الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بالبقيع وغيره، قال: وقد فرقوا ما أخذوه على المجاهدين وهُودي منه بعض الملوك ورُدَّ كثير منه إلى المسجد النبوي.
قلت: ليس صحيحاً أن أئمة الدعوة السلفية النجدية سرقوا شيئاً، وأما هدمُ القباب فهي من حسناتهم الكبرى جزاهم اللَّه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ـ وسيأتي بيان هذه المسألة ـ.
ثم قال إبراهيم رفعت باشا: يحسن بنا أن نورد لك في هذا المقام نبذة ذكرها الجبرتي المؤرخ الناقد عن الوهابيين في هذا الموضوع لما تضمنته من الفوائد القيمة، وحُكمِ تلك الكنوز المحبوسة، ولِتَتَبيَّنَ لكَ حقيقةُ الوهابيين الذين وصمَهُمْ العامة بما هُمْ منه براء، قال ـ أي الجبرتي ـ (إنه في عام 1221 هـ وصلت الأخبار إلى مصر من الديار الحجازية .... إلخ
انظر: «مرآة الحرمين أو الرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية» ــ ط. دار الكتب المصرية 1344 هـ 1925 م ــ (1/ 443 ـ 444، 452).
أقول: وكلام الجبرتي غاية في الروعة من إنكارهم الشرك والبدع والمحرمات في الحرمين وإقامة العدل بعد الجور ممن قبلهم
…
ومن ذلك هدم القباب
…
وسيأتي الكلام حول هذه المسألة.
وذكر الشيخ: تقي الدين الهلالي المغربي (ت 1407 هـ) رحمه الله في كتابه: «الدعوة إلى الله في اقطار مختلفة» (ص 129) أن في صحن المسجد النبوي
«بستان فاطمة»
فيه بئر، ونخلة، وشجيرات، يُتبرَّك بها، ويعتقد الجهال اتصال زمزم بهذه البئر من تحت الأرض! وقد كتب العلماء للملك: عبدالعزيز آل سعود في إزالته، فأمر بذلك ـ والحمد لله ـ.
ونحمد اللَّه تعالى حمداً كثيراً على تطهير الحرمين الشريفين من هذه الخرافات وغيرها في ظل حكومتنا السُّنِّيَّة السَّنِيَّة: «المملكة العربية السعودية» ـ حرسها اللَّه، وأبقاها عزاً ونصراً للإسلام والمسلمين ـ.
الخلاصة
أنه لا إشكال أنَّ فاطمة رضي الله عنها دُفنت في المقبرة في بقيع الغرقد
(1)
، هذا هو المعتمد عند علماء أهل السنة والجماعة إلا مَن شَذَّ، وعليه المؤرِّخون، وأما قول مَن قال: إنها دُفنت في بيتها، أو أمام مصلَّى الإمام بالروضة الشريفة، فهو قولٌ باطِلٌ مُنْكَرٌ.
(2)
(1)
انظر في التعريف بِـ «بقيع الغرقد» وبيان فضله، و
…
كتاب «معجم المعالم الأثرية في المدينة المنورة في ضوء المصادر الأصلية والمراجع الحديثة» أ. د. سعود بن عيد الصاعدي
…
(ص 113). وانظر: «المغانم المستطابة في معالم طابة» للفيروزابادي (2/ 833).
(2)
انظر: «فتح القدير» لابن الهمام الحنفي (ت 861 هـ)(3/ 182)، و «وفاء الوفاء» للسمهودي (3/ 906 ـ 908)، وردَّ هذا القول.
وذكر السمهودي، والسخاوي في «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» (1/ 85) أن العزَّ ابنَ جماعة قال: إنه أظهر الأقوال ـ أي قبرها في بيتها ـ وسبق نقل كلامه من «هداية السالك» .
أقول: بل هو أضعف الأقوال، وهو مخالف لقول عامة أهل العلم، ولم يُعلم في القرون المفضلة أنَّ أحداً قُبر في بيته، كيف تقبر في بيتها، وبجوارها مقبرة البقيع، التي دفن فيها بناتُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وزوجاتُه، وكثيرٌ من الصحابة؟ !
هذا، وقد ذكر ناصر خسرو (ت 481 هـ) في رحلته المسماة «سفر نامه» (ص 111) أن الشيعة يقولون بأن قبر فاطمة في الروضة الشريفة. =
وأيضاً لا يصح أنَّ قبرَها أُخفِي عن الصحابة ـ كما تدَّعِيه الرافضة
(1)
ـ،
= وفي «لسان الميزان» (2/ 375) في ترجمة الشيعي: تاج بن محمد بن الحسين الحسني، أنه ادَّعى أن قبر فاطمة بين المنبر والحجرة، ونقله عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس أنه شهد دفنها.
قال ابن حجر: وهذا كذب على الزهري، ومَنْ فَوقه.
وذكر ابن بطوطة (ت 779 هـ) في «رحلته» ـ ط. الأكاديمية المغربية ـ (1/ 351): (وفي الجوفى من الروضة المقدسة زادها اللَّهُ طيباً حوض صغير مرخَّم في قبلته شكل محراب، يقال: إنه كان بيت فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسليماً.
ويقال أيضا: هو قبرها، واللَّه أعلم).
فائدة: ذكر الشيخ: أمين بن محمود الخطاب السبكي (ت 1387 هـ) رحمه الله وهو ابن الشيخ: محمود السبكي (ت 1352 هـ) صاحب كتاب: «الدين الخالص» ـ ط. في (8) أجزاء، والتاسع هو «الإرشاد» لابنه ــ ذكرَ الشيخُ أمين في «إرشاد الناسك لأعمال المناسك» (ص 337) من الأخطاء والبدع ما يفعله بعض الحجاج في زمانه، حيث يرجعون بعد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه إلى القبر الشريف للسلام على فاطمة! !
قلتُ: مما يدل على اعتقادهم أنها دُفنت في الروضة! ! وفي (ص 340) لم يذكر الشيخ أمين من قبور البقيع قبرَ فاطمة! ! إمَّا سقط سهواً من الطباعة أو أن المؤلف يرى أنها قبرت في بيتها ـ واللَّه أعلم ـ.
(1)
تدعي الرافضة ــ كذباً وزوراً مبيناً ــ أن علياً أخفى قبر فاطمة رضي الله عنهما ــ على قول من قال بأنه دفنها في البقيع، والقول الثاني لهم: دفنها في بيتها ــ، قالوا: وقد عَمِلَ عليٌّ بعد =
فهذه الآثار المسندة السابقة في تعين قبرها ـ على ضعف هذه الأسانيد وانقطاعها ــ تثبت أنها في مقبرة البقيع، قريباً من زاوية دار عُقيل، ومُوَاجِهَ دار نُبيه.
وهذه الدور والمواضع كلُّها قد زالت، ودخلت في التوسعة ـ واللَّه أعلم ـ.
ولا يَعلمُ أحدٌ الآن على وجه التحديد قبراً معيناً من القبور التي ذُكرت في النصوص السابقة ـ كما سيأتي بيانه ـ.
ومَن دخلَ البقيعَ الآن، وسلَّم على الجميع بما في ذلك الصحابة
= دفنها أربعين قبراً، وقيل: سبعة، ليخفي قبر فاطمة عن الصحابة! ! وقد حصل شجار بين الصحابة لنبش قبرها والصلاة عليها! !
انظر في كتبهم: «دلائل الإمامة» (ص 46)، «روضة الواعظين» (ص 131)، «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد (6/ 286) ، (16/ 281)، «بحار الأنوار»
…
(43/ 186)، «فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد» للرافضي: محمد كاظم القزويني
…
(ص 523)، «الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء» للرافضي: إسماعيل الزنجاني الخوئيني (15/ 301 و 309 و 312)، مقدمة تحقيق محمد جواد الجلالي لِـ «مسند فاطمة الزهراء للرافضي: حسن التويسركاني» (ص 25).
وانظر: «المرأة عند الشيعة الإمامية ـ عرض ونقد ـ» للأستاذ: حسن عوض (ص 328)، «بين الزهراء والصديق» للشيخ: بدر العمراني (ص 78 ـ 82).
ــ ومنهم آل البيت ــ، والتابعين؛ كفاه ذلك ـ والحمدُ اللَّه ـ.
هذا، وإنَّ من فوائد جمع ما قيل في هذه المسألة: بيانَ عناية أهل السنة والجماعة من المؤرِّخين وغَيرِهم بذكر تفاصيلَ حياةِ آلِ البيت، والصحابةِ رضي الله عنهم.
حزن علي بن أبي طالب على وفاة فاطمة رضي الله عنهما:
يُروى أنه وقف على قبر فاطمة رضي الله عنها وتمثَّل هذه الأبيات:
أرى عِلَلَ الدُّنيا عَلَىَّ كثيرةً
…
وصاحِبُها حتَّى المماتِ عَليلُ
لِكُلِّ اجتِمَاعٍ مِن خَليلينِ فُرْقَةٌ
…
وإنَّ الذي دُونَ الممَاتِ قَليلُ
وإنَّ افتِقَادِي فَاطِمَاً بعَد أحمدٍ
…
دَليلٌ على ألا يَدُومَ خَلِيلُ
(1)
(1)
سبق بيانها ضمن الحديث رقم (24).
وذكرَتْ بعض المصادر الرافضية حُزن الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها من كتب الشيعة، انظر:«السقيفة» لسليم بن قيس الكوفي الرافضي (ص 255)، أفاده الشيخ: إحسان إلهي ظهير رحمه الله في كتابه: «الشيعة وأهل البيت» (ص 77).
وانظر أيضاً: «الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء» للرافضي: إسماعيل الزنجاني الخوئيني (16/ 280).
هل يُعلَم ــ الآن ــ قبر فاطمة رضي الله عنها في البقيع على وجه التحديد؟
قال المجد الفيروز ابادي (ت 817 هـ) رحمه الله عن مقبرة البقيع:
…
(
…
لا شك أن هذه المقبرة المقدسة محشوةً مملوءةً بالجمَّاء الغفير من سادات الأمة من المهاجرين والأنصار، غير أن اجتناب السلف الصالح من المبالغة في تعظيم القبور وتجصيصها؛ أفضى إلى انطماس آثار أكثرهم، فلأجل ذلك
…
لا يُعرف قبرٌ مُعَيَّنٌ منهم، إلا أفراداً معدودة نشير إلى شئ منها).
علَّق السمهودي بقوله: وقد ابتنى عليها مشاهد:
…
ثم ذكرها).
(1)
قلت: والأفراد المعدودون عُرفوا في القرون المتأخرة في عهد العُبيديين، ومَن ذكرهم مِن أهل السنة المحققين إنما ذكرهم على سبيل التقريب والظن، وعليه فليست المعرفة في زمن الفيروزابادي وقبله وبعده على سبيل اليقين والجزم، لتوالي الدفن في البقيع في القرون الأولى، وانطماس معالمها في وقت مبكر ـ كما سيأتي بيانه ـ.
قال السمهودي (ت 911 هـ) رحمه الله: (وإنما أوجب عدم العلم بعَين قبر فاطمة رضي الله عنها، وغيرِها من السلف، ما كانوا عليه مِن عَدَمِ البناء على القبور وتجصيصِها، مع ما عَرَضَ لأهلِ البيتِ رضي الله عنهم من معاداة الولاة
(1)
«المغانم المطابة» للفيروز أبادي ـ ط. المدينة ـ (2/ 617)، «وفاء الوفاء» (3/ 916).
قديماً وحديثاً .. إلخ).
(1)
وقد حاول بعضُ المتأخرين، منهم: أحمد بن ياسين الخياري الحسني المدني (ت 1380 هـ)
(2)
، ومحمد إلياس عبدالغني
(3)
، وغيرُهما، حاولوا تحديد مَوضع قبور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته، ومن ذلك قبر فاطمة رضي الله عنها، لكنه من باب التقريب والظن
(4)
، لأنَّ ابنَ عساكر، وابنَ النجَّار ــ وهما في القرن السابع الهجري ــ لم يستطيعا تحديدَ قبرِ فاطمة، وكثيرٍ من الصحابة، واستثنوا ما ذُكر، فكيف بمَن يأتي في القرن الخامس عشر؟ !
(1)
«وفاء الوفاء» (3/ 906). وانظر: «من نفحات الحرم» للطنطاوي (ص 204).
…
وفي مسألة المعاداة قارن بِـ «النصب والنواصب» د. بدر العواد (ص 236، 290، 302).
(2)
في كتابه: «تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً» (ص 352 ـ 353).
(3)
في كتابه «بيوت الصحابة حول المسجد النبوي» (ص 170، 171).
(4)
وأغربُهم أ. د. عبدالعزيز بن عبدالفتاح القارئ في كتابه «طيبة المدينة النبوية المنورة»
…
(ص 203 ـ 209) فحدد قبور أمهات المؤمنين، وقبور بنات النبي: رقية وأم كلثوم وزينب وفاطمة، وقبور كثير من الصحابة، ورسم لذلك مخططاً. ولم يصب في ذلك كلِّه، ولم يَبنِ على أثَر من عِلم، وتعيين هذا العدد من المحال، وأغرب من ذلك أنه (ص 18) صوَّر باب فاطمة شرق الحجرة النبوية! وهو من الكذب. فالعتب عليه أنه على رتبة أكاديمية ويقرر دون بحث وتحرير.
قال ابن النجَّار (ت 643 هـ) رحمه الله: (إنَّ قبور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أربعةُ قُبورٍ ظَاهِرَةٍ، ولا يُعلَمُ تحقيق مَن فيها مِنهُنَّ).
(1)
قال التقي الفاسي المكي (ت 832 هـ) رحمه الله عن مقبرة المعلاة بمكة: (ولا يُعرَفُ فيها تحقيقاً قبرُ أحَدٍ من الصحابة، وليسَ في القبرِ الذي يُقال له قبرُ خديجة بنت خويلد، أثَرٌ يُعتَمَدُ، واللَّه أعلم).
وقال ـ أيضاً ـ عن قبر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها في «سَرِف» وقال: (ولا أعلم بمكة، ولا فيما قرُبَ منها قبورُ أحدٍ ممن صَحِبَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سِوَى هذا القبر؛ لأنَّ الخلَفَ يأثر ذلك عن السلف
…
).
(2)
وقال محمد جار اللَّه ابن ظهيرة القرشي المخزومي
…
(ت 960 هـ) رحمه الله عن مقبرة المعلاة في مكة: (حَوَتْ من سادات الصحابةِ والتابعين، وكبارِ العلماء والصالحين، وإنْ لم يُعرَف قبرُ أحدٍ من الصحابة تحقيقاً الآن).
(3)
(1)
«الدرة الثمينة» (ص 457).
(2)
«شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» ـ ط. دار الكتب العلمية ـ (1/ 376 و 378).
(3)
«الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف» (ص 215).
قال الملا علي قاري الهروي (ت 1014 هـ) رحمه الله: (سائرُ قبورِ الصحابةِ في مقبرة مكة، ليس لها محلٌّ مُعيَّنٌ على وجهِ الصحة، حتى تربة خديجة رضي الله عنها أيضاً، وإنما بُنِيَ عليها اعتمادَاً على رؤيا بعض الأولياء، واللَّه أعلم).
(1)
(1)
«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (9/ 3872).
وللشيخ المؤرِّخ الجغرافي اللغوي النسَّابة: حمد بن محمد الجاسر (ت 1421 هـ) رحمه الله محاضرةٌ نفيسةٌ جداً ألقاها في «مكة» في «جامعة أم القرى» ، مغرب الأربعاء (13/ جمادى الآخرة/ 1402 هـ) بعنوان:«الآثار الإسلامية في مكة المشرفة» ، ثم نشرَ هذه المحاضرة في مجلَّتِه «مجلة العرب» (ج 3 و 4 س 17 رمضان وشوال 1402 هـ)
…
(ص 161).
بيَّنَ فيها خطأ تحديد كثير من المواضع المنسوبة، كمَولِدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعليٍّ، وفاطمةَ، وخُرافةَ القبور الثلاثة في مكة: عبدالمطلب، وأبي طالب، وخديجة.
وذكر (ص 163): (أنَّ سلفنا الصالح ـ في القرون الثلاثة المفضلة الأولى ـ ما كانوا يهتمون بالمحافظة على آثارهم، ولا يعتنون بتحديد مواقعها أو أزمانها، بل كانوا في كثير من الأحيان عندما يخشون المبالغة في تعظيمها يسعون لإزالتها، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى الناس ينتابون بالزيارة شجرة الرضوان التي بايع المسلمون المصطفى عليه الصلاة والسلام تحتها، وأنزل اللَّهُ في تلك البيعة قوله عز وجل:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} سورة الفتح: 8، فأمر الفاروقُ رضي الله عنه بقطعها. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد أوفى المحققون من العلماء هذا الأمر إيضاحاً وتحقيقاً.
وذكر الجاسر ـ أيضاً ـ (ص 165) في حديث عن مكان مَولد النبي صلى الله عليه وسلم:
…
(أنه ليس هناك في الجاهلية مَن يعتني بحفظ الأمكنة، سيِّما مع عدم تعلُّق غرضٍ لهم بذلك، وبعدَ مجئ الإسلام؛ فقد عُلِمَ من حال الصحابة وتابعيهم ضعف اعتنائهم بالتقييد بالأماكن التي لم يتعلَّق بها عَملٌ شَرعيٌّ، لِصَرف اعتنائهم رضي الله عنهم لما هو أهمُّ من حفظ الشريعة، والذبِّ عنها بالسنان واللسان، وكان ذلك هو السبب في خفاءِ كثيرٍ من الآثار الواقعة في الإسلام من: مساجدِه عليه السلام، ومواضعِ غزواتِه، ومَدفنِ كثيرٍ من أصحابه، مع وقوع ذلك في المشاهد الجليلة، فما بالكَ بما وقع في الجاهلية، لا سيما ما لايكاد يحضرُه أحدٌ إلا مَن وقعَ له، كمَولِد علي، ومَولِدِ عُمَر، ومَولِدِ فاطمة ـ رضي اللَّه عن جميعهم ـ .... ).
ونقل الجاسرُ (ص 169) قولَ الفاسي، وابنَ ظهيرة السابقَين، ثم قال: (وفي عصرنا ـ بل قبلَه بنحو ستة قرون ـ عُرِف قبرُ أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها معرفةً قائمةً على أساسٍ من الجهل، إنْ صحَّ أنَّ للجهل أساساً، فشُيِّدَتْ قُبَّةٌ عَظِيمةٌ تحمل ذلك الاسم الطاهر، ثم أُقِيمَ بجِوَارِ تلك القبَّةِ في أول القرن الحادي عشر قُبَّتان تحمِل إحداهما اسمَ
…
«عبدالمطلب» ، وتُعرف الأخرى باسم قبة «أبي طالب»
…
ثم بين العلامة الجاسر رحمه الله بطلان ذلك كلِّهِ، وأنَّ قبرَ خديجة كان مجهولاً لدى مُؤرِّخِي مكة حتى القرن الثامن الهجري ـ أي طيلة سبعة قرون بل تزيد ـ، ثم أصبحَ معروفاً محدَّدَ المكان في القرون الخمسة الماضية حتى يومنا هذا، بعد أن رأى أحدُ العارفين
…
ـ في المنام ـ كأن نوراً ينبعث من شعبة النور، في مقبرة المعلاة، ولما عَلِمَ أمير مكة في ذلك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= العهد بخبر تلك الرؤيا أمرَ ببناء قُبَّةٍ فوق المكان الذي رأى العارف أن النور ينبعث منه، جازماً ذلك الأمير أن ذلك المكان ما هو سوى قبر خديجة رضي الله عنها! !
ويُورِدُ المرجاني في كتاب «بهجة النفوس والأسرار» الخبرَ باختصار ويُعقِّبُ عليه: «ولا كان ينبغي تعيينه على الأمر المجهول» .
ويدور الزمان فيُصبِحُ المكانُ وما حولَه مقبرةً للعُظماء من أهل مكة، فيُقبَر فيه في القرن الحادي عشر في سنة (1010 هـ): عبدالمطلب بن حسن بن أبي نُمَيِّ، ثم في سنة
…
(1012 هـ) يموت أحدُ أمراء مكة ـ ممن عُرِف بالظلم والجبروت ـ وهو أبو طالب بن حسن بن أبي نُمَيِّ، وتُبنَى فوقه قبة تُعرف بقبة أبي طالب، بجوار قبة خديجة الخرافية، وقبة عبدالمطلب! !
فتَنشأُ خُرَافَةُ قُبَّةِ عبدِالمطلب جدِّ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ـ الذي مات في زمن الفترة ـ، وقُبةِ أبي طالب بن عبدالمطلب عَمِّ الرسول عليه الصلاة والسلام ـ الذي مات مشركاً بنص القرآن الكريم ـ.
ويُدَوِّنُ التاريخُ تلكَ الخرافات الثلاث، باعتبارها حقائقَ تاريخية، وتتناقلها الأجيالُ إلى يومنا هذا، بل تزدادُ رسوخاً وقُوةً حين تصدَّى عالمٌ جليل ــ محمد حسين هيكل باشا رحمه الله ــ من علماء العصر بكتابةِ سِفْرٍ نَفِيسٍ دعَاهُ «منزل الوحي» ــ (ص 204 ـ 205) ـ، إذْ تطغَى عاطفة التديُّن على ذلك العالِم حين يشاهد مقبرة مكة «المعلاة» فتنتابه الذكريات عمَّن ضمَّتْ مِن أجسَادِ عظماءِ الأمة خلال الثلاثة عشر قرناً، وما فوقها من السنين، وتنطلي عليه خرافةُ قبرِ عبدِالمطلب جدِّ النبي عليه الصلاة والسلام، وقبرِ أبي طالب عمِّه، وقَبرِ خديجة زوجِه، فيتقبَّل القولَ على عِلَّاتِه، ويُريح نفسَه من عَناءِ البحث والتحقيق، فيَجرِي يَراعُه السيَّال بكتابةِ الصفحاتِ التي يُعدِّدُ فيها أمجادَ السادة الذين ضمَّ =