

وفيه: مداراة الصهر وتسلية أمره من عتابه.

وفيه: جواز التكنية بغير الولد).

(3)

وقال أيضاً: (وفيه: ممازحه الصهر وتكنيته بغير كنيته، وبشئ عرض له، كما كنى أبا هريرة بهِرَّةٍ، كذلك كنى عليه السلام علياً بالتراب الذى احتبس إليه.

(1)

«فتح الباري» لابن حجر (7/ 72).

(2)

«فتح الباري» لابن حجر (9/ 301).

(3)

«شرح صحيح البخارى» لابن بطال (2/ 93).

ص: 296

وفيه: جواز الممازحة لأهل الفضل، وكان النبى عليه السلام يمزح ولا يقول إلا حقاً.

وفيه: الرفق بالأصهار وإلطافهم، وترك معاتبتهم على مايكون منهم لأهلهم، لأن النبى عليه السلام لم يعاتب علياً على مغاضبته لأهله، بل قال له: قم. وعرض له بالانصراف إلى أهله).

(1)

وقال أيضاً: (وفي هذا الحديث: أنَّ أهل الفضل قد يقع بينهم وبين أزواجه ماجَبل اللَّهُ عليه البشر من الغضب والحرج، حتى يدعوهم ذلك إلى الخروج عن بيوتهم، وليس ذلك بعائب لهم.

وفيه: ما جبل اللَّهُ عليه رسولَه من كرم الأخلاق، وحُسن المعاشرة، وشدة التواضع، وذلك أنه طلب علياً وأتبعه حتى عَرفَ مكانَه ولَقِيَه بالدعابة، وقال له:«اجلس أبا تراب» ، ومسح التراب عن ظهره؛ لِيُبسِطَه ويُذهِبْ غَيظَه، وتَسكُنَ نفسُه بذلك، ولم يُعاتِبْهُ على مغاضَبَتِه لابنَتِه.

وفيه من الفقه: الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم

).

(2)

(1)

«شرح صحيح البخارى» لابن بطال (9/ 58)، وانظر:«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (29/ 135).

(2)

«شرح صحيح البخارى» لابن بطال (9/ 352).

ص: 297

علَّق ابن حجر رحمه الله على كلام ابن بطال في الخروج من البيت .. بقوله: (ويحتمل أن يكون سبب خروج علي خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة رضي الله عنهما؛ فحَسَمَ مادَةَ الكلام بذلك إلى أن تسكن فَورَة الغضب من كل منهما.

وفيه كرم خلق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه توجه نحو علي ليترضاه، ومسح التراب عن ظهره ليبسطه، وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده.

فيؤخذ منه: استحباب الرفق بالأصهار، وترك معاتبتهم؛ إبقاء لمودتهم، لأن العتاب إنما يخشى ممن يخشى منه الحقد لا ممن هو منزه عن ذلك).

(1)

وقال ابن حجر رحمه الله في موضع آخر: (قوله: «أين ابن عمك» فيه: إطلاق ابن العم على أقارب الأب، لأنه ابن عم أبيها، لا ابن عمها.

وفيه: إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك، لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم ما وقع بينهما، فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة القريبة التي بينهما

قوله: «فقال لإنسان» : يظهر لي أنه سهل ـ راوي الحديث ـ؛ لأنه لم يذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره.

(1)

«فتح الباري» لابن حجر (10/ 588).

ص: 298

وللمصنف في «الأدب» : (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «أين ابن عمك» ؟ قالت: في المسجد.

وليس بينه وبين الذي هنا مخالفة، لاحتمال أن يكون المراد من قوله:

«انظر أين هو» المكان المخصوص من المسجد.

وعند الطبراني: فأمر إنساناً معه فوجده مضطجعاً في فَيءِ الجدار

وفي حديث سهل هذا من الفوائد أيضاً: جواز القائلة في المسجد وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه.

وفيه: التكنية بغير الولد، وتكنية من له كنية، والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب، وسيأتي في الأدب أنه كان يفرح إذا دعي بذلك.

وفيه: مداراة الصهر، وتسكينه من غضبه، ودخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه).

(1)

وقال ابن حجر رحمه الله في موضع آخر: (تنبيه: أخرج ابن إسحاق، والحاكم من طريقه، من حديث عمار: أنه كان هو وعلي في غزوة العشيرة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فوجد علياً نائماً ـ وقد علاه تراب ـ فأيقظه، وقال له:«مالك أبا تراب» ، ثم قال: «ألا أُحدِّثك بأشقى الناس

الحديث».

(2)

(1)

«فتح الباري» لابن حجر (1/ 536).

(2)

انظر تخريجه في: «أنيس الساري في تخريج أحاديث فتح الباري» للبصارة (7/ 4709).

ص: 299

وغزوة العشيرة كانت في أثناء السنة الثانية، قبل وقعة بدر، وذلك قبل أنْ يتزوَّجَ عليُّ فاطمة؛ فإن كان محفوظاً أمكن الجمع بأن يكون ذلك تكرَّرَ منه صلى الله عليه وسلم في حقِّ علي، واللَّهُ أعلم.

وقد ذكرَ ابنُ إسحاق عقِب القصة المذكورة قال: حدثني بعض أهل العلم أنَّ عليَّاً كان إذا غضِبَ عَلى فاطمةَ فِي شيءٍ؛ لم يُكلِّمْها، بل كان يأخذُ تراباً فيضَعُهُ عَلى رأسِه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذَا رأى ذلك عَرفَ، فيقولُ:«مالك يا أبا تراب» ، فهذا سبب آخر يُقوِّي التعدد.

والمعتمد في ذلك كلِّه حديثَ سهْل في الباب، واللَّه أعلم).

(1)

وعبارة ابن إسحاق فيما نقلها ابن هشام: (قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعضُ أهل العلم: أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنما سَمَّى علياً أبا تراب، أنه كان إذا عتَب على فاطمة في شيءٍ لم يكلِّمها، ولم يقُلْ لها شيئاً تكرهُه، إلا أنه يأُخذُ تراباً فيضَعُهُ عَلى رأسه.

قال: فكان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا رأى عليه التراب؛ عَرَف أنه عاتِبٌ على فاطمة، فيقول:«ما لك يا أبا تراب» ؟ ، فاللَّه أعلم أي ذلك كان).

(2)

(1)

«فتح الباري» لابن حجر (10/ 588)، وانظر:(7/ 72).

(2)

«السيرة النبوية» لابن هشام ـ تحقيق: السقا ـ (1/ 600).

ص: 300

أقول: ما ذكره ابن إسحاق في جعل علي التراب على رأسه إذا غضب على فاطمة رضي الله عنهما لم أجده، ولم يذكر ابنُ إسحاق إسنادَه، فهو مرسل ضعيف.

وما جاء في الحديث الثاني حينما ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع محرِّشاً على فاطمة، يدل على ما في الحديث الثالث ـ وإن كان ضعيفاً ـ: أنَّ في عليٍّ شِدَّةً على فاطمة.

وعجبتُ أن يقع التحريش في أول اللقاء بين الزوجين بعد انقطاع أشهر، وكانت قد لبست ثياباً جميلة متهيئة له، والغالب في هذه الحالة زيادة الأنس بينهما، ثم لم يقبل كلامَها ـ وهي الصادقة ـ في الحِلِّ وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن لها

، وذهَبَ محرِّشاً عليها رضي الله عنهما، فهذا يدل على شدته رضي الله عنه.

نعم هو أنكر أمراً كان مستقراً ـ أول الأمر ـ وهو أن العمرة لاتكون في أشهر الحج، وظنَّ أنَّ فاطمةَ حلَّت من تلقاءِ نَفسِها، فأنكرَ عليها، ثم أخبَرَتْهُ بالإذن النبوي، وكأنَّه شَكَّ في ذلك، فذهَب متأكداً ومحرِّشاً.

قال ابن هبيرة رحمه الله: : (ولا أراه ذهبَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم شكَّاً في خَبرها، بل لم يرض أخْذَها بأمْرٍ عامٍ للناس، مع قدرتها من قُرْب

ص: 301

رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم على الاستثياب، وقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَتْ صَدَقَتْ» أي: أني أمرتُ بأمرٍ دخلَتْ فيه هي وغيرُها).

(1)

ولا يظهر لي ـ واللَّهُ أعلم ـ صحة توجيه ابن هبيرة، بل الأمرُ على ظاهره، ثم إنه لو كان ذهابه لهذا الغرض الحسن الذي أشار إليه؛ لذكره عليٌّ وهو يتحدث عن ذلك في العراق بعد زمن طويل، ويعتبر هذا من محاسنه لإرادته الخير والعزيمة لزوجِه رضي الله عنهما.

قال ابن عثيمين رحمه الله: (فذهابه للنبي صلى الله عليه وسلم لغرضين:

الغرض الأول: التحريش على فاطمة رضي الله عنها لماذا تحل؟

والثاني: الاستفتاء هل عملها صحيح أو غير صحيح؟ ).

(2)

* * *

ص: 302